تواري نجم غلين بيك

مذيع «فوكس نيوز» تحدث عن حزب الله وعلماء الاجتماع وأسعار الغاز والشريعة الإسلامية

غلين بيك
TT

كانت كل المرات التي شاهدت فيها التلفزيون الأسبوع الماضي تسير في أغلبها على نمط واحد، هو شخص غاضب يتحدث في نقاش عنيف يتحدث عن الأعداء المتربصين بالولايات المتحدة في كل مكان وعن المؤامرات وأنه هو الوحيد الملم بكل هذه المؤامرات.

ورغم احتلال تشارلي شين مساحة كبيرة من التغطية التلفزيونية الأسبوع الماضي، فإنني أشاهد غلين بيك، مذيع قناة «فوكس نيوز» تحدث عن حزب الله وعلماء الاجتماع وأسعار الغاز والشريعة الإسلامية وجورج سوروس وأبوية مخططة ونعم، كان تشارلي شين، حيث توقع أن يكون الحدث الأضخم القادم بيك يهودي محافظ وظاهرة من ظواهر البرامج الحوارية الإذاعية، برز فجأة على ساحة الإعلام التلفزيوني في عام 2009 عندما نجح في تحويل فترة الساعة الخامسة التي يهرب منها جميع مذيعي قناة «فوكس نيوز» إلى واحدة من الفترات المهمة في القناة. كان بيك خلال هذين العامين أشبه بالعراف القادر على تحديد أماكن الثورات أينما نظر، بعد نجاحه الساحق استحق الظهور على غلاف مجلة «تايم» ومجلة «نيويورك تايمز»، وعقد المؤتمرات في أنحاء البلاد والتي غصت بالمؤيدين كانت أشبه بتهديد واضح لهيمنة بيل أورايلي وشين هانيتي العاملين في «فوكس نيوز».

لكن المثير للضحك أن هذا الشيء حدث على الطريق من الثورة، فمنذ أغسطس (آب) الماضي عندما جمع مع أكثر من 100.000 من مناصريه في مركز واشنطن التجاري في مسيرة لما سماه «لاستعادة الشرف». كان بيك قد فقد ما يزيد على ثلث مشاهديه على «فوكس نيوز»، فقد انخفضت نسبة كبيرة من مشاهديه مقارنة ببقية المذيعين في «فوكس نيوز». وحقيقة أنه سقط من القمم السامقة لمناقشات الرعاية الصحية في يناير (كانون الثاني) 2010، لكن هناك بعض التقوض المثير للقلق في شعبيته بأكثر من مليون مشاهد، خاصة من الشباب.

لا يزال بيك يمتلك من المشجعين ما يكفي لأن يثير غيره أي مقدم برامج آخر، فبرنامجه الذي يحظى بما يقرب من مليوني مشاهد كل ليلة يفوق الرقم الذي يحظى به أي من منافسيه. لكن التقوض بات واضحا بما يكفي لكي يذعن مسؤولو «فوكس نيوز» إلى القول، من دون ذكر أسمائهم، بطبيعة الحال، لأنهم لا يرغبون في أن يتهموا بأنهم ينتقدون بيك. إنهم يتطلعون إلى انتهاء عقد بيك في ديسمبر (كانون الأول) ويحاولون تحديد معالم الحياة من دونه في القناة.

من ناحية أخرى، أشار الأفراد الذين عملوا مع بيك إلى أنه لا يستطيع العيش من دون قناة «فوكس نيوز». فعلى عكس أي مذيع تلفزيوني آخر يمتلك يحظى بيك بوجود طاغ، فقد باع ما يقرب من أربعة ملايين نسخة من كتبه، ويقترب من قمة تصنيف مذيعي الراديو، كما أنشأ موقعا على شبكة الإنترنت سماه «ذا بليز»، هذا إلى جانب عروضه المسرحية التي لا تزال تغص بالمشاهدين. وبحسب تقديرات مجلة «فوربس» فإن شركته «ميركوري راديو آرتس» تدر دخلا بأكثر من 30 مليون دولار سنويا.

لكن السؤال الذي يفرض نفسه على الساحة، كيف يمكن لعرى الألفة هذه بين بيك والقناة أن تنفض ميثاق يبدو وكأنه كتب من قبل التاريخ؟ هم لم يكونوا أصدقاء على الدوام لبدء هذا الميثاق، جاء بيك إلى «فوكس نيوز» ببرنامج إذاعي ضخم وظهر على عناوين أخبار «سي إن إن» لذا فهو لا يدين بشهرته لقناة «فوكس نيوز» وعادة ما كان يخرج عن سياق رسالته. هذه الصفقة بين المديرين التنفيذيين وفريق بيك بدأ في أعقاب بدء برنامجه المباشر في عام 2009.

وقد تساءل الكثير من الفريق الإخباري في «فوكس نيوز» عما إذا كانت أخطاؤه المتكررة، إشارة إلى أن الرئيس يحمل حقدا دفينا تجاه الأشخاص ذوي البشرة البيضاء، جعلت من الصعب بالنسبة لـ«فوكس» تنتقص من مصداقيتها كشبكة إخبارية. فقد غادر ما يقرب من 300 من الشركات المعلنة من البرنامج، تاركة رعاية البرنامج قاصرة على عدد ضئيل من الشركات الكبيرة التي تتوافق رسالتها ومعتقدات بيل الإنجيلية. لكن كلا الحزبين يبذل جهودا واسعة للإشارة إلى أن المناقشات ليست لها علاقة بالانتقادات المستمرة من اليسار.

