جدل حول قانون بريطاني يحظر الكشف عن فضائح المشاهير

بدعوى أنه لا يمكن فرض القانون على ما ينشر على شبكة الإنترنت

TT

في أحد أيام السبت الأخيرة تجمع صحافيون من صحيفة بريطانية حول إحدى الشاشات التلفزيونية التي كانت تنقل مباراة كرة قدم، وكانوا يرهقون أنفسهم من أجل مشاهدة المباراة. ولم يكن هؤلاء الصحافيون يستمعون إلى المعلقين، أو حتى النتيجة، ولكنهم كانوا يستمعون إلى الجماهير المحتشدة، كما حكى أحد الصحافيين، على أمل أن يصدروا أهازيج جماعية عن العلاقات العاطفية لأحد اللاعبين الموجودين على أرض الملعب خارج نطاق الزواج.

وكان الصحافيون يعرفون أن اللاعب، المتزوج الذي كان ضمن أشهر اللاعبين في بريطانيا، لديه علاقة عاطفية مع شخصية تلفزيونية. ولكن اللاعب كان اتخذ إجراء احترازيا فائقا، حسب وصف البعض، وهو الحصول على أمر قانوني بريطاني صارم يمنع الصحف من نشر أي قصة إخبارية عن هذا الموضوع، أو حتى الإشارة إلى صدور أمر محكمة بخصوص هذا الموضوع.

وقد أصبحت الأوامر الاحترازية، التي تستهدف حماية الخصوصية، تمثل فضيحة في بريطانيا. واعترف أندرو مار، المحرر السياسي في هيئة الإذاعة البريطانية، الذي كان غالبا ما يستجوب أبرز السياسيين في بريطانيا بقسوة في برنامجه الذي يذاع يوم الأحد ويحمل اسمه، علانية أول من أمس (الثلاثاء)، بأنه كان قد استخدم، أيضا، أمر محكمة لإخفاء شأن خاص.

وفي الأسابيع الأخيرة أصبحت قضية هوية لاعب كرة القدم المتورط في فضيحة أخلاقية مسألة استحوذت على اهتمام وجدل وطني، وانتشرت في صدر الصفحات الأولى وتم عرضها في البرامج التلفزيونية، كما تم إثارة الإجراءات الاحترازية الفائقة في مجلسي النواب والعموم كمثال على قمع حرية الصحافة من قبل القضاة الناشطين.

ولكن في عالم يتحدث فيه الملايين على موقع الـ«فيس بوك» و«تويتر» وغيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، لا يمكن فرض القانون عمليا على شبكة الإنترنت. لذا كان الصحافيون الذين يشاهدون مباراة كرة القدم يأملون أن تكون الجماهير الصاخبة للفريق المنافس قد قرأت عن هذا الأمر على شبكة الإنترنت، وأن يصيحوا ويتغنوا بالتفاصيل للسخرية من منافسيهم، وأن يقدموا طريقة ملتوية لتغطية القصة، ولكن أمانيهم لم تتحقق.

وينظر إلى قوانين الصحافة البريطانية على أنها مقيدة على وجه الخصوص إلى حد كبير لدرجة أن المشاهير الدوليين والشخصيات العامة غالبا ما يختارون متابعة دعاوى القذف هنا، في ما يشار إليه على نحو متكرر بـ«سياحة دعاوى القذف».

ولكن الأوامر الاحترازية الفائقة تقدم طريقة لقصص التوقف قبل أن تخرج، وتقدم بشكل متكرر في صحف متعددة من أجل استباق أي نشر محتمل، حسبما ذكر تشارلوت هاريس، وهي محامية إعلامية تمثل الشخصيات التي تسعى للحصول على أوامر احترازية والأشخاص الآخرين الذين يجادلون ضدهم.

وتتميز الأوامر الاحترازية بأنها وقائية جدا لمواضيعهم، لدرجة أن عددا قليلا جدا من القضايا قد تم الإعلان عنها مثل قضية لاعب كرة قدم آخر هو جون تيري، قائد المنتخب الإنجليزي، الذي أشارت تقارير إلى أنه كان قد دخل في علاقة عاطفية مع صديقة سابقة لزميله واين بريدغ، وفريد غودوين، الرئيس السابق لمجموعة مصارف بنك اسكوتلندا الملكي التي تصل أصولها إلى 40 مليار دولار أميركي، والذي واجه انتقادات بسبب نفقاته المسرفة، وشركة «ترافيغورا»، وهي شركة متعددة الجنسيات متخصصة في إنتاج السلع اتهمت بدفن مخلفات سامة في أفريقيا.

وقد تصبح تفاصيل قضايا أخرى معروفة بشكل أكبر داخل مجتمع الإعلام، وقد تنتشر شائعات من مصادر أخرى على شبكة الإنترنت، ولكن بمجرد تقديم أمر قضائي رفيع يجب أن تبقي المؤسسات الإخبارية قراءها في الظلام.

وتحتاج مسألة إصدار أوامر منع النشر القضائية إلى «ساعات قليلة» في اجتماعات خاصة بين القضاة والمحامين، حسبما ذكرت هاريس، المحامية الإعلامية. وعلى الرغم من أن طبيعتها السرية تصعب من مهمة التحقق من العدد الدقيق، فتشير التقارير الواردة في الصحافة البريطانية إلى أن ما يقرب من 30 أمرا قضائيا رفيعا ربما يكون قد منح إلى شخصيات بارزة أخرى.

