مؤسسة الرصد الإعلامي البريطانية تنتقد «ديلي تلغراف» على حيلها الصحافية

ترى أن أساليبها في تحرياتها غير نزيهة.. والصحيفة تحذر من انعكاسات خطيرة للقرار على الصحافة الاستقصائية

صحيفة «ديلي تلغراف»
TT

المقولة العربية «ضربة على الحافر وضربة على المسمار» قد تلخص التفكير البريطاني في تعامله مع الكثير من القضايا المطروحة أمام المؤسسات الرسمية وغير الرسمية والقانونية وغير القانونية.

وفي هذا الصدد، انتقدت هذا الأسبوع مؤسسة الرصد الإعلامي المنوطة بالنظر في الشكاوى المقدمة ضد وسائل الإعلام المختلفة، صحيفة «ديلي تلغراف»، عندما سجلت خلسة أحاديث وزير الأعمال فينس كيبل في الحكومة الائتلافية، والتي أظهرته فيها بأنه يحاول إيقاف صفقة استحواذ إمبراطور الإعلام روبرت ميردوخ على قناة «بي سكاي بي» التلفزيونية، والتي أثارت ضجة سياسية.

جاء النقد للصحيفة ليعدل من الوضع ويحفظ ماء الوجه للوزير الذي خسر بعض مهامه قبل عدة شهور، إلا أن ما قامت به الصحيفة قد أدى في نهاية المطاف إلى فضح موقف الوزير «المنحاز»، حيث أظهرته بأنه يقف ضد ميردوخ ومؤسسة «نيوز إنترناشيونال» التي كانت تحاول أن تفوز بالصفقة.

قصة الصحيفة التي نشرتها في تلك الفترة أدت إلى تسهيل مهمة صفقة الاستحواذ، التي وقفت ضدها الصحيفة نفسها، وأعطت روبرت ميردوخ الذريعة لاتهام الحكومة بالتدخل لأسباب سياسية.

وفي قرارها هذا الأسبوع، أيدت «مفوضية الإعلام للشكاوى» الوزير فينس كيبل، الذي سجل شكواه آنذاك ضد اختراق خصوصيته الشخصية. وقالت المؤسسة إن ما قامت به صحيفة «ديلي تلغراف» يعد اختراقا لحقوق الوزير.

وعبر الوزير فينس عن سعادته بعد إصدار القرار، وقال إن مفوضية الإعلام للشكاوى قد اتفقت مع رئيس حزب الديمقراطيين الأحرار تيم فارون الذي تقدم بالشكوى ضد الصحيفة التي استخدمت حيل غير مقبولة في تحرياتها. وقالت المفوضية إن ما نشرته الصحيفة حول الموضوع نتيجة تحرياتها لا يبرر الطرق المستخدمة. وأضافت المفوضية أن صحيفة «ديلي تلغراف»: «سلطت الضوء على هذه القضية العامة لكن من دون توازن ومن دون أسباب تبرر تقديمها هذا النوع من الأخبار التي تخص القارئ». وقالت إنها سوف تنشر لاحقا دليلا توجيهيا بخصوص ما أصبح يسمى بـ«رحلة التصيد» التي تلجأ إليها بعض وسائل الإعلام.. «في هذه المناسبة، توصلت مفوضية الإعلام للشكاوى إلى أن الأساليب والحيل المستخدمة من أجل تقديم مادة إعلامية تهم القارئ وتخدم الحق العام لم تكن متوازنة»، كما قالت مؤسسة الرصد الإعلامي البريطانية في تقريرها الذي نشرته هذا الأسبوع.

يذكر أن «مفوضية الإعلام للشكاوى» هي مؤسسة تمولها الجرائد والمؤسسات الإعلامية العاملة في بريطانيا، ولهذا فهي مستقلة عن الدولة ولا تخضع لقراراتها السياسية.

