الشارع المغربي يضغط من أجل التغيير في مؤسسات الإعلام الرسمي.. والبدايات خجولة

مظاهرات رفعت شعار «ارحل» في وجه المسؤولين عن الإذاعات والقنوات الحكومية

تلقت الحكومة المغربية من نقابة الصحافيين مذكرة تطالب بإصلاحات في قطاع الاعلام ككل («الشرق الاوسط»)
TT

من بين المطالب التي حملها المتظاهرون المغاربة الذين خرجوا إلى الشارع في 20 فبراير (شباط) الماضي، ضمن مظاهرات الاحتجاج المطالبة بإصلاحات والتغيير السياسي، ظهرت لافتات حملها شبان وشابات تنتقد بشدة الإعلام الحكومي المرئي والمسموع في المغرب، ورفعت كلمة «ارحل» مرفقة بصور مسؤولين بارزين في القناتين التلفزيونيتين الأولى والثانية، من بينهم فيصل العرايشي، رئيس مجلس إدارة «الشركة المغربية للإذاعة والتلفزيون» ومحمد عياد مدير عام التلفزيون، وسميرة سيطايل، مديرة الأخبار في القناة التلفزيونية الثانية «دوزيم». يشار إلى أن العرايشي هو في الأصل مختص في الأشغال في حين أن عياد مهندس مدني للجسور.

ولم تتوقف الانتقادات عند تلك المظاهرات فحسب، بل توالت «الوقفات الاحتجاجية» أمام مباني القناتين في الرباط والدار البيضاء شاركت فيها نقابات وجمعيات حقوقية، وصحافيون يعملون بالقناتين، مطالبين «بإعلام حكومي في خدمة الشعب». وبرز شعار لافت أثناء تلك المظاهرات أصبح لازمة يرددها المحتجون، حتى في القطاعات الفئوية، وهو «الجزيرة تفضح ودوزيم تشطح» وهي مقارنة مختزلة تحمل دلالات لا تخفى، تشير إلى ارتباط المغاربة بالمحطات الفضائية العربية التي تحظى بنسبة مشاهدة عالية مقارنة مع المحطات التلفزيونية المحلية التي لم تعد تهتم بنظرهم سوى ببرامج الترفيه والغناء والرقص.

ويؤيد هذا الرأي عبد الوهاب الرامي، الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال، في الرباط، حيث يرى أن الإعلام الحكومي المغربي لم يحدد بعد دوره داخل المجتمع، فهو إعلام رسمي يهتم بالترفيه أكثر من اهتمامه بالوظائف الأخرى للإعلام وهي تنشئة المواطن سياسيا وزرع روح المواطنة.

وأوضح الرامي لـ«الشرق الأوسط» أن المطلوب إعادة النظر في شروط عمل القنوات التلفزيونية الحكومية، لجعلها مفتوحة في وجه مختلف فعاليات المجتمع، حتى تستطيع مواكبة الحراك المجتمعي، وأضاف أن الإعلام الحكومي مطالب بأن يضبط علاقته بالسلطة أو الدولة، ويتحول إلى إعلام يعكس نبض المجتمع، وفي الوقت ذاته يحافظ على هيبة المؤسسات الكبرى للدولة، ويعمل على تماسك المجتمع، وتعزيز هويته الوطنية. وردا على سؤال حول ما إذا كانت الإصلاحات السياسية التي سيعرفها المغرب ستنعكس بشكل إيجابي وملحوظ على الإعلام الحكومي، قال الرامي إنه طالما هناك رغبة سياسية للإصلاح، لا يمكن عزل الإعلام عن الحراك المجتمعي القائم، وبالتالي لا شك برأيه أن الإعلام الحكومي سيتطور.

ودعا الرامي إلى منح الفرصة للطاقات الشابة التي لها القدرة على مواكبة التغيير. وأشار إلى أنه لا يجب النظر للإعلام على أنه «شيء منته» بل هو قابل دوما للتطور حتى في المجتمعات الغربية الديمقراطية، ودائما هناك إمكانية لحدوث تراجع.

