«نيويورك تايمز» تفرض رسوما على متصفحي موقعها الإلكتروني

سيتمكن الزائر للصحيفة من قراءة 20 مقالا شهريا مجانا

TT

كشفت صحيفة «نيويورك تايمز» يوم الخميس الماضي النقاب عن خطة لبدء فرض رسوم اشتراك قدرها 15 دولارا مقابل 4 أسابيع للدخول على موقعها الإلكتروني. وتراهن الصحيفة على دفع قرائها رسوم اشتراك مقابل الاطلاع على الأخبار التي اعتادوا الحصول عليها مجانا.

وبدءا من 28 مارس (آذار) الحالي سيتمكن زوار الموقع الإلكتروني للصحيفة من قراءة 20 مقالا شهريا مجانا من أجل تحقيق عائدات من اشتراك أكثر القراء ولاء للصحيفة دون إبعاد الزوار غير الدائمين الذين يمثلون الأغلبية، وذلك على حد قول المسؤولين التنفيذيين في الشركة.

فبمجرد أن ينقر القارئ على المقال رقم 21، سيكون أمام خيارين إما الدفع مقابل باقة من 3 باقات إخبارية رقمية، وهي: 15 دولارا لمدة 4 أسابيع للدخول على الموقع الإلكتروني وبرنامج للهاتف الجوال (أو 195 دولارا لعام كامل) و20 دولارا مقابل زيارة الموقع الإلكتروني وبرنامج «آي باد» (260 دولارا في العام) أو 35 دولارا لنظام دخول كامل (455 دولارا في العام).

وسيتمكن كل المشتركين الذين تصل الصحيفة إلى منازلهم من الاطلاع غير المحدود على كل الأشكال الرقمية للصحيفة باستثناء قراء القارئات الإلكترونية مثل «كيندل» الذي تطرحه «أمازون»، و«نوك» الذي تطرحه شركة «بارنز آند نوبل». كذلك سيتمكن المشتركون في صحيفة «إنترناشونال هيرالد تريبيون»، وهي الطبعة الدولية من «نيويورك تايمز»، من الاطلاع على النسخة الرقمية.

لم تحاول أي مؤسسة صحافية بحجم صحيفة «نيويورك تايمز» من قبل أن تقدم محتواها مقابل رسوم اشتراك بعد أن كان متاحا للجميع مجانا.

ويراقب الناشرون، الذين يوجدون بحذر على شبكة الإنترنت وبذلوا جهودا من أجل تحويل الصحافة الرقمية إلى عمل مربح، بقلق بالغ هذه الخطوة.

وقال آرثر سيلزبيرغر، رئيس شركة «نيويورك تايمز»، في ملاحظات خلال المؤتمر السنوي للصحيفة، أرسلت إلى العاملين صباح الخميس: «منذ بضع سنوات كانت هناك ثقة من أن الناس لن يدفعوا مقابل الاطلاع على المحتوى المتاح على شبكة الإنترنت. هذه الخطوة بمثابة استثمار في مستقبلنا، حيث ستتيح لنا تحقيق عائدات تدعم استمرار رسالتنا الصحافية وإبداعنا في المجال الرقمي والحفاظ في الوقت ذاته على القاعدة العريضة المتنامية من قرائنا ودعم مجال الإعلانات المزدهر. هذا هو آخر نظام توصلنا إليه وأفضل تصور لما سوف يكون عليه مستقبل محتوانا القيّم، سواء كان من أخبار أو موسيقى أو ألعاب أو أي شيء آخر». وأعلن سيلزبيرغر أن العقبات التي على صحيفة «نيويورك تايمز» تخطيها تكمن في عقول الكثير من القراء، مشيرا إلى أنه لا يؤمن بأي اعتقادات خاطئة. وقال: «التحدي الآن هو تحديد ثمن لعملنا دون عزل أنفسنا عن الشبكة العالمية من أجل ضمان استمرار التواصل مع أكبر عدد من القراء».