وبدأت المشكلة في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عندما قررت الحكومة تأجيل صفقة استحواذ مزمعة لشبكة «بي سكاي بي» من قبل «نيوز كوربوريشن» الذي يملكها روبرت ميردوخ. ولإمبراطورية ميردوخ حصص في شركات إعلامية على مستوى العالم في الولايات المتحدة وأستراليا وآسيا، وتمتلك صحف «تايمز» و«صن» و«نيوز أوف ذي وورلد» في بريطانيا.

وقال وزير الأعمال فينس كيبل آنذاك إن الحكومة سوف تحتكم لهيئة التنظيم الإعلامية (أوفكوم) للبت بشأن الخطط على أساس الاحتفاظ بالتعددية الإعلامية للصالح العام. كما تم إخطار المفوضية الأوروبية رسميا، وسوف تجري تحقيقات خاصا بها.

وتمتلك شركة «نيوز كوربوريشن» حصة نسبتها 39 في المائة من الشبكة الإذاعية الفضائية، وكشفت مؤخرا عن خطط للاستحواذ الكامل عليها بقيمة 12 مليار جنيه إسترليني (19 مليار دولار). وكانت أمام هيئة «أوفكوم» مهلة حتى يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) لتقديم تقريرها للحكومة البريطانية. وتم إخطار المفوضية الأوروبية بالعرض، وسوف تجري حقيقا بشأن مسائل المنافسة، على أن تصدر تقريرها في الثامن من الشهر ذاته.

وقال كيبل إن المفوضية سوف تبحث فقط في التأثيرات المحتملة على الصالح العام، واعتمادا على حكم «أوفكوم» سوف تدرس الحكومة تحويل الأمر إلى سلطات المنافسة البريطانية.

وأثارت رغبة عملاق الإعلام الأسترالي روبرت ميردوخ في السيطرة على «بي سكاي بي» موجة معارضة من باقي وسائل الإعلام البريطانية، بدءا من منافسيه الذين يرون في ذلك تهديدا كبيرا لهم. وبالتالي اتخذت القضية طابعا سياسيا على الفور، لا سيما أن هذه الصحف التي يملكها ميردوخ نشطت في دعم رئيس الوزراء الجديد ديفيد كاميرون في حملته الانتخابية. وكان ميردوخ من أولى الشخصيات التي استقبلت في مقر رئاسة الوزراء بعد فوز المحافظين على العمال في مايو (أيار) الماضي.

ولم يتأخر رد فعل المنافسين. ففي مبادرة غير مسبوقة تحالف هؤلاء للطلب من الحكومة وقف العملية، معتبرين أنها تهدد «التعددية في الإعلام»، أي بعبارة أخرى تهدد بسحق الأكثر ضعفا في ظروف اقتصادية صعبة جدا أصلا. وهنا جاء تدخل فينس كيبل، ونظر إليه على أن تدخله هو مجرد تصفية حسابات سياسية مع ميردوخ الذي لم يتمتع حزبه بدعم صحف ميردوخ.

ومن ناحية أخرى، فإنه في حالة تمت الصفقة فستملك مؤسسة ميردوخ «قاعدة غير مسبوقة في الأسواق المتقاطعة لوسائل الإعلام» أيا كان نوعها، كما علق آنذاك تشارلي بيكيت مدير مجموعة بيكيت للأبحاث التابع لمعهد لندن للاقتصاد. وأضاف أنه إن حدث الأمر «فقد يهدف إلى ربط عروض الاشتراك في مواقع الصحف على الإنترنت باشتراك التلفزيون». وذلك يتفق مع سياسة ميردوخ الجديدة، والتي جعل فيها في يونيو (حزيران) موقعي صحيفتيه الكبريين «تايمز» و«صنداي تايمز» متوافرين مقابل اشتراك. واعتبر القطاع هذا الرهان خاسرا وغرق في التكهنات بشأن نتائج هذا التحول الاستراتيجي في غياب معطيات واضحة.

