قناة فضائية تحاول اختراق وسائل الإعلام البيلاروسية المكممة

«بيلسات تي في» تتخذ من بولندا مركزا لانطلاق بثها

محاولات لاختراق الاعلام البيلاروسي (نيويورك تايمز)
TT

تعرف تلك القناة باسم «بيلسات تي في»، وهي أول قناة تلفزيونية فضائية مستقلة في روسيا البيضاء، بل هي القناة المستقلة الوحيدة في تلك الدولة التي تذيع نشرات الأخبار والشؤون الجارية بالإضافة إلى برامج ثقافية وبرامج أطفال مثل برنامج «مغامرات الدب يوسزاتيك». ولكن إذا أردت أن ترى مركز عصب قناة «بيلسات»، فسوف تحتاج للتوجه إلى بولندا المجاورة، في مكتب ضيق بوسط العاصمة البولندية وارسو. وهناك، يقوم فريق مكون من 36 بولنديا وبيلاروسيا تقريبا ببث هذه المواد التلفزيونية في دولة تخضع وسائل إعلامها لرقابة مشددة من قبل الرئيس ألكسندر لوكاشينكو.

وقد تسببت حملات المداهمة الأخيرة في بيلاروسيا التي تشنها الحكومة بفعل المظاهرات التي اندلعت للاحتجاج على تشديد لوكاشينكو قبضته على السلطة في ظهور مزيد من العقبات التي تصعب من مهام عمل الصحافيين.

وقد سعت قناة «بيلسات» العاملة هنا للمساعدة في التغلب على هذا الأمر، عبر استخدام 120 متعاملا حرا داخل روسيا يرسلون كل يوم أخبارا للقناة في وارسو عبر الهاتف أو الإنترنت. وقد تعرض عدد كبير منهم للاحتجاز أو الاعتقال أو الغرامة.

وقال ألاكسي دزيكافيتسكي، مدير تحرير الأخبار في قناة «بيلسات التلفزيونية»: «لا يسمح لهم بالعمل كصحافيين. وترفض السلطات اعتمادهم لأنهم يعملون لصالح قناة (بيلسات) التلفزيونية».

وبالنسبة لأغنيسزكا روماسزيفسكا - غوزي، مؤسسة ومديرة قناة «بيلسات التلفزيونية»، التي قدمت بثها الأول في شهر ديسمبر (كانون الأول) عام 2007، فمن الطبيعي أن يجد عمله مكانا في بولندا. وقالت غوزي، وهي ابنة منشقين بولنديين بارزين في الحقبة الشيوعية، إنها كانت تعتقد أن البولنديين كان لديهم شيء يقدمونه لجيرانهم الذين يسعون للحرية.

وقالت أغنيسزكا غوزي، وهي مؤرخة سابقة تبلغ من العمر 48 ساعة: «لقد كافحنا من أجل تحقيق هذه الحرية، ولكنك لن تحصل عليها إذا لم تفعل شيئا لتحقيق هذا الأمر».

وكان والدها، زبيغنيو روماسزيفسكا، واحدا من المؤسسين للجنة المستقلة للدفاع الذاتي عن العمال في عام 1976. كما أسس في فترة لاحقة لجنة هلسنكي في بولندا، وهي حركة لحقوق الإنسان. وفي بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي، كان عضوا قياديا في حركة التضامن، وهي حركة اتحاد تجارية.

وخلال فترة الأحكام العرفية، التي تم فرضها عام 1981، سجن روماسزيفسكا لمدة سنتين، كما سجنت زوجته صوفيا لمدة عام. كما تعرضت السيدة روماسزيفسكا غوزي نفسها للسجن لمدة ستة أشهر، وسجن زوجها ياروسلاف غوزي، الذي كان قائدا طلابيا في ذلك الوقت، لمدة عام.

وقالت السيدة روماسزيفسكا غوزي: «أفترض أننا عائلة إجرامية».

