إعلام «حركة الشباب» في جمهورية ميدان التحرير

صحيفة يومية وفرق مسرحية.. وإذاعة داخلية استضافت قائد المنطقة العسكرية

شهد ميدان التحرير في مصر نشاطات شملت مختلف الفنون الصحافية والفنية خلال أيام الاعتصام («الشرق الأوسط»)
TT

سيطر الشباب الغاضب الذي قاد الحركة الاحتجاجية في مصر، على ميدان التحرير مســــــــــــــــــاء يوم 27 يناير (كانون الثاني) الماضي فيما أطلق عليه «جمعة الغضب»، وتشكلت على الفــــــــــــــــــــــــور «هيئة إعلامية» بميدان التحرير للتعبير عن شباب حركة «25 يناير»، كانت نواتها مركزا إعلاميا استضافه أحد أرصفة الميدان الأكبر والأهم في العاصمـــــــــــــــة المصرية القاهرة، فعلى ناصية شارع طلعت حرب الشهير وضعت لافتة حملت شــــــــــــــعار «المركز الصحافي لميدان التحرير» الذي تشكل من عدد من الصحافيين.

نظم هؤلاء الصحافيون المنتمون لصحف خاصة وحزبية وبعض الصحف القومية المركز الصحافي وتولوا الإشـــــــــــــراف عليه، وتمكنوا من فتـــــــــــــــح قنوات اتصال وتوفيـــــــــــــــر دعم معلوماتي ولوجيستي لصحافيين عرب وأجانب، وهي المبادرة التي تبنتها الصحـــــافية عبير السعدي عضو مجلس نقابة الصحافيين المصريين.

وقال هيثم زينهم الصحافي بجريدة «الغد» أحد المشرفيـن على المركز من قلب ميدان التحرير لـ«الشرق الأوسط» إن «صحافيين مستقلين من العاملين بالصحف الخاصة والحزبية قرروا عدم الاكتفـــــــــــــــــــاء بمراقبـــــــــــة المشهد قبل (جمعة الغضب) بل الانخــــــــــــــراط في حركة الشباب وبحكم عملهم ارتأوا أن من واجبهم نقل صورة صحيحة لما يحدث بميدان التحرير في مقابل الصورة الزائفــــــــــــــــــــة التي حاول الإعلام الرسمي ترويجهـــــــــــــــــا».

وتابع زينهم: «إن المركز تشكل بدعم من قيادات نقابية على رأسهم الكاتبان الصحافيان يحيى قلاش، وعبير السعدي، وتشكل مركز على رصيف التحرير كما تشكلت غرفة عمليات بنقابة الصحافيين، وتم التواصل من خلال الاتصال المباشر من الميدان ومقر النقابة القريـــــــــــــــــــــب منه قبل أن تعود الهواتف الجوالة للعمل مرة أخرى».

لم يمر يومان على مبادرة الصحافييــــــــن حتى أخذ عدد من القيــــــــــــادات الشابة داخل الميدان مبادرة جديدة وأصدروا صحيفة «ميدان التحرير» الذي بات يعرف بـ«دولة الشباب الحر»، لنقل وقـــــــــــــــــائع أيام حركة «25 يناير» في محاولة لبلورة صوت المشاركين في الحركة الاحتجاجية التي بدأت عبر الإنترنت، خاصة المواقع الاجتماعية التي تصدرها موقع «فيس بوك» الذي يعود له الفضل في حشد الشباب الذي خرج يوم 25 يناير، ولاحقا الموقع الاجتماعي «تويتر» الذي لعب دورا في نشر تكتيكات الحركة حيث انتشرت بصورة غير مسبوقة إرشادات لمواجهة مع قوات مكافحة الشغب.

