كرونيغ الإعلامي الألماني المخضرم.. من التاريخ والآثار إلى الصحافة السياسية الساخنة

عضو لجنة التحكيم في رابطة المراسلين الأجانب: معايير المنافسة صعبة.. والقصص الفائزة تتميز بالعمق والموضوعية والمصداقية.. وهناك عرب يستحقون الجائزة

يورغن كرونيغ
TT

يورغن كرونيغ، صحافي وإعلامي ألماني مخضرم، عضو في لجنة التحكيم التنفيذية برابطة المراسلين الأجانب في بريطانيا، ومعلق تلفزيوني، وصاحب مقال في جريدة «دي فيلت» الألمانية البارزة. له اهتمامات متنوعة بالسياسة وتقارير البحث الميداني والصحافة الاستقصائية، عرفته منطقة الشرق الأوسط وهو يغطي مواضيع البيئة والاكتشافات الأثرية بمصر، وله صداقات بالكثير من الأثريين هناك.. وقد جاء الحوار معه على النحو التالي:

* هل من الممكن أن تخبرني القليل عنك؟

- أنا مذيع وكاتب متخصص في الشؤون السياسية، وذهبت إلى برلين وواشنطن ولندن والكثير من الدول في إطار عملي المهني. وفي البداية عملت مراسلا لإذاعة ألمانية داخل لندن، وبعد ذلك تحولت إلى الكتابة الصحافية وأصبحت كاتبا في أكبر دورية أسبوعية تصدر داخل ألمانيا «ديزيت»، وبعد ذلك ذهبت إلى الـ«تايمز». ولا أكتفي بتغطية الساحة السياسية داخل بريطانيا، على الرغم مما فيها من جوانب إثارة، لكن تعد لندن مكانا مثاليا لمتابعة المواضيع المهمة والكتابة عن الأشياء التي تقع في نطاق اهتمامنا جميعنا، سواء كانت هذه المواضيع متعلقة بالعلوم أو السياسة أو الموارد المختلفة في العالم، مثل النفط، أو الإرهاب، وما إلى ذلك.

* هل من الممكن أن تطلعنا بعض الشيء عن كتابك الأخير؟

- نعم، هناك الكثير من الصور من العديد من الدول. وتعد هذه هوايتي الشخصية، والشيء الذي يحوز جل اهتمامي. النظر في الحضارات القديمة، لا سيما الحضارة المصرية، يستحوذ على العقل، حيث إنها إحدى أهم الحضارات القديمة. وتوجد صور لمكان في جنوب مصر تدعى نبتة. وذهبت إلى هناك بعد أن تحدثت مع مراقبين أثريين يعملون مع الدكتور زاهي حواس وزير الآثار بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني). وفي 2002 عندما زرت مع زوجتي نبتة، كنت أرتب لاجتماع بالقرب من معبد أبو سمبل في وقت مبكر من اليوم، وأخذنا سائق الشاحنة في رحلة استكشافية أثرية، وكان هناك قرابة 50 عالم آثار مصريا.

* ما هو أول شيء جذبك إلى عالم الصحافة؟

- منذ الأعوام الأولى في شبابي كنت أقرأ دوما عن التاريخ وعن السياسة، وكان واضحا لي أن هذا الأمر يمكن القيام به. وكنت بالفعل أدرس العلوم السياسية والتاريخ، وبدأت بالفعل العمل لدى الإذاعة الألمانية في أيام الإجازة من أجل الحصول على بعض المال، ولذا دخلت إلى هذه المهنة.

* أين درست العلوم السياسية؟

- درست العلوم السياسية والتاريخ في جامعة برلين الحرة.

* هل قمت بأي تقارير تحقيقية مهمة؟

- نعم، فهذا جزء مما نقوم به نحن الصحافيين. وفي الوقت الحالي أهتم بالتعليق أكثر، لكن يجب أن يعتمد التعليق على معرفة سليمة بالموضوع الذي تدرسه. ويجب دراسة خلفيات المواضيع التي تتناولها. وأنا مهتم بالمواضيع العلمية لأنها تؤثر على السياسة والاقتصاد، ولذا يجب أن يكون المرء ملما بالتطورات وعليه العمل بجد. وعلى سبيل المثال، فإنني بالنسبة إلى قضية التغير المناخي، أصبحت متشككا بصورة نسبية على مدار الأعوام على الرغم من حقيقة أنني كنت مهتما بموضوع احتمالية ارتفاع درجة حرارة الأرض خلال الأعوام الثلاثين الماضية. وتحولت إلى الانقسام السياسي المرتبط بالقضية، وأعتقد أن الأمر كان له بعض التأثير. ويعد ذلك الموضوع من الأشياء القريبة من قلبي، وأنا مهتم به للغاية.

