«كوكلا».. عودة إلى العصر الذهبي للتلفزيون

عرضت لأول مرة في بداية الخمسينات حينما لم تكن هناك قنوات أو شبكات مخصصة للأطفال

كوكلا وفران وأولي وعودة للماضي الجميل (واشنطن بوست)
TT

ربما تشكل الطفولة السعيدة مصدر خطورة، فربما أودت بالمرء إلى عقد مقارنات مفزعة للغاية ما إن يصل إلى مرحلة النضوج الكامل. وربما أثارت مشاعر الشوق للعودة إلى فترة من العمر أقل تعقيدا، المرحلة التي إن كنت تحظى فيها بأب أو أبوين جيدين، لربما شعرت بالأمن والحب الذي تشعر بأنك لن تعود إليه مرة أخرى.

كانت طفولتي سعيدة إلى حد كبير، حيث أعتقد أن علي أن أشكر بسببها أختي، التي كانت تطريني بالضحكات والاهتمام عندما كنت أكتب لها القصص، سواء أرغبت فيها أم لا. وقد حاولنا خلال فترة الطفولة هذه الترفيه عن أنفسنا دون كلل من خلال الإطاحة بألعابها - كلب وقطة وقرد - إما من فوق سطح المنزل وإما عن طريق أنبوب تصريف المياه الموجود في الدور الثاني، حيث توجد غرف نومنا إلى القبو، حيث كانت والدتي تقوم بأعمال الغسيل.

في هذه المرحلة من الطفولة كانت أسرتي تمتلك تلفزيونا الذي «كان رائعا وجديدا في تلك الفترة»، أشبه بأيقونة، كما قال بوب هوب في فيلم وثائقي عام 1959. في ذلك العام، عام 1959، كان قد مضى على عمر التلفزيون أكثر من عقد، وكان التلفزيون قد بدا أنه فقد كل براءته. لكنه في الأيام الأولى خاصة، على القنوات المحلية، كانت العروض التلفزيونية تقدم لنا، نحن الجيل الأول من أطفال الأنابيب، الذين كان الترفيه بالنسبة إليهم مكافئا للغذاء المريح.

في السوق الإعلامية بشيكاغو، حيث نشأت كان العم جوني كونز ملك فترة منتصف اليوم ببرنامجه «لانش تايم ليتل ثيتر» الذي كان خليطا من المسرحيات الهزلية القصيرة والرسوم المتحركة، على الرغم من وجود منافسة كبيرة على قناة أخرى لمقدم البرامج ديك بيكر، الشخص السمين المرح (لم تكن السمنة جريمة بعد في تلك الأيام)، ببرنامجه «تو تون»، حيث كان يجلس على البيانو يغني إلى جانبه مجموعة من العرائس.

وكما ذكر تشارلز ديكنز في قصته «قلب القلوب»، عن الطفل المحبب ديفيد كوبرفيلد، كان لي مجموعة من الأصدقاء المقربين الذين اكتسبتهم عبر التلفزيون والذين كانوا «كوكلا وفران وأولي»، فقد كانوا بالنسبة إلي صحبة جيدة على عكس الأصدقاء في الحياة، وكنت نادرا ما أسمع كلمة مثيرة للإحباط منهم، فقد كانوا مانعا لي من الإحباط.

الحديث عن البساطة ذاتها.. في تلك المساحة البسيطة من المسرح التي بدت فيها «كوكلا»، تلك الدمية ذات الأنف الأشبه بكرة البينغ بونغ والحاجبين المرفوعين في دهشة، أما «أولي» فكان تنينا مصنوعا من قماش بسن واحدة تتدلى من نهاية فمه الطويل، أما «فران أليسون» فلم تكن دمية بل كانت مغنية جميلة، وبطلة المسلسل الإذاعي الذي كان يبث من شيكاغو «دون ماكنيلز بريكفاست كلاب»، التي كانت تقف أمام تلك العصابة لتتحدث معهم لمدة 30 دقيقة (خفضت فيما بعد إلى 15 دقيقة) طوال أيام الأسبوع.

لم يكن نجوم البرنامج يقتصرون على شخصيتين فقط، بل كانت هناك شخصيات أخرى مثل بولا ويتش (التي سميت على اسم المنتج بولا زكريا)، والسيدة أوغليبوس المستبدة التي كانت تجسد الشر، وكذلك الأرنب فلتشر، وكذلك الكثير من الشخصيات الأخرى، التي كانت جميعها من وحي فكر صانع العرائس بور تيلستورم، ذلك العبقري الوسيم الذي كان يظهر لفترة وجيزة في نهاية كل عرض.

ربما بدت الأسماء التي ذكرتها مألوفة للقارئ، حتى وإن لم تكن قد شاهدت تلك العروض، فربما يكون ذلك لأنك كنت تقرأ عنها في هذا العمود في بداية العام الحالي. كانت المناسبة حينها إطلاق أسطوانة تحمل حلقات «كيه إف أو» التي قدمت خلال السنوات الأخيرة من البرنامج لا تلك التي قدمت في بدايات الخمسينات. كانت الحلقات ملونة ولم تكن مذاعة على الهواء بل كانت مسجلة. والآن وبعد عقود من بقائها في المتاحف فقط، أعيد نشر بعض الحلقات الكلاسيكية من هذه السلسلة، فنشر 20 حلقة للفترة من 1949 إلى عام 1954، التي كانت بالنسبة إلي، كعاشق قديم يجد متعة في مشاهدتها، رائعة.