وفي هذه الأيام، تعتبر الحكومة البولندية واحدة من أنشط المؤيدين للمعارضة الديمقراطية في بيلاروسيا. وتقدم وزارة الخارجية البولندية إعانة سنوية لقناة «بيلسات التلفزيونية» بقيمة 6 ملايين دولار تقريبا من أصل ميزانيتها السنوية الإجمالية التي تصل إلى نحو 9 ملايين دولار. وتقدم الحكومة السويدية منحة قيمتها نحو 3 ملايين دولار على مدار ثلاث سنوات تنتهي في عام 2013.

وهذا الدعم أدى بشكل جزئي على الأقل إلى خروج اتهامات من قبل حكومة لوكاشينكو خلال الشهر الماضي بأن بولندا كانت تحاول تقويض استقرار بيلاروسيا. ولكن بولندا أنكرت هذا الاتهام.

وقالت السيدة روماسزيفسكا غوزي إن الدور الذي لعبته محطات الإذاعة الغربية مثل إذاعة «أوروبا الحرة» وإذاعة «فرنسا الدولية» و«هيئة الإذاعة البريطانية» في تقديم أخبار مستقلة للبولنديين خلال الحقبة الشيوعية منحت البولنديين وجهة نظر بديلة عن الأخبار. والآن، تقول غوزي إن البيلاروسيين يجب أن يحصلوا على هذه الفرصة أيضا.

وقالت: «الأمر يتعلق بتقديم شيء مجددا، وفي هذه الحالة تقديم أخبار مستقلة لروسيا البيضاء. وعلى كل، فقد اعتمدت المعارضة السرية في بولندا خلال عقد السبعينات من القرن الماضي، وخلال مرحلة لاحقة في ظل قانون الأحكام العرفية إلى حد كبير على الأخبار القادمة من محطات الإذاعة والتلفزة الدولية».

وأشارت السيدة روماسزيفسكا غوزي إلى كيف كان يتم نشر المعلومات إبان فترة الحكومات الشيوعية السابقة في الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية على صفحات كربونية منسوخة وغير واضحة: «أعتقد أن ما نفعله داخل روسيا هو نوع من أنواع الانشقاق الحديث».

لذا عندما يعرض عمال متفرغون العمل لقناة «بيلسات التلفزيونية»، تقلل السيدة روماسزيفسكا غوزي من إغراء هذه الوظيفة وتركز على المخاطر. وقال غوزي: «المساهمون في القناة يعرفون ما يسمحون لأنفسهم بالتورط فيه. وأنا أخبرهم أن هذا هو اختيارهم ومصيرهم ومسؤوليتهم. وأخبرهم بأنني لا يمكنني أن أضمن لهم أمنهم وأن لوكاشينكو هو المسؤول عن ذلك».

وفي استوديوهات «بيلسات» المؤقتة، الموجودة داخل مقرات التلفزيون البولندي، يقول دزيكافيتسكي إنه بخلاف التحديات الموجودة داخل روسيا، تحتاج القناة إلى كاميرات ومعدات بث، بالإضافة إلى المال للبرمجة والتدريب.

ولكن على الرغم من قيود الميزانية والظروف التي يعمل فيها صحافيو قناة «بيلسات»، فإنهم ليس بمقدورهم حضور الأحداث الرسمية أو السعي للحصول على معلومات من السلطات التي تبث الأخبار كل يوم.

وقالت السيدة روماسزيفسكا غوزي إن الإجراءات المستمرة لقوات الأمن البيلاروسية، التي دأبت على مداهمة قادة المعارضة والمدرسين والمحامين والصحافيين أكدت على الحاجة لأخبار صحيحة تقدم لمواطني روسيا البيضاء. وقالت: «القمع أجبرنا على تغيير الاستراتيجية، بدلا من وقفنا. وقد قررنا المحاولة والاستجابة في الواقع لما يحدث في بيلاروسيا».

ويشاهد قناة «بيلسات» التلفزيونية الآن نحو 761.000 شخص تقريبا، أو نحو 10 في المائة من إجمالي السكان، بحسب تقرير صادر عن مركز «زيركالو» البولندي لأبحاث المعلومات.

وقالت السيدة روماسزيفسكا غوزي: «الناس يريدون الحقيقة. وهذا ما أردناه عندما كنا نعيش في ظل الحكم الشيوعي».

* خدمة «نيويورك تايمز»