مدير المكتب الإقليمي لصحيفة «سانكي» اليابانية: تغطية الأحداث في منطقة الشرق الأوسط تحتاج إلى قدرات خاصة

كييوشي أويتشي أبعد أسرته من القاهرة إلى طوكيو بسبب الاحتجاجات العربية وأعادها بعد الزلزال والتسونامي.. ويحلم بطبق «كشري»

كييوشي أويتشي، مدير المكتب الإقليمي لصحيفة «سانكي» في القاهرة («الشرق الأوسط»)
TT

قال كييوشي أويتشي، مدير المكتب الإقليمي لصحيفة «سانكي» اليومية اليابانية في القاهرة، إن تغطية الأحداث في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحتاج إلى قدرات فريدة من جانب الإعلاميين العاملين في هذا المجال، وبخاصة بعد تداعيات الأحداث الأخيرة في تونس ومصر وليبيا واليمن وسورية وإيران وغيرها، لدرجة أنه لم يعد يتمكن من الالتقاء بأصدقائه المصريين لتناول وجبة «كشري» معهم.

وتحت ضغط حالة الفوضى والمواجهات بين المظاهرات المليونية للشباب المصري المطالبين بإطلاق الحريات والإصلاح، ومحاربة الفساد خلال أول شهرين من هذا العام، قرر أويتشي إبعاد أسرته من القاهرة إلى طوكيو، لكنه أعادها مرة أخرى بعد تعرض اليابان لزلزال، وموجة تسونامي أسفرت عن مقتل الألوف، قائلا إن الصحيفة، رغم الظروف المأساوية التي تعرضت لها بلاده، تمكنت من الاستمرار في الصدور في مواعيدها سواء بالنسبة للنسخ الورقية أو الإلكترونية على الإنترنت (http://www.sankei.jp.msn.com).

وتعد «سانكي» ثاني أكبر الصحف اليابانية واسعة الانتشار، ويصدر منها عددان في اليوم الواحد، عدد صباحي وآخر مسائي، بالإضافة إلى استخدامها تقنية البعد الثلاثي في الصور التي تبثها على موقعها الإلكتروني. وللصحيفة مكتب في مصر منذ نحو 20 عاما، وهو المكتب الوحيد لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتغطي من خلاله الأحداث في المنطقة.. وتهتم الجريدة بكافة الحقول السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وأضاف كييوشي أويتشي، عن ذكرياته عن أول يوم من أيام ثورة 25 يناير (كانون الثاني) التي تفجرت في مصر ضد حكم الرئيس المصري السابق، حسني مبارك، إنه لاحظ منذ البداية، وفي الأيام التي سبقت المسيرات المليونية للمصريين أن هناك شيئا مختلفا في المظاهرات التي كانت تنظمها مجموعات من المصريين في أنحاء متفرقة من البلاد.

وتابع أن المظاهرات التي مهدت لقيام ثورة الشباب في مصر كانت على خلاف المظاهرات السابقة، تتحرك ككتل بشرية من مكان إلى مكان، ولم تكن ثابتة في مكان واحد كما كان حال المظاهرات في أعوام 2008 و2009 و2010 وما قبل ذلك أيضا. وأوضح أويتشي: «مع الشكل الجديد للمظاهرات في الأيام الأولى من عام 2011 شعرت أن هناك شيئا غير معتاد. وفي يوم 25 يناير، أول أيام الاحتجاجات التي أنهت حكم مبارك يوم 11 فبراير (شباط)، تنقلت وراء المتظاهرين في القاهرة من مكان إلى مكان، إلى أن تمكنوا بعد ذلك من الوصول إلى ميدان التحرير، الذي أصبح رمزا للثورة».

وأضاف أويتشي: «في الأيام التالية، أي أيام 26 يناير و27 يناير وما بعدهما، بدأت أرى أن هناك أشياء كبيرة تحدث في مصر، وحين وصلنا إلى يوم الجمعة 28 يناير، وهو اليوم الذي احتشد فيه مئات الألوف وعرف باسم (جمعة الغضب)، قلت إن الأمور في هذا البلد بدأت تتغير بالفعل».

وقال أويتشي: «كنت أشعر منذ البداية إلى أي مدى كان المصريون واقعين تحت ضغط كبير، وأنهم مع ذلك ليست لديهم القوة لعمل شيء.. لكن فجأة رأيت أن المصريين أصبحوا مصممين أكثر من أي وقت مضى على التغيير، ومع كل هذه الأحداث التي سبقت تنحي مبارك عن الحكم، لم أكن أتوقع أنه سيتنحي، كما حدث».

وعن الدول التي تقع تحت اختصاص مكتب صحيفة «سانكي» (The Sankei Shimun) في القاهرة، أوضح أويتشي أنها جميع الدول العربية وكذلك الدول المجاورة لها، مشيرا إلى أن المكتب الرئيسي لهذه المنطقة والموجود في العاصمة المصرية، يعتمد على مصادر متفرقة ومتنوعة ومباشرة وغير مباشرة، في متابعة تطورات الأحداث المتسارعة في مصر وليبيا واليمن وسورية، بالإضافة إلى إيران والكثير من الدول الأفريقية والآسيوية الأخرى.

وقال أويتشي: «نطالع يوميا أهم الصحف العربية، وعلى رأسها بطبيعة الحال صحيفة (الشرق الأوسط)، وكذلك نتابع قنوات التلفزة كقناة (العربية) وقناة (الجزيرة) و(النايل نيوز)، إلى جانب المقابلات الخاصة التي نجريها مع المصادر الحية سواء وجها لوجه أو عبر الهاتف ووسائل الاتصال الأخرى».

