المسؤول عن قسم أخبار «تويتر»: 20 ساعة متواصلة يوميا لتغطية الثورات العربية

أكثر من 43 ألف متتبع لأحداث الشرق الأوسط برسائل لا تتعدى 140 كلمة

أندي كارفين («واشنطن بوست»)
TT

يقول أندي كارفين في خضم المحادثة، انتظر لحظة من فضلك، ويتطلع إلى جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص به. يبتعد قليلا لبضع لحظات مثل السنجاب الهادئ ثم يعود. يقوم أندي بذلك عشرين، خمسا وعشرين، ثلاثين مرة، فمن الصعب العد على مدى ساعة. يبدو أنه قد اعتاد الأمر، فكثيرا ما يستمر في الكتابة على الكومبيوتر والحديث في الوقت نفسه.

يكتب أندي الرسائل على موقع «تويتر» بلا انقطاع طوال أيام الأسبوع ولساعات تصل إلى 16 ساعة يوميا، حتى إنه ظل يكتب في مرة من المرات لمدة 20 ساعة متواصلة. وبلغ عدد الرسائل في تلك المرة 1400 على حسب تقديره.

منذ ديسمبر (كانون الأول) الماضي أصبح واضع استراتيجيات للمواقع الاجتماعية في مؤسسة «إن بي آر» في واشنطن مسؤولا عن قسم أخبار «تويتر» ويتابع التطورات السريعة المتلاحقة في الشرق الأوسط. ويصنع كارفين من خلال أخذ مقتطفات من موقع «فيس بوك» و«يوتيوب» ومن شبكة الإنترنت ومزجها بروايات شهود عيان، لوحة فسيفساء تنبض بالحياة من الاضطرابات التي تموج بها المنطقة.

في لحظة ما قد ينشر كارفين روابط على موقع «تويتر» لمقاطع مصورة جديدة من الثوار الليبيين وصور فوتوغرافية من شوارع البحرين أو الأحداث التي يسلط حلف شمال الأطلسي الضوء عليها خلال المؤتمرات الصحافية. كذلك من يتتبعونه على موقع «تويتر» يرشدونه إلى المزيد من المواد مثل روايات واقعية عن التنكيل الذي يمارسه النظام في اليمن والتقارير العاجلة الواردة من ميدان التحرير وآخر الأخبار الواردة من الأردن أو سورية.

والنتيجة هي جولة مستمرة في المحيط الجغرافي السياسي خلال رسالة لا يتعدى عدد حروفها 140 تجعل رأسك يدور.

31 مارس (آذار): مقطع مصور بتقنية الغرافيك عن رجل ليبي ينفجر نصف فكه ليصنع علامة النصر ويحاول التحدث. (ملحق بالرسالة رابط للمقطع المصور).

11 أبريل (نيسان): يبدو أن هذا المقطع يصور ضحايا إطلاق النيران في بانياس بسورية. عدد ماكينات التصوير أكبر من عدد الجثث. (ملحق بالرسالة رابط للمقطع المصور).

9 أبريل: أصيب 10 على الأقل في هجوم على صنعاء ليلا. لم يتبين من نجا ومن قضى. (ملحق بالرسالة رابط لصورة فوتوغرافية على موقع «فيس بوك»).

ويستمر الأمر على هذا المنوال ليصل عدد الرسائل إلى آلاف الرسائل. وسألت مجلة «كولومبيا جورناليزم ريفيو» مشيرة إلى حساب كارفين على موقع «تويتر» الأسبوع الماضي: «هل هذا هو أفضل حساب على موقع (تويتر) في العالم؟».

جذب تركيز كارفين على منطقة الشرق الأوسط أكثر من 43 ألف متتبع على موقع «تويتر» أكثرهم من قراء صحيفة صغيرة. وتضاعف عدد متابعي نشاطه على الموقع منذ أن بدأ يكتب عن الشرق الأوسط في ديسمبر (كانون الأول) عند بداية الثورة في تونس.

من أهم الذين يتابعون نشاط كارفين على موقع «تويتر» سوزان رايس، مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة والممثلة مورغان فيرتشايلد وتشاد أوكيسينكو، لاعب فريق نادي سينسيناتي بنغال.