وقال أيان هيسلوب، المحرر في مجلة (برايفيت آي)، وهي مجلة أسبوعية ساخرة غالبا ما تصدر تقارير بشأن نفاق النخبة البريطانية: «تلجأ الشخصيات الثرية والقوية بشكل متزايد إلى هذه التقارير». وقال هيسلوب: «لقد اعتادوا على الأقل إلى المجادلة بأن شيئا كنت قد رسمته لم يكن صحيحا. والآن لا يهم ما إذا كانت هذه الأشياء صحيحة أم لا، لأنهم بات بمقدورهم أن يمنعوا نشر هذه الأشياء بأمر قضائي رفيع ويطلقوا على هذه الممارسة اسم خصوصية»، مشيرا بذلك إلى قوانين القذف القوية في بريطانيا، التي يحتفظ بها على نحو واسع لصالح هؤلاء الذين يرفعون الدعاوى.

وقد رفعت مجلة «برايفيت آي» تحديا قضائيا ضد الأمر القضائي الفائق للسيد مار خلال الأسبوع الماضي، قبل أيام من اعترافه باستصداره أمرا قضائيا بمنع النشر في المحكمة. ومن خلال المتحدث باسم هيئة الإذاعة البريطانية، امتنع مار عن التعليق.

ولكن بالحديث عن أمره القضائي، الذي منح في عام 2008، أخبر مار جريدة «ديلي ميل» أنه لم يدخل إلى عالم الصحافة من أجل أن يحوم حول إسكات الصحافيين. وقال: «هل أشعر بالارتباك؟»، وأجاب بـ«نعم». و«هل أشعر بعدم الراحة إزاء هذا الأمر؟»، وكانت إجابته بـ«نعم» أيضا. وصرح مار بقوله: «ولكن، في ذلك الوقت، كانت هناك أزمة في زواجي». وأضاف بأنه لم يكن مهتما بحماية الطفل الصغير للمرأة التي أقام معها هذه العلاقة. وقال: «أعرف أن هذه الأوامر القضائية مثيرة للجدل، ويبدو أن الوضع قد خرج عن نطاق السيطرة».

وقد طفا الجدل على السطح في عام 2009، عندما حصلت شركة «ترافيغورا» على أمر قضائي رفيع ضد صحافيين كانوا قد حصلوا على وثائق داخلية تناقش عملية دفن مخلفات سامة في ساحل العاج. وكانت هذه الوثائق مواد خاصة، حسبما ذكر كارتر روك، محامي الشركة.

وتم إسقاط الأمر القضائي في النهاية عندما أثار عضو في البرلمان البريطاني سؤالا حول هذه القضية، باستخدام سابقة حدثت منذ عدة قرون عرفت بأنها امتياز، تقول إن إصدار تقارير عن البرلمان هو أمر فوق القانون، وخلال مرحلة لاحقة نشر موقع «ويكيليكس» أيضا الوثيقة.

وخلال الشهر الماضي استخدم عضو آخر في البرلمان، وهو جون هيمينغ، امتيازا برلمانيا للكشف عن أن غودوين، الرئيس السابق لبنك اسكوتلندا الملكي «كان قد حصل على أمر قضائي رفيع يمنع أن يتم تحديده كمصرفي». وتساءل هيمينغ: «هل ستجري الحكومة مناقشة أو ستصدر بيانا حول مسألة حرية الحديث، وما إذا كان هناك قانونا للأغنياء مثل فريد غودوين، وقانونا آخر للفقراء؟».

وأكدت تشارلوت هاريس، المحامية الإعلامية، أن هذا الأمر «أوسع كثيرا جدا وأكثر أهمية من قيام الأغنياء والأقوياء بحماية أنفسهم. وقالت إن صحف التابلويد كانت تستخدم حرية الحديث كذريعة لنشر قصص إخبارية كانت زائفة في بعض الأحيان. وفي ما وراء الكثير من الأوامر القضائية التي كانت قد عملت بها، يكمن عالم من أحداث الخيانة وحروب مزايدات صحف التابلويد عن قصص العلاقات العاطفية الخاصة بالمشاهير «بخلاف ابتزاز ومضايقة بعض من هؤلاء الأفراد».

وواصلت هاريس حديثها قائلة: «إذا كنت شخصية عامة وأخبرتك معجبة، كنت قد تبادلت القليل من الرسائل الإلكترونية معها، فجأة بأنها سوف تدمر حياتك المهنية، وأنها سوف تتحول إلى مدرسة أبنائك أو تذهب إلى الصحافة لكي تقدم اتهامات بشأنك، فما الذي يمكن أن تفعله؟». وقالت: «بدلا من الهستيريا، نحتاج إلى مناقشة مناسبة بشأن هذا الأمر، وتحديد ما هو خاص وما هو غير خاص بالضبط».

ويتفق هيسلوب على أن المناقشة ضرورية، وأضاف بأن حظر النشر في عصر الإنترنت رغم أن عددا كبيرا من مستقبلي الأوامر القضائية الرفيعة يمكن أن يتم الكشف عنهم بقدر قليل من البحث المتأني على شبكة الإنترنت هو أمر «غريب ومضحك».

* خدمة «نيويورك تايمز»