اختبارات جدية للمتحدث الجديد باسم البيت الأبيض

جاي كارني تسلل إلى عالم السياسة عبر الصحافة منذ عامين

جاي كارني المتحدث الجديد باسم البيت الأبيض («نيويورك تايمز»)
TT

لم يكن جاي كارني متحيزا من قبل مثلما بدا في هذا الموقف.

لم يعرف زملاء كارني السابقون بمجلة «التايم» يوما من هم السياسيون الذين قام بالتصويت لهم. وكان قد شكا بشكل خاص من أنه قد شعر بأن تغطية المجلة لانتخابات 2008 - تلك الانتخابات التي أتت برئيسه الحالي إلى البيت الأبيض - كانت شديدة التحيز لباراك أوباما.

كما أنه يفتقر للسلوك العدواني الذي طالما تحلى به كثيرون من سابقيه ممن شغلوا منصب السكرتير الصحافي للبيت الأبيض واتخذوه سمتا لهم. فهو في واقع الأمر يتسم بصوته المنخفض في الحديث إلى حد أن فنيي الصوت في غرفة المؤتمرات الصحافية بالبيت الأبيض يضطرون أحيانا إلى رفع درجة الصوت عندما يتحدث.

وحينما وقع اختيار الرئيس الأميركي بارك أوباما على جاي كارني (45 عاما) ليكون السكرتير الصحافي للبيت الأبيض في يناير (كانون الثاني)، جاء هذا الاختيار مفاجئا لكثيرين في واشنطن بوصفه اختيارا غير تقليدي. فقد تسلل إلى عالم السياسة من مجال الصحافة منذ عامين ماضيين، وقتما شغل منصب مدير اتصالات نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن. وفي هذا المنصب، كان معظم عمله من وراء الكواليس. فلم يكن منشغلا بإجراء تحقيقات صحافية يومية أو بالعمل على تهدئة الأزمات الدولية المحتدمة. فهو لم ينضم للدائرة المقربة من أوباما مثلما فعل السكرتير الصحافي السابق للبيت الأبيض روبرت غيبس.

ولكن بالنسبة لمن يعرفون كارني جيدا، فقد كانت هذه الخطوة بمثابة خطوة فارقة. فقد أشاروا إلى أن كارني دائما ما كان يبدو في حالة من الشعور بالراحة وقتما يكون بصحبة أفراد في موضع سلطة، فضلا عن أنه يتمتع بثقة في النفس جعلته محببا إلى بعض أبرز رجال السياسة.

والآن نجد صورته اللامعة في موضع اختبار قاس، نظرا لأن العالم العربي يعج بموجة من الاضطرابات، كما تواجه اليابان كارثة نووية، وتلوح في الأفق احتمالية حدوث عمليات توقف عن تقديم خدمات غير ضرورية في بعض الإدارات الحكومية.

ويقول إيلي آتي، أحد الأصدقاء المقربين لكارني وعمل سابقا في مجال السياسة ويعمل حاليا في كتابة السيناريوهات التلفزيونية: «لديه القدرة على بث الشعور بالطمأنينة في نفوس الناس». وتذكر الوقت الذي قدم فيه صديقه جاي كارني إلى ريتشارد إيه غيفاردت، رئيسه السابق. وقبلها بفترة قصيرة، أرسلت مجلة «التايم» كارني في رحلة مع غيفاردت، أحد أعضاء الكونغرس الديمقراطيين السابقين من ميسوري. وفي يوم الرحلة، رن جرس تليفون آتي، الذي يقول: «اتصل بي الاثنان ليس لأي شيء سوى ليلقيا علي السلام». فقد كانت علاقته وطيدة بالفعل بكارني.