يقول مارمك ميلانو، الذي أنتج وساهم في عملية إعادة ترميم الأسطوانة والحلقات الأبيض والأسود، إن تيليستورم، الذي توفي عام 1985، هو الذي اختار هذه الحلقات كأفضل الحلقات بالنسبة إليه. ويمكن مشاهدة الكثير من هذه الحلقات على موقع www.kukla.tv الذي يبيع هذه الحلقات باسم مؤسسة «بور تيليستورم تراست» (وتبث الكثير من العروض الأخرى غير المصرح بها على الكثير من مواقع الإنترنت).

أثناء بث هذه العروض في بداية الخمسينات لم تكن هناك أي قنوات أو شبكات مخصصة للأطفال كما هو الحال في هذه الأيام، لم تكن هناك قنوات «نيكولوديان» أو «ديزني» التي تعرض أفلاما ذات تقنية عالية وتكلفة كبيرة. بيد أنه في أوقات معينة كان الأطفال هم المسؤولون عن جهاز التلفزيون فقد كانت برامج هذه الفترة موجهة لهم. وعلى الرغم من كونه برنامجا للأطفال فإن «كوكلا وفران وأولي» اجتذبت الكثير من المشاهدين الكبار أيضا الذين كان من بينهم شخصيات شهيرة مثل جيمس ثيربر وأورسون ويلز وجون ستينبك وتالولاه بانكهيد وأدلاي ستيفنسون وستيفن سوندهيم الذي قدم أغنية للمسلسل، لكن المنتج المنفذ رفضها.

وبحسب سوندهيم، فقد أدى تيليستورم الأغنية - «ذا تو أوف يو» - فيما بعد بوقت طويل حيث استخدمها في مسلسله الذي أنتجه عام 1978 مع «كوكلا» التي كانت على ذراعه. وقال سوندهيم في مذكراته التي نشرت قبل فترة، تلك كانت المرة الأولى التي تظهر فيها «كوكلا» كدمية لا كمخلوق حقيقي كما كنا نعتقد نحن.

سحر وذكاء عروض «كوكلا» كانت مثار إشادة من النقاد الأوائل للدراما التلفزيونية، الذين كان من بينهم جاك غولد من صحيفة «نيويورك تايمز»، الذي كتب عن العرض عام 1948: «ما من شك في أن هذا العرض أكثر جاذبية وحميمية من العروض التي تقدم اليوم على شاشة التلفزيون». وقد كانت عروض «كوكلا» و«أولي» سابقة للبث التلفزيوني، حيث عرضت قبل ذلك في معرض العالم عام 1939.

كان من بين أبرز المواقف الكوميدية التي حملتها الأسطوانتان تلك الزيارة الهزلية لحارس حديقة شيكاغو الشاب، آنذاك، مارلين بيركنز، الذي حل ضيفا فيما بعد في برنامج «ميوتيوال أوف أوماهاز وايلد كنغدوم»، حيث جلب معه ظربانا أميركا إلى البرنامج، حيث قام الظربان بإطلاق الروائح الكريهة التي اضطر معه «كوكلا» إلى تغطية أنفه بالمناديل الورقية. وكما هو الحال دائما يمكنك أن تسمع مشغلي الكاميرا والمساعدين على المسرح والموسيقيين يضجون بالضحك.

كانت تلك العروض أشبه ببرنامج واقعي، ففي كل يوم تشاهد هذا الطاقم من الممثلين الذين يؤدون دون نص مكتوب. وعندما يغنون جميعا لا يكون هناك سوى صوتين فقط - أليسون وأحد العرائس - ولكن حتى اليوم لا يزال الأمر يبدو وكأن تيليستورم صنع شخصيتين لنفسه، في الوقت ذاته. ولكن يبدو أن «كوكلا» و«أولي» كانا يتداخلان عند النقاش وعند وضع أدوات التجميل.

ويتوق العشاق إلى التعبير عن سعادتهم وفرحتهم التي يتضمنها قضاء الوقت مع شخصيات «كوكلا»، ولا سيما في أعوام التشكيل التي حظيت بدراسة متأنية، لكننا نعلم أن تلك محاولة عديمة الجدوى إلى حد ما، إذ لا بد من معايشة هذه الحلقات في سياقها الزمني. لم يكن «كوكلا» أو «فران» أو «أولي» أو «تيليستورم» أطباء، لكنهم كانوا مشتركين في قسم أبو قراط الخاص بالعناية بمشاهديهم، وكانت أبسط قواعدهم «القاعدة الأولى: عدم الإيذاء»، فقد كانت هذه الشخصيات غير قادرة على إيذاء بعضها البعض أو إيذائنا نحن المشاهدين في المنزل الذين نضحك ونشعر أننا في عالم آخر، ونتساءل عما إذا كان من الممكن أن تصبح الحياة أفضل من ذلك، لكن البعض منا يعلم أن ذلك لن يحدث.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»