الهند تضع قواعد جديدة لتنظيم محتوى الإنترنت

تحظر تحميل أو نشر أي معلومات تهدف إلى تشويه السمعة أو تحمل صبغة تهديدية

قواعد جديدة لضبط محتوى الإنترنت («الشرق الأوسط»)
TT

في أحدث حملة يتعرض لها مستخدمو الإنترنت فرضت وزارة الاتصالات والإعلام الهندية مجموعة جديدة من القواعد على مستخدمي الإنترنت ومشغلي المواقع الهنود.

وتحظر قواعد الرقابة الجديدة على القائمين على المواقع عرض أو تحميل أو نشر أي معلومات يمكن أن تكون «ضارة أو تهدف إلى تشويه سمعة الآخرين أو تحمل صبغة تهديدية أو مسيئة أو بهدف التحرش أو حاضة على ازدراء الأديان أو مرفوضة أو فاحشة أو إباحية أو تروج للاستغلال الجنسي للأطفال أو تشهيرية أو تمثل انتهاكا لخصوصيات الآخرين أو مثيرة للكراهية أو عنصرية وعرقية» أو أي مادة غير مرغوب فيها بموجب القوانين الجديدة لوزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الجديدة.

وتوجب القوانين الجديدة ضرورة حذف أي تصريحات يمكن أن تهدد الوحدة الوطنية والنزاهة والدفاع والأمن أو السيادة الوطنية للهند، أو العلاقات الصديقة مع الدول الأجنبية أو النظام العام من محتوى الإنترنت. وسيلتزم الوسطاء بمنع مثل هذه المعلومات التي تمثل انتهاكا للقواعد التي سبق ذكرها. كما يعطي القانون الجديد الحق لأي مسؤول أو مواطن عادي أن يطالب بإزالة محتوى يعتبره مرفوضا بالنسبة له وفق قائمة طويلة من المعايير التي أعدتها الوزارة.

تشمل قائمة الوسطاء مزودي خدمات استضافة المواقع ومقاهي الإنترنت ومواقع الربح ومواقع المزادات ومزودي خدمة الإنترنت. كما تندرج المدونات تحت هذه الفئة كمزودي خدمات الإنترنت.

وقد ألزمت الحكومة الهندية وسطاء الإنترنت بالتحرك خلال 36 ساعة من تلقي المعلومات بشأن محتوى مخل.

ونظرا لأن مثل هذه الانتهاكات والإجراءات التصحيحية التي اتخذت بشأنها تخضع للقانون الجنائي وإمكانية أن تكون مثل هذه الاتهامات موضع تحقيق للشرطة، تنص القواعد الجديدة على ضرورة حفاظ الوسطاء على مثل هذه المعلومات والسجلات المرفقة لمدة 90 يوما على الأقل لأغراض التحقيق.

وعلى الرغم من انخفاض معدلات الدخول إلى الإنترنت بنسبة 10 في الهند وفق المعايير العالمية، فإن الوصول إلى شبكة الإنترنت يتنامى في المناطق الحضرية وهو ما أدى إلى اشتراك عشرات الملايين من المستخدمين الجدد خلال السنوات الأخيرة بالتوافق ارتفاع نسبة مبيعات الهواتف الجوالة وتقديم خدمة الجيل الثالث في البلاد. ولم تشهد السنوات الماضية محاولات للحكومة للسيطرة على تكنولوجيا الاتصالات سوى مرات نادرة للغاية، بيد أنه في أعقاب التفجيرات الإرهابية التي شهدتها مدينة مومباي في نوفمبر (تشرين الثاني) 2008، كانت هناك حاجة للسيطرة على قطاع الاتصالات وهو نجم عنه صياغة القانون الحالي، والذي يأتي من السبل الكفيلة بمنح السلطات المزيد من الصلاحيات لمراقبة الاتصالات الإلكترونية لأسباب تتعلق بالأمن القومي إلى جانب حماية الخصوصية للمستهلكين.

