تعرض القنوات اللبنانية للتشويش يفتح النقاش حول ضرورة امتلاك لبنان قمرا صناعيا

يعيد لبيروت حضورها الإعلامي في المنطقة.. ويمكن تسديد تكلفته عبر الاشتراكات

TT

طرحت عملية التشويش التي تعرض لها عدد من القنوات التلفزيونية اللبنانية، أثناء مواكبتها للاحتجاجات الشعبية في ليبيا، إمكانية امتلاك لبنان قمرا صناعيا خاصا به تبث من خلاله القنوات اللبنانية، مستغنية بذلك عن الخدمات التي يوفرها لها قمرا «عرب سات» و«نايل سات».

وبعد أن أثار المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان الموضوع خلال اجتماع عقده، تبنت لجنة الإعلام والاتصالات النيابية في اجتماعها الأخير، الأسبوع الفائت، هذا الاقتراح، في إطار مناقشتها سبل حماية الإعلام اللبناني من التعرض لمثل هذا التشويش في فترات أخرى. وأوصت اللجنة، التي يترأسها النائب عن حزب الله حسن فضل الله وزير الاتصالات في حكومة تصريف الأعمال شربل نحّاس، بإعداد الدراسات اللازمة على المستويين التقني والتجاري، وإمكانية تحويل هذه الفكرة إلى مشروع عملي.

وفي موازاة اعتبار النائب فضل الله بعد الاجتماع أن القمر الصناعي اللبناني «يؤمن أمرين أساسيين: الحماية الوطنية للإعلام اللبناني من جهة، وإمكانية الاستثمار التجاري وتحويل بيروت ولبنان، لمركز استقطاب للفضائيات العربية والعالمية التي يمكن أن تستفيد من مناخ الحرية في لبنان لنقل صوتها إلى العالم»، من جهة أخرى، أوضح رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع في لبنان عبد الهادي محفوظ لـ«الشرق الأوسط» أنه في المركز الدولي للاتصالات ثمة مكان محجوز للبنان إلى جانب الأردن وسورية وفلسطين ويمكن لكل دولة امتلاك قمر صناعي أو التعاون لامتلاك قمر صناعي مشترك.

وأشار إلى أن الاقتراح «تبلور بعد اجتماع عقده المجلس مع ممثلي المؤسسات المرئية والمسموعة في لبنان ونقابتي الصحافة والمحررين وهيئة الاتصالات العليا بعد عملية التشويش التي مارسها النظام الليبي على القنوات اللبنانية».

ورأى محفوظ أن «من شأن هذه الفكرة إذا ما تم تنفيذها أن تعيد للبنان الاعتبار على صعيد الحضور الإعلامي، خصوصا أنه كان حتى الأمس القريب المركز الأول للإعلام في المنطقة»، معربا عن اعتقاده بأن من شأن امتلاك لبنان لقمر صناعي أن يعزز مكانة لبنان باعتباره يعطي مساحة واسعة لحرية التعبير والإعلام وأن يدر أموالا جديدة على خزينة الدولة، لا سيما في ظل إمكانية استفادة دول عربية من خدماته على صعيد بث قنواتها.

وفي حين كان الوزير نحاس، أشار في تعليق على فكرة امتلاك لبنان قمرا صناعيا، إلى أنها قيد التباحث منذ فترة في وزارة الاتصالات، عوّل محفوظ على الدور الذي يمكن أن يلعبه رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي في الفترة المقبلة في هذا الإطار. وقال: «ننتظر من الرئيس ميقاتي أن يعطي وزنا للإعلام، انطلاقا من موقعه الوسطي، وأن يعمل على أن يمتلك لبنان رؤية إعلامية شاملة يأتي امتلاك القمر الصناعي من ضمنها إضافة إلى خطاب إعلامي معتدل».

غياب هذا الخطاب الإعلامي اللبناني المعتدل يدفع النائب - الصحافي السابق عقاب صقر، عضو لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، إلى معارضة فكرة امتلاك لبنان قمرا صناعيا للبث. ويقول، في اتصال مع «الشرق الأوسط»: «نفرح بأن يكون للبنان قمر صناعي، ولكن يفترض بنا أن نتفق قبل امتلاكه على لغة تواصل وأن نعالج أفكارنا لا أن نصدر خطابا أحاديا قائما على أفكار لم تصنع في لبنان».

