«أميركا أون لاين» تشتري «هافنغتون بوست»

تريد منافسة «تويتر» و«فيس بوك»

خطة «أميركا أون لاين» لمنافسة الشبكات الاجتماعية الشهيرة («الشرق الأوسط»)
TT

في الأسبوع الماضي أعلنت شركة «أميركا أون لاين»، واحدة من أقدم شركات الإنترنت في الولايات المتحدة، والتي نالت حظها من النجاحات والانهيارات خلال خمس وعشرين سنة، أنها اشترت صحيفة «هافنغتون بوست»، من أوائل صحف الإنترنت وأكثرها نجاحا.

وقال مراقبون في واشنطن إن هذه الخطوة الأولى من نوعها من جانب «أميركا أون لاين» توضح أنها تريد دخول «تجارة الأخبار»، والاستثمار في هذا المجال الذي صار في عصر الإنترنت واعدا، خصوصا بسبب إقبال الناس على الأخبار والتطورات الداخلية والعالمية في هذا، بالإضافة إلى خطط بعيدة المدى لمنافسة المواقع الاجتماعية في الإنترنت، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، وأيضا بسبب وجود مجالات إعلانات مربحة.

أعلن الشراء بعد مفاوضات استمرت شهورا بين الجانبين، وانتهت في الساعات الأولى من صباح يوم الاثنين عندما أعلن الشراء. وحسب الإعلان، ستصرف «أميركا أون لاين» 315 مليون دولار على الصفقة، منها 300 نقدا، والباقي أسهم في سوق الأوراق المالية.

في سنة 2005 تأسست صحيفة «هافنغتون بوست» على يدي اريانا هافنغتون، صحافية هاجرت إلى أميركا من اليونان، وصارت صحافية ومعلقة ناجحة، وكانت زوجة سياسي أميركي واجه مشكلات أخلاقية قبل أن ينفصلا.

بدأت مشروعها بأن استثمرت مليون دولار فقط، وسمت الصحيفة «هافنغتون بوست»، تماشيا مع صحيفة «واشنطن بوست» التي تصدر في واشنطن العاصمة، وواحدة من أشهر صحف أميركا وصحف العالم. ثم نمت الصحيفة الإلكترونية لتصبح واحدة من أكثر المواقع الإخبارية في الإنترنت إقبالا، خصوصا بسبب توظيفها لنجوم، ليس فقط في مجال السياسة والاقتصاد، ولكن أيضا في مجال الفنون والآداب، صاروا يكتبون آراءهم، ويعلقون على الأخبار والتطورات.

وقعت على اتفاقية الصفقة هافنغتون وتيم أرمسترونغ، رئيس شركة «أميركا أون لاين». وأشار مراقبون في واشنطن إلى أن «أميركا أون لاين» التي ظلت منذ بدايتها ذات اتجاهات سياسية محايدة، أو ربما دون أي اتجاهات سياسية، لا بد أن تتأثر بالاتجاه التقدمي لصحيفة «هافنغتون بوست»، وهو طبعا يعكس اتجاهات صاحبتها ومؤسستها.

قبل إنشاء الصحيفة اشتهرت اريانا بسلاطة لسانها، وتطرف آرائها نسبيا حسب المقاييس الفكرية الأميركية. يمكن اعتبارها ليبرالية، داخل الحزب الديمقراطي، ربما مثل الرئيس باراك أوباما. لكنها أكثر ميلا نحو اليسار منه، لهذا يمكن اعتبارها تقدمية. هذا بالإضافة إلى أن أوباما، مثل أي سياسي، يتنقل من ميول إلى ميول. وبعد نجاح الحزب الجمهوري في انتخابات الكونغرس الأخيرة وسيطرته على مجلس النواب، بدأ أوباما يتحول نحو الوسط. وقد قادت صحيفة «هافنغتون بوست» حملة يسار الحزب الديمقراطي ضده.

وحسب الصفقة الجديدة، ستزيد أهمية اريانا هافنغتون، فستكون مشرفة ليست فقط على صحيفتها، ولكن أيضا على كل القسم الإعلامي في شركة «أميركا أون لاين». ستشرف على شبكة إخبارية محلية وعالمية، كتابة وصورة وصوتا، وعلى قسم «مابكويست» للخرائط، وعلى قسم «موفيفون» للإنتاج السينمائي والتلفزيوني.

وقالت صحيفة «واشنطن بوست»: «ربما كانت اريانا هافنغتون تحلم بما يتحقق لها اليوم في شركة (أميركان أون لاين). ستصير وجه الشركة الإعلامي». وأشارت إلى أن نحو مليون شخص كل يوم يزورون موقع الصحيفة في الإنترنت، وأن هذا في حد ذاته كسب لشركة «أميركا أون لاين».

وقالت الصحيفة: «ظلت (أميركا أون لاين) تبحث عن فرص أكثر للبيع والشراء والإعلانات. هذه فرصة جديدة للوصول إلى جمهور جديد. لسنوات، كانت تعاني من انخفاض الطريق الهاتفي للوصول إلى الإنترنت، وهو الطريق الذي أسسته الشركة وكانت رائدة في هذا المجال قبل أكثر من عشرين سنة. سيمثل الملايين من القراء لصحيفة (هافنغتون بوست) ملايين الدولارات في الإعلانات المتوقعة».

