المقالات الطويلة تجد موطنا لها

عبر خدمة «ذي اتافيست» لعرض المحتوى المطول في العصر الرقمي

TT

في عام 2009، كان كل من ايفان راتليف، الكاتب المستقل لمجلة «وايرد»، ونيكولاس طومسون، المحرر البارز في نفس المجلة، قد كتبا لتوهما مقالا مرضيا حاول فيه راتليف الاختفاء لمدة شهر وإخفاء أماكن تردده في العصر الرقمي، في حين عرضت مجلة «وايرد» 5000 دولار لمن يعثر عليه.

لقد كان هذا عملا ناجحا، ولكنه عبر أيضا عن هذا النوع من الصحافة المتعمقة التي كانت تأتي عبر أجهزة الفاكس.

يقول راتليف: «في عالم التكنولوجيا الرقمية، هناك مساحة لا محدودة، ولكن لم يؤد هذا إلى ازدهار في المحتوى طويل الشكل». وكان راتليف قد فكر كثيرا في إنشاء موقع على شبكة الإنترنت يكون أكثر ملاءمة للمقالات الطويلة، بيد أنه كان يقضي قدرا لا بأس به من الوقت أثناء ذهابه وعودته من عمله عن طريق المترو وهو يقرأ تلك الأخبار القصيرة على جهاز «آي فون» الخاص به.

واتصل الرجلان بجيفرسون راب، وهو مبرمج ومصمم ويب معروف عنه إنشاء مواقع رائعة للكتب. وداخل حانات منتشرة في شارع «أتلانتك أفينو» ببروكلين، تحدث الثلاثة حول ما إذا كان هناك طريقة لاستخدام هذه الأدوات لجعل شبكة الإنترنت صديقا وليس عدوا للمقالات التي يريدون العمل عليها وقراءتها.

وفيما يمكن أن يكون أول نتيجة ملموسة للصحافيين الذين تجمعوا في حانة للشكوى من حالة القراءة، قاموا باتخاذ فعل يتعدى مجرد الترتيب لعقد جولة أخرى من المناقشات.

وكانت النتيجة هي إنشاء «ذي اتافيست» وهو عبارة عن تحفة صغيرة تبحث عن طرق جديدة لعرض المحتوى المطول في العصر الرقمي. فجميع المواد الثرية على شبكة الإنترنت - مثل روابط المعلومات ومقاطع الفيديو الإضافية - موجودة في تطبيق يقوم بعرض المقال، ولكن بنقرة أصبع، يعود العرض للنص الذي يمكن تحريكه عن طريق إمالة الجهاز.

وقال طومسون، الذي أصبح منذ ذلك الحين محررا بارزا في مجلة «نيويوركر» واضطر إلى الانسحاب لتقديم الاستشارات لهذا المشروع: «أردنا أن نبني شيئا يدفع الناس من أجله».

وأضاف «شبكة الإنترنت جيدة في إنشاء مقالات قصيرة وتقديم معلومات خفيفة، ولكن ليست كذلك عندما يتعلق الأمر بعمل طويل وبه تحرير ومراجعة للإملاء والحقائق المتضمنة».

ويستطيع القراء الذين يشترون مقالا من «ذي اتافيست» وقراءته على أجهزة «آي باد» – هناك إصدارات أقل ثراء لكل من «كندل» و«نوك» – البدء في قراءة القطعة داخل المنزل في البداية ثم الانتقال إلى إصدار صوتي أثناء قيادة السيارة ذهابا للعمل. وفي كل مادة، هناك تصفح زمني يبدو طبيعيا وبسيطا، ومكان للتعليق يحاكي الملاحظات التي يضعها الناس في هوامش المقالات المعقدة والمثيرة للاهتمام.

ومنذ بدء العمل في نهاية يناير (كانون الثاني) نشر «ذي اتافيست» 3 مقالات طويلة تتناسب مع الأجهزة اللوحية من حيث المفهوم والتنفيذ، وتم تحميل ما يزيد على 40000 من تطبيقاته. ويحصل الكتاب على رسم لتغطية نفقات إعداد التقارير، ثم يقومون بتقسيم الإيرادات مع «ذي اتافيست». في الوقت الحاضر، يتكلف المقال 2.99 دولار (لجهاز «آي باد») و1.99 دولار (لـ«كندل» أو «نوك»). قام راتليف بـ«رفع» واحدا من أول المقالات، مكونة من 13000 كلمة، حيث كانت تدور حول سرقة هائلة في مستودع نقدي سويدي، ولكن بدلا من أن يفتح القارئ على شرح مطول لكيفية القيام بذلك، يجذبه مقطع فيديو لمشهد حقيقي التقطته الكاميرات الأمنية. تظهر طائرة هليكوبتر في المشهد ويقوم رجال يرتدون ملابس داكنة وأقنعة تزلج بإرسال سلم للأسفل من خلال كوة، ثم بعد ذلك تم رؤيتهم وهم يحملون بنادق، ولاحقا أكياسا كبيرة من النقود من الداخل، وهنا ينتهي شريط الفيديو، ويأتي النص، وتسترسل القصة.