* في رأيك، أي من مقالاتك كان له أكبر الأثر؟

- هناك ثلاث قصص بارزة خلال الأعوام العشرة الماضية. وتناولت في القصة الأولى أنه لا يجب أن يقف العالم والأمم المتحدة موقف المتفرج، بل يجب عليهم القيام بشيء لوقف المجزرة داخل ليبيا، ويجب أن يكون هناك تدخل. ويجب فرض حظر جوي بناء على إجراء من جانب الأمم المتحدة. وامتنعت الحكومة الألمانية مع الصين وروسيا. بالطبع كان هناك الكثير من القراء المعترضين على تفكيري، لكني قدرت أنه من المهم دعم العرب، وأنه يجب القيام بشيء ما. وأشرت في القصة الثانية عبر مقالات مطولة إلى أن هناك الكثير من علامات الاستفهام حول نظرية الاحترار العالمي الرسمية. وقد أغضب ذلك الكثيرين، حيث إن ألمانيا بطبيعتها مهتمة بالحفاظ على البيئة. وعبرت في القصة الثالثة، وهي منذ فترة طويلة، عن عدم اعتقادي بأن مرض جنون البقر سيكون وباء يمثل خطورة للبشر، وذلك بعد دراسة المرض عن قرب لأعوام والحديث مع العلماء. وكان هناك الكثير من الناس يؤمنون بذلك، وتبين أن الأمر صحيح، ولا يوجد الآن من يتحدث عن وباء جنوب البقر. وبالطبع هناك قصتي القادمة حول الطاقة النووية.

* كمحكم في رابطة الصحافة الأجنبية، هل من الممكن أن تخبرنا عن القواعد الخاصة بالحصول على الجائزة السنوية.. ولماذا لم يحصل عليها أي عربي؟

- لا يمكنني القول لماذا لم يفز صحافيون عرب من قبل، لأنني لم أكن محكما في السابق، لكني أتمنى أن يتغير ذلك في المستقبل. وربما يتعلق الأمر بصورة جزئية بالوضع داخل الدول العربية، فالكثير منها ليست مجتمعات مفتوحة، وآمل أن يتغير الوضع. والقصص الفائزة يجب أن تكون ذات طابع أصلي وتتميز بالعمق والتحليل والموضوعية والمصداقية، وتكشف القصة الفائزة أيضا عن ملكات الصحافي أو الإعلامي. وفي العادة معايير المنافسة قوية للغاية، وأعتقد أن هناك صحافيين عربا يستحقون هذه الجائزة الآن أكثر من أي وقت مضى.

* كيف تصف عملية إعداد قصة جيدة.. وما هي مكونات هذه القصة؟

- يجب أن ترتكز القصة على حقائق ثابتة، ويجب تناولها من زاوية غير معتادة، وتتعين صياغتها بلغة جذابة. ومن المهم أن تحوز القصة إعجاب القراء حتى يستمروا في قراءتها.

* ما هي العناصر الأساسية التي يجب أن تتوافر في الصحافي الجيد؟

- أهم شيء أن تكون لديه الشروط المتعلقة باللغة والتعليم. وليس ضروريا أن يكون قد درس السياسة والتاريخ، لكن سيساعده ذلك بالطبع. ويجب أن تكون لديه نظرة نقدية ومنفتحة، ولا تحكمه الآيديولوجيات أو النظم العقائدية أو الشكوك. ويجب عليه أن يحافظ على نظرته الناقدة حتى تجاه نفسه.

* ما مدى أهمية اللغة؟

- تفتح اللغة الباب على ثقافات ودول أخرى. وبصورة شخصية أشعر بالأسف الشديد لأنني وجدت اللغة العربية صعبة جدا. ولو كنت أعلم أنني سأغرم بمصر لتعلمت اللغة العربية. وتعد اللغة مهمة لأنه من خلال التعلم ومع التمتع بالقدرة على الحديث بلغة أخرى تكون لديك قدرة على التعرف على دولة أخرى أو ثقافة أخرى، وما كان لك القيام بذلك من دون اللغة.

