الإعلام الحكومي يستثمر الملايين في الصحافة الاستقصائية

بلغ حجم استثمارات مؤسسة البث العام في الصناديق الفيدرالية أكثر من 90 مليون دولار

جو شابيرو (يسار) يستمع إلى ماير ديك المحرر التنفيذي (وسط) مع وليامز مارجو خلال اجتماع فريق من وحدة التحقيق «بي آر نيوز» في «واشنطن. بي آر» لتنفيذ برنامج تلفزيوني للمحطات المحلية والإذاعة العامة في جميع أنحاء البلاد وتوظيف المزيد من الصحافيين وضخ الملايين من الدولارات في أخبار التحقيقات الاستقصائية (أ. ب)
TT

تعين محطتا «إن بي آر» و«بي بي إس» والمحطات الإذاعية المحلية حول العالم المزيد من الصحافيين وتضخ الملايين من الدولارات في الصحافة الاستقصائية لتعويض ما يرون أنه افتقار للتغطية العميقة التي تقوم بها نظراؤها من المحطات التي تسعى إلى تحقيق الربح.

لقد رأت المحطات الإذاعية والتلفزيونية الحاجة إلى دعم نوع من الصحافة يسأل الحكومة ورجال الأعمال في ظل خفض الصحف والشبكات التلفزيونية لعدد العاملين لديها وشغل محطات الكابل التلفزيونية لساعات الإرسال بصحافة الرأي.

وقالت بولا كريغر، الرئيسة والمسؤولة التنفيذية لـ«بي بي إس» العام الماضي في قمة تتناول مستقبل الإعلام في لجنة الاتصالات الفيدرالية: «عندما لا تستطيع السوق تقديم الخدمة، ينبغي على الإعلام الحكومي القيام بذلك. إن مهمة (بي بي إس) خدمة الناس لا التخلي عنهم مقابل المال».

وفي السنوات القليلة الماضية، بلغ حجم استثمارات مؤسسة البث العام في الصناديق الفيدرالية أكثر من 90 مليون دولار، في إطار مبادرات صحافية جديدة. ومن ضمن تلك المبادرات مبادرة الصحافة المحلية التي تقدم 10 ملايين دولار لإنشاء خمسة مراكز إقليمية تساعد محطتي «بي بي إس» و«إن بي آر» في تغطية الأخبار التي تؤثر على بقاع جغرافية أوسع. وكذلك كانت هناك منحة قدرها 6 ملايين دولار مقدمة من المجموعة التي قامت بتطوير سلسلة «بي بي إس» الاستقصائية «فورنت لاين» لتتحول من سلسلة موسمية بها إجازة صيفية إلى برنامج مستمر على مدار العام. في هذه الأثناء، أنشأت محطة «إن بي آر» وحدة التقارير الصحافية الاستقصائية بدعم من أموال جهات إنسانية من ضمنها 2.3 مليون دولار تم التبرع بها العام الماضي.

وسلطت دراسة أجراها مشروع «بيو للتفوق في الصحافة» عام 2010 الضوء على الحاجة إلى هذا النوع من صحافة التحقيقات. وأشارت الدراسة إلى انهيار «النموذج القديم» للصحافة الذي دعم التقرير الإخباري الرقابي من خلال تقييم الروايات على أساس أهميتها من حيث شعبية كل منها. أما في النماذج الجديدة التي تقوم على شبكة الإنترنت، فيرتبط العائد بقصص الأفراد ومدى شعبيتهم، مما يقلل الحوافز للأخبار المدنية. وكذلك استمر تقليص حجم العاملين في صالات التحرير بحسب ما أشارت إليه الدراسة.

وأثار تدفق دولارات الضرائب نحو دعم المحاولات الصحافية التي تقوم بها المحطات العامة موجة من الانتقادات. وكذلك تزامن الدفع باتجاه المزيد من صحافة التقارير مع سعي المحافظين إلى خفض تمويل الإذاعة العامة الفيدرالية في مقترحاتهم الخاصة بالميزانية. ويعد هذا تهديدا تأخذه الشبكات الإذاعية على محمل الجد، على الرغم من عدم نجاح محاولات مشابهة في التسعينات وعام 2005.

وقال راندولف ماي، رئيس مركز «فري ستيت فاونديشين» ومقره في روكفيل بولاية ميريلاند في قمة «إف سي سي» إن الإعلام الممول من جانب الحكومة لا ينبغي أن يتدخل في تشكيل الرأي العام. وأوضح رئيس المركز الذي لا ينتمي إلى حزب بل يدعم المبادئ اللبرالية قائلا: «في عصر وفرة المعلومات لا حاجة لنا بإعلام حكومي يعمل كمصفاة انتقائية أو كبوق ولا ينبغي لنا أن نسعى إليه».

وقالت باتريشا دي ستاسي، رئيسة مؤسسة البث العام، إنها تستطيع استغلال الزخم الخاص باستخدام المال العام في الصحافة الاستقصائية، لأنها خدمة عامة مهمة. وصرحت هاريسون إلى وكالة «أسوشييتد بريس» قائلة: «إذا قام الجميع بما يفترض أن يقوموا به، لن تتوقف هواتفنا عن الرنين ولا بريدنا الإلكتروني عن استقبال الرسائل».