وثمة مقال آخر بنفس الطول تقريبا، كتبه بريندان كورنر بعنوان «شيطان البيانو» ويدور حول تيدي يذرفورد، عازف الجاز في شيكاغو الذي كان له جمهور كبير في آسيا. وفي هذا المقال، هناك العديد من المقاطع الصوتية الغامضة التي تعمق من تجربة القارئ. وهناك أيضا مقال بعنوان «قبل السرب»، الذي يبحر بك عبر 9000 كلمة حول قصة رجل عاش بين النمل. ويأتي مع المقال صور فوتوغرافية رائعة وبها تفاصيل كثيرة وأشرطة فيديو شاملة ومضحكة.

أما الشيء الأكثر أهمية بشأن هذه الصحافة متعددة الوسائط التي لا تستطيع أن تغمض عينيك عن مشاهدتها هو أن راب قد وضع نظاما لإدارة المحتوى يسمح للكاتب بأن ينشئه بمفرده. وقبل البدء في تحدي إنشاء «ذي اتافيست»، لم يكن راب قد استخدم كود «Objective-C» الذي يستخدم لإنشاء معظم تطبيقات أجهزة «أبل»، لكنه اشترى كتابا عن الكود ووضع نموذجا أوليا في غضون شهر.

ويمكن لنهج «ذي اتافيست» أن يمتد بسهولة إلى الكتب غير الأدبية، وهناك عدد من المناقشات جارية مع الناشرين في هذا الشأن، كما أن هناك محادثات حول ترخيص برنامج إدارة المحتوى. عندما اتصلت بأحد الموظفين الإداريين بإحدى دور النشر الكبيرة، رفض ذكر اسمه لأن الشركة في خضم المفاوضات مع «ذي اتافيست». وقال «إنه أمر لا يصدق أن يقوم هؤلاء الثلاثة بعمل هذا الشيء المذهل للغاية. إننا جميعا نعمل على هذا الشيء، والحل الذي توصلوا إليه، سواء من حيث تجربة القارئ أو الإنتاج، يعد لافتا للنظر حقا».

ولأن تجربة القراءة يتم تقديمها من خلال «آي باد» وغيرها من الأجهزة، هناك ميلاد جديد لمقالات أطول في مجالات تتجاوز تطبيقات مثل «ذي اتافيست».

وهناك مقال للكاتب ديفيد جران في مجلة «نيويوركر» وهو مكون من 16000 كلمة ويتناول عملية إعدام محتملة بطريق الخطأ في ولاية تكساس، وقد شاهده نحو 4.5 مليون شخص. وجذبت تغذية على موقع «تويتر» بعنوان «LongReads» نحو 20000 متابع.

وأظهرت دراسة أجريت مؤخرا من قبل خدمة «ريد ات لاتر» التي تساعد القارئ على الاحتفاظ بالمقالات، أن العديد من أجهزة الـ«آي باد» تقوم بتحويل المقالات الأطول إلى وقت آخر لقراءتها في المساء.

وقد أعربت شركات التعليم، ضمن عدد آخر من الشركات، عن اهتمامها الفوري بنهج «ذي اتافيست» المتعدد الوسائط للمحتويات المعقدة.

وقال كارل هيكسون، رئيس قسم التكنولوجيا بدار نشر «بيرسون» للتعليم: «أنا مفتون بما يقومون به! إن إعادة المحتوى للحياة عن طريق دمج الوسائط الغنية والقيام بذلك بنظام لإدارة المحتوى، تعد حلا جذابا للغاية».

تم إنجاز كل هذا في إطار مشروع تكلف نحو 20000 دولار كتكاليف ثابتة ومئات من الساعات غير المدفوعة.

لو حدث هذا في منطقة «سيليكون فالي»، لعمل فيه عدد كبير من الأشخاص، ولكن قام بهذا ثلاثة رجال في بروكلين، بينما كانوا يتناولون المشروبات في شارع «أتلانتك أفينو».

* خدمة «نيويورك تايمز»