هبة أوروبية لسد الفراغ في الأخبار العالمية

مواقع إلكترونية تعمل على ترجمة مقالات الصحف من شتى أنحاء العالم

TT

مع إغلاق المؤسسات الإخبارية حول العالم لمكاتبها الأجنبية، ينشئ صحافيون ورواد أعمال وحتى جهات حكومية في أوروبا شركات إخبارية في محاولة لسد هذا الفراغ. ونتيجة لذلك، تزداد رفاهية ودلال القراء الذين يسعون للحصول على أخبار دولية في الاختيار، وخصوصا إذا كانوا يقرأون اللغة الإنجليزية، وهي ثاني أكثر اللغات شيوعا للكثير من الأوروبيين، واللغة المفضلة للكثير من المنافذ الجديدة.

ويقدم موقع «وورلد كرانش»، وهو موقع جديد على شبكة الإنترنت يتخذ من مدينة باريس مقرا له، ترجمات لمقالات من الصحف من شتى أنحاء العالم. ويفعل موقع «بريشار يوروب»، وهو موقع جديد آخر من باريس، نفس الشيء للصحف الأوروبية، حيث يترجم المقالات إلى 10 لغات من بينها الإنجليزية.

ويوجه الموقع الإلكتروني لصحيفة «هافينغتون بوست»، أحد أشهر المواقع الإخبارية الأميركية على شبكة الإنترنت، اهتمامه لمنطقة أوروبا، ويقول مسؤولو الموقع إنهم يخططون لتقديم نسخة بريطانية قريبا. وفي بروكسل، يجمع موقع يعرف باسم «أوروبا اليوم» أخبارا من شتى أنحاء المنطقة، حيث يجمع قصاصات من مجموعة من المصادر الأوروبية ويترجمها إلى اللغة الإنجليزية. ويرغب مؤسسوها في بدء جريدة مطبوعة تهتم بالشأن الأوروبي.

ولكن لماذا هذا الهبة السريعة من النشاط؟ يمكن للقراء الأوروبيين الذين يسعون للحصول على أخبار دولية باللغة الإنجليزية أن يختاروا بالفعل من بين تشكيلة من المصادر منها جريدة «فايننشيال تايمز» وجريدة «وول ستريت جورنال» النسخة الأوروبية وجريدة «إنترناشيونال هيرالد تريبيون». وتتوافر الصحف البريطانية والمواقع الإخبارية في شتى أنحاء القارة. وكانت مطبوعات أخرى، من بينها مجلة «دير شبيغل» الألمانية، قد قدمت منذ فترة طويلة مواقع إخبارية باللغة الإنجليزية.

وقال بيت باكر، أستاذ الصحافة في كلية الصحافة العليا بمدينة أوتريخت الهولندية مؤلف مدونة تدعى «ابتكار الصحف»: «أنا لست متأكدا مما إذا كانت هناك هذه السوق الكبرى التي تحتاج إلى معرفة ما يحدث في برلين أو أثينا أو باريس، جميعا في نفس الوقت، وهذه الصحف التي تمتلك بالفعل الكثير من الخيارات. وإذا سألت الناس في أوروبا عن نوع المعلومات التي يريدونها في إحدى الصحف، تأتي المعلومات المحلية دائما على رأس قائمة الأولويات».

ولكن الناس الذين يقفون وراء هذه الشركات يقولون إن هناك مجالا للشركات الإخبارية الجديدة، لأنها تهدف إلى شغل الفراغات الصحافية غير المستحقة أو استبدال التغطية التي كانت قد اختفت. وهم يريدون أيضا تطوير نماذج تجارية جديدة أو استغلال التمويل من المصادر الجديدة.

وقال جيف إسرائيلي، المحرر في موقع «وورلد كرانش»: «كانت وسائل الإعلام التي تتحدث بالإنجليزية تعتقد أننا يمكننا أن نفعل ذلك بأنفسنا. وقد اتضح الآن أنهم لا يمكنهم ذلك. ويتم جلب صