الإعلامي أحمد خضر: «حلم الجنوبي» تجربة فريدة توثق حياة جنوب السودان الثقافية والاجتماعية

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه سيقدم فيلما وثائقيا يتناول قصة ضابط جنوبي حارب مع جيش الشمال ضد أهله

الإعلامي الشاب أحمد خضر («الشرق الأوسط»)
TT

طور الصحافيون والإعلاميون العرب خلال السنوات القليلة الماضية على نحو لافت أدوات التحقيق الصحافي عبر تجربة الأفلام الوثائقية، لتضافر العناصر البصرية مع طاقات السرد والاستقصاء لتجدد دماء القصة الصحافية المصورة. ومن بين أبرز وجوه هذا التوجه الإعلامي الشاب أحمد خضر، الذي قدم عددا من الوثائقيات الشهيرة خلال السنوات العشر الماضية، أبرزها أفلام «أيام الدم» و«حروب الشاشة» و«عشاق بهية»، أما آخر أعماله فهو فيلم «حلم الجنوبي»، الذي يعرض قريبا على الشاشات العربية، والذي ينقل فيه تجربة جديدة من جنوب السودان، محاولا تسليط الضوء على عالم جديد لا يعرف عنه العرب إلا القليل، ساعيا إلى إظهار ما يحلم به الجنوبيون قبل موعد الاستفتاء على انفصال جنوب السودان.

وقال خضر في حواره مع «الشرق الأوسط» إنه يعتقد بعد ما لمسه خلال رحلته في جنوب السودان أن الجنوبيين أقرب للانفصال، معتبرا أن السبب في ذلك هو الغياب الكامل للخدمات الأساسية، وهو الأمر الذي انعكس على طريقة إنتاج العمل ومن خلال شكله النهائي.

تحدث خضر عن محاولات العرب فرض ثقافتهم على مجتمعات لم يبذلوا الجهد الكافي لفهم ثقافتها بحسب اعتقاده، لافتا إلى أن أي شكل من أشكال الحوار ينطلق من تجاهل صوت الآخر لن يفضي إلا إلى الفشل، معتبرا أن تجربته تشكل محاولة لالتقاط هذا الصوت وتحريره. وإلى نص الحوار:

* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن نفسك؟

- عمري 32 عاما، درست الإعلام بجامعة عين شمس المصرية، ثم اتجهت إلى مجال إعداد وإخراج الأفلام الوثائقية منذ عام 2000، حاليا أقيم في دبي حيث أعمل في شركة «أو ثري» (O3) للإنتاج الدرامي والوثائقي، لصالح مجموعة «mbc» وقناة «العربية» الإخبارية. وخلال السنوات الماضية قدمت عددا من الأفلام الوثائقية مثل «عشاق بهية» الذي يتناول سيرة الشيخ إمام ورفيقه الشاعر أحمد فؤاد نجم في تجربة الغناء السياسي، و«حروب الشاشة» الحائز على الجائزة الذهبية في مهرجان الخليج في البحرين عام 2004، و«أيام الدم» الذي يتناول مرحلة الإرهاب التي عاشتها المملكة العربية السعودية خلال الفترة الممتدة بين 2003 و2004، و«أيام السيد عربي» عن شخصية المصري البسيط، وأفلام أخرى مثل «خلف جدران الصمت» و«قمم العرب» و«رياح الإصلاح».

* أحدث أفلامك يتحدث عن جنوب السودان، كيف جاءت فكرته؟

- في عام 2007 سافرت إلى مدينة جوبا، لأكتشف عالما جديدا لا نعرف عنه كعرب أي شيء رغم انتمائه إلينا، وإذا حمل أحدنا معلومة عنه فهي أن هناك حربا دارت بها، وما رأيته أن هذا المكان نحن لا نعرف عن ثقافته أو عاداته أو طبيعته أي شيء، فثقافتهم أفريقية بحتة، وعاداتهم وقوانينهم لا علاقة لها بشمال السودان أو العرب، وهنا كان تفكيري في تقديم فيلم وثائقي يسلط الضوء على تلك المنطقة ويوثق لعادات وتقاليد وأسلوب الحياة بها، خصوصا أن جنوب السودان يوشك على الانفصال عن الشمال.

* وما الفكرة التي يدور حولها الفيلم؟

- الفيلم يحمل اسم «حلم الجنوبي»، وهو مكون من جزأين، الأول «عائد إلى واو» والثاني «الطريق». مدة كل منهما ساعة، يتناولان قصة ضابط من الجنوب كان مجندا في جيش الشمال، وخلال الحرب حارب ضد أهله، ومع انتهاء الحرب يبدأ رحلة العودة إلى مدينة واو في الجنوب. وفي هذه الرحلة يحاول الفيلم كشف الجوانب الثقافية لدى أهل الجنوب. أما اسم الفيلم فيأتي من جملة قالها الضابط خلال الأحداث، وهي «أتمنى أشوف رئيس سوداني جنوبي».

