موقع إلكتروني ومحررون صينيون يكشفون يد الرقابة الخفية

صراع يومي بين محرري وسائل الإعلام والمسؤولين عن الدعاية في الحكومة الشيوعية

بدأ الكثير من الصحافيين الصينيين مقاومة رقابة السلطات الصينية
TT

عندما أدت المخاوف من انتشار الإشعاع من اليابان إلى الحاجة إلى الملح المعالج باليود في الصين، نشرت صحيفة اقتصادية أسبوعية قصة على موقعها الإلكتروني بعنوان: «بيع الرعب في كونغدنغ، وشنزين ودونغقوان، نفاد مخزون الملح المعالج باليود، والرعب النووي في اليابان ينتشر».

وخلال دقائق، اتصل الرقباء الحكوميون بنائب رئيس تحرير «إيكونوميك أوبزرفر»، زانغ هونغ وطلبوا منه «إزالة ذلك التعليق على الفور».

وفي إشارة صغيرة إلى عدم الإذعان، ترك زانغ القصة على الموقع، ولكنه غير الجزء الثاني من العنوان لكي يصبح: «إدارة الملح تعلن أن المخزون كاف».

وتعد واقعة 17 مارس (آذار) مجرد مثال واحد على الصراع اليومي، بل والذي يحدث على مدار الساعة بين محرري وسائل الإعلام الصينية التي تهيمن عليها الحكومة والمسؤولون عن الدعاية في الحكومة الشيوعية والرقباء الذين يرغبون في صياغة كل منحى من مناحي ما يطلق عليه المواطنون الصينيون «اقرأ وانظر وفكر».

وفي العادة، تدور جهود الحكومة الدؤوبة للسيطرة على المعلومات في الكواليس. ولكن موقع الأخبار الإلكتروني الجريء «تشاينا ديجيتال تايمز» الذي يدار من بيركلي بكاليفورنيا، ويديره زياو كيانغ، الناشط بحقوق الإنسان بدأ في فضح تلك الممارسات من خلال نشر الإرشادات والتوجيهات الأسبوعية الرسمية إلى وسائل الإعلام المطبوعة من الهيئات الرقابية الحكومية الرئيسية.

بالإضافة إلى أن الكثير من المحررين والصحافيين بدأوا في المقاومة، فنظرا لتأثرهم بالمطالب الشعبية المتزايدة بالمزيد من الانفتاح وفي ظل تقديم الإنترنت والمدونات الصغيرة قدرا أكبر من المعلومات الحرة فإنهم يستكشفون حدود ما هو مسموح به. فقد تحدث بعض المحررين والصحافيين في الحوارات التي أجريت معهم بصراحة، وإن كان ببعض الحذر، حول كيفية عمل الرقابة في الواقع، والضغوط المتزايدة التي يواجهونها بين الجمهور الذي يرغب في الاطلاع على الحقيقة والرقباء الذين يريدون التلاعب بها.

والهيئات الرقابية الرئيسية هي «جهاز الدعاية المركزية» التابع للحزب الشيوعي و«مكتب معلومات مجلس الدولة»، وغيرها. ومعا، تشارك تلك الهيئات المختلفة في رقابة معروفة بين الصحافيين الصينيين بـ«وزارة الحقيقة» في إشارة إلى رواية جورج أوريل «ناينتين إيتي فور» حول الدول السلطوية التي تتحكم في شعوبها عبر تزييف التاريخ. وقد قال الكثير من الصحافيين الذين تم الاتصال بهم إنهم لم يروا أي توجيهات محددة باستثناء الإرشادات التي حددها الموقع الإلكتروني «تشاينا ديجيتال تايمز» والتي توافق ما تم إخبارهم به تماما.

وتفتح قائمة ما يجب عمله وما لا يجب عمله نافذة على الانتباه الدقيق الذي يوليه الحزب والحكومة حتى للقصص الإخبارية الروتينية وكيف يمكنها التأثير على الرأي العام الصيني.

فعلى سبيل المثال، عندما وقع الزلزال الياباني الشهر الماضي، وخلال الاجتماع السنوي لاثنتين من الهيئات التشريعية الصينية تم توجيه وسائل الإعلام إلى عمل تغطية شاملة للكارثة ودور عمليات الإنقاذ الصينية ولكن من دون تجاهل المنتدى التشريعي السنوي.

فتشير توجيهات 13 مارس إلى أنه «يجب أن نوضح تماما دور أعمال الإنقاذ التي قامت بها فرقنا في اليابان. كما يجب أن نراقب عن كثب وضع الشعب الصيني ومتابعة الصينيين الموجودين في اليابان. كما يجب عدم انتقاد أو تمجيد أفعال الحكومة اليابانية، كما يجب عدم عقد أي مقارنات بين الجهود غير المنهجية وجهود الإنقاذ في بلادنا».

