مطالب بإعادة صياغة قوانين جديدة لمواقع التواصل الاجتماعي

بعد تفشي مشكلة المعضلة الأخلاقية لما ينشر على هذه المواقع

حسام الحملاوي ومخاوف من حذف العديد من المقاطع المصورة التي تظهر بطش رجال الأمن في جهاز أمن الدولة مع المواطنين («نيويورك تايمز»)
TT

بعد يومين من استخدام موقع «فليكر» الاجتماعي في عرض الصور الفوتوغرافية لضباط بجهاز أمن الدولة في مصر، أخذ حسام الحملاوي يشاهد وهو يكاد لا يصدق كيف اختفى المقطع تلو الآخر من المواقع الاجتماعية التي كان يستخدمها منذ عام 2008. وقال الحملاوي، أحد أبرز المدونين المصريين والناشط في مجال حقوق الإنسان الذي حمل لقطات للشرطة من أسطوانات مدمجة وجدها نشطاء في بداية الشهر الحالي في مقر أمن الدولة بمدينة نصر. وعرف حسام فيما بعد أن هناك رسالة إلكترونية من موقع «فليكر» تفيد بأنه تم حذف الصور الفوتوغرافية لأنه لم يلتقط الصور بنفسه وهو ما يعد انتهاكا ومخالفة لقواعد الموقع الإلكتروني. وقال: «إن هذا لأمر سخيف حقا. فموقع (فليكر) مليء بالحسابات التي تضم صورا لم يلتقطها أصحابها بأنفسهم».

ويعد موقع «فليكر»، الذي أسس ليكون منبرا للمصورين الفوتوغرافيين المحترفين يساعدهم على عرض أعمالهم، من المواقع الاجتماعية مثل الـ«فيس بوك» و«تويتر» و«يوتيوب» التي زاد استخدام النشطاء والداعين إلى الديمقراطية لها، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وضع هذا الدور الجديد للمواقع الاجتماعية الشركات في موقف صعب، فكيف لهم أن يوائموا بين استخدامه المتزايد في الأغراض السياسية ولعبهم لدور الطرف المحايد الذي يحافظ على تطبيق الممارسات والسياسات التي جعلت هذه الخدمة تحظى بشعبية في المقام الأول.

وكان موقع «يوتيوب» من أول المواقع الاجتماعية التي واجهت مشكلات مع المحتوى الذي نشره أحد نشطاء حقوق الإنسان نتيجة انتهاكه لشروط وقوانين الخدمة. وفي نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2007 حذف موقع «يوتيوب» مقاطع مصورة اعتبرها أعضاء الموقع «غير لائقة»، حيث أظهرت شخصا يتم تعذيبه على أيدي الشرطة في مصر. وقد قام وائل عباس، أحد المدونين المصريين الذي اشترك في مناهضة التعذيب في مصر، بتحميل تلك المقاطع المصورة. وبعد الاحتجاج على ذلك، راجع فريق عمل الموقع المقاطع المصورة وأعادوا نشرها. وتستعد الشركة التي يملكها موقع «غوغل» لمعالجة هذه القضايا.

لقد ظل موقع الـ«فيس بوك» هادئا إلى حد كبير بشأن دوره المتنامي في أوساط النشطاء في الشرق الأوسط الذين يستخدمون الموقع كوسيلة للتواصل مع الجماعات المعارضة ولنشر معلومات عما تقوم به الحكومة وتنظيم الاحتجاجات. لكن يجد موقع الـ«فيس بوك» حاليا نفسه منساقا إلى الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي ومدفوعا نحو الدفاع عن نهجه المحايد والشروط المنظمة للخدمة أمام بعض مؤيدي إسرائيل ومن ضمنهم مسؤول في الحكومة الإسرائيلية.

فقد أرسل يولي أدلشتين، وزير الإعلام والشتات خطابا الأسبوع الماضي إلى مارك زوكيربيرغ، المسؤول التنفيذي في موقع الـ«فيس بوك»، يطلب منه حذف صفحة على الموقع أنشئت في 6 مارس (آذار) باسم «الانتفاضة الفلسطينية الثالثة». ووصل عدد المشاركين في الصفحة التي تدعو إلى انتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة في مايو (أيار) إلى أكثر من 240 ألفا.

وجاء في الخطاب: «بصفتك المسؤول التنفيذي لموقع الـ(فيس بوك) ومؤسسه، فمن الواضح أنك تدرك جيدا قدرة الموقع الهائلة على حشد الجموع حول القضايا، ونشكر لكم حسن تعاونكم. لكن يمكن لهذه القدرة أن تسبب قدرا هائلا من الدمار مثل إثارة المشاعر على الصفحة المذكورة».

ولم يقم الموقع بحذف الصفحة حتى هذه اللحظة، حيث لم تؤيد الصفحة من وجهة نظر القائمين على إدارة الموقع أي أعمال للعنف وهي بذلك تعد مقبولة، على حد قول مسؤولي الشركة.

وقال إندرو نويز، المتحدث باسم الشركة عن السياسة العامة: «نريد أن يكون موقع الـ(فيس بوك) منبرا يستطيع أن يناقش فيه الجميع القضايا ويعبروا عن آرائهم بصراحة في إطار احترام مشاعر الآخرين».

