الإعلام الاجتماعي في مصر يظهر شجاعة وقيمة

وسط استنكار عالمي لأعمال العنف التي استهدفت الصحافيين

TT

الاضطرابات التي شهدتها مصر في الآونة الأخيرة كانت درسا في هشاشة حق اعتدنا كثيرا على اعتباره مجرد كلام.

كما ذكرت أيضا كل من وصفوا الإعلام الاجتماعي بالعدو والخائن وأسوأ من ذلك بكثير بأن الكثيرين من هذه الفئة غاية في الشجاعة.

كتابة قائمة بأسماء الصحافيين الذين تعرضوا لانتهاكات أو الضرب أو المضايقات أو الاعتقالات منذ بداية المظاهرات يمكن أن تحتل جزءا كبيرا من المساحة المخصصة لهذا الموضوع، وقد شملت هذه القائمة الاعتداء على مراسل «سي إن إن» أندرسون كوبر ومراسلين ومصورين من صحيفة «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» والعديد من الصحف والمؤسسات الإعلامية من مختلف أنحاء العالم.

كانت الهجمات جيدة التنظيم للغاية تدلل على ما هو أكثر من مجرد اضطرابات في الشارع، وضمت لجنة حماية الصحافيين التي تأسست عام 1981 لحماية حرية الصحافة والصحافيين صوتها إلى هؤلاء الصحافيين، مؤكدة أن هذه الاعتداءات كانت منظمة من قبل حكومة الرئيس حسني مبارك.

فأورد محمد عبد الدايم منسق لجنة حماية الصحافيين للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أن «الحكومة المصرية تنتهج خطة للقضاء على شهود الانتهاكات التي تقوم بها، فلجأت الحكومة إلى الرقابة التعتيمية والاعتداءات، حيث يوجد اليوم سلسلة من الهجمات المنظمة التي نفذها بعض الغوغائيين الموالين للحكومة. الموقف في مصر مخيف لا لأن زملاءنا يعانون من الانتهاكات بحقهم، بل لأن الصحافة عندما تمنع من العمل نفقد مصدرا مهما للمعلومات المحورية».

أعمال العنف التي استهدفت الصحافيين كانت مثار انتقادات الكثيرين من قادة الدول ومن بينهم الرئيس أوباما.

أعمال العنف التي تستهدف الصحافيين ليست بالأمر الجديد في مصر فقد قتل خمسة صحافيين منذ بداية العام الحالي أحدهم يوم الجمعة في القاهرة. ومنذ عام 1992 لقي 850 صحافيا مصرعهم على خط الواجب. من بينهم أكثر من 500 قتلوا على الرغم من تمتعهم بالحصانة بحسب لجنة حماية الصحافيين. فيما تعرض 145 صحافيا على مستوى العالم للسجن بسبب جريمة النشر.

غير أن الجديد بالنسبة لغالبية المراقبين كانت الهجمات ضد الأشخاص الذين نعرفهم. فمشاهدة كاتي كوريك تتعرض لمضايقات والدفع من جانب حشد من الرجال الغاضبين في القاهرة كان أمرا صادما على نحو غير متوقع. تساءلنا ونحن نشاهد أهذه كاتي الصغيرة؟ إن العين لا تخطئها. إن بيركي كاتي هي كاتي الشجاعة.

بالنسبة للصحافيين ليس هناك أفضل من الوجود في قلب الحدث. وهناك أمر ما في الدستور بالنسبة لأولئك الذين وقعوا ميثاق الصحافة 101 الذي يعطيهم الرغبة في أن يكونوا جزءا من الحدث والقيام في الوقت ذاته بأمر ذي قيمة. هذا التحيز الذي يدركه الكثيرون في وسائل الإعلام هو تحيز نحو المظلومين سواء أكانت تلك أما أرمل أو أشخاصا مقهورين. هؤلاء البلطجية الموالون للحكومة الراغبون في إسكات الصحافيين في مصر أمر مفهوم، فالكاميرا كانت تركز على الجموع المغلوبة على أمرها التي ترغب في تنحية فرعونها.

يعني ذلك أن هؤلاء المراسلين الذين ذهبوا إلى هناك ذهبوا طواعية، وأعتقد جازمة أن كل مراسل وصحافي كان ملازما لمكتبه في تلك اللحظة كانت تتملكه الرغبة في أن يكون هناك، مع الرغبة ولو لشيء بسيط بنوع من الأمان. إنها الرغبة فقط في الوجود في مكان الحدث والرغبة في أن تكون شاهدا على تاريخ نهاية صراع بشري نحو الحرية.

من النادر أن نشهد حقوقنا الدستورية (ومسؤولياتنا) واضحة بهذا الشكل أو أن تكون لدينا الشجاعة على اختبار قناعاتنا، نيابة عن الآخرين. الشعب المصري شعب شجاع أيضا، لكنها معركتهم. ودرس آخر، هي أن الديمقراطيات يجب أن تنبع من شعور أبنائها، فالحرية ربما تكون هبة من الله لكنها مثل الحياة لديها فترة مخاض وعادة ما تولد بكثير من الألم. ثم يأتي بعد ذلك دور ممارسة الإرادة الإنسانية الواعية والمؤسسات.

الأمر الجوهري بالنسبة لهذه العملية، تماما كما أدركه آباؤنا المؤسسون يتمثل في حرية التجمع والتعبير عن الذات. فكل يوم نتسامح فيه مع المتسائلين والمنتقدين والمتعصبين والمهرجين بل وحتى البلهاء للمصلحة الأكبر لمجتمع حر حيث لا يتعرض أحد إلى الأذى عندما يتحدث إلى السلطة.

لقد تعرض المئات أو الآلاف من المصريين الذين عانوا من الضربات (أو القتل) خلال سعيهم في طريقهم إلى الحرية. وقد أخبرني نيكولاس كريستوف، كاتب الرأي في «النيويورك تايمز»، وهو يكتب من القاهرة عن نجار يدعى أحمد كان بحاجة إلى رعاية طبية سبع مرات يوميا. كان ذراعه معلقا إلى صدره ورجله في الجبس ورأسه معصوب. وكان يعود من أجل المزيد.

أبدى كريستوف دهشة كبيرة جدا عندما أخبره محمود «سأحارب ما دمت قادرا على ذلك».

ينبغي علينا أن نندهش أيضا ليس فقط من أمثال محمود بل من أمثال كريستوف أيضا؟

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»