ويقول كارفين الذي يبلغ من العمر 39 عاما ويبدو أن يديه لا تكفان عن الضرب على لوحة الحروف على جهاز الكومبيوتر: «لقد كان واضحا لي في ديسمبر أن أمر تونس سيكون عظيما. لكن لم يخطر ببالي أنه سيصل إلى هذا الحد. كانت رسائلي على موقع (تويتر) تلاحق أحداثها المتسارعة».

لا يوجد اسم مناسب يمكن إطلاقه على ما يقوم به كارفين، هل يمكن تسميته بمشرف رسائل «تويتر» أم جامع أخبار المواقع الاجتماعية أم الصحافي الرقمي التفاعلي؟ لكن ربما يكون سبب هذه الحيرة هو الابتكارية التي يتسم بها هذا النوع من نشر الأخبار على أيدي كارفين وآخرين. ويقول كارفين: «أرى نكهة أخرى للصحافة، لذا أرى نفسي صحافي بنكهة مغايرة».

ويشبه كارفين نفسه بمذيع النشرة الإذاعية أو التلفزيونية الذي يقدم خبراء ومعلقين ومراسلين. لكن يسارع إلى توضيح الفرق بإضافة أن أندرسون كوير كان عليه الذهاب إلى موقع الأحداث التي يعرضها وينام في النهاية.

لكن ليس كل ما يفعله كارفين هو الانتقال بمقعد المذيع أينما ذهب والقيام بنشاط طوال الوقت، بل يقضي أحيانا أيام العمل في حجرة صغيرة مملة في مقر «إن بي آر»، لكنه يبعث برسائل «تويتر» أينما ذهب، حيث تقول زوجته سوزان إن جهاز «آي فون» الخاص به جزء من راحة يديه. لقد كتب رسالة «تويتر» بمجرد وقوع هجوم على المحتجين في البحرين، بينما كان ينتظر في صف أمام دورة مياه الرجال في مطعم «زايتينيا» بواشنطن العاصمة. وأرسل رسائل بالتطورات أثناء حفل فرقة «دروان دوران» في مهرجان «ساوث باي ساوث وسيت» في أوستن وفي حفل عيد ميلاد مع ابنته البالغة من العمر أربعة أعوام في بالتيمور. ويكتب على موقع «تويتر» باستمرار أثناء ركوبه قطار الأنفاق في رحلته اليومية من وإلى منزله في حي سيلفير سبرينغ.

ليس من المفاجئ بعد كل ذلك أن يعاني من إجهاد متكرر في يديه ومعصميه بحيث يضطر إلى ارتداء قفازين طبيين أثناء عمله.

من الغريب أن المكان الوحيد الذي لم يكتب عنه كارفين هو الشرق الأوسط، فقد ذهب إلى تونس ومصر وإسرائيل وعدة دول أخرى في المنطقة، لكنه لم يكرر الزيارة منذ عام 2005 أي إن زياراته كانت قبل إطلاق موقع «تويتر».

الأغرب من ذلك هو أنه قبل انتشار موقع «تويتر»، اقترب كارفين من احتراف الصحافة من خلال الاشتراك مع زوجته في إنتاج فيلم وثائقي عن ملاكمة الأرجل التايلاندية. وعمل لما يزيد على عشرة أعوام بعد تخرجه في الجامعة كخبير في السياسات العامة بواشنطن وتخصص في التكنولوجيا والشؤون التعليمية لبعض الجهات مثل مؤسسة الإذاعة العامة ومؤسسة «بينتون» التي لا تهدف للربح والتي ترأس مشروع بها لاكتشاف طرق لإغلاق «الانقسام الرقمي» الذي يؤثر على الأحياء الفقيرة. وعينته مؤسسة «إن بي آر» عام 2006 لمساعدة الصحافيين لديها على استخدام المواقع الاجتماعية الجديدة مثل «فيس بوك» و«تويتر» الاستخدام الأمثل. وبدأ كارفين ينشط على موقع «تويتر» بعد إطلاقه عام 2006 بفترة جيزة كوسيلة لمتابعة الأخبار والتواصل مع الأصدقاء.