وحينما أقام المحررون بمجلة «التايم» احتفالا بمناسبة ترقية كارني إلى منصب مدير مكتب المجلة في واشنطن، أصر مايكل آر بلومبرغ، عمدة نيويورك، على شرب نخب هذه المناسبة. كان أحد أصدقاء كارني على علاقة قوية بالعمدة قد عرف كليهما بالآخر، وسرعان ما حدث بينهما نوع من الانسجام. وحينما بدأ كارني يشعر بعدم الراحة في عمله بمجلة التايم، قام أحد أصدقائه القدامى بتقديمه إلى نائب الرئيس المنتخب حديثا، الذي كان يبحث عن مدير اتصالات مناسب. وسرعان ما حدث بينهما نوع من الانسجام أيضا.

غير أن المراسلين الصحافيين الذين يغطون أخبار البيت الأبيض يتساءلون عما إذا كانت علاقات كارني هي العلاقات المناسبة. فهو لا يقوم بتقديم التقارير مباشرة إلى الرئيس كغيره من العاملين في مجال السكرتارية الصحافية، ولكنه يقدمها إلى مدير الاتصالات بالبيت الأبيض دان فايفر. ويساور البعض القلق من احتمال عدم تمتعه مطلقا بالصلاحيات التي كان يتمتع بها غيبس، بوصفه مستشارا ومتحدثا باسم البيت الأبيض، وهو الأمر الذي يمثل حالة نادرة بين العاملين في مجال السكرتارية الصحافية في العصر الحديث.

قال مراسل «بي بي سي نيوز» في البيت الأبيض بيتر ماير: «لقد تكوّن لدى العديد من المراسلين الصحافيين انطباعا بأن الرئيس قد يأتي ويضع يده على كتف جاي ويوضح له أنه يتمتع بكل الصلاحيات التي يحتاجها». وأضاف قائلا: «إذا لم أكن قد أغفلت أي شيء، فإن ذلك لم يحدث».

نشأ كارني في شمال فيرجينيا. وقد درس بمدرسة لورانس فيل، وهي مدرسة داخلية بالقرب من برينستون بولاية نيوجيرسي، ثم ذهب بعد ذلك إلى ييل. غير أنه لم يكن منحدرا من أصل رفيع ولم يولد وفي فمه ملعقة من ذهب ككثيرين من أقرانه.

قال جون ديكرسون، الذي قام بتغطية انتخابات الكونغرس والانتخابات الرئاسية لعام 2000 مع كارني لحساب مجلة «التايم»: «يمكن أن تفترض أن والده كان ضمن مجلس إدارة (مورغان ستانلي) أو كان من أعز أصدقاء هنري لوس في أحد نوادي الطعام. ولكن هذا ليس صحيحا».

كانت بداية تعارف الاثنين وقتما كان كارني يعمل مراسلا صحافيا للمجلة في موسكو. يقول ديكرسون، الذي يكتب حاليا لمجلة «سليت»: «أتذكر فقط أنني كنت أفكر في أنه لم يكن أكبر سنا مني بدرجة كبيرة. ووقتها، كان في روسيا لحساب مجلة (التايم)، وكنت أتولى مهمة الرد على المكالمات التليفونية».

وإذا كان كارني قد تمكن من تكوين شبكة اتصالات قوية بالنسبة لوظيفته كسكرتير صحافي، فقد بدا زملاؤه غير مهتمين لهذه الحقيقة. يقول بيل بورتون، وهو متحدث سابق باسم البيت الأبيض ذُكر اسمه بين قائمة المرشحين لخلافة غيبس: «أعتقد أنه شق طريقه من خلال المقابلة، فهو يترك أثرا قويا لدى الأشخاص المناسبين في الوقت المناسب».

كان كارني سريعا في الإعلان عن أن نهجه في مجال السكرتارية الصحافية ليس تقليديا.

وذكر كارني في مقابلة شخصية أجريت معه حديثا: «لقد وصلت إلى هذا المنصب نتيجة عدم كوني متحيزا مطلقا بشكل نابع من نزعة شخصية». ولا يزال مكتبه يحمل علامات تشير إلى أن شاغله لم ينتقل إليه بشكل كامل، حيث يوجد حامل براويز صور فارغ على الحائط، كما كانت رفوف الكتب شبه خالية.