* هل هناك مناطق أو مواضيع أخرى تريد أن تتناولها في عملك الصحافي؟

- أكتب كثيرا عن وسائل الإعلام والديمقراطية، كما أكتب عن التقنية وآثارها، خاصة الآثار النفسية. تستطيع أن ترى في العالم أن هناك الكثير من الأشخاص الآخرين في حياة أفضل بالمقارنة مع ما كان عليه الحال قبل ثلاثين أو خمسين عاما، لكن كلما أصبح العالم أكثر رخاء، أصبحت العقلية مخيفة. وهذا شيء يستهويني لأن هناك الكثير من الأسباب ليكون المرء متفائلا بشأن المستقبل، لكن عقلية الأشخاص، لا سيما في الدول الأوروبية الثرية، أصبحت مخيفة.

* هل تعتقد أن المعلومات التي نشرها موقع «ويكيليكس» قد تطرح تهديدا للأمن القومي.. وما هي المعلومات التي يجب أن تعرض على الملأ؟

- يعد موقع «ويكيليكس» سلاحا ذا حدين، وأعتقد أنه يجب أن تكون هناك بعض الخصوصية ولا يجب الإعلان عن كل شيء. وعلى الجانب الآخر، نحن مدينون بالشكر في بعض الوقائع التي نشرها موقع «ويكيليكس». وعلى سبيل المثال، تشعر أوروبا بحساسية كبيرة بشأن سمات معينة في السياسة الخارجية الأميركية، كما وفرت البرقيات صورة واقعية في برقياتهم عن الوضع داخل الشرق الأوسط،، ولذا تحظى وثائق «ويكيليكس» بنوع من الإثارة.

* هل تعتقد أن مستقبل الصحافة المكتوبة في خطر.. وهل أصبح الإنترنت يمثل تهديدا للصحافة المكتوبة.. وما رأيك في قرار فرض رسوم على التصفح عبر المواقع الإلكترونية؟

- أنا مندهش من هذه الثورة الدرامية التي نشهدها في قطاع التقنية والإنترنت، وأعتقد أن الصحف اليومية والمجلات والصحف الأسبوعية ستبقى على المدى الطويل، لا سيما عندما تقدم شيئا جديدا وإذا قدمت تحليلات. لكن من المؤكد أن الإنترنت سيغير الصحافة بدرجة أكبر على مدار الأعوام. وأعتقد أننا في الوقت الحالي في ذروة المحتوى المجاني، لكن لا أعتقد أن التصفح الإلكتروني المجاني سيستمر للأبد. ربما كان هذا التصفح المجاني شيئا مثاليا، لكنه لن يستمر.

وهناك الكثير من الصحف الكبيرة مثل «وول ستريت جورنال» والـ«تايمز» تفرض رسوما على تصفح المحتوى عبر الشبكة الإلكترونية، وتحتاج إلى القيام بذلك بقدر، وإلا فلن نحصل على رواتبنا.

* إلى أي مدى تعد منطقة الشرق الأوسط مهمة في التغطية الإخبارية؟

- تحظى منطقة الشرق الأوسط بأهمية منذ وقت طويل، وقد أصبحت أكثر أهمية في الوقت الحالي، حيث نرى الآن تغييرات جذرية بسبب الثورات، ولا نعرف إلى أين تتجه الأوضاع.

* هل تعتقد أنه من المهم أن يتوافر صحافيون متخصصون لتغطية قصص بعينها؟

- إلى حد معين، لكن على الجانب الآخر يجب أن يكون الصحافي متعدد المواهب والكفاءات أيضا. وفي بعض الأحيان تكون ثمة حاجة لتغطية موضوع جديد أو مجال جديد، وفجأة تجد نفسك منغمسا وتعمل بجد وتصبح خبيرا صحافيا على الرغم من أنك لم تقم بشيء في هذا المجال. وتعد هذه من السمات الجميلة في مهنتنا، فنحن هواة مطلعون يمكن أن يصلوا إلى درجة الخبرة إذا ما عملنا بجد وكان العقل منفتحا.