كيف تحققت هذه الصفقة؟

بحسب وصف صحيفة «لوس أنجليس تايمز»، في نوفمبر (تشرين الثاني)، وصدفة، تقابلت اريانا هافنغتون وتيم أرمسترونغ في مؤتمر استثماراتي. وبعد حديث قصير وعابر عن إمكانية تحقيق استثمارات مشتركة، اتفقا على أن يتقابلا مرة أخرى. وفي الشهر الماضي أرسلا مندوبين عنهما لاجتماع مشترك لبحث التفاصيل. في وقت لاحق قالت اريانا: «كان مدهشا حقا كيف اتفقنا خلال وقت قصير. بعد التقارير التمهيدية لم يكن أمامنا سوى وضع النقاط على الحروف».

من الأفكار التي ناقشاها: شبكة اتصالات اجتماعية مثل «تويتر» و«فيس بوك». وجذب مزيد من القراء والإعلانات. وأيضا تقليد موقع «يوتيوب» للفيديو، بحيث تقدر «أميركا أون لاين» على أن تحول نفسها إلى «شركة إلكترونية اجتماعية»، وتحاول إعادة ماضيها الرائد.

وفي المؤتمر الصحافي الذي أعلنت فيه صفقة الاندماج، قالت اريانا هافنغتون: «يجب أن لا تنسوا أننا نحقق أرباحا كبيرة، ستكون دعما لهذه الصفقة». هذه إشارة إلى أن الصحيفة التي تأسست سنة 2005 ظلت تحقق أرباحا من الإعلانات بصورة خيالية. في السنة الماضية كانت أرباحها ثلاثين مليون دولار، وهذه السنة يتوقع أن تكون ستين مليون دولار. وبينما كان يعمل في الموقع خمسة أشخاص في البداية، يعمل فيه الآن مائتا شخص.

في الجانب الآخر، ظلت شركة «أميركا أون لاين» خلال السنوات القليلة الماضية تفقد مزيدا من العاملين فيها. وفي السنة الماضية تخلصت من قرابة ثلاثة آلاف موظف، من جملة عشرة آلاف موظف (أي الثلث تقريبا). وأيضا انخفض عائد الإعلانات بنسبة الثلث تقريبا في السنة الماضية عنه في السنة التي سبقتها. وصار هذا وضعا محزنا لشركة رائدة في مجال الإنترنت. كيف كانت رائدة؟

في سنة 1985 تأسست الشركة كامتداد لشركة «أتاري» الرائدة في مجال الألعاب الإلكترونية، والتي صارت تستخدم شاشات التلفزيون، بعد أن كانت هذه الألعاب تعمل في أجهزة وشاشات خاصة بها.

في سنة 1991، بعد أن برز ستيف كيس على رأس الشركة وسط مستثمرين ومستشارين ومديرين متنافسين، غيّر اسم الشركة إلى «أميركا أون لأن»، ثم بدأ في شراء شركات منافسة مثل «كمبيوسيرف» و«نيتسكيب». كان ذلك خلال سنوات منافسة مع شركة «مايكروسوفت» التي أسست متصفح «إكسبلورر».

وفي سنة 2000 زادت طموحات كيس، وقرر أن يسيطر على جزء كبير من الأجهزة الإعلامية الأميركية، ليس فقط في مجال الكومبيوتر، ولكن أيضا في مجالات الإنتاج السينمائي والتلفزيوني والصحف. كان يريد أن يحول هذه المجالات إلى شركة إعلامية عملاقة. وفعلا، في تلك السنة اندمجت «أميركا أون لاين» مع شركة «تايم وورنر» للإنتاج الصحافي والتلفزيوني والسينمائي. وكان ذلك أكبر اندماج في العالم، حيث بلغ أكثر من مائتي مليار دولار. وزاد حجم الشركة عندما انضمت إليها شركة «سي إن إن» الإخبارية.

لكن خلال سنوات قليلة صار واضحا أن الشركة العملاقة تعاني من منافسة شخصية بين تيد تيرنر صاحب «سي إن إن»، وستيف كيس صاحب «أميركا أون لاين»، و«جيرالد ليفين» مدير «تايم وورنر». وشهدت تلك السنوات استقالات وتعيينات جعلت أسهمها في «وول ستريت» (سوق الأوراق المالية في نيويورك) تتأرجح ثم تنخفض.

وفي سنة 2003 استقال ستيف كيس من منصبه كنائب لرئيس الشركة العملاقة، بعد منافسات ومناوشات علنية مع جيرالد ليفين، رئيس الشركة. وزادت المشكلات خلال تلك السنوات بسبب ما سمى «فقاعة دوت كوم»، إشارة إلى فشل استثمارات كبيرة، ومن مختلف أنحاء العالم، في مجال الكومبيوتر والإنترنت، كان أصحابها توقعوا أن التكنولوجيا الجديدة ستحدث ثورة أكبر مما أحدثت فعلا.

وفي سنة 2009، حدث الطلاق الفعلي بين الجانبين. وفي السنة التالية بدأت «أميركا أون لاين» تشتري شركات أخرى صغيرة أملا في إعادة مجدها القديم. منها شركة «كابيتال»، وفي الأسبوع الماضي صحيفة «هافنغتون بوست».