والجبهة المضادة لميردوخ قوية كذلك، وتضم صحفا مثل «ديلي تلغراف» و«ديلي ميل» و«ذا غارديان» و«ديلي ميرور» وكذلك هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ومحطة «تشانل 4»، ومجموعة «بريتش تليكوم» للاتصالات أحد منافسي «بي سكاي بي» في مجالي التلفزيون المدفوع والإنترنت. ويخشى هؤلاء من أن تتحول «بي سكاي بي» إلى آلة حرب تلتهم مجمل الأرباح التي تبلغ مليار يورو والمتوقعة اعتبارا من هذا العام.

وتدخلت نتيجة الضغوط حكومة تحالف المحافظين والأحرار الديمقراطيين. لكنها ماطلت عبر الطلب من هيئة تنظيم الاتصالات أن ترفع إليها تقريرا قبل 31 ديسمبر لاتخاذ قرار حول رفع الملف إلى لجنة المنافسة البريطانية. بالموازاة رفعت «نيوز كوربوريشن» مشروعها إلى سلطات المنافسة الأوروبية. ويعتقد بعض المراقبين أن هناك رهانا أن البعض في الحكومة يأملون أن تنزع بروكسل هذه الشوكة من قدمهم عبر وقف العملية برمتها.

غير أن تشارلي بيكيت رأى أنها ستكون «كارثة سياسية للاتحاد الأوروبي، الذي يبدو وكأنه يرفض في بريطانيا ما قبل به في إيطاليا» مع إمبراطورية سيلفيو برلسكوني. ولهذا جاء ما قامت به صحيفة «ديلي تلغراف» بالتنصت على الوزير كيبل على الرغم من أنها كانت ضمن المجموعة التي عارضت صفقة «بي سكاي بي». وقام مراسل الصحيفة بتسجيل محادثة مع فينس كيبل التي جاء فيها تبجحه بأنه «أعلن الحرب على ميردوخ»، وجاء هذا قبل إصدار قراره بخصوص صفقة الاستحواذ كونه مناطا بحقيبة الأعمال. وشبه كيبل في حديثه وجوده في هذه الحكومة مثل «اشتراكه في حرب»، وأنه قد يجأ إلى «الخيار النووي» مستقبلا، ويعني بذلك تقديم استقالته. القصة سربت إلى هيئة البث البريطاني «بي بي سي» التي أذاعتها قبل نشرها بيوم في صحيفة «ديلي تلغراف» صاحبة القصة.

أقوال كيبل كادت تؤدي إلى طرده من وظيفته في الحكومة الائتلافية، لكن بسبب هشاشة الوضع السياسي وعدم وجود أكثرية برلمانية لحكومة ديفيد كاميرون رئيس الوزراء المحافظ، فقد جرد كيبل من مهامه في قضية الاستحواذ بخصوص «بي سكاي بي» وأسند كاميرون الموضوع لوزير الثقافة جيرمي هانت.

وقد أثار الموضوع حفيظة البرلمان الذي علق رئيسه جورج يونغ على الموضوع قائلا إن الحيل التي قامت بها الصحيفة هي تهديد للعملية الديمقراطية.

وبعد قرار المفوضية قال كيبل في تعليقات لقناة «سكاي نيوز»: «في الواقع لم أقرأ التقرير بكامله، إلا أن ما جاء فيه إثبات لما قلناه سابقا بعد نشر تفاصيل المحادثة السرية مع مراسل الصحيفة المتخفي كأحد رعايا المنطقة الانتخابية. إن أي محادثة لعضو منتخب مع أي من سكان المنطقة الانتخابية هي خصوصية يجب احترامها، وإن ما قامت بها الصحيفة من حيل هو خرق واضح لهذه الخصوصية».

ورد رئيس تحرير «ديلي تلغراف» توني غلاغار على القرار قائلا إن صحيفته تقبل بهذا الحكم، إلا أنها تعتقد أن القرار ستكون له انعكاسات خطيرة على الصحافة الاستقصائية على المدى البعيد».