ويعرف المدير الإقليمي لصحيفة «سانكي» القليل من اللغة العربية، التي تعلمها خلال فترة دراسته في الجامعة الأميركية بالقاهرة، بالإضافة إلى محاولات لتعلمها من خلال عدد من المدارس المتخصصة. وتسلم أويتشي العمل في مكتب القاهرة منذ أغسطس (آب) الماضي، ولديه خبرة في العمل هنا بعد أن زار مصر من قبل مرتين، الأولى كانت من عام 1999 إلى عام 2005، ثم المرة الثانية كانت من عام 2007 إلى عام 2008، من أجل الدراسة.

ويحب أويتشي الحياة في مصر، وقال إن المصريين مرحون حتى لو كانوا يعانون من الفقر وقلة العمل، غير أنهم إيجابيون ويحاولون طوال الوقت الاستمتاع بالحياة. وقال إن زوجته تطبخ له الطعام الياباني، وأنه على المستوى الشخصي يحاول أن يتصرف داخل بيته ومع أسرته كياباني صرف، رغم تأثره بالعادات والتقاليد والأكلات المصرية، وبخاصة «الكشري» و«المحشي».

ومن الطرائف أن أويتشي أرسل أسرته المكونة من زوجته وابنته إلى اليابان خوفا عليهما من تطورات الثورة المصرية، إلا أنه اضطر بعد أقل من شهر إلى إعادتهما بعد وقوع الزلزال المدمر والتسونامي في اليابان.

ويرى أويتشي القاهرة بعين يابانية، ويحبها رغم مشكلاتها، ويقول إن العاصمة المصرية تختلف اختلافا كبيرا عن طوكيو من حيث حركة المرور التي «يبدو أنها مشكلة ضخمة في القاهرة. أما تلوث الهواء فهو أسوأ شيء هنا، بالإضافة إلى تردي حالة البنية التحتية في كل شيء مقارنة باليابان، من إسكان وطرق ومصارف. لكن أنا حاليا اعتدت على هذا الوضع.. لست محبطا من مثل هذه الأشياء. أعتقد أن مصر ستتحول إلى الأفضل، رغم أنني ما زلت متشككا في كون ما حدث في مصر يصح أن نطلق عليه ثورة بمعنى الكلمة أم لا، لأن فهمي للسياسة في منطقة الشرق الأوسط، وبخاصة في مصر مسألة ليست بالهينة».

وعن نظرته إلى دور جماعة الإخوان المسلمين في التغييرات الجديدة في مصر، قال أويتشي: «مع الاعتراف بأن الجماعة جزء من المجتمع، لكن أرى أنه لا بد من أن يكون هناك حرص في دخولها إلى المشهد السياسي».

ومنذ كان أويتشي طالبا في الجامعة بالقاهرة تعامل مع المصريين حتى حفظ الكثير من الأساليب التي جعلت منه «ابن بلد»، كما يقول المصريون العاملون معه في مكتب الصحيفة الواقع في ضاحية الزمالك. ويتذكر أنه حين جاء إلى مصر للمرة الأولى قبل نحو أحد عشر عاما، استأجر شقة، وفوجئ بمالكها المصري في أحد الشهور التي يبلغ عدد أيامها 31 يوما، يطلب منه أجرة اليوم الإضافي، على أساس أنه أجّر له الشقة باعتبار أن الشهر يساوي 30 يوما فقط.

وقال أويتشي ضحاكا إنه قام بسداد قيمة اليوم الإضافي بالفعل للمالك، لكنه أخذ ينتظر إلى أن جاء شهر فبراير (شباط) حين كان عدد أيامه 28 يوما، وقام بخصم يومين من قيمة الإيجار، وهو ما جعل المالك يرتبك ويدرك أنه يتعامل مع «ابن بلد ياباني» أيضا.. وأضاف أويتشي أن المالك عاد وطلب منه تثبيت الأجرة على أساس موحد للشهور سواء كانت عدد أيام الشهر 31 أو 30 أو 29 أو 28 يوما.

وأضاف: «بطبيعة الحال كان التعامل مع المصريين في البداية أمرا صعبا بالنسبة لي، لكن بمرور الوقت أصبح التعاطي مع المصريين من الأوقات الممتعة، والآن أشعر أنني تعلمت الكثير.. أصبح لي أصدقاء في ضاحية شبرا الشعبية، بالإضافة إلى أصدقائي من المناطق الثرية من أيام دراستي في الجامعة الأميركية. لكن ضغط العمل لم يعد يتيح لي الفرصة في التواصل كما كان الأمر في الماضي، خصوصا بعد الثورتين التونسية والمصرية وما تبعهما من احتجاجات ومصادمات بين المتظاهرين والسلطات في دول كاليمن وليبيا وغيرهما».

وتابع أويتشي أنه منذ بداية هذا العام لم يتمكن أيضا من إيجاد الوقت لمتابعة الأفلام العربية والمسرحيات في دور السينما والمسرح، قائلا: «إن العمل في منطقة الشرق الأوسط يبدو شديد الصعوبة بسبب ازدحامه بالأحداث، فبالإضافة إلى القضية الفلسطينية، هناك في العقود الأخيرة تطورات للأحداث في العراق وإيران ولبنان والسودان وغيرها.. متابعتي لشؤون المنطقة، وبخاصة في الفترة الأخيرة، لم تعد تترك لي وقتا لأي شيء غير الانهماك في العمل المستمر وملاحقة الأحداث ليلا ونهارا».