* ما الجديد الذي جاء به الفيلم؟

- الجديد في اعتقادي هو مضمون الفيلم، الذي أحاول من خلاله إلقاء الضوء على ثقافة مختلفة، وعلى الحياة البدائية التي يحياها سكان تلك المنطقة. وللعلم، كنا نفاجأ أثناء رحلتنا في الجنوب أننا أول من يقوم بالتصوير في تلك الأماكن، بمعنى أن هناك مناطق لم تدخلها كاميرات تصوير من قبل، وهو ما يجعل منها تجربة فريدة من نوعها.

* هل يمكن أن تخبرنا قليلا عن جنوب السودان كما رأيت وينقله الفيلم؟

- من الناحية الجغرافية تتميز أراضي جنوب السودان أنها أراض خصبة، وبها عدد من الأنهار، إلى جانب مساحات كبيرة من الغابات، حيث ينزل المطر نحو 8 شهور في العام. أما الديانات فعدد المسلمين قليل، وأرى أنه أقل من الإحصائيات المعلنة التي تتحدث عن 17 في المائة، وقد لمسنا انتشار الوثنية، وتنتشر الآلهة بين القبائل وهناك من يعبد البقر أو الثعابين، والبعض يتحول إلى المسيحية نتيجة النشاط التبشيري، ورغم ذلك فهناك تسامح ديني والأسرة الواحدة قد تضم ديانات متعددة. أما من ناحية العادات فيسيطر النظام القبلي، ومن أشهر القبائل هناك الدينكا والنوير والشلك والفراتيت، وكل قبيلة لها سلطان ويتم توارث الحكم، ولكل منها مهنة يتخصص فيها أبناؤها، ويمكن للرجل أن يتزوج أي عدد من النساء، والمهور تكون من البقر والغنم وتقسم على أفراد القبيلة، أما الطلاق فهو صعب، كما أن لكل قبيلة رقصة ولغة تخصها، لكن اللغة المستخدمة في التعامل المشترك فهي «عربي جوبا». أما الطعام فهناك من يأكل الحشرات وبعضهم يلجأ إلى تعفين اللحم وأكله، والحياة بدائية بصفة عامة، وهناك من يعيش في العشش البسيطة.

* هل واجهتك صعوبات أثناء الرحلة؟

- الرحلة كانت شاقة جدا، والتصوير استمر 25 يوما، والرحلة كانت أغلبها بالسيارة، وقد بدأنا الرحلة من جوبا (أقصى الجنوب)، ثم كان الاتجاه شمال غربٍ إلى واو (غرب ولاية بحر الغزال) ومنها إلى أويل (شمال ولاية بحر الغزال)، ثم إلى واراب في الوسط، ثم كان الاتجاه شمالا إلى مايوم، وتوقفت الرحلة ولم نصل إلى بانيتو؛ لعدم استطاعة السير بالسيارة لعدم وجود طرق لذلك، كما عاني فريق العمل، الذي ضم 4 أفراد ثابتين إلى آخرين ينضمون إلينا من المدن التي نصل إليها، من الطرق غير الممهدة ومن النوم في السيارة، كما كان هناك صعوبات في السير ليلا، إلى جانب الخوف من الأمراض المنتشرة هناك مثل الملاريا والإيدز المصاب به نحو 25 ألف حالة. ونظرا لهذه الصعوبات لم يكن باستطاعتنا التصوير بكاميرات كبيرة لصعوبة السير بها، فكان اللجوء إلى كاميرا من نوعية «ميني إتش دي»، وقد نجحنا في تصوير 65 ساعة.

* برأيك هل يفضل الجنوبيون الانفصال عن شمال السودان؟

- من مشاهداتي رأيت أنهم يميلون إلى الانفصال، والسبب في ذلك غياب الخدمات والمرافق هناك بشكل كبير مثل المدارس والمستشفيات والطرق، ورغم أنها أراضٍ غنية بالثروات المعدنية والحيوانية والسمكية فإنها فقيرة جدا، وهو ما ولد لديهم شعورا بالإهمال مقارنة بالشمال، إلى جانب العنصرية في التعامل، وهذا ما تم نقله في فيلم «حلم الجنوبي» من خلال الضابط بطل العمل.

وما أود قوله هو أننا كعرب ما زلنا نخطئ أخطائنا القديمة، ولا نعرف حتى الآن كيفية التعامل مع هذه الثقافة، فقط نحاول فرض ثقافتنا عليهم ونرفض الاعتراف بهم ولا نهتم بهم، وهو ما يؤدي إلى أن أي حوار معهم بهذا المنطق يكون مصيره الفشل، وبهذا الأسلوب تركنا الساحة للاعبين آخرين غيرنا موجودين حاليا هناك يحققون ثروات هائلة من خير هذه المنطقة.