تقول سوزان كارفين، التي كانت تعمل في السابق باحثة في الجمعية الجغرافية الوطنية وأم لطفلين، إنها تتفهم تفاني زوجها وإخلاصه لمجال الأخبار وطبيعته التي تتطلب المتابعة المستمرة. وتضيف: «منذ بضع سنوات، كان من الممكن أن يلتصق بالكرسي أمام جهاز الكومبيوتر، الآن بعد أن أصبح يستطيع القيام بالمهمة من خلال جهاز آي فون، يمكنه اصطحابنا إلى الحديقة والسير والتواصل مع معارفه في الخارج. لقد أصبح ذلك معتادا حتى إنني لم أعد ألاحظ أنه على شبكة الإنترنت».

على الجانب الآخر، يبدو أن أطفال كارفين قد اكتسبوا عادة الاتصال بالإنترنت بشكل تلقائي عن والدهم، فابنته وابنه البالغ من العمر عامين ونصفا كتبا رسائل على موقع «تويتر» في مرة من المرات عندما كان بعيدا عن جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص به.

يكمن جزء من قدرة موقع «فيس بوك» على جذب مستخدمي الإنترنت في استخدامه كمصدر لتجميع المعلومات أو تسجيل معلومات وخبرات مجموعة من المجموعات المسجلة عليه. على سبيل المثال قاد كارفين متتبعيه على موقع «تويتر» أثناء الانتخابات عام 2008 نحو تحري حقيقة المناظرات بين مرشحي الرئاسة وتقديم نصائح عن التجاوزات التي تحدث في مراكز الاقتراع.

واستعان كارفين بالتقنية نفسها للوصول إلى عمق الحقيقة في أحد الأخبار الشهر الماضي. عندما سمع من أحد متتبعيه على موقع «تويتر» أن بعض مصادر الأخبار العربية أوردت أن الديكتاتور الليبي معمر القذافي هاجم الثوار بقذائف هاون إسرائيلية الصنع. وشك كارفين في صحة هذا الخبر لاعتقاده أنه يقوم على أساس سطحي. ونشرت صورة فوتوغرافية لذخيرة تحمل علامة تشبه نجمة داود عليها شكل متشابك الأهلة، على صفحة خدمة «المنار» الإخبارية الليبية في المملكة المتحدة على موقع «فيس بوك».

وكتب كارفين على موقع «تويتر»: «لقد قالوا إن الرمز إسرائيلي. ربما يكون ذلك صحيحا أو لا. هل من أحد يساعدنا في تحديد هوية الرمز؟». وفي غضون دقائق، بدأ يجمع متابعيه على الموقع أجزاء الصور. ورد أحد المتابعين: «إنه عيار 81 مم - إنه ليس من الشرق ربما من بريطانيا». ووجد آخر صورة لقذيفة بريطانية الصنع عيار 81 مم تحمل العلامات نفسها. لكن أشار آخر إلى أن شعار النجمة يعبر عن قذيفة مضيئة ويعبر الهلال عن المظلة التي يتم نشرها حولها حتى تبطئ من سرعة هبوطها.

وأعقب ذلك نشر روابط لصور لقذائف مشابهة هندية وفرنسية الصنع. ونشر متتبع آخر صورة من كتيب إرشادات أسلحة حلف شمال الأطلسي يوصي فيه الدول الأعضاء بوسم القذائف بشعار النجمة والهلال. وأعلن كارفين أن الخبر «مفبرك» حتى مع استمرار منابر إخبارية أخرى منها قناة «الجزيرة» الناطقة باللغة العربية إذاعتها لهذا الخبر غير الصحيح.

ويقول مارك ستينسيل، المحرر التنفيذي للأخبار الرقمية بـ«إن بي آر»: «من عدة أوجه إنها صحافة تقليدية» مشيرا إلى أن كارفين قلب عملية جمع الأخبار رأسا على عقب وجعلها علنية. إنه ينشر الأخبار في وقتها، يمكنك رؤيته يعمل على المصادر الإخبارية ويوضح للناس ما الذي يتابعه.

استفاد كارفين من الجانب «الاجتماعي» للمواقع الاجتماعية، حيث مكنه من تكوين مئات المصادر من خلال التفاعل عبر موقع «تويتر». من أهم مصادره عن أنشطة المعارضة في اليمن ماريا المساني، ممثلة كندا في مسابقة ملكة جمال العالم والتي تنتمي إلى عائلة يمنية لها شبكة اتصالات واسعة.