لن يتجاوز كل زوار الموقع الإلكتروني للصحيفة حدود العشرين مقال. وفي محاولة للتقليل من خسارة قراء الموقع الإلكتروني الذي يصل عددهم إلى 30 مليونا شهريا، ستتيح الصحيفة لمن يصل إلى موقعها الإلكتروني عن طريق محركات البحث مثل «غوغل» والمواقع الاجتماعية مثل «فيس بوك» و«تويتر» بزيارة الموقع. لكن سيكون هناك سقف للاطلاع محدد بـ5 مقالات يوميا لمن يصل إلى الموقع الإلكتروني للصحيفة عن طريق محرك البحث «غوغل».

إن تحديد دخول القراء على الموقع الإلكتروني بـ20 مقالا من كندا يمنح الشركة وقتا للتعامل مع أي مشكلات في البرمجة قبل أن يبدأ النظام العمل في الولايات المتحدة والأماكن الأخرى من العالم. وتتيح الشركات التي تمتلك صحفا منذ سنوات طويلة زيارة المواقع الإلكترونية لصحفها مجانا، أملا في أن تغطي الإعلانات على شبكة الإنترنت التكاليف التي تتكبدها الصحيفة. لكن رغم تزايد حجم الإعلانات على شبكة الإنترنت، لم يكن التزايد بالسرعة الكافية التي تعوض التراجع في الإعلانات المنشورة في النسخ الورقية. وتسعى الكثير من المطبوعات الصحافية للتوصل إلى وسائل تجعل قراء النسخ الإلكترونية يدفعون مقابل الاطلاع عليها مثلما يدفع من يشتري النسخ الورقية.

ويقول كين دوكتور، وهو محلل يدرس اقتصادات مجال الصحف: «إن العام الحالي حاسم، فالضغط المالي الذي تواجهه الصحف مستمر ومتزايد. إنهم في مجال ما زال يشهد تراجعا. وتحاول الصحف تسديد ديونها، لكن ليس لديها الموارد التي تكفي ذلك». ويتمحور الجدل الدائر حاليا في مجال الصحف حول سؤال تأمل صحيفة «نيويورك تايمز» الإجابة عنه وهو: هل يمكن العودة بسلوك المستهلك إلى الوراء 15 عاما وتأسيس عمل يقوم على اشتراكات على شبكة الإنترنت؟

وقال جون باتون، المسؤول التنفيذي في شركة «جورنال ريجيستر» التي تنشر صحف في ميدويست ونيويورك وكونيتيكت. وأضاف: «لا يدفع الناس أي رسوم منذ خمسة عشر عاما. نحن من جعلناهم يعتادون ذلك».

المثل الذي تضربه «نيويورك تايمز» لأصحاب الصحف هو أن نموذج العمل الناجح على شبكة الإنترنت يقوم على عدد صغير نسبيا من القراء في مواجهة الاطلاع الكبير على الصفحة. وقال دوكتور: «ما يهم الآن هو كيفية جذب عدد كبير من القراء المخلصين لصحيفتك لا جميعهم للدفع مقابل الدخول على الموقع الإلكتروني. وهذا هو جوهر العمل الجديد. يعد هذا تحولا كبيرا في التركيبة النفسية».

إذا دفع عدد كبير من القراء، ستخاطر الصحيفة بخسارة مكانتها كأكثر المواقع من حيث معدل الزيارة في الدولة، وهو ما يعد ميزة هامة بالنسبة إلى الكثير من الجهات المعلنة. لكن يمكن للخسائر المالية من تراجع الدخول على الموقع الإلكتروني للصحيفة أن تحدث توازنا لأن الجهات المعلنة كانت تعتزم منح جمهور مرتبط بالصحيفة امتيازات.

وقال أندرو سويناند، رئيس العمليات العالمية لمجموعة «ستاركوم ميديا فيست»: «الإعلان يتعلق بالارتباط. إنني أدفع إلى جمهور منخرط، وإذا كان جمهور القراء يعتزم الدفع فذلك سيوضح مدى ارتباطهم».

وبحسب تقديرات صحيفة «نيويورك تايمز»، 85 في المائة من قراء النسخة الإلكترونية لن يصلوا إلى سقف الـ20 مقالا. ووافقت الصحيفة على خطوة يعتزم بعض الناشرين اتخاذها بقولها إنه بحلول 30 يونيو (حزيران)، ستلتزم بشروط نموذج الاشتراك الذي تطبقه شركة «أبل». ويمنح هذا النموذج «أبل» 30 في المائة من رسوم أي اشتراك يباع في متجر تابع لها.

