أنصار الرئيس السابق يهيمنون على الإعلام الباكستاني

أصبحت تصريحات برويز مشرف جزءا من العناوين اليومية للقنوات الإخبارية

الرئيس الباكستاني السابق في لقائه الصحافي مع وكالة رويترز (رويترز)
TT

بعد فترة طويلة من التنحي عن السلطة والبريق المرتبط بها، لا يزال الرئيس الباكستاني السابق والجنرال المتقاعد برويز مشرف يمتلك القدرة على جذب أنظار وسائل الإعلام الباكستانية والدولية.

وعلى الرغم من وعي المحللين السياسيين الكامل بأن الجنرال لا مستقبل له في السياسة الباكستانية، فإن مشرف يمتلك شخصية قوية تجعله شخصية جاذبة لكل من الإعلام الباكستاني والدولي. ويقول عنه أحد الصحافيين الباكستانيين البارزين (طلب عدم ذكر اسمه) إن الرئيس مشرف «ربما يكون سيئا في السياسة، لكنه مصدر للأخبار الجيدة بصورة تثير الإعجاب».

في أعقاب خروجه من السلطة انفض الجميع من حول الرئيس الباكستاني السابق حتى أقرب حلفائه، وقد فشل حتى الآن في استحضار الشجاعة لإنهاء عزلته الاختيارية لأنه لا يوجد أي صوت يرغب في إظهار الدعم له.

لكنه عندما قرر من منزله المنعزل في وسط لندن الحديث، سارعت جميع وسائل الإعلام الباكستانية إلى تغطية الحدث، وكانت تصريحاته في أغلب الأوقات جزءا من العناوين اليومية لكل القنوات الإخبارية، حيث ترسل القنوات الإخبارية والصحف الباكستانية مراسليها في مهام خاصة إلى لندن لإجراء مقابلات مع الجنرال يبدي في أغلبها صراحة حول الحديث عن عدد من القرارات المتضاربة التي اتخذها خلال فترة حكمه.

وتتفق الغالبية العظمى من خبراء الإعلام على أن السمات الشخصية للرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف هي ما تجعله عامل جذب لوسائل الإعلام الباكستانية. ففي أعقاب استقالته، على سبيل المثال، كانت جميع الأطياف السياسية توجه الانتقادات إلى الرئيس لفرضه إجراءات قمعية على المجتمع الباكستاني بهدف قمع المعارضين السياسيين، لكن مشرف أظهر جرأة وشجاعة في الاعتذار للأمة بأسرها على القرارات الخاطئة التي ارتكبها في السنوات القليلة الأخيرة من حكمه.

وقال الخبير الإعلامي: «لا أعتقد أن الإيثار كان الدافع الذي أجبر الجنرال على الاعتراف بأخطائه علانية. وربما كان مشرف الشخصية الأكثر دهاء تجاه وسائل الإعلام الباكستانية».

بدأ مشرف حياته السياسية كقائد لانقلاب أثار سخط كل القوى الإسلامية في البلاد، لكنه لقي في الوقت ذاته إشادة من الصحف الغربية. ففي صبيحة يوم الثالث عشر من أكتوبر (تشرين الأول) (بعد يوم من الانقلاب والإطاحة بالحكومة) ظهر الرئيس أمام مجموعة من الصحافيين الغربيين في حديقة مقر الجيش في روالبندي مع دميتين، وهو ما اعتبرته وسائل الإعلام الغربية دليلا على أن الجنرال مشرف رجلا ليبراليا، بحسب أحد الصحافيين البارزين الذي طلب عدم ذكر اسمه.

وخلال أولى زياراته إلى الهند عام 2000 لعقد لقاء قمة مع رئيس الوزراء الهندي، إيتال بهاري فاجباي، أثار الجنرال مشرف إعجاب وسائل الإعلام الهندية في نيودلهي بموقفه الجريء، ففي أول لقاء له مع وسائل الإعلام الهندية أظهر مشرف رغبة في مناقشة السياسات الخاطئة التي قامت بها باكستان في كشمير والتي كانت من المحرمات بالنسبة للقادة الباكستانيين وبخاصة عندما يزورون الهند. حتى إنه أظهر رغبة في مناقشة الأخطاء الباكستانية في دعم الجماعات المقاتلة في كشمير، وهو الأمر الذي جعله موضع إعجاب وسائل الإعلام الهندية، وتوالى هذا النوع من الإعجاب حتى إقالته في عام 2008.

وخلال وجوده في السلطة عمد الجنرال مشرف إلى تحسين علاقاته الشخصية بالكثير من الصحافيين الهنود البارزين الذين كتب بعضهم تأييدا له عندما واجه اضطرابات مع خصومه السياسيين في إسلام آباد.

كان الإعلام الباكستاني شأنا آخر، ففي البداية أثار الرئيس مشرف إعجاب الشخصيات والمؤسسات الإعلامية الباكستانية بجرأته فيقول سهيل ناصر، الصحافي الباكستاني البارز: «كانت أحاديثه ومؤتمراته الصحافية تشكل على الدوام مادة خصبة للإعلام الباكستاني».

وقد تواصلت هذه العلاقة التي غصت بالحب والكراهية مع الحاكم العسكري الباكستاني. بيد أنه من المثير للتناقض أن يكون مشرف هو الشخص الذي أعطى حرية كبيرة للإعلام الباكستاني في بداية سنوات حكمه، لكنه عمد في السنوات الثلاث الأخيرة في حكمه إلى فرض إجراءات قمعية ضد وسائل الإعلام وبعض الشخصيات الصحافية البارزة.