كذلك أقام كارفين علاقة صداقة مع شخص يحمل اسما ليبيا على الموقع وهو محمد نابوس ويعمل في مجال التكنولوجيا وعمل رابط فيديو حيا على شبكة الإنترنت يبث على مدى الأربع وعشرين ساعة ما يحدث في ليبيا. وقُتل محمد في تبادل لإطلاق النار أثناء مشاهدته للقتال الدائر بالقرب من بنغازي الشهر الماضي. وأثنى عليه كارفين في «إن بي آر» وأطلق عليه اسم «رائد» الصحافة الليبية المستقلة.

رغم سرعة توصيل الأخبار وتنوعها يوميا، لهذا الشكل الإخباري نقاط ضعفه. ويقر كارفين بصعوبة معرفة السياق الكامل لبعض المعلومات التي ينشرها مثل الصور المؤلمة المفجعة التي نشر رابطها الأسبوع الماضي لأب يرى جثة ابنه المشوهة في غرفة بمستشفى. كان من الواضح أن الصور واردة من اليمن، لكن لم يكن من السهل تأكيد من الذي التقطها وتحت أي ظروف ومتى تم التقاطها.

كذلك من المشكلات عدم معرفة كارفين باللغة العربية أو الفارسية وهو ما يعني اعتماده على ترجمة متتبعيه على موقع «تويتر». ولم يقابل ثلثي هؤلاء المتتبعين البالغ عددهم المئات.

ويشير كارفين بصراحة إلى مأخذ آخر وهو اعتماده على الثوار أكثر من الأنظمة كمصادر لأخباره. ويوضح قائلا: «أكثر مستخدمي موقع (تويتر) في الشرق الأوسط من الشباب المتعلم والمتطلع إلى الإصلاح». كل هذا يثير إعجاب البعض بعمل كارفين. ويقول آدم كاري، أحد منتقدي الإعلام ومدون تكنولوجيا: «إن تعيين مخطط استراتيجي رفيع المستوى يعلم أنهم ينشرون الأخبار والمعلومات استنادا إلى رسائل لمجهولين أو مصادر غير موثوق بها على موقع (تويتر) شيء مزعج. كيف للمرء أن يعرف مصدر تلك المعلومات؟ لا أعني أن كارفين شخص طالح أو يعمل وفق أجندة ما، لكنني أعتقد أنه يجب أن نتساءل عن الذي تفعله (إن بي آر) بالضبط بذلك». تعتقد مؤسسة «إن بي آر» أأأاأنها تبتكر شيئا جديدا، حيث يقول كينسي ويلسون، رئيس قسم الإعلام الرقمي بالمؤسسة: «ما تشاهده هو محاولة يقوم بها أندي للتحقق مما يظهر من أخبار. إنه لا يمثل مصدر مؤكد لخبر يمكنك معرفته من (إن بي آر)، لكنه أمر آخر». ويقول كارفين مدافعا عن موقفه، إنه يعتمد على مصادر ثبت صحتها ومصداقيتها ولا ينقل عن مصادر لديها تاريخ يعج بعدم المصداقية. إنه منفتح على المواد غير المقطوع بصحتها ويشير إلى عدم تأكده من خلال كتابة «مصدر؟ أم دليل؟». وسرعان ما يوضح متتبعو كارفين على موقع «توتير» إخفاقاته. عندما نشر كارفين رابط على موقع «تويتر» لما أعتقد أنه مقطع مصور لممرضات يخدمن فتاة مصابة، تدخل متتبعوه، حيث أخبروه أن الفتاة لم تكن مصابة وأنها كانت متوفاة وكانوا يغسلونها قبل التكفين والدفن بحسب ما تنصّ الشريعة الإسلامية. وسرعان ما صحح كارفين ما نشره.

ويقول إن الأساس هو التصريح بما لا يعرفه والطلب من آخرين أن يسدوا الثغرات.

ويضيف: «إنها آلية تصحيح ذاتي. لا أريد أن أرى نفسي كخدمة إخبارية، بل أقوم بعملية مفتوحة من جمع الأخبار». وتوقف عن الحديث لبرهة وعاد إلى عالم «تويتر» مرة أخرى. ويضيف: «في أغلب الأحيان أطرح أسئلة أكثر مما أقدم أجوبة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»