ورغم أن صحيفة «الميدان» كانت فكرة القيادي الوفدي مصطفى شردي عضو الهيئة العليا لحزب الوفد الليبرالي المعارض المتحدث باسمه فإن الطابع الحزبي غاب عن الصحيفة التي خرجت في ورقة واحدة من القطع العادي، تشكل موادها الصحافية بوجهيها أول صحف حركة الشباب في مصر، وقد صدر العدد الأول منهـــــــــــــــــا يوم الثلاثاء الأول من فبراير (شباط)، أول ثلاثاء مليوني تدعو إليه حركة شباب «25 يناير».

وفي شوارع وسط العاصمة المصرية أصبح مألوفا أن تشاهد الكلمة الإنجليزية «facebook» على جدران البيوت وأبواب المحال التجارية، التي تحول بعض منها إلى وسيلة إعلامية، حيث كتب عليها مطالب الحركة الاحتجاجية وبعض التعليقات الساخرة منها «الحل هو الخــــــــــــــــــــل» في إشارة للطريقة الأفضل للتعــــــــــــــــامل مع القنابل المســـــــــــــــــيلة للدموع.

ترافق مع إصدار صحيفة «ميدان التحرير» إنشـــــــــــــــــــــاء إذاعة داخلية للشباب بمشاركة عدد من كوادر جماعة الإخوان المسلمين وفصائل وحركات احتجاجية تولت توحيد الهتافات المرفوعة في الميدان، قبل أن تتحول لمنبـــــــــــــر يستضيف القيادات الســـــياسية والحزبية والشخصيات العامة التي جاءت لتأييد حركة الشـــــــباب.

وخلال الأيام الأولى من حركة الشباب في مصر انتشرت في ميدان التحرير عدد من الإذاعات الداخلية التي حملت ألوان بعض المشاركين في تنظيم الاعتصام، إحدى هذه الإذاعات استضافها رصيف الجامعة الأميركية وكانت منبرا للداعية الإسلامي عمرو خالد الذي شارك في أول مظاهرة مليونية يوم الثلاثاء قبل الماضي.

الأيام التي تلت المليونية الأولى حققت قدرا أعلى من توحيد الصفوف وضم الإذاعات الصغيرة المنتشرة في الميدان لإذاعة واحدة أطل منها عدد من المثقفين المصريين وقادة ســــــــــــــــــياسيون منهم جورج إسحاق الناشط السياسي بالجمعية الوطنية للتغيير، وأمين إســــــــــــــكندر وكيل مؤسســـــــــــــــــي حزب الكرامة الذي اعتقل يوم 25 يناير الماضي وخرج عقب جمعة الغضب، ومحمد البرادعي المرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، وأبو العز الحرير الناشط اليساري البارز، نائب ســـــــــــــابق بالبرلمان، وصحافيون منهم الصحافي الساخر بلال فضل الذي شن هجوما حادا على قيادات التلفزيون الرسمي المصري.

وحققت الإذاعة الداخلية شرعيتها الكاملة بعد أن استضافت قائد المنطقة العسكرية بالقاهرة اللواء حسن الروينــــــــــــــــي إبان زيارته للميدان الذي ناشــــــــــد المتظاهرين إنهـــــــــــــــــاء الاعتصــــــــــــام عبر مكبـــــــــــــــــرات الصوت التي وضعها الشباب الثائر في الميدان، ليهتف بعدها شباب دولة ميدان التحرير «الشعب والجيش يد واحدة»، دون أن يستجيبوا لمطلبه.

كما أصبحت الإذاعة الداخلية إحدى وسائل الجيش الذي استدعي لحفظ الأمن في البلاد بعد انهيار جهاز الشرطة، حتى يتمكن من التواصل مع المعتصمين بالميدان، وكان من بين ما تمت إذاعته في إذاعــــــــــــــة حركة شباب «25 يناير» تحذيرات ضابط بالقوات المسلحة للمتظاهرين من لص هواتف جوالة قعيد.