وبموجب قواعد وزارة الإعلام الجديدة ستضطر مقاهي الإنترنت في الهند إلى التسجيل ضمن وكالة معروفة من قبل الحكومة. وعلى الرغم من وجود بعض القواعد الإرشادية التي تتعامل مع التهديدات الأمنية التي يشكلها بعض مستخدمي الإنترنت غير المعروفين فقد كان الهدف الأبرز هو التأكد من أن الأفراد لا يستخدمون مقاهي الإنترنت في الدخول إلى المواد الإباحية.

وتلزم القواعد الجديدة مالكي مقاهي الإنترنت بتثبيت برامج فلترة والاحتفاظ بسجل لكل المواقع التي تم الدخول إليها من قبل العملاء لمدة عام على الأقل. كما طلب من مالكي مقاهي الإنترنت أيضا عدم إنشاء كبائن أو حجيرات بارتفاع يزيد على أربعة أقدام ونصف، وفي مقاهي الإنترنت التي لا توجد بها حجيرات صغيرة سيكون على مالكي هذه المقاهي وضع الحاسبات والشاشات في مواجهة منتصف الصالة، بهدف خفض الخصوصية التي يمكن لمستخدم الإنترنت الحصول عليها.

من الأمور الشائعة في مقاهي الإنترنت الهندية تجمع بعض الشباب صغار السن داخل هذه الحجيرات الخشبية الضيقة يتصفحون المواقع الإباحية دون اعتراض من مالك مقهى الإنترنت مقابل المزيد من المال حيث يدفع متصفحو المواقع الإباحية أموالا أكثر من المعتاد.

وتستلزم القواعد الجديدة من مستخدمي الإنترنت حمل بطاقة الهوية، إذ يطلب من مالكي مقاهي الإنترنت تقديم قوائم بأسماء المستخدمين لوكالة التسجيل كل شهر إضافة إلى الاحتفاظ بهذه السجلات إلى جانب قائمة بالمواقع التي استخدمها المقهى لمدة عام. ويرى عدد قليل من مالكي مقاهي الإنترنت في ذلك مهمة شاقة من الناحية التقنية للاحتفاظ بسجل عن كل موقع تم الدخول إليه باستخدام الحاسبات خلال عام.

وفي الوقت الذي يمكن فيه للأحداث الذين يملكون بطاقات هوية استعمال أجهزة الحاسب في مقاهي الإنترنت إلا أنهم لن يسمح لهم بالدخول إلى تلك الحجيرات ما لم يكونوا بصحبة أوصياء أو والديهم. وهناك أيضا شرط بضرورة تصوير مستخدمي مقاهي الإنترنت الذين يستخدمون كاميرات الإنترنت أو الأجهزة الأخرى، ويجب أن تكون الصورة مصدقة من قبل المستخدم.

وتملك وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الحق في حجب أي موقع يعرض أي مواد مسيئة، وقد قام مركز أبحاث الإنترنت والمجتمع، ومقره بنغالور، مؤخرا بجمع ونشر قائمة بأسماء 11 موقعا قامت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بحجبها. بيد أن القرار قوبل باستياء من جانب مستخدمي الإنترنت ونشطاء حقوق الإنسان الذي وصفوا التشريعات الجديدة بغير الدستورية وأنها شديد القسوة.

فيرى برانيش براكاش من مركز الإنترنت والمجتمع، والذي يتبنى قضايا التعددية الرقمية أن «القواعد الجديدة توسع من نفوذ الحكومة في السيطرة على محتوى الإنترنت، وهذا أمر غير معقول وغير دستوري لأن القواعد الجديدة تقوض من حرية التعبير التي يكفلها الدستور».

وتعيق القوانين الجديدة حرية التعبير بين المدونين لأنهم سيتحملون كوسطاء مسؤولية تعليقات القراء، وهو ما يعني من الناحية التقنية أن أي تعليق لقارئ على مدونة يعتبر بحسب توصيف الحكومة مهددا أو مسيئا أو مثيرا للاضطراب أو مشوها للسمعة أو غوغائيا أو عنصريا سيعتبر مسؤولية قانونية لصاحب المدونة، بحسب أحد المدونين.