بدأت الثورة الإعلامية في الزحف تجاه المجتمع الباكستاني فيشير المسؤولون السابقون الذين عملوا في حكومة مشرف إلى أن تلك كانت خطوة دولية للحكومة العسكرية لسن قوانين جديدة وليبرالية لخلق مساحة عمل للقنوات الإخبارية الخاصة.

لكن مشرف رأى أن قوات الإعلام الجديدة التي أطلقها هو ستنقلب ضده وستؤدي في النهاية إلى إسقاط حكومته.

ويقول أحد المسؤولين المتقاعدين الذين عملوا في إدارة الرئيس مشرف إن «الجنرال كان يرى أن القنوات الإخبارية ستجر الشعب الباكستاني بعيدا عن متابعة القنوات الإخبارية الهندية التي كانت تضر بشكل كبير بالمصالح الوطنية».

تحرك الحكومة من أجل صياغة قوانين إعلامية ليبرالية في باكستان أشعلت شرارتها الحملة العسكرية عام 1999 عندما كان مشرف يترأس المؤسسة العسكرية ولم يكن قد قام بالانقلاب بعد.

وفي مايو (أيار) عام 1999 شن برويز مشرف غارة على كارغيل، منطقة جبلية من كشمير الهندية، حيث وقعت مواجهات بين الجيش الباكستاني والهندي على 18000 قدم. ففي ربيع عام 1999 قام مشرف بالتسلل بقواته إلى كشمير الهندية وتمركز في عدد من المواقع الهندية التي حصل عليها دون قتال، وشهدت الحرب التي تلت ذلك تراجع الجيش الباكستاني منسحبا تحت ضغوط أميركية.

في ذلك الوقت كان التلفزيون الباكستاني المصدر الوحيد للأنباء، لكن المثير للمفارقة هو أن مصداقية التلفزيون الباكستاني الرسمي بين الشعب الباكستاني كانت منخفضة إلى حد كبير حتى إنهم توجهوا إلى القنوات الهندية الباكستانية للحصول على آخر المعلومات بشأن الأزمة العسكرية في كارغيل. في تلك الفترة ارتفعت أسعار الأطباق الصناعية غير الشرعية بصورة كبيرة لأنها كانت المصدر الوحيد لتلقي بث القنوات الإخبارية الهندية.

وقال أحد المسؤولين الحكوميين البارزين في حكومة مشرف السابقة إنه «على الرغم من قتال الجيش الباكستاني الهنود في جبال كشمير، فإن الباكستانيين كانوا أكثر شغفا بالاستماع إلى القنوات الإخبارية الهندية التي يعتقدون أنها صحيحة. ومن ثم أعد مشرف خططا لتدشين القنوات الإخبارية الخاصة وسرعان ما نال فرصته عندما أصبح رئيسا للجمهورية بعد انقلاب أكتوبر (تشرين الأول) عام 1999».

تحققت رغبة الجنرال مشرف مع تحول القنوات الإخبارية الباكستانية إلى قنوات بالغة الوطنية في الصوت والنبرة. لكن كانت هناك بعض العواقب غير المتوقعة، فيقول سهيل ناصر، المحلل السياسي والمعلق التلفزيوني: «كان ذلك نتيجة ارتفاع المستوى الثقافي للإعلام الباكستاني المناصر للديمقراطية والمعارضة للتدخل العسكري في السياسية».

لكن الجنرال مشرف بدأ في فقد قبضته على السلطة في عام 2007 وأصبح الإعلام الباكستاني أعلى صوتا في الإشارة إلى الطبيعة القمعية لسياسته في الشؤون السياسية الداخلية. بعض المنابر الإعلامية الباكستانية البارزة التي دعمت حكومة مشرف بشكل واضح في حملته ضد التمرد والتطرف بدأت في انتقاده بشدة على إجراءاته القمعية ضد الجماعات السياسية مثل حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامي (جناح نواز شريف).

كما كانت السنوات الأولى من حكم مشرف فترة شهر عسل مع وسائل الإعلام الغربية، حيث واصلت الأخيرة تصويره كممثل للقوى الليبرالية للشعب الباكستاني في مواجهة مد التطرف الديني.

لكن شهر العسل هذا سرعان ما تحول سريعا إلى فترة من التوتر عندما بدأ الإعلام الغربي في اتهام حكومة مشرف بخداع العواصم الغربية باستمرار تواصله مع طالبان والمجموعات المتطرفة الأخرى.

وحتى الآن، على الرغم من أن وسائل الإعلام الباكستانية وصفت الجنرال مشرف بأنه الحاكم الأكثر كراهية في التاريخ الباكستاني، واتهمته وسائل الإعلام الغربية بأنه الشخص الذي خدع العواصم الغربية، وزالت كل تلك الهالة التي أحاطت بالرئيس مشرف، فإنه لا يزال رجال الصحافة الباكستانيون يصطفون للحصول على مقابلة معه، ولا تزال وسائل الإعلام الغربية تسعى إلى الحصول على تصريحات منه بشأن التطرف في المجتمع الباكستاني. ويرى المحللون الباكستانيون أن كلا من الحكومة الباكستانية والأجهزة الأمنية للدولة لا يزالون يعيشون في الظل الطويل للجنرال مشرف.