رغم المميزات.. موقف صحيفة «لوس أنجليس تايمز» يتراجع في عقر دارها

انخفض عدد الصحافيين العاملين بها إلى النصف بعد بيعها إلى «تريبيون»

هارفي ليفين.. كان من قراء «لوس أنجليس تايمز» (نيويورك تايمز»)
TT

لقد عانت الكثير من صحف المدينة الكبيرة في أنحاء البلاد من مأزق تلو الآخر خلال السنوات القليلة الماضية. لكن تلقى بعضها ضربة قوية أو عانى معاناة شديدة مثل صحيفة «لوس أنجليس تايمز». في المدينة التي دائما ما ناضلت من أجل توضيح كيف تكمن الثقافة الراقية تحت طبقة السليكون والسطحية، سارت الصحيفة على الطريق المستحيل باعتبارها مبعثا للشكوى.

ففي مساء إحدى عطلات نهاية الأسبوع، تذكرت أيدي إرير، صاحبة محل أدوات مكتبية في قرية لارشمونت القديمة، قراءتها لصحيفة «لوس أنجليس تايمز» في شبابها وكيف كانت أسيرة نجمات هوليوود الصاعدات ومراسلي الفعاليات الاجتماعية الذين كانوا يضيئون صفحات المجتمع.

قالت أيدي (66 عاما): «نحن بحاجة إلى صحيفة تقدم المزيد وما تقدمه أقل. أعتقد أنها ليست صحيفة بالمقاييس العالمية بغض النظر عن كيفية رؤيتك للأمر. لقد كانت يوما كذلك». لا تلتفت إلى تقدم صحيفة «لوس أنجليس تايمز» بحيث حصلت على جائزة «بوليتزر» للصحافة العام الحالي لتغطيتها أخبار مسؤولي المدينة في بيل الذين خصصوا لأنفسهم رواتب ضخمة وهي من المواضيع التي أثارت الرأي العام بسبب إهدار المال العام. أو حتى تلقي بالا إلى أنها ما زالت تحتفظ بـ13 مكتبا في الخارج، وهو ما يفوق عدد مكاتب أي صحيفة يومية أخرى باستثناء «واشنطن بوست»، رغم كل الصراعات التي أعقبت شراء شركة «تريبيون» لها عام 2000. ولا تنظر حتى إلى أنها أكبر صحيفة يومية في لوس أنجليس لا يزال لديها كتيبة من المراسلين الصحافيين في مختلف المدن.

ففي المقاهي التي تقع على جانب الطريق والمقاهي الأخرى وصالونات تصفيف الشعر والاستوديوهات المنتشرة في هذه المدينة الكبيرة، فكرة أن صحيفة «لوس أنجليس تايمز» لا تزال إحدى أفضل الصحف غير مألوفة.

ويقول كوينتين تشيزبورو، صاحب عمل حر يبلغ من العمر 57 عاما ويتردد أحيانا على مكتبة لوس أنجليس المركزية لقراءة صحيفة «لوس أنجليس تايمز»: «عندما كنت آتي إلى هنا عام 1974، كانت قراءة الصحيفة تستغرق يوما بأكمله. أما الآن فالأمر لا يستغرق سوى عشر دقائق كحد أقصى». ومؤخرا في صباح أحد الأيام، كان يقرأ «ذا فاينانشال تايمز» و«وول ستريت جورنال» لا صحيفة «لوس أنجليس تايمز».

منذ أن تم بيع الصحيفة إلى «تريبيون»، انخفض عدد الصحافيين العاملين بها إلى النصف. بالنسبة إلى الكثير من سكان لوس أنجليس، تسريح العمالة دلالة أخرى على تراجع مكانة مدينتهم. وذلك فضلا عن سلسلة من الضربات الموجعة للكبرياء مثل خسارة فريقها القومي ومغادرة الشركات التي احتلت قائمة أفضل 500 شركة التي تنظمها مجلة «فورتشيون» المدينة وعدم الفوز بتنظيم أوليمبيات صيف 2016.

وقال تشيزبورو بنبرة يملؤها الاستسلام: «ليس لدينا حتى فريق كرة قدم، فإلى ما يشير ذلك؟».

وبحسب قسم تدقيق التوزيع، تراجع توزيع صحيفة «لوس أنجليس تايمز» خلال أيام الأسبوع باستثناء العطلة الأسبوعية منذ عام 2000 إلى النصف، حيث بالكاد تعدى 600 ألف نسخة وهو أقل من صحف يومية كثيرة مثل «واشنطن بوست». قد يساعد فهم الصلة القوية بين ازدهار «لوس أنجليس تايمز» ومدينة لوس أنجليس باعتبارها عاصمة الثقافة والتجارة، في تحديد سبب عدم الرضا عن الصحيفة.

استعانت عائلة أوتسيز وعائلة تشاندلر، المؤسستان للصحيفة، بإصداراتها الناشئة للدفع نحو التقدم الذي ساعد في نهضة لوس أنجليس الحديثة. ويرجع إليهما فضل تزويد وادي سان فرناندو بالمياه. وأسهم دعمهما في بناء ميناء لوس أنجليس.