على الجانب الآخر، انتقد نشطاء حقوق الإنسان موقع الـ«فيس بوك» لعدم مرونة بعض السياسات التي يتبناها، خاصة ضرورة أن يقوم المستخدمون بعمل حسابات بأسمائهم الحقيقية. واستشهد داني أوبراين، أحد منسقي شبكة الإنترنت في لجنة حماية الصحافيين بحالة مايكل أنتي، أحد الصحافيين والمدونين المستقلين من الصين، الذي تم تجميد حسابه في يناير (كانون الثاني) لعدم استخدامه اسمه الحقيقي، فضلا عن فقدانه القدرة على النشر والتواصل على موقع الـ«فيس بوك» وعدم الرغبة في استخدام اسمه الحقيقي بسبب القوانين الصينية الصارمة المقيدة لحرية التعبير والتنكيل بالنشطاء الذين يخالفونها، وفقد بيانات آلاف من الناس المشتركين في الموقع. وقال أوبراين: «لا يمكن للمرء أن يتوقع من هذه المواقع أن تقدم كل شيء لكل شخص. أعتقد أن جزءا من الحل يكمن في توفير وسيلة لائقة للناس تمكنهم من إلغاء اشتراكهم في الخدمة».

وينشر الحملاوي صورا لممارسات أمن الدولة في مصر التقطها أثناء المظاهرات على موقع «فليكر» منذ عام 2008. وقد وجد أن الموقع مفيد، حيث يوفر دليلا باللغة العربية يتيح لعدد أكبر من الأفراد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تعلم طريقة استخدامه بمهارة وفاعلية.

وقام الحملاوي بتحميل لقطات أملا في أن يعرف المزيد من الناس معلومات عن أفراد الشرطة الذين تورطوا في التجسس والانتهاكات والتعذيب حتى يساقوا إلى العدالة ويمنعوا من تولي مناصب جديدة في الحكومة الانتقالية. وقال: «لقد أردنا أن نجعل لهم ملفات تحتوي على صورهم بحيث يستطيع أي شخص أن يعرف عنهم أي معلومات تفضح أمرهم. لا نريد أن يوجد هؤلاء الناس في نظام ما بعد مبارك».

وأضاف أن «الثورة لم تنته بعد في مصر». وأوضح قائلا: «إذا لم نمارس الضغط في الشارع أو على شبكة الإنترنت، لن نرى أي محاكمات لأفراد الشرطة».

وقالت إبيل أوكوبي هاريس، مديرة برنامج العمل وحقوق الإنسان بموقع «ياهو» الذي يمتلك موقع «فليكر»، إن حالة الحملاوي توضح التحدي الذي يمثله عمل توازن بين القواعد وشروط الخدمة للمستخدمين والأساليب الجديدة التي يستخدمها النشطاء فيما يتعلق بهذه الخدمة.

وتضيف: «لقد تم إنشاء موقع (فليكر) في البداية كموقع اجتماعي لهواة التصوير الفوتوغرافي حتى يتمكنوا من المشاركة بالصور التي يلتقطونها. في تلك الحالة كان لدينا شخص يريد استخدام الموقع في عرض صور لم يلتقطها، لكنه وجدها في مكان ما. طبقا لقواعد الموقع، عليك المشاركة بالمحتوى الخاص بك، فلا يمكنك تحميل صور ليست ملكك».

وأقرت إبيل بأن الحملاوي كان محقا في إشارته إلى عدم تطبيق القواعد المنظمة للموقع دائما، لكنها أشارت إلى أن هذه الحالة أثارت مناقشات داخلية بشأن ما إذا كان ينبغي على موقع «فليكر» إعادة النظر في النهج الذي تتبعه. وقالت: «مع تغير المواقع الاجتماعية، علينا التفكير في كيفية صياغة قواعد أو كيفية تطبيق قواعد تسهل على نشطاء حقوق الإنسان استخدام هذه الوسائل».

من التحديات التي تواجهها الشركة هي ما إذا كان عليها الحفاظ على التزامها باتخاذ موقف محايد بشأن المحتوى حتى في حالة كونه جارحا من الناحية السياسية للمستخدمين أو يعرض حياة البعض إلى الخطر. وتساءلت إبيل: «هل تتحمل أي شركة مسؤولية المحتوى؟ فعلى سبيل المثال ماذا يمكن أن تفعل الشركة إذا ما أرادت مجموعة معارضة للإجهاض نشر صور فوتوغرافية لأطباء يجرون عمليات إجهاض؟».

وقال الحملاوي، إن القرار الذي اتخذه موقع «فليكر» بحذف الصور لم يحبطه ويغضبه فقط، بل أرعبه. وقال: «الجميع كان يعرف بأمر نشري لتلك الصور، ثم اختفت. لم أستطع النوم فقد كنت أفكر في احتمال أن يقبضوا علي في أي لحظة».

وبعد أن حذف الموقع الصور، تلقى مساعدة من أعضاء «أنونيميس» وهي مجموعة تضم نشطاء في مجال القرصنة. وقد ساعدوه في استخدام «بيكاسا» وهو نظام للصور بـ«غوغل» في عرض صور أفراد أمن الدولة. وقال: «أعتقد أنه كان منبرا جيدا. لكنه بالنسبة إلي الآن منبر غير أخلاقي ولا أنصح أي شخص باستخدامه».

* خدمة «نيويورك تايمز»