واستغرب صقر، الذي يمتنع وعدد من نواب «14 آذار» عن المشاركة في اجتماعات لجنة الإعلام والاتصالات النيابية، اندفاع رئيس اللجنة (النائب فضل الله) لمواجهة التشويش على بعض القنوات اللبنانية، فيما يعزف عن التجاوب مع عشرات الطلبات المقدمة لعقد اجتماع استنكارا للتعرض لإعلاميين لبنانيين في الداخل واستدعاء آخرين تعسفا من القضاء السوري». وسأل: « لماذا لا يتجاوب مع عملية التشويش الحاصلة على إعلاميين لبنانيين وكيف يمكن أن نعاني من أزمة عدم تواصل في الداخل ونريد أن نتواصل مع الخارج»، منتقدا اتباع سياسة «إدارة ملفات غبّ الطلب».

بعيدا عن هذا السجال السياسي، يسهب خبير الاتصالات اللبناني الدكتور محمد عطوي، في اتصال مع «الشرق الأوسط» في الحديث عن «التقنيات العالية التي تحتاج إليها عملية البث الفضائي»، بدءا من «نقل الصوت والصورة من غرفة التحكم الموجودة في كل قناة إلى محطة البث الفضائي الموجودة في بلدة جورة البلوط (قضاء المتن الشمالي)، في الضاحية الشرقية لبيروت، مرورا بعملية التشفير الخاصة بكل قناة وجمعها ضمن باقة واحدة (12 أو 24 أو 32 قناة)، وصولا إلى تحميل ترددات هذه الباقة وتحويلها ثم تضخيمها وبثها عبر المحطة الأرضية إلى القمر الصناعي ومن ثم التقاطها من قبل الأقمار الصناعية اللاقطة الموجودة في المنازل والشركات المشغلة..».

ويوضح عطوي أن «كل ما يتعلق بالاتصالات يخضع للاتحاد الدولي للاتصالات ويمكن التقدم بطلب إليه عبر الحكومة اللبنانية أو عبر شركات خاصة»، مشيرا إلى وجود شركات اتصالات تضطلع بعملية التجهيز بالمعدات والتقنيات التي يفترض امتلاكها من أجل إمكانية البث إلى الفضاء الخارجي.

وفي ما يتعلق بالكلفة المادية لامتلاك قمر صناعي، لفت عطوي إلى أنها «ليست بالباهظة وتتوقف قيمتها على عدد القنوات التي يستطيع القمر أن يؤمن استقبالها وإرسالها»، معتبرا أنه «بإمكان أي دولة أن تضع قمرا تجاريا وأن تستفيد منه ماديا عبر تأجير قنوات البث».

وفي هذا السياق، يشير محفوظ (رئيس المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع) إلى أنه «بالإمكان تغطية كلفة القمر الصناعي بسرعة من خلال اشتراكات مؤسسات الإعلام اللبنانية أو حتى المؤسسات العربية والدولية، باعتبار أن لبنان بلد الحريات الإعلامية ولا إمكانية لخرق هذه الحرية أو التشويش عليها».

وبطبيعة الحال، يوفر القمر الصناعي حماية القنوات اللبنانية ويخفف كثيرا من إمكانية التشويش عليها. ويشرح عطوي في هذا الإطار بأن «التشويش يحتاج إلى محطة بث فضائي وهو يحصل عندما يتم معرفة التردد الذي تبث عليه القناة التي يراد التشويش عليها. وبالتالي فإن التصدي للتشويش عند امتلاك قمر صناعي يتم من خلال نقل بث القناة فورا إلى ترددات أخرى غير مضروبة».

وإذ كرر الإشارة إلى أن عملية التشويش ممنوعة دوليا، مذكرا بإدانة الاتحاد الدولي للاتصالات لإسرائيل منذ أشهر لاعتدائها على قطاع اتصالات الدولة اللبنانية، شدد عطوي على أنه بغض النظر عن الجهة التي ستتقدم للاتحاد بطلب الحصول على قمر صناعي، سواء شركات لبنانية خاصة أم الحكومة رسميا (وزارة الاتصالات)، فإن الأهم يبقى في التعهد باحترام القوانين المتبعة في مجال الترددات. ولفت إلى أن لكل قمر صناعي تردداته بما يحول دون التأثير أو التشويش على الترددات التابعة للأقمار الأخرى.

وبغض النظر عما سبق، فإن البحث في إمكانية امتلاك لبنان لقمر صناعي خاص به رسميا يبدو مؤجلا إلى مرحلة ما بعد تشكيل الحكومة اللبنانية، ومعرفة هوية وزير الاتصالات الجديد، ما لم يبق الوزير نحاس في منصبه، وتوجه الحكومة المقبلة في هذا السياق، أمام الاستحقاقات الكثيرة التي تنتظرها.