الصحافي المشاغب سانتورو يحيل حياة برلسكوني إلى جحيم

قال: حتى في زيمبابوي لا يمارسون الرقابة على الصحافة والتلفزيون بهذا الشكل

ميكيله سانتورو
TT

من هو ميكيله سانتورو؟ إنه الإعلامي الإيطالي الذي يصفه رئيس الوزراء سيلفيو برلسكوني قائلا: «يساري خطير ومشاغب كبير، يستخدم التلفزيون الحكومي لأغراض إجرامية، لأنه لا يحق للتلفزيون الرسمي أن ينتقد الحكومة».

كل المشاهدين يعرفون أن سانتورو صحافي جريء وصريح لا ينجو أحد من لسانه، فمهمته «شوي» الساسة علنا وحشرهم في الزاوية، وكشف نواياهم ومراوغتهم وصدق قولهم أو زيفه، ويقول دفاعا عن طريقته في فهم الأمور: «الساسة لا يتبعون أي قاعدة، ونحن الإعلاميين يتوجب علينا احترام ألف قاعدة، فكيف يمكننا أن نتحمل! ثم حين يصل الأمر إلى درجة لا تطاق يتوقعون منا أن نترك لكي تخلو لهم الساحة بعيدا عن الرقابة الشعبية والشفافية الديمقراطية».

جرت عدة مبارزات بين برلسكوني وسانتورو منذ خمسة عشر عاما عبر شاشات التلفزيون الحكومي «راي»، وكان آخرها هجوم سانتورو على رئيس الوزراء عبر القناة الثانية، مذكرا إياه بأنه قبل يد العقيد معمر القذافي آملا في الحصول على المزيد من العقود التجارية مع ليبيا، وأنه يحمي الراقصة المغربية المعروفة باسم روبي وصديقاتها اللاتي يتهمن بحضور الحفلات الصاخبة في فيلا برلسكوني، حيث يشاع أن برلسكوني أفصح لها أنه سمع من القذافي لأول مرة مصطلحا أفريقيا غدا على كل لسان في إيطاليا «بونغا بونغا» في إشارة خفية إلى الرقص ثم المداعبة الجنسية. وأعلن أحد المشاركين في برنامج سانتورو أن روبي، التي تعرفت على برلسكوني وهي قاصر عمرها 17 سنة، حاولت مؤخرا الحصول على شهادة ولادة مزورة من المغرب، بعد رشوة أحد موظفي دائرة الأحوال المدنية هناك، تزيد عامين على سنها الحقيقي، تمهيدا لعرضها على المحققين في إيطاليا الذين يستقصون خبايا القضية.

يسأل سانتورو: من هم أصدقاء القذافي في إيطاليا؟ ويتساءل حول تردد برلسكوني في دعم الثورة ضد الزعيم الليبي مثلما فعلت فرنسا، وهل لذلك علاقة باتهام الرئيس الفرنسي ساركوزي بأنه يريد استغلال البترول الليبي على حساب إيطاليا كما أشارت بعض الصحف الموالية لبرلسكوني مؤخرا. ويجيب سانتورو: «يقولون لنا في الصباح إن القذافي عدو، لكنهم يعتبرونه صديقا في المساء، مثلما يدعي برلسكوني أنه رب عائلة صالح صباحا ثم يتحول إلى مغامر عاشق مثل دون جوان في الليل». ويضيف: «إنه النفاق بعينه، فالقذافي يعد ليبيا بالجمر والنار، لكن جامعة روما منحته الدكتوراه الفخرية في العام الماضي».

لبرنامج سانتورو الأسبوعي شعبية واسعة، إذ يصل عدد مشاهديه إلى 6 ملايين، لذا حين تطرف في الكلام والنقاش اضطر المدير العام للتلفزيون الحكومي ماورو ماسي (أمين عام رئاسة مجلس الوزراء سابقا) إلى الاتصال بالبرنامج على الهواء وخاطب سانتورو راجيا منه الكف عن المزيد، قائلا: «أنت تعرف مثلما يعرف المشاهدون أن هناك حدودا يجب احترامها»، فما كان من سانتورو إلا القول «كما تدعي أنت لا كما يعرف المشاهدون.. أنت تقول لي: لا تقدم البرنامج وعندك الحق في إلغائه». أجاب ماسي بهدوء وسط ترقب الحضور لهذه المبارزة العلنية الجديدة: «لم أقل هذا وأنا أحترمك، ولكنك قد تخالف القوانين». فرد سانتورو بصرامة «إذن، اسحب ما قلته فلا حتى في زيمبابوي يمارسون الرقابة على الصحافة والتلفزيون بهذا الشكل.. مع السلامة».

ظن الكثيرون أن برنامج سانتورو سيلغى في المستقبل، مثلما فعل برلسكوني عام 2002 حين أوقف البرنامج لمدة أربع سنوات وطرد مقدم البرنامج من التلفزة الإيطالية راي، لكن سانتورو أقام دعوى على الحكومة وربحها عام 2005، كما حصل على تعويض للأضرار التي لحقت به مقداره مليون وأربعمائة يورو (نحو مليوني دولار). عاد سانتورو مجددا إلى الشاشة الصغيرة منذ أيام وكأن شيئا لم يكن، وكان موضوع الحلقة المشكلة النووية في اليابان بعد الزلزال الأخير والتسونامي الذي تبعه، وتداول ضيوف البرنامج من الساسة الإيطاليين موضوع الطاقة النووية في إيطاليا ومخاطرها ونية الحكومة الحالية على التوسع فيها.

ولد ميكيله سانتورو في ساليرنو قرب مدينة نابولي عام 1951 ونال شهادته الجامعية في الفلسفة، ثم نجح كصحافي ومقدم للبرامج في التلفزيون الحكومي، حيث اشتهر برنامجه المباشر كل أسبوع بعنوان «سمرقند»، وعمل كذلك في التلفزيون الخاص الذي يملكه برلسكوني، كما انتخب قبل ستة أعوام كنائب يساري في البرلمان الأوروبي، ثم عاد إلى التلفزيون الحكومي عام 2006، واستضاف وزير العدل السابق كليمنه ماستيلا الذي انسحب استنكارا على الأسئلة المحرجة التي ووجه بها، كما استقال بعد ذلك حين انتشرت فضيحة الفساد حوله.

يقول سانتورو في تعقيب له على تصرفات برلسكوني، إن على رئيس الوزراء أن يقرأ كتب الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو المتوفى عام 1984 حول حدود السلطة وكتابه حول تاريخ الجنون والحضارة، فكل مجتمع له سياساته العامة المقبولة التي يصفها بالحقيقة، لكن المهم أن نميز بين الصحيح والأقوال المزيفة. والمقصود بذلك ما ذكره الشاعر الكبير نزار قباني حين أنشد قائلا: «إذا أصبح المفكر بوقا.. يستوي الفكر عندها والحذاء».