رغم الصراع على تغطية أخبار الكونغرس.. الصحافة تزدهر في «كابيتول هيل»

أصبح بعضها يصدر 5 أيام في الأسبوع بعد أن كانت أسبوعية.. وتقدم تغطية على مدار اليوم عبر الإنترنت

تحظى أخبار الكونغرس بتغطية مباشرة عبر «كابيتول هيل» («نيويورك تايمز»)
TT

حدث أمر طريف لصحيفة «هيل» خلال الأعوام الثمانية التي تولى فيها هوغو غوردون رئاسة تحريرها؛ ففي الوقت الذي كانت تتراجع فيه كل صحيفة في أميركا، ازدهرت صحيفة «هيل» بخطى أسرع من ذي قبل.. فقد أصبحت تصدر خمسة أيام في الأسبوع بعد أن كانت أسبوعية، وتقدم تغطية على مدار اليوم عبر شبكة الإنترنت. وتمتلئ صالة التحرير فيها بستين صحافيا، وهو ضعف العدد الذي بدأ به غوردون. بالطبع ما ساعد على ذلك هو نجاح الصحيفة في مبنى «كابيتول هيل» الذي يشهد جلسات الكونغرس وكذلك أوقات طيبة بالنسبة لجميع العاملين في مجال الأخبار. يقول غوردون عن حظوظه وحظوظ منافسيه: «هناك اهتمام كبير بكل ما يحدث هنا. يبدو أن الاهتمام بتغطية هذه الأخبار لا يخبو أبدا». قد يبدو هذا أقل من الواقع، فحيثما تولي وجهك تجد مواقع ومطبوعات تعين المزيد من المراسلين لتغطية أخبار الكونغرس. وفي حين تفقد الكثير من المجالس المحلية وعواصم الولايات اهتمام وسائل الإعلام، يبدو مبنى «كابيتول هيل» سوقا لازدهار الصحافة.

وفي الخريف الماضي حققت صحيفة «ناشيونال جورنال» الغراء أرباحا كبيرة وعينت كتيبة من كبار صحافيي واشنطن من ضمنهم ميجور غاريت الذي كان يعمل في محطة «فوكس نيوز» وزادت من عدد المحررين بها بنسبة 10 في المائة ليصل إلى 100. وكذلك عينت صحيفة «بلومبيرغ»، التي تعد من اللاعبين الرئيسيين في «كابيتول هيل»، 150 محررا لتدشين «بلومبيرغ غافارنمنت»، التي تعد مصدرا غزيرا للمعلومات والبيانات الخاصة بالسياسة وخبراء السياسة والتي يبلغ قيمة الاشتراك السنوي فيها 5700 دولار. كذلك لدى صحيفة «بوليتيكو» مشروع مشابه هو «بوليتيكو برو».

وقد تم تعيين عدد كبير من المحررين لتدشين هذا المشروع الشهر الماضي. إضافة إلى ذلك انضوت «سي كيو» و«رول كول»، الصحيفتين العريقتين في هيل، تحت لواء مجموعة «إيكونوميست» البريطانية وأصابتها حمى تعيين غير مسبوقة على حد قول آندرو راشباس، المسؤول التنفيذي. وكذلك توفران نحو 35 وظيفة جديدة في التحرير بعد فترة شهدت تقليصا نتيجة عملية الدمج منذ عامين. وتنبع هذه الطاقة الجديدة من شبكة الإنترنت أيضا. فقد بدأت صحيفة «هافينغتون بوست» و«ريال كلير بوليتيكس» و«دايلي كولر» و«توكينغ بوينتس ميمو» فضلا عن صحف أخرى، في إرسال مراسليها إلى مبنى «كابيتول هيل».

ويقول كيفين مادين، السكرتير الإعلامي السابق في الكونغرس الذي يعمل مستشارا غير رسمي لميت رومني، المرشح الجمهوري المحتمل للرئاسة، إنه مع وجود عدد كبير من المراسلين الذين يبحثون عن الأخبار يبدو الأمر وكأنه «سباق ناسكار» في الكونغرس. ويضيف: «هناك تصادم ضخم حيث يتحرك الجميع بسرعة وبالتالي يصطدمون بعضهم ببعض... هناك بيئة تنافسية هناك».

ويتجلى الجنون الإعلامي كل ثلاثاء في وقت استراحة الغداء حيث يصطف المراسلون خارج مجلس الشيوخ في حفلات الغداء الجماعي الأسبوعي بحثا عن تصريح هنا أو تعليق هناك. ويتجمع المراسلون الصحافيون أمام قاعات مجمع ليندون جونسون ومانسفيلد مثل الطيور على سلك حتى يزيد العدد ويصل إلى قرابة المائة. إن ظهور أي عضو مجلس شيوخ بارز يثير الحراك بين أفراد الجمع ويتدافعون، بينما يحوم الآخرون في الأنحاء مثل الحراس استعدادا للانقضاض على أعضاء مجلس النواب قبل أن يفلتوا من بين أيديهم. ربما يصلح أن يكون حجم الحلقة المحيطة بكل عضو في مجلس الشيوخ مؤشرا على مدى نفوذ العضو.