وفي 4 مارس، تقول الإرشادات: «لا تنشروا أخبارا تتعلق بحادثة وقوع تلميذ نرويجي جرح نفسه بعد محاولة القفز بالباراشوت من برج بأكاديمية العلوم الصينية».

وفي 3 مارس، جاء الخبر المثير للاهتمام: «يجب على كافة وسائل الإعلام ألا تنشر شيئا حول زيادة رواتب جيش تحرير الشعب».

وقد تلقت قضية وزير السكك الحديدية الصيني، ليو تشي جيون الذي تم فصله نظرا لاتهامه بالفساد هنا تغطية واسعة. ولكن في 4 مارس أرسل جهاز الدعاية تعليماته: «على كافة وسائل الإعلام عدم نشر تقارير حول الأخبار المتعلقة بأن جيون كان لديه 18 عشيقة» (كانت هناك الكثير من وسائل الإعلام قد تناولت قصة العشيقات قبل صدور ذلك الأمر).

وفي 28 مارس، ذكرت التعليمات «لا تنشروا قصصا أو تعيدوا نشر قصص أو تعلقوا على إعدام تاجر المخدرات الفلبيني». وفي 29 مارس، عندما انتشرت قصة خطة جامعة بكين لمراقبة الطلاب ذوي الأفكار الراديكالية على المواقع الإلكترونية، كتب المراقبون «على كافة المسؤولين عن المواقع الإلكترونية التوقف عن تلك المناقشات والإسراع في التخفيف من حدة الحديث حول تلك القضية».

وقد قال الكثير من المحررين والصحافيين في بكين وشنغهاي إن تعليمات الرقابة الأخيرة كانت تحتوي على تفاصيل أكثر من المعتاد وهو ما يعكس «عصبية النخبة الحاكمة من وصول الانتفاضات التي تجتاح شمال أفريقيا والشرق الأوسط إلى الصين».

وقد وافق على ذلك أحد كبار المحررين من صحيفة يقع مقرها في بكين، الذي طلب عدم ذكر اسمه أو ذكر اسم الصحيفة. فيقول: «حقا، ومقارنة بالعام الماضي، أصبح الوضع هذا العام أكثر تقييدا. ويرجع جانب من السبب في ذلك إلى المناخ الدولي العام. كما أن العام المقبل هو عام مهم بالنسبة للصين أيضا». حيث من المتوقع أن يحدث تغيير في القيادة خلال العام المقبل حيث يجب أن يتخلى الرئيس هو جينتاو ورئيس الوزراء وين جياباو عن منصبيهما.

ويقول معظم الصحافيين إنهم لم يروا أبدا أي إرشادات مكتوبة من الرقابة؛ حيث يتم تمرير تلك الإرشادات في العادة إلى القيادات العليا بالصحف أو محطات التلفزيون ويتلقى باقي العاملين تلك الأوامر شفاهية.

وبالنسبة للصحف، فإن معظم كبار المحررين يطلب منهم عادة حضور اجتماعات هيئة الدعاية حيث يحصلون على أحدث التعليمات. وإذا لم يتمكن المحررون من الحضور فإن هيئة الدعاية تتصل بالمحرر.

وبالنسبة للمواقع الإلكترونية، ونظرا لإيقاعها السريع، يفضل المسؤولون عن الرقابة استخدام نظام الرسائل الفورية الصينية الذي يطلق عليه «آر تي إكس». ويقول بعض المحررين إنهم ربما يتلقون بريدا إلكترونيا يحمل أحدث التعليمات.

ويقول أحد المحررين إنه في كلتا الحالتين تنتهي الرسالة بالطلب: «من فضلك امسح تلك الرسالة».

ويقول بعض المحررين إنهم يرون عملهم باعتباره عملا يقوم على التوازنات الدقيقة بين مطالب الجماهير المتعطشة للأخبار الحقيقية في سوق تنافسية وبين الرقباء المتشددين الذين يرغبون في السيطرة على تدفق الأخبار.

هو زيجين هو رئيس تحرير «غلوبال تايمز» وهي صحيفة يومية تصدر باللغتين الإنجليزية والصينية ويمتلكها الحزب الشيوعي، «إنهم من قاموا بتعييني ويستطيعون سحب المنصب مني. وبالتالي فإن لهم تأثيرا علي». ذلك ما قاله عن مالكي الصحيفة. «كما أن للسوق تأثيرا عظيما علي. فأنا أعيش بينهم ولكن السوق لديها نفوذ أكبر وأكبر».

ويقول هو: «لسنا أحرارا كوسائل الإعلام الأميركية ولكن حريتنا تتزايد كل يوم».

- شارك في تحرير المقال كل من وانغ يوان بشنغهاي، وليو ليو من بكين

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»