«واشنطن بوست» توقف أشهر صحافييها عن العمل بسبب سرقة موضوعات إخبارية

تحت ضغط الوقت والموعد النهائي نقلت فقرات دون الإشارة إلى مصدرها

ساري هورويتز
TT

أوقفت صحيفة «واشنطن بوست» أشهر صحافييها عن العمل، يوم الأربعاء الماضي، بعد أن توصل المحررون إلى قرار بأن أجزاء «رئيسية» في آخر مقالين لها نُسخت من دون إشارة إلى الصحيفة الأخرى المنقول عنها.

وتم إيقاف ساري هورويتز، الصحافية الاستقصائية التي تعمل بالصحيفة منذ وقت طويل، عن العمل لمدة ثلاثة أشهر، بسبب سرقة أجزاء من موضوعات نُشرت لأول مرة في صحيفة «أريزونا ريبابليك». وكانت تلك الموضوعات تتناول التحقيق مع جاريد لي لاونر، الذي تم اتهامه بإطلاق النار على غابرييل غيفوردز النائبة في الكونغرس عن ولاية أريزونا، و18 آخرين في مدينة توكسون في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

ونقلت ساري فقرتين من التحقيق الصحافي الذي نُشر في صحيفة «ريبابليك»، والذي وردت به أحكام قانون الحقوق المدنية الفيدرالي، عندما كتبت مقالا نشر لأول مرة على الموقع الإلكتروني لصحيفة «واشنطن بوست» في 4 مارس (آذار). ونُشر لها موضوع صحافي ثان لأول مرة على الموقع الإلكتروني للصحيفة في 10 مارس، وتضمن الموضوع 10 فقرات مقتبسة من الموضوع الذي نُشر في صحيفة «ريبابليك» عن بحث خاص بمنزل لاونر. ونُشر كلا الموضوعين في الصحيفة في اليوم التالي لنشره على شبكة الإنترنت.

ولطالما كانت السرقة الأدبية أكثر الانتهاكات الأخلاقية جسامة في مجال الصحافة. وكثيرا ما كان الصحافيون ينقلون عن صحف أخرى معلومات لم يحصلوا عليها، لكن المعيار الذي كان يحكم هذه العملية هو إعادة صياغة المادة والإشارة إلى مصدر المعلومات. وأقالت بعض المؤسسات الصحافية، ومن ضمنها صحيفة «واشنطن بوست»، بعض الصحافيين العاملين لديها بسبب نقل عمل صحافي آخر وتقديمه على أنه من بنات أفكارهم. وقلل بوب ستيل، أستاذ أدبيات الصحافة بجامعة ديباو، من الأمر قائلا «لقد كان ينظر لهذا على أنه خطيئة كبرى لمدة طويلة، ناهيك عن كونه خطيئة أخلاقية. لكن يحاول المحررون هذه الأيام النظر إلى السياق الكامل لما حدث وسبب حدوثه»، قبل الاندفاع نحو فرض العقوبة. وأضاف أن التكنولوجيا الرقمية وزيادة المنافسة من خلال شبكة الإنترنت جعلتا إصدار الأحكام الخاطئة أمرا وارد الحدوث.

وتولى راندي لافلي، المحرر بصحيفة «ريبابليك»، منصب ماركوس بروتشلي كمسؤول التحرير التنفيذي لأسباب مشابهة لما حدث في حالة صحيفة «واشنطن بوست» و«ريبابليك» في رسالة بالبريد الإلكتروني يوم الاثنين الماضي. وراجع بروتشلي عمل ساري وتوصل إلى قناعة بأنه تمت إساءة استخدام المادة الصحافية. ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» اعتذارا لقرائها على موقعها الإلكتروني يوم الأربعاء، وستنشر ملحوظة لرئيس التحرير في عدد الخميس من الصحيفة.

وقال بروتشلي في مقابلة «نعتقد أن الموقف الذي اتخذناه كان حاسما كما ينبغي، ويوضح الجدية في التصرف حيال أي فعل نراه تجاوزا». وقال إنه راجع كل الأعمال المنشورة لهورويتز خلال العام الحالي ولم يجد أي دليل آخر على قيامها بسرقة أدبية أخرى. ولم ير المحررون أي سبب يدعو للقلق عند مراجعتهم لعدد كبير من الموضوعات الصحافية التي كتبتها قبل العام الحالي على حد قوله.

وقالت ساري في تصريح صدر يوم الأربعاء «أقدم أسفي إلى قرائي وأصدقائي وزملائي ومحرري الصحيفة وللصحيفة التي أقدرها كثيرا، وأريد أن أقدم اعتذاري. تحت ضغط مواعيد التسليم قمت بشيء لم أقم به سابقا في مجال عملي. لقد نسبت لنفسي كلام صحيفة أخرى. لقد كان خطأ ولا يمكن تبريره، ويعد من الكبائر في الصحافة. اعتذر لصحيفة (أريزونا ريبابليك) والصحافيين والمحررين العاملين بها. وأقبل العقاب الذي أوقعته علي (واشنطن بوست)، وأنا ممتنة لسماح الصحيفة لي بالعودة إلى العمل. آمل أن أكون صحافية وإنسانة أفضل عند عودتي».

وبحسب مصادر مطلعة على الموضوع، فقد اقتطعت ساري جزءا مما نشر بالنسخة الإلكترونية للصحيفة، ثم وضعته في مستند «ميكروسوفت وورد» إضافة إلى ملاحظات أخرى عن حادثة إطلاق النار. وتحت ضغط الوقت والموعد النهائي لتسليم الموضوع، نقلت ساري بعضا من هذه المواد الصحافية وأضافتها إلى موضوعاتها وسلمتها لمحرريها على أنها من قامت بكتابتها.

وتعد ساري، التي انضمت إلى فريق عمل صحيفة «واشنطن بوست» عام 1984، من أهم الصحافيين العاملين بالصحيفة، وقد حازت جائزة «بوليتزر» مناصفة مع زميلها سكوت هيغام عام 2002 عن إجراء سلسلة من التحقيقات خاصة بحوادث وفاة لأطفال بالتبني تحت رعاية منظمات رخاء الأطفال في واشنطن.

لقد كانت جزءا من فريقين يعملان بصحيفة «واشنطن بوست» وفازا بجائزتي «بوليتزر»، إحداهما عن التغطية الصحافية لحوادث إطلاق النار في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا عام 2007، وأخرى عن سلسلة من التحقيقات الخاصة بحوادث إطلاق نار عام 1998 قام بها أفراد في الشرطة المحلية. وغطى كل من ساري وهيغام التحقيق في جريمة قتل تشاندرا ليفي الموظفة تحت التدريب في واشنطن. وقد قدمت سلسلة التحقيقات التي نشرت عام 2008 في صحيفة «واشنطن بوست» انغمار غوانديك باعتباره المشتبه في ارتكابه للجريمة على الأرجح. وتمت إدانة انغمار بارتكاب جريمة القتل العام الماضي. وقال لافلي «أكن احتراما كبيرا لصحيفة (واشنطن بوست). لكن في الوقت ذاته يبذل الصحافيون الذين يعملون لدينا جهدا كبيرا من أجل الحصول على هذه المعلومات، وليس من الصواب الاستيلاء عليها بهذه البساطة. إنها نسخت الموضوع ولم ينبغ لها أن تفعل ذلك». وأضاف قائلا «لست غاضبا، لكنني فقط أشعر بالإحباط». وعند الاتصال بها في منزلها رفضت ساري إضافة أي تعليق علني إلى تصريحها المكتوب.

* خدمة «نيويورك تايمز»