هذه المدونات التي يقوم عليها أفراد أظهرت أهميتها السياسية خلال الآونة الأخيرة، إلى جانب أن نشطاء مجتمع الإنترنت يرون في القوانين الجديدة محاولة ملتوية من جانب الحكومة لعرقلة حقوق الأفراد في حرية التعبير.

وقالت مصادر في الصناعة إن مهلة الـ36 ساعة المفروضة على الوسطاء في البت في شكاوى العملاء من شأنها أن تكون ذات تأثير غير ملائم على مزودي خدمة الإنترنت في النظام القضائي الهندي. وقال المتحدث باسم «غوغل» لمراسل الصحيفة إن الخطوط الإرشادية المقترحة يمكن أن تكون مدمرة على نحو خاص لقدرات الهنود الذين تتزايد أعداد مستخدمي الإنترنت بينهم للتواصل والعديد من الشركات التي تتعاون عبر الإنترنت.

ويصف باوان دوغال، المحامي المتخصص في قوانين تكنولوجيا المعلومات، القوانين الجديدة بالتعسفية فيقول: «مشاهدة الأفلام الإباحية أمر قانوني في الهند، وربما يكون من السخف أن تطلب الحكومة من مالكي مقاهي الإنترنت أن يخبروا عملاءهم بعدم الدخول إلى المواقع الإباحية على الرغم من سماح القانون للأفراد البالغين بالدخول إلى المواقع ما لم تكن مواقع خاصة باستغلال الأطفال جنسيا. ومن ثم ينبغي مراجعة القوانين الجديدة».

وذكر دوغال أنه إذا ما طبقت القوانين الجديدة بصرامة فإنها ستوقف عمل مقاهي الإنترنت».

أما برافين دالال، المدير المشارك في شركة «بيري فور لو» للمحاماة والمدير التنفيذي لمركز حماية حقوق الإنسان للإنترنت، فذكر لمراسل الصحيفة في مقابلة هاتفية أن الهند دولة ديمقراطية تحترم حق الكلمة والتعبير، وأن على المواطنين الهنود التصدي لمحاولات حجب المواقع والرقابة على الإنترنت في الهند، لأن القوانين الجديدة تنتهك الخصوصية وتعيق قدرة مستخدمي الإنترنت على التعبير عن أنفسهم بحرية. من ناحية أخرى يثير تصوير مستخدمي الإنترنت تساؤلات خطيرة بشأن الخصوصية خاصة في حالات الأطفال.

وقد شوهت القيود الجديدة على محتوى الإنترنت تلك الصورة التي تجعل من الإنترنت منصة للتعبير عن الآراء والمعتقدات.

وقد شهدت الأعوام القليلة الماضية احتجاجات واضحة من الهند على عرض صور ونشر تصريحات مسيئة على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «أوركوت» و«فيس بوك»، كلن آخر هذه الاحتجاجات الدعوى القضائية ضد «فيس بوك» على تصوير آلهة هندية في أوضاع غير أخلاقية. وفي عام 2009 حظرت الحكومة الهندية مجلة «سافيتا بهابهي»، الكوميدية على الإنترنت حيث كانت تحظى بشعبية كبيرة، لأن محتواها كان يدور حول ربة منزل ذات حياة جنسية نشطة على يوتيوب.

ويعتبر الإنترنت مسؤولا بشكل كبير عن المساهمة في إحداث هذه التغييرات الثورية. فقد لعب دورا مهما في تغيير المشهد السياسي المصري. وفي الهند أيضا كان داعما كبيرا في حملة غانديان آنا هازاري ضد الفساد. وقد شبه البعض المساعي الهندية الجديدة بالرقابة الصينية على الإنترنت، التي تعد أول دول العالم في الرقابة على محتوى الإنترنت، فكتب بعضهم «هل ستتحول الهند إلى صين جديدة؟».