المراقب الصحفي: الصفحة الأولى لـ «الشرق الأوسط»

TT

اتسمت كل العناوين الرئيسية في الصفحة الأولى لصحيفة «الشرق الأوسط»، طوال الأسبوع الماضي، بالمهنية العالية والحيادية عند تغطية الحدث المصري، الأبرز على الساحة، وكذلك الحال مع التغطية الخبرية في الداخل. وكان لافتا إبراز الأخبار الخاصة والإكثار من العناوين الفرعية التي أعطت القارئ صورة كلية مجردة لمسرح الأحداث.

وربما لاحظ المتابع للمشهد السياسي المصري، كيف تخبطت «بعض» وسائل الإعلام المطبوعة والمرئية في نقل الخبر بشيء من محاولة توجيه الرأي العام، ناسين أو متناسين أن الأجواء الإعلامية تغيرت عن السابق. فما تحاول وسيلة إعلامية ترويجه أو إخفاءه أو تضخيمه، تكشفه وسائل إعلامية وتواصلية أخرى مثل «فيسبوك» و«تويتر» والفضائيات المهنية، فضلا عن لقطات الفيديو التي تنتشر بصورة مذهلة عبر الهواتف الذكية، حيث وصل عدد «البلاك بيري» في دول الخليج وحدها إلى أكثر من مليون جهاز.

وكان ملحوظا الانتقاء المدروس لصورة الصفحة الأولى، المرتبطة بالحدث المصري، مع العناوين الرئيسية التي كانت كلها موفقة ومتزنة. وما زلت أتذكر الصورة المعبرة جدا لقائد المنطقة العسكرية المركزية بالقاهرة وهو يحتضن ويقبل رأس أحد المحتجين خلال زيارة قام بها إلى ميدان التحرير، في موقف عاطفي ومهيب. كانت بالفعل لقطة مؤثرة «وأبلغ من ألف كلمة» كما يقول المثل.

ورأينا أيضا أن الربط بين الصورة والعنوان جاء موفقا جدا في المانشيت البليغ «مصر في انتظار حكمائها» إذ بدت لقطة لمحتجين مصابين ترنو أبصارهم إلى الأمام وكأنهم في انتظار نبأ مهم. وكانت الصورة الرئيسية للجمل في يوم المواجهة الدامي بميدان التحرير معبرة وكتب تحتها «أحد مؤيدي الرئيس حسني مبارك لدى اقتحامه ميدان التحرير على جمل خلال المصادمات».

ونحن ننظر إلى هذه الصور الجميلة تتملكنا الغيرة لأننا نتطلع إلى صور خاصة بـ«الشرق الأوسط» حتى ولو كانت مرسلة من مشارك أو قارئ في القاهرة، لكي نميز صحيفتنا عن وكالات الأنباء ومنافسيها.

حاولت التفكير مليا إلى أين تريد الصفحة الأولى، طوال الأسبوع الماضي، أن توجهني كقارئ، فلم أفلح في العثور على إجابة، لأنه كان جليا أن هذه الصفحة (والأخبار الداخلية) لم تكن مع النظام المصري ولا مع الشعب، بل كانت مع المهنية، وهو ما نتوقع استمراره دوما لصحيفة بحجم «الشرق الأوسط». وما وجود موقع الصحيفة في لندن، حسب توقعي الشخصي، إلا لإبعادها عن الضغوطات السياسية وعواطف الشارع العربي التي يقع في شراكها بعض الصحف العربية. ونذكر المسؤولين بالصحيفة أن كل عدد يصدر سوف تدخل صفحاته التاريخ مؤرشفا للحدث المصري غير المسبوق، مما يستوجب مزيدا من الدقة والمهنية.

ولحسن الحظ، لم يطغ الشأن المصري على الصفحة الأولى، بل نشرت الصحيفة أخبارا أخرى متفرقة مهمة من سورية واليمن وتونس والخليج.

إن الصفحة الأولى هي واجهة الصحيفة، ومهما كانت الأخبار الداخلية محايدة، تبقى الأولى مؤشرا على مهنية الصحيفة، وهي رسالة يفهما القارئ والمحرر، وهنا تكمن الأهمية.