جدير بالذكر أن المتتبعين للقناتين التلفزيونيتين المغربيتين الأولى والثانية، لاحظوا حدوث تغيير في مضامين برامج الحوار السياسي في القناتين معا، وذلك بعد خطاب كان قد ألقاه العاهل المغربي الملك محمد السادس في التاسع من مارس (آذار) الماضي وأعلن فيه عن إصلاح دستوري شامل، حيث تمت استضافة مسؤولين في جمعيات حقوقية لم يكن يشاركون من قبل في برامج مباشرة، كما تمت استضافة شباب من حركة 20 فبراير تحدثوا بجرأة غير معهودة عن مطالبهم السياسية، وكتبت صحف محلية عن هذا التغيير «المفاجئ» بأن القنوات التلفزيونية المغربية «تغير جلدها»، وأخرى كتبت أن «التلفزة تتحرك». وعينت إدارة القناة الأولى مديرة جديدة لقسم الأخبار هي الصحافية فاطمة البارودي التي تعمل بنفس القناة.

وفي سياق المطالبة بالتغيير، أطلق شباب مغربي دعوات على الـ«فيس بوك» إلى مقاطعة القنوات التلفزيونية المحلية، ولكل واحد وجهة نظره الخاصة في هذه القنوات، فهناك من يعترض على كثرة المسلسلات المكسيكية المدبلجة إلى اللهجة المغربية، وآخرون يحتجون على المسلسلات التركية، ويطالب باستبدالها بمسلسلات مغربية تعكس الواقع المغربي، وآخر يعترض على طغيان اللغة الفرنسية في القناة الثانية، وكثرة برامج المسابقات الغنائية التي لا يرون طائلا من ورائها سوى تبذير المال العام. بل هناك من اعترض حتى على برامج الطبخ.

وكانت نقابة الصحافيين المغاربة قد سلمت الشهر الماضي مذكرة إلى الحكومة تحمل عددا من المطالب من أجل إصلاح قطاع الصحافة والإعلام ككل، وفي الجانب المتعلق بالإعلام الحكومي، انتقدت النقابة في مذكرتها بشدة طغيان برامج الترفيه في القنوات التلفزيونية وقالت إن التذرع بضعف التمويل وبالضغط الذي يمارسه المعلنون، لطلب منتوجات الترفيه والإثارة، لا يبرر نهائيا الفقر المتزايد في المضمون، وغلبة الطابع الرسمي على الأخبار.

وأشارت كذلك إلى إن اقتناء الآلات والتجهيزات التكنولوجية الحديثة لا يمكنه أن يتم بمعزل عن الاهتمام الخاص بالموارد البشرية التي تشكل عماد كل عمل مهني، وذلك عبر ضمان التدريب المستمر والتأهيل، وتوفير ظروف عمل مهنية ومشجعة على العطاء وعلى المبادرة وتستجيب للمعايير المعتمدة دوليا في هذا الإطار، وأيضا من خلال تحسين الظروف المادية للعاملين بهذه المؤسسات.

وعزت النقابة ضعف المضمون في القنوات التلفزيونية وحتى الإذاعية إلى انعدام استراتيجية إعلامية واضحة لدى المسؤولين لمواكبة مختلف التحولات التي يعرفها المجتمع المغربي والعالم، إلى جانب الهيكلة العامة لهذه المؤسسات وغياب آليات العمل المهني التي تشجع على المبادرة والإبداع وإبراز الكفاءات. وانتقدت النقابة التعيينات في مناصب المسؤولية داخل هذه القنوات وقالت إنها لا تخضع للشفافية، ولا لمعايير محددة، تضمن تكافؤ الفرص وتعطي الأولوية للكفاءة وللاعتراف بالجهد الذي يبذله الصحافيون والإعلاميون. ودعت إلى ضرورة اعتماد مسطرة تحدد شروط ومعايير التعيين في مناصب المسؤولية.

ويتوفر المغرب على 9 محطات تلفزيونية تلتقط برامجها على البث الأرضي والفضائي وهي «الأولى» و«دوزيم»، وهما محطتان رئيسيتان، ثم «المغربية»، و«الرياضية» و«الرابعة» (قناة تربوية)، و«السادسة» (قناة دينية)، وقناة «أفلام». و«ميدي 1 تي في» أنشئت عام 2006 وكانت تحمل اسم «ميدي 1 سات» وتقتصر على البث الفضائي، ثم تحولت العام الماضي إلى البث الأرضي والفضائي معا بعد تغيير اسمها وطاقمها الإداري والصحافي.

وكان المغرب قد أعلن قبل سنوات عن تحرير قطاع الإعلام المرئي والمسموع، ومنح رخص البث لعدد كبير من الإذاعات الخاصة، التي لقيت نجاحا كبيرا، إلا أنه لم تحصل بعد أي محطة تلفزيونية خاصة على رخصة للبث.