* هل شعرت دوما بأنك تحت مراقبة هيئات أمنية معينة؟

- أتذكر أنه في نهاية السبعينيات من القرن الماضي عندما كنت لا أزال صحافيا شابا، وكنت أعمل في القسم السياسي بإذاعة «ديوتشلاند» الألمانية، عرفت أن جهاز الاستخبارات الألماني الشيوعي «استازي» كانت لديه ملفات لجميع الأشخاص العاملين في ألمانيا الغربية، لا سيما من يعملون في مجال الصحافة، وأنا متأكد من أنني كنت على القائمة، لكن لم يكن ذلك الأمر مهما بالنسبة إلي.

* لو عاد بك الزمان هل كنت ستختار هذه المهنة؟

- لو كنت أشعر بأنني اتخذت الخطوة الخاطئة، لقلت إن حياتي اتخذت منحى خاطئا منذ وقت طويل، لكني سعيد بما أنجزت. وفي بعض الأحيان أشعر بالأسف لأن الصحافيين يمكنهم الكتابة أو الحديث ولكن لا يمكنهم اتخاذ قرار. ويعد اتخاذ القرار في مجال الأعمال أو العمل السياسي شيئا مهما وصعبا جدا. وأعتقد في بعض الأحيان أن الصحافيين يتصرفون بنوع من الغطرسة، ويحلو لهم توجيه انتقادات إلى صانعي القرارات، لكن يجب أن يدركوا أنه في الكثير من الأحيان يواجه السياسي خيارين كليهما غير مقنع بصورة تامة، لكن عليه أن يتخذ قرارا. وكصحافيين نكون في وضع يؤهلنا دوما إلى توجيه الانتقادات. وهذا خطر يجب أن ننتبه إليه.

* ما هي الدرجات العلمية التي تحتاج من أجل العمل في مهنة الصحافة.. وما مدى أهمية الحصول على مؤهلات علمية؟

- أعتقد أن الكثير من الدراسات في الجامعة فضفاضة، ولا تستحق الكثير من الدرجات العلمية اسمها. وأعتقد أنه أفضل من الحصول على درجة عملية أن تكون لدى المرء الموهبة والرغبة في العمل الجاد. وفي بعض الأحيان يكون ذلك شيئا غائبا في الأجيال الأصغر.

* بعيدا عن الدرجات العملية، ما الذي يحتاجه الصحافي كي يتميز؟

- الذكاء واليقظة والعمل الجاد والعقل المنفتح، وأنا لا أركز على الدرجة العملية كثيرا، لا سيما في هذه الأيام، حيث لا يمكننا التثبت مما إذا كانت الدرجة العلمية لها قيمة كما يبدو أم لا.

* هل ثمة نصيحة تريد توجيهها إلى الصحافيين الطموحين؟

- يجب أن تقرأ كثيرا كي تكون صحافيا جيدا. وهناك الكثير من الصحافيين الجيدين، لكن هناك أيضا الكثير من الصحافيين المتغطرسين والسلبيين. ويجب أن تهتم بتثقيف نفسك، ودائما ما يكون ذلك مفيدا. وبغض النظر عن المجال الذي تعمل فيه، من المهم أن تكون مثقفا بدرجة كبيرة.

يورغن كرونيغ في سطور

* عمل يورغن كرونيغ صحافيا ومؤلفا ومذيعا ومصورا. وعمل مراسلا للإذاعة الألمانية في بريطانيا وآيرلندا. ويعيش كرونيغ في إنجلترا منذ 1984، وكان يقيم في أول الأمر داخل لندن، وبعد ذلك انتقل إلى ويلتشير. وكتب كثيرا عن العولمة والموارد العالمية والإعلام والديمقراطية والكثير من القضايا البيئية مثل التغير المناخي. وفي عام 2005 حصل على وسام الإمبراطورية البريطانية من الملكة إليزابيث الثانية لإسهامه في تنمية العلاقات الألمانية البريطانية.

وأصبح مغرما بالمواقع والمشاهد القديمة داخل بريطانيا وآيرلندا. وأخذته رحلاته من أجل البحث في الثقافات القديمة والمشاهدة البعيدة إلى نيبال وفيتنام وكولومبيا والبحر المتوسط ومصر. وتأثر بصديقه المؤلف جون ميشال، وبدأ تصوير تشكيلة غير عادية من الأنماط الفنية في العالم الطبيعي ونشر تشكيلة من هذه الصور في كتابه «الوجه السري في الطبيعة».