أحمد مرتجي أحد الشباب المسؤولين على الإذاعـــــــــــــــة الداخليــــــــــــة قال لـ«الشرق الأوسط» إن «أهم شروط بقاء الإذاعة مفتوحة لكل الأصوات هو تنحية الخلافات والخطابات الخاصة بكل القوى والأطراف المشاركة في الاعتصام، وفي المقــــــــــــــــابل توحيد الهتافات الوطنية الجامعة».

كما كانت الإذاعة وسيلة عدد من الملحنين الشباب الذين قاموا بوضع ألحان للهتافات التي رفعها المتظـــــــــــــــاهرون خلال الأسبوعين الماضيين، ومن بين أبرز هـــــــــــــــــــــــؤلاء الملحنين رامي عصام الذي جمع الهتافات التي تطالب برحيل الرئيس المصري في نشيد أصبح رغيفا ساخنا في ليالي الميدان التي لم تسلم من مفاجآت شتاء القاهرة الصاخب.

ونشـــــــــط داخل ميدان التحرير عدد من الفرق المسرحية المستقلة، وقدمت عروضا بعضها صامت وبعضها الآخر مرتجل وقصير. وكان أبرز هذه العروض، عرضا لفرقة مستقلة تشكلت من عدد من شباب المسرحيين قدمت عرضا صامتا عن حالة الشباب المصري خلال سنوات حكم الرئيس المصري حســـــــــــــــــــني مبارك، حيث ظهر على خشبة المسرح التي كانت مجرد مساحة صغيرة أمام إحدى محطات متـــــــــــــــرو الأنفاق داخل الميدان مجموعة من الممثلين شـــــــــــــــكلوا بأجسادهم مشهد شباب يتعاطى المخدرات، وهم في حالة صمت ويأس من المجتمع والظروف.

وبالإضافة للوسائل التقليدية وغيــــــــرها التي استعان بها المعتصمون انتشرت في الميـــــــــــــــدان مجموعات من كوادر وقيادات الشباب التي تولت إدارة نقاشات حول الخطوات التي يجب الالتزام بها، كما لعبت دورا هــــــــــــــــــاما في مواجهة الشائعات المضادة التي حاصرت الميــــــــــــــدان.

ومن بين القيادات التي تولت مهمة إدارة النقاشات داخل الميدان الناشط السياسي خالد عبد الحميد عضو القيـــــــــــــــادة الموحدة لشباب حركة «25 يناير»، وقال لـ«الشرق الأوســــــــــــط» إن «إحدى الخطـــــــــوات الأكثر أهمية خلال أيام الاعتصام هي محاولة التواصل مع المواطنيـــــن المحتشــــــــــــــدين في الميدان، هذه حركة شعبية جســــــــــــــمها من مواطنين غير منظمين حزبيا وبالتالي لكل فرد في الميـــــــــــدان وجهة نظر».

يتابع عبد الحميد: «هذا فرض علينا أن نقوم بمحاولة تقريب وجهات النظر والدفع باتجاه توحيد الحركة لكي لا نفقد الزخم الذي استطعنا تحقيقه، وكذلك مواجهة سيل الإشاعات التي حاولت تخويف المواطنين بالميدان كإشاعة أن الجيش يبدأ في التحرك لضرب المتظاهرين أو إشاعة تحركات القناصة على أسطح العمارات». وأضـــــــــاف أن بعضا من هذه التســـــــــــــــــريبات كانت صحيحة، لكن المهمة الرئيســـــــــــــــــــــــية كانت محاولة تهدئة المعتصمين للصمود داخل الميدان، لافتا إلى أنه تفاجأ بــــــقدر الوعي الذي أبدته الأسر المصرية العادية التي اعتصمت بالميــــــــــــــدان «وكشفت كل الحيل التي استخـــــــــــدمت لتــــــــــــــرويعها أو إقناعها بفتـــــــــــــات الإصلاحات والوعود المعســــــــــــــــــــــولة التي لم يكن أن تتحقق بغير صمود الميدان».