لا يرى الجميع الصحيفة من هذا المنظار القاتم، حيث يقول بيل مولينز، موظف المعدات في مكتبة لوس أنجليس المركزية والبالغ من العمر 55 عاما، إنه رغم خفض الميزانية، ما زال يعتقد أن الصحيفة تستثمر في الصحافة التي أقصتها أكثر المؤسسات الصحافية. وقال مولينز: «تقدم صحيفة (لوس أنجليس تايمز) المواضيع التي أحبها مثل موضوع عن ذهاب فتى من لوس أنجليس إلى العراق. ويبدأ الموضوع في الصفحة الأولى وينتقل إلى صفحة 12، ثم يحتل مساحة الصفحة الثالثة عشرة بأكملها. أعني أنه لا يمكنك أن تحصل على كل هذه التفاصيل في ثلاث دقائق على قناة (إن بي سي) أو (إيه بي سي)».

لكن كان بيع الصحيفة إلى صاحب شركة من شيكاغو يتجه إلى الإيجاز ويمثل صفعة قوية للكثيرين هنا. حتى أن مولينز قال إنه يعتقد أن بيع الصحيفة لشركة «تريبيون» بمثابة «إعلان وفاتها».

وقد عزز ما فعلته «تريبيون» في التغطية المحلية بعد الاستحواذ على الصحيفة هذه المخاوف. لقد كان يعمل بمكاتب الصحيفة والمطابع التابعة لها في مقاطعة أورانج ووادي سان فرانسيسكو المئات من أجل نشر طبعات مختلفة، تختلف الصفحة الأولى في كل منها باختلاف المكان الذي توزع به. وأخذ جون كارول، محرر تنفيذي سابق في صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، يتذكر كيف كانت تبدو كل طبعة كأنها صحيفة مختلفة. وقال وهو يتذكر زيارته إلى هناك: «لقد كان الأمر يبدو مثل الذهاب إلى صحيفة في مدينة ذات مساحة متوسطة. لقد كان شيئا كبيرا».

لم يعد يحدث مثل هذا حاليا، حيث لم تعد تظهر الأنباء المحلية العاجلة في الصفحة الأولى، فمن أجل توفير المال تم تقليص مدة تغطية الأخبار ونقل الأخبار العاجلة التي تحدث في وقت متأخر من اليوم والأخبار المحلية والأجنبية إلى قسم مستقل.

شعر المجتمع بغياب الصحيفة من خلال إدراك ما لم تعد تغطيه، فعائلة تشاندلر، فضلا عن دورها في الساحة التجارية والسياسية في المدينة، كانت تمثل قوة ثقافية في لوس أنجليس.

وقال ليو فولينسكي الذي ترك الصحيفة منذ 2008، بعد أن تولى عدة مناصب رفيعة بها من بينها المحرر التنفيذي: «لقد كانت العلاقة بالمجتمع أقوى بكثير عندما كانت تملك عائلة تشاندلر الصحيفة نتيجة مساهماتهم الخيرية والفنية. إذا تجولت في وسط مدينة لوس أنجليس، ستجد اسم صحيفة (لوس أنجليس تايمز) وتشاندلر على كل شيء. عندما اشترت شركة (تريبيون) تراجعت الصحيفة بشدة».

تسبب هذا التراجع في تكوين الكثير من سكان لوس أنجليس رأيا سلبيا عن صحيفتهم. وتحت إدارة الناشر الحالي أيدي هارتينشتاين، الرئيس التنفيذي السابق الذي أصبح رابع ناشر في ظل إدارة «تريبيون»، احتلت المساحات الإعلانية الصفحة الأولى من صحيفة «لوس أنجليس تايمز» ومقدمة الأقسام الأخرى التي يشعر الكثيرون هنا بأنها قد حطت من قدر الصحيفة. وكتب في إعلان نشر الصيف الماضي لشركة «يونيفرسال»، الذي تضمن صورة كينغ كونغ: «استوديوهات يونيفرسال بهوليوود دمرت جزئيا».

وأثار هذا الإعلان غضب مجلس المشرفين للوس أنجليس مما دعاه إلى اتخاذ خطوة غير اعتيادية بكتابة خطاب إلى صاموئيل زيل، رئيس «تريبيون»، يتهمه بالاستهزاء من رسالة الصحيفة. ونقلت المتحدثة الرسمية لهارتينشتاين قوله: إنه سوف «ينجح» في طلب عمل مقابلة معه من أجل هذا المقال ودافع عن الإعلان وقتها بقوله: إنه كان راعى معايير الصحيفة.

يبدو هارتينشتاين يدرك إلى حد ما ضرورة إصلاح العلاقات مع المجتمع، فكتب خطابا إلى قراء في 26 ديسمبر (كانون الأول) يوضح أن الصحيفة سوف تظل ملتزمة بتغطية الأخبار المحلية الهامة، لكنها مهمة معقدة.

وأنهى هارفي ليفين، مدير استوديو في التلفزيون، يبلغ من العمر 48 عاما ويقيم في ويست سايد، اشتراكه بعد أن بدأت النسخ التي لا يقرأها تتراكم. وقال هارفي الذي تعود جذوره إلى كندا والذي كان من أحلامه العمل في هوليوود واشترى نسخا من العدد الأسبوعي للصحيفة في تورنتو: «ينبغي أن تكون صحيفة (لوس أنجليس تايمز) الصحيفة التي أثق بها وأشتريها يوميا، لكن الأمر ليس على هذا النحو. أعلم أن لديهم الكثير من الكتاب الجيدين وأنها حصدت الكثير من الجوائز، لكنني أعتقد أن هذا لم يكن كافيا».

* خدمة «نيويورك تايمز»