قال كارني: «قد تختلف طريقة التواصل ونغمة الحديث والأسلوب من سكرتير صحافي لآخر»، وأضاف قائلا: «لكنني سوف أوضح بشكل قاطع السبب وراء اعتقادنا بأن ما يفعله الرئيس هو الصواب. وعند دخولي في تحد مع الآخرين، فإنني أرغب في أن أكون مهذبا، غير أنني لن أرضخ».

لقد حل كارني محل غيبس في منتصف شهر فبراير (شباط)، وقد تجنب حتى الآن الدخول في أي نوع من الجدال. غير أنه كان ينمي بسرعة درجة طلاقته في الكلام اللطيف، الذي يجب أن يتقنه جميع العاملين في مجال السكرتارية الصحافية.

وعند سؤاله عن الموقف المتفجر في ليبيا، قال: «تراقب الولايات المتحدة الوضع عن كثب». وردا على سؤال حول طبيعة رد الرئيس، قال إن كل الخيارات متاحة. وعندما سئل عما إذا كانت هذه الخيارات تتضمن القذف بالصواريخ، قال إنه ليست ثمة حاجة لتخمين ذلك. تقول آن كومبتون مراسلة «بي بي سي نيوز» التي تمكنت لأول مرة من المشاركة في مؤتمر صحافي في البيت الأبيض عام 1974 بعد أن تولى جيرالد فورد رئاسة الولايات المتحدة الأميركية: «يحتاج أي سكرتير صحافي إلى شهرين من أجل التكيف مع عمله الجديد، ولكن لسوء الحظ، لا تسمح الأحداث العالمية دوما بحدوث ذلك».

ولا يعني هذا أن كارني دائما ما كان يتسم بالطابع شديد الهدوء. تتذكر دانا ميلبانك، كاتبة العمود في جريدة «واشنطن بوست» رسالة بريد إلكتروني تلقتها من كارني وقت أن كان يعمل مع جوزيف بايدن، وجاء في خانة موضوع الرسالة: «تستخدمين أسلوبا مبتذلا». وجاء في بقية محتوى الرسالة الإلكترونية: «الفبركة أداة مشروعة، في الأدب القصصي. عليك تجربة استخدامها؛ فهي تناسبك».

وبصفته متخصصا بارزا في وضع استراتيجيات الاتصال للرئيس بايدن، يتمتع كارني أيضا بمكانة أتاحت له تلميع صورة أحد السياسيين، الذي ظل في معظم الوقت إلى أن شغل منصب نائب رئيس الولايات المتحدة معروفا بزلات لسانه غير المهذبة. وقد كان الصحافيون الذين يعملون له ينظرون له باعتباره حارسا حذرا.

قال ديفيد رمنيك، رئيس تحرير «نيويوركر»، الذي طلب إجراء مقابلة شخصية مع بايدن لتأليف كتاب عن الرئيس أوباما، وهو الطلب الذي رفضه كارني: «تمتع جاي بحس عميق تجاه العميل الذي يتعامل معه وكان حاميا لنائب الرئيس المعرض للوقوع في أخطاء فادحة».

من ناحية أخرى، لا يعتبر كارني ميالا للصمت بدرجة كبيرة، فهو المغني الرئيسي في أحد الفرق الغنائية، والغناء هو الموهبة التي نبعت من ولائه للفريق الغنائي «جايديد باي فويس» الذي يحظى بشعبية كبيرة. وعن أي شريط مسجل عليه أغنيات لكارني، يمزح أتي قائلا: «لا يمكن الكشف عن هذه الشرائط، لأن جاي مساعد للرئيس، ويمكن استخدام هذه الشرائط لابتزازه». ويضيف قائلا: «على أية حال، هناك 18 دقيقة مفقودة».

* خدمة «نيويورك تايمز»