وتعد المؤسسة القناة الأساسية لتوزيع الأموال الفيدرالية على الإعلام الحكومي ووصفتها باتريشا بأنها جدار عازل بين الكونغرس والمحطات التي لا تهدف للربح، مما يدل على أنه ليس إعلاما تابعا للدولة. وشاركت باتريشا في رئاسة اللجنة الجمهورية القومية، وكانت مسؤولة في وزارة الخارجية أثناء فترة تولي إدارة جورج بوش الابن.

وفي عام 2010 خصص الكونغرس 420 مليون دولار للبث الحكومي خاصة المحطات المحلية. وتعتمد أكثر من ربع ميزانية الكثير من المحطات على ذلك الدعم وتسعى إلى الحصول على دعم مالي من متبرعين.

وأطلقت محطة «بي بي إس» برنامج «نيد تو نو» (الحاجة إلى المعرفة) وطورت برنامج «بي بي إس نيوز أور» (ساعة بي بي إس الإخبارية) من أجل زيادة محتواها الإخباري. وستعين الشبكة صحافيين للتنسيق بين المحتوى الإخباري المحلي والقومي من أجل زيادة عدد متابعيها على شبكة الإنترنت. وفي الوقت ذاته، سيتيح منبر رقمي بأموال فيدرالية للمحطات المحلية توفير محتواها للمنابر القومية الحكومية الأخرى.

في سان دييغو، أتاحت المنح الحكومية لـ«كيه بي بي إس - تي في آند راديو» تعيين صحافيين اثنين لتغطية الأخبار على الحدود الأميركية - المكسيكية. ويعد الصحافيان من ضمن تسعة تم تعيينهم في نيفادا وأريزونا ونيو مكسيكو ويعملون على إنشاء مكتب مشترك تحت اسم «فرونتيراس»: «ذا تشينشينغ أميركا ديسك».

وقالت ناتالي والش، كبيرة منتجي الأخبار، إن الجهود التي تبذل أثمرت تحقيقات ومواضيع طويلة، منها قصة حديثة عن زيادة عدد رعاة البقر المكسيكيين في مسابقات الروديو والتحديات التي يواجهونها في هذا المجال. وقالت ناتالي: «أعتقد أنه لدينا موطئ قدم وحصلنا على المزيد من الاحترام، بحيث أصبحنا نقف على أرض صلبة تمكننا من تدعيم مكانتنا». وقالت ناتالي إنه مع خفض كبرى القنوات في المنطقة لحجم العاملين بها والحد من تغطية الأخبار على الحدود، أصبح للعاملين لديها فرصة للدخول إلى هذا المجال.

وفي محطة «إن بي آر» ازداد عدد متابعي الإذاعة بشكل كبير بمرور السنوات، مما دعاها إلى زيادة الاهتمام بالأخبار. وقد احتفلت الشبكة مؤخرا بالعيد الأول لوحدة التقارير الصحافية الاستقصائية التي يبلغ عدد العاملين بها ثمانية يعملون بدوام كامل.

وتناولت تحقيقات «إن بي آر» السلامة في المناجم ومعالجة الجيش لإصابات المخ سلسلة من مشكلات في المشارح الأميركية تم بثه الشهر الحالي. قام بأكثر هذه المشاريع شركاء لا يسعون إلى الربح مثل «برو بابليكا» و«مركز النزاهة العامة» و«فرونتلاين» التابع لـ«بي بي إس». وقد حصل مشروعان ممولان من «برو بابليكا» الأسبوع الماضي على جائزة «جورج بولك» وهي إحدى أرفع الجوائز في مجال الصحافة.

قالت سوزان ريبير، التي كانت تعمل في مؤسسة البث الكندية وتم اختيارها لترأس وحدة الصحافة الاستقصائية، إنها تطلب من مراسلين صحافيين استعراض مهاراتهم ومصادرهم بطريقة مختلفة. وقالت: «لقد طلب منهم القيام بنوع خاص من التقارير الصحافية وسرعان ما تحسن مستوى أكثر التقارير الإخبارية المقدمة على أي خدمة إذاعة». وفي الوقت الذي تحد فيه الشبكات الأخرى من تغطيتها للأحداث العالمية، تحتفظ «إن بي آر» بـ17 مكتبا لها في الخارج. وكذلك تستعد إلى بدء محاولة لتغطية عواصم الولايات الأميركية.

وقال ديك ميير، المحرر التنفيذي الذي قضى الجزء الأكبر من حياته المهنية في «سي بي إس»: إن «إن بي آر» تحتاج إلى الصحافة الاستقصائية نتيجة إيقاف آخرين هذه المشاريع باهظة التكاليف. وأوضح قائلا: «لقد رأيت تحولا في (سي بي إس) من مؤسسة كانت تقوم على رسالة، وهي الأخبار، إلى مؤسسة تسعى إلى جني المال بالأساس. تبدو (إن بي آر) الآن مثل (سي بي إس) عندما رأيتها في الثمانينات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»