* كيف ترى المشهد الوثائقي في الدول العربية حاليا؟

- بدأت الأفلام الوثائقية داخل المنطقة العربية بشكل فردي، حتى بدأ ظهور المحطات الفضائية المتخصصة، حيث بدأت في رصد ميزانيات مالية للإنتاج الوثائقي، ورغم أنها قليلة مقارنة بما يحدث في الغرب فإن الأمور تطورت كثيرا خلال السنوات القليلة الماضية، وأصبح للفيلم الوثائقي جمهوره المتابع له، وما يدل على ذلك عدد مشاهدات الأفلام على موقع «يوتيوبـ» والتي تسجل بالآلاف، وأعتقد أن تلك الأمور تعد أساسا جيدا يصب في صالح صناعة الفيلم الوثائقي لدينا، يدعم ذلك عدد القنوات الفضائية الوثائقية التي بدأ افتتاحها مؤخرا.

* ما السمات اللازم توافرها في من يعمل في مجال الأفلام الوثائقية؟

- أعتقد أن الإعلامي الذي يقدم الأعمال الوثائقية يجب أن يتسم بالجرأة، وأن يهدف إلى خدمة الناس، وأن يكون صبورا لأن العمل الوثائقي يحتاج إلى وقت طويل لإنجازه، كما يجب أن يكون منظما، وأن يهتم بالبحث عن أفكاره كمرحلة أولى من العمل بنفس قدر اهتمامه بمرحلة التصوير، حتى لا يؤدي ذلك إلى حدوث خلل، كما يجب أن يكون صاحب عقل متفتح ومتابع لما يحدث في مجاله لكي يعرف إلى أين وصل الفيلم الوثائقي على مستوى العالم، والاطلاع على المدارس المختلفة لمعرفة الفروق بيننا وبينهم.

* على المستوى الشخصي، ما أكثر ما يشغلك عند تقديم عمل جديد؟

- أرى أن أصعب مرحلة هي إيجاد الفكرة، وكيفية معالجتها بشكل غير مسبوق، فالبناء بعد ذلك يكون سهلا، لذا أشعر دائما بخوف لدي، سببه محاولة إيجاد فكرة مبتكرة، وهو ما يجعلني أشعر أنني ألعب مباراة مع نفسي، أما بعد الانتهاء من أي عمل فدائما أكتشف أن لدي أخطاء أحاسب نفسي عليها.

* ما نمط القضايا الذي يجعلك راغبا في تقديمها في عمل وثائقي؟

- أفضل نمط القضايا الاجتماعية والسياسية، خصوصا التي ترتبط بالناس والمواطن البسيط، سواء كان ذلك بكشف المستور في تلك القضايا مثلما قدمت فيلم «أيام الدم»، أو تسليط الضوء على ظاهرة أو قضية مثارة، وهو ما لجأت إليه في عدة أعمال آخرها «حلم الجنوبي».

* وأيهما أفضل لك؟

- أنا أقدم الاتجاهين، والمهم لدي في المقام الأول أن أقدم شيئا جديدا من ناحية الشكل والمضمون، والبحث عن معالجة جديدة للفكرة التي أقدمها، وبرأيي أن الوطن العربي فيه مناطق وأفكار ضخمة، يمكن التطرق إليها وثائقيا، خصوصا أننا ما زلنا نخطو خطوات أولية في سوق الفيلم الوثائقي.

* برأيك هل أصبح لدينا إعلاميون على درجة عالية من الدراية بصناعة الفيلم الوثائقي؟

- بالطبع، فهناك أسماء لمعت خلال السنوات الماضية، استطاعت أن تحجز لنفسها مكانا على الخريطة الوثائقية، مثل اللبناني باسم فياض، والمصري أحمد كامل الذي يأخذ لنفسه خطا دينيا في توثيق الأماكن الدينية، وأيضا المصري مجدي فاروق الذي أعتبره من أهم الفنانين وليس المخرجين فقط على الساحة العربية، وهو أستاذي الذي تعلمت منه العمل الوثائقي، كذلك توجد بعض الإعلاميات مثل هالة خليل من مصر وعزة الحسن من فلسطين.

* في اعتقادك، هل يتلاءم العمل الوثائقي مع المرأة العربية؟

- يحتاج العمل الوثائقي إلى جرأة ومثابرة وإلى مساحة كبيرة من الحرية، وهذا برأيي تفتقده المرأة في عالمنا العربي، لذا يغلب المخرجون الرجال في العمل الوثائقي.

* ما النصيحة التي توجهها إلى من يرغب في الاتجاه للعمل الوثائقي؟

- أولا أن يكون الشخص محبا بشدة لهذا المجال، وثانيا مشاهدة أعمال وثائقية بكثرة من مختلف المدارس، ولذلك أهمية نابعة من تجربة شخصية، فمع بداية اتجاهي للعمل الوثائقي قمت بمشاهدة 500 ساعة إنتاج من مختلف المدارس العالمية.