ازدياد حالات النصب في الصحافة.. هل السبب التكنولوجيا الحديثة؟

السجن 15 شهرا لمحرر رياضي بريطاني بعد قضية سلسلة كتب «لوني بلانيت» وأخرى تخص محرر «نيويورك تايمز» السياحي

صحيفة «بيبول» الرياضية التي عمل لها لي هيرتون
TT

قبل 3 سنوات تقريبا واجهت مؤسسة «لوني بلانيت»، التي تنشر سلسلة كتب سياحية عن دول العالم، فضيحة، بطلها أحد كتابها، الذي اعترف بأنه كان يكتب عن دول لم تطأها قدمه، وكان دفاعه بعد اكتشاف أمره هو أن الناشرين لا يدفعون أموالا كافية تغطي تكاليف مهماته الكثيرة. وكان توماس كوستام قد ألف أكثر من 12 كتابا سياحيا عن مدن حول العالم، واعترف بأن معلوماته عن بعضها التي لم يزُرها مطلقا كانت من خلال أشخاص التقاهم وحدثوه عن تجربتهم في تلك الأماكن.

وفي حالة أخرى وفي عام 2003 استقال الأميركي جيسون بلير من وظيفته كمحرر سياحي في صحيفة «نيويورك تايمز» بعد أن فُضح أمره وتبين أنه كان يسرق قصص غيره ويزيف بعضها وينسبها لنفسه. ويتساءل بعض المراقبين عن أسباب ازدياد حالات السرقة المهنية.. ويعتقد بعضهم أن الإنترنت قد أتاحت فرصة للصحافيين للتعرف على كتابات غيرهم بسهولة من خلال الدخول إلى المواقع الكثيرة المتاحة.

هذه العينات القليلة المسيئة لمهنة العمل الصحافي لا تكشف عن حجم الخروقات التي يقترفها بعض العاملين في هذا المجال الإعلامي. وهناك الكثير منها.

في هذا الأسبوع حكمت محكمة بريطانية بالسجن على صحافي بعد أن احتال على الصحيفة التي يعمل فيها منذ سنوات وقدم لها فواتير وصلت قيمتها إلى 370 ألف جنيه إسترليني (أكثر من نصف مليون دولار).

واستخدم لي هيرتون موقعه كمحرر في صحيفة «بيبول» الرياضية، التابعة لمجموعة «ميرور ترينتي غروب» الإعلامية، وقدم أكثر من 1690 طلبا لمصارف مقابل مقالات كتبها أشخاص بتخويل منه، إلا أنه اتضح بعد 8 سنوات من هذا النوع من الاحتيال أن هؤلاء هم مجرد أسماء مستعارة، وكانت المبالغ تحول إلى حسابه الخاص. كما أن المبالغ لكل مقال كانت تتراوح فقط بين 150 و390 جنيها إسترلينيا (220 إلى 600 دولارا)، والسبب في ذلك أن أي مبلغ يفوق الـ500 جنيه إسترليني (750 دولارا) كان لا بد أن تتم الموافقة عليه من قبل مديريه. ومن أجل القيام بعملية الاحتيال هذه بدقة ومن دون إثارة الشبهات فقد كان يتحكم بأكثر من 12 حسابا خاصا لقصص رياضية مفبركة، ومن خلالها تمكن من الحصول على 370 ألف جنيه إسترليني (أكثر من نصف مليون دولار).

وفي المحكمة تبين أن المبالغ التي جمعها استعملها في تعليم ابنته في مدرسة خاصة، كما أنه كان يتبرع لبعض المؤسسات الخيرية، وكان يدعو زملاءه إلى رحلات ترفيهية.

وبعد اعترافه حكمت المحكمة على هيرتون، الذي يعيش في مدينة تشيلمسفورد في مقاطعة إيسيكس، بالسجن 15 شهرا، كما أنه أعاد 300 ألف جنيه إسترليني (450 ألف دولار) للمجموعة الإعلامية وتعهد بأن يعيد باقي المبلغ بعد بيع بيته.

وقال ديفيد ليفي، ممثل الادعاء: إن هيرتون اعترف بأنه جشع، لكنه كريم بأموال غيره. وقال للمحققين عندما اكتشف أمره إنه استغرب تماما عدم اكتشاف أمره طيلة الفترة التي دامت أكثر من 8 سنوات.

أما محامية الدفاع تارا مكارثي، فقالت إن ضحية أعمال موكلها هيرتون، الذي عمل لعدد من الصحف البريطانية، لم تكن عجوزا فقيرة، كما أنه لم يبذر الأموال في حياة الصخب والبذخ، مضيفة بسخرية: «إنه اقترف خطأ كبيرا، وكل ما عمله أنه لم يشترِ لنفسه سيارة (فيراري)»، كما تناقلت أقوالها وكالة «رويترز»، مضيفة: «لقد خسر كل شيء».

وحسب سجلات المحكمة، كما جاء في التقارير المختلفة، فقد بدأت عملية الاحتيال عام 2000 وانتهت عام 2008 عندما قررت المجموعة التحقيق في الموضوع. وقررت المجموعة طرده من العمل في سبتمبر (أيلول) 2008. وفي الشهر نفسه قبل بالحكم المدني الذي صدر ضده ووافق على دفع 300 ألف جنيه إسترليني (450 ألف دولار).

كان هيرتون يتقاضى 90 ألف جنيه إسترليني (135 ألف دولار) في العام من وظيفته بالصحيفة. وإضافة إلى محنته هذه فإن زوجته قررت الانفصال عنه. وقال القاضي جون برايس عندما نطق بحكمه: «من الواضح أنك تعاني الكآبة، وإضافة إلى ما تمر به فقد بدأت زوجتك بمعاملات الطلاق، إنه لشيء مؤسف وحزين لأنني مضطر أن أصدر حكما عليك على الرغم مما تمر به شخصيا. إنني أعتبرك شخصا جيدا لكن سقوطك هذا شيء سيئ جدا. لكن هذا لن يكون نهاية المطاف، ستصبح طليقا بعد أشهر». كان هيرتون قد عمل في الصحيفة بين 1992 و2008. وكان قد استخدم حساب زوجته لتحويل بعض الأموال إليه. وقد طلبت المحكمة من زوجته إعادة مبلغ 128 ألف جنيه إسترليني (180 ألف دولار) كانت قد وُضعت في حسابها، واعترفت هي بدورها أنها تلقت الأموال ولهذا فعليها أن تعيد جميع الأموال مع الفائدة. وقد التقى لي هيرتون زوجته تريزا عام 1989 التي كانت تملك متجرا لبيع الزهور.

وأضافت محامية الدفاع تارا مكارثي: «لقد خسر كل شيء: بيته وراتب تقاعده، ومن الواضح أنه سيخسر زوجته أيضا، لكن لن يكون بوسعه العمل ثانية في مجاله كصحافي في المجال الرياضي، وهي الوظيفة التي يعشقها. ستكون مفاجأة إذا حصل على وظيفة في هذا المجال في المستقبل».