بيد أن الشراكة التي كانت في صالح كلا الحزبين، ربما يكون إصلاحها. ففي برنامجه يوم الأربعاء بذل بيك جهدا كبيرا لإظهار امتنانه وولائه لقناة «فوكس نيوز».

وقال بيك: «قبل عامين كنت على قناة (كابلية) لم يكن أحد يشاهدها في تلك الفترة، أقدم برنامجا لم يكن أحد يشاهده وكنت على وشك أن أترك التلفزيون ثم جاءتني هذه الفرصة للمجيء والعمل هنا. وإذا ما كنت أتقدم بعمل إخباري أو تعليق على الأنباء فالمكان الوحيد، الذي أراه في هذا العالم قادرا على القيام بهذا التأثير هو قناة (فوكس)».

وفي معرض دفاعه عنه قال ويليام كريستول في صحيفة «ذا ويكلي ستاندرد» إن بيك يهمش من نفسه بالتأكيد على أن علماء الاجتماع واليساريين يعملون مع الأصوليين الإسلاميين على نشر بذور الفوضى في العالم. لكن بيك دائما ما يسير إلى موسيقاه الخاصة وبدأت شعبيته في الانخفاض إلى حد بعيد حقا بعد ثورة المصريين ضد رئيسهم. المشكلة بالنسبة لغلين بيك هو أنه تحول إلى آلة تدمير متسلسلة تمثل مشكلة في مشاهدتها.

إن بيك يتمتع بموهبة تسرية المشاهدين أكبر من الكثير من مذيعي قنوات الكابل ويستطيع التألق مع الشخصيات والأصوات. لكن في معظم الأحيان يكون هناك شعور بالإرهاق الناجم عن التأهب استعدادا للخطر القادم وهو ما بدأ يفت في عضده.

لقد تحول ما كان هجوما سريعا على كل ما هو ليبرالي إلى أمر كئيب وأقل متعة، خاصة مع تزايد الثورة في الشرق الأوسط وهي ظاهرة يراها بيك بداية النهاية. كثيرا ما يكون بيك وحيدا في الاستوديو مع لوح الكتابة وأخبار ملفقة وهو ما يذكره بمحاضرة عن الاقتصاد الكلي يلقيها أستاذ متوتر لم أستمتع بكلماته.

وبينما يلتقط خيوط كل المواقف المختلفة من أنحاء العالم ويشبكها في كتلة كئيبة الأربعاء الماضي، كان يسير متمهلا بين الألواح التي يرتبط كل منها بأخبار تبعث على الكآبة. وكثيرا ما كان ينظر بعيدا عن الكاميرا متركزا في منتصف المسافة وهو يتحدث عن النكبة التي لا يستطيع أن يراها سواه.

يقول ديفيد فون دريل، الذي كتب مقالا في صحيفة «تايم»: «لقد كان أكثر مرحا. لقد كان مرتبكا ومتجددا، لكن كلما زاد الوقت الذي يستمع فيه الناس إلى صراخه، ازدادوا شعورا بالإرهاق. إنك الآن تتجه نحو التعنت والتشبث بالرأي، أعني كم عدد الذين ظلوا في واكو في النهاية. مائتان؟».

ويعتقد جويل تشيتوود، نائب رئيس التنمية في «فوكس نيوز» والمسؤول التنفيذي للبرنامج، أنه «من السخف اقتراح أن العلاقة الجيدة التي تربط الجمهور الأميركي ببيك قد ضعفت، فهذا يضر بقدرته على التنافس، لكنه يقول إنه تناقش مع بيك فيما يمكن أن يحافظ على إثارة البرنامج، لقد تحدثنا عن هذا الأمر بناء على طلبه. من الضروري معرفة أنه مهما كانت أهمية الأمر أو مدى فظاعة المنحى الذي تتجه إليه الأمور من وجهة نظره، فعلى البرنامج أن يحافظ على قيمة الأمل. ما تراه على شاشة التلفزيون مع غلين هو الصحيح وهو سلاح ذو حدين. فإذا كان منزعجا فإن ذلك يكون واضحا».

من أسباب القبول الذي يحظى به بيك لدى المشاهد أنه يبدو وكأنه على وشك أن يخسر كرات البلي الخاصة به، لكنه أخيرا يتصرف وكأنه ضجر من اللعبة. ورغم أن بيك يستطيع جذب عدد ضخم من المشاهدين، يبدو وحيدا في ذلك الاستوديو».

وقد صرح تشيتوود لجمهوره الأربعاء الماضي قائلا: «عندما أتيت إلى هنا للمرة الأولى كنت أؤمن بأنني إذا أخبرتك بالحقيقة وتحققت من كل المعلومات جيدا وإذا كان بمقدورنا دعم القضية بالحقائق، سيشعر الصحافيون في أماكن أخرى بالفضول وأنهم سيستعينون بمصادرهم ويتحققون ويثبتون الحقيقة ويظهرونها، ثم هز رأسه وضحك بمرارة.

يظل بيك متمسكا باعتقاده أن شيئا ما خطأ يحدث وأنه ربما حان الوقت للاعتماد على المخزون والتوجه نحو القبول. المشكلة في انتظار وقوع الكارثة هي أنه إذا كنت على خطأ، فعليك اكتشاف ما عليك قوله اليوم التالي، وإذا كنت على صواب سيكون التقييم ونسبة المشاهدة رائعين وهذا ما يجعل الأمر جديرا بالمحاولة.

* خدمة «نيويورك تايمز»