ومن الملاحظ ازدياد عدد الصحافيين الذي يعملون في الصحافة الورقية أو الرقمية أو الإذاعة والتلفزيون المكلفين بتغطية أخبار الكونغرس خلال الأعوام الخمسة الماضية، ومن المتوقع أن يتجاوز الستة آلاف خلال العام الحالي بحسب جو كينان، مدير قاعة الصحافيين في مجلس الشيوخ، حيث يشير إلى نسبة تبلغ 11 صحافيا لكل عضو كونغرس. ورغم عدم قدوم كل الصحافيين المسجلين إلى مبنى «كابيتول هيل» كل يوم، فإن «هناك عددا كبيرا يغطي أخبار الكونغرس يوميا. أعلم ذلك لأني أراهم» على حد قول كينان.

لم تكن الصحافة تتجاهل الكونغرس في الماضي، لكن يقول البعض إن دورها في الشؤون الأميركية والعالمية أكبر من ذي قبل، مما يبرر الاستثمار في المصادر الصحافية. يقول كيفين ميريدا، محرر الأخبار المحلية بصحيفة «واشنطن بوست» التي لديها سبعة مراسلين في الكونغرس بعد أن كانوا أربعة منذ أربع سنوات، إن «الكونغرس مركز بعض أكثر النقاشات والمجادلات تعقيدا في أميركا. يمكن الإيجاز بالقول إنه مصدر ثري للأخبار».

ويتم تطبيق سياسة في هذا الشأن بالفعل. ونظرا لأن أخبار الكونغرس من الأخبار التي لا تثير الاهتمام على الصعيد المحلي والدولي، تعد تغطية الأخبار الخاصة بالسياسات ناجحة في حشد الجمهور على شبكة الإنترنت. ويشير كينان إلى أن الكثير من الصحف التي كانت لديها مكاتب نشطة في «كابيتول هيل» مثل «أريزونا ريبابليك» و«هارتفورد كورانت» قامت بتقليص حجم تغطيتها مع ازدياد الضغوط والأعباء المالية. ويشير هذا إلى عدم التركيز على أخبار الكونغرس، حيث تراجعت وتيرة نقل أخبار النواب وتأثير قرارات الكونغرس على الولايات المختلفة.

وجعل انتشار المراسلين مع استمرار دوران عجلة الأخبار وظيفة السكرتير الإعلامي في الكونغرس جحيما. ويقول جيم مانلي، السكرتير الإعلامي السابق بالكونغرس الذي كان يعمل لدى السناتور الديمقراطي هاري ريد عن ولاية نيفادا حتى شهر ديسمبر (كانون الأول) قبل أن يصبح زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، إن المراسلين الصحافيين كانوا يصطفون في مكتبه مدججين بالأسئلة منذ ما قبل الفجر في أكثر الأيام وحتى وقت متأخر من الليل. ويتساءل مانلي الذي قضى عشرين عاما من عمره في «كابيتول هيل» عن ما إذا كانت زيادة العدد أفضل. ويقول: «يؤلمني أن أضطر إلى قول هذا لأني أكن احتراما كبيرا لأكثر الصحف، لكن المنافسة حاليا شرسة حتى أصبحت أخشى من أن تؤثر الرغبة في الحصول على الخبر قبل الآخرين سلبا على دقته. ويحاول الكثيرون مطاردة الأخبار في السابعة والنصف صباحا لتنشر في الثامنة والربع ثم يعودون في الثامنة والنصف للتحقق من صحته».

وتشارك صحيفة «بلومبيرغ» و«بوليتيكو» و«سي كيو» في أكثر المعارك الصحافية الفرعية احتداما سعيا لجذب قاعدة صغيرة لكن راسخة قوية من القراء وخبراء السياسة والعاملين في «كابيتول هيل» وسكان العاصمة ومحيطها الذين يريدون تقارير إخبارية متخصصة عن موضوعات مثل السياسات الخاصة بالرعاية الصحية والدفاع والتكنولوجيا والطاقة ومستعدين لدفع مبالغ كبيرة من المال من أجل الحصول عليها.

وخلال الأشهر الثلاثة الماضية دشنت الصحف الثلاثة إصدارات جديدة وقواعد بيانات تتعمق في السياسات أكثر من الصحف الأم. فعلى سبيل المثال، قدمت «بوليتيكو برو»، التي دشنت منذ شهر والتي تبلغ قيمة الاشتراك السنوي فيها 2495 دولارا، موضوعات صحافية عن التحالف الذي كان يدفع باتجاه منح الأرباح الأجنبية إعفاء مؤقتا من الضرائب، وعن محاولات جو بارتون عضو مجلس النواب الجمهوري عن ولاية تكساس لاستخدام القرار الخاص بالميزانية لسحب الأموال المخصصة لجهاز حماية البيئة. ويعد هذا سبقا صحافيا تفوقت فيه الصحيفة على صحيفة «بوليتيكو» نفسها.

أما «بلومبيرغ غافرنمينت» فتقدم «الأخبار ذات المستوى الرفيع» كما يقول المحرر مايك رايلي؛ من أمثلة ذلك، موضوع «الورق الأبيض» الذي احتل 55 صفحة وتناول فيه خبيران في الاقتصاد عجز الموازنة. يقول رايلي: «يستمد المحتوى قيمته من عمقه وثرائه. فإذا كان المحتوى متميزا، سوف يدفع الناس ثمنا متميزا».

لكن يتساءل مادين، السكرتير الإعلامي السابق، عن تأثير هذه القوة الصحافية الكبيرة. ويقول: «رغم عدم إصدار اللجنة مشروع القرار بعد، فإن الأصوات المنتقدة والتحليل الفوري يصم الأذان. يكون هذا الأمر جيدا إذا كان يشجع على الفحص والتدقيق وإنعام النظر، لكنه قد يعني أيضا سيطرة التشويه والانفعالات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»