ليس أمام الصحف سوى القليل من الخيارات نتيجة الوضع الهش لهذا المجال. فحتى مع الانتعاش الذي شهدته وسائل إعلام أخرى، لم تحقق الصحف سوى القليل من الأرباح منذ نهاية فترة الركود. وتراجع عائد الإعلانات في الصحف الأميركية سواء كانت الرقمية أو الورقية عام 2010 بنسبة 3.6 في المائة ليصل إلى 8.25 مليار دولار مقارنة بعام 2009 الذي شهد أقل عائد، بحسب تقديرات اتحاد الصحف الأميركية. وعلى الجانب الآخر، بحسب مؤسسة «كانتار ميديا» التي ترصد نشاط التسويق في وسائل الإعلام، زاد إجمالي إنفاق الإعلانات في الولايات المتحدة العام الماضي بنسبة 5.6 في المائة مقارنة بعام 2009. وحقق التلفزيون عائدات نسبتها 3.10 في المائة، بينما ازدادت الإعلانات في المجلات بنسبة 9.2 في المائة. أما في مجموعة «نيويورك تايمز ميديا غروب» التي تمتلك «إنترناشونال هيرالد تريبيون»، تراجعت مبيعات الإعلانات بنسبة 1.2 في المائة عام 2010 لتصل إلى 4.780 مليار دولار. واتبعت الصحف الأخرى، وأكثرها من الصحف المحلية الصغيرة، نظاما مدفوع الأجر يشبه الذي تتبعه صحيفة «نيويورك تايمز».

وتتبنى بعض الصحف مثل «كوميرشال ديسباتش» في الميسيسيبي و«نيويورك ديلي ريكورد» في بنسلفانيا توجها قدمته «جورناليزم أون لاين» التي تتبنى نماذج متعددة تحدد عدد المقالات التي يمكن للقراء الاطلاع عليها مجانا، وهو يتراوح بين 5 إلى 20 مقالا شهريا. وقد فرضت الصحف رسوم اشتراكات شهرية تتراوح بين 95.3 دولار و95.10 دولار. وبدأت صحيفة «دالاس مورنينغ نيوز» إتاحة جزء كبير من محتواها الأسبوع الماضي مقابل مبلغ زهيد وهو تقريبا النهج نفسه الذي اتبعه الموقع الإلكتروني لصحيفة «وول ستريت جورنال» حيث تتم إتاحة أجزاء مختارة بعينها مجانا، بينما يقتصر الاطلاع على الباقي على المشتركين.

ولا يختلف النهج الذي تتبعه صحيفة «فاينانشيال تايمز»، ومقرها في بريطانيا، عن ذلك الذي تنتهجه صحيفة «تايمز». تبدأ رسوم الاشتراك التي تقدمها الصحيفة من 96.19 دولار في الشهر. وقال روب غريمشو، المدير التنفيذي للموقع الإلكتروني لصحيفة «فاينانشيال تايمز»، إن عدد مشتركي الموقع الإلكتروني وصل إلى 210 آلاف، أي أكثر من نصف عدد مشتركي النسخة الورقية من الصحيفة الذي يبلغ 400 ألف. ومع تزايد المشاعر، ما زال التساؤل عما إذا كان القراء سوف يدفعون رسوم اشتراك يثير النقاشات على شبكة الإنترنت. ووصل عدد التعليقات على إعلان صحيفة «نيويورك تايمز» هذا التوجه أكثر من 2500 تعليق على موقعها الإلكتروني. وكتب قارئ من لوس أنجليس: «إن هذا السعر مرتفع للغاية، ولا يمكنني دفعه. سأتجه إلى الموقع الإلكتروني لقناة (بي بي سي) أو (سي إن إن). أنا آسف؛ فقد اخترتم المال مرة أخرى». ودفع هذا التعليق لوري كيه من بوسطن إلى الرد فكتب: «إن هذا أقل من سعر وجبتي غداء في (ماكدونالدز). أنا سعيد لدعم صحيفة (نيويورك تايمز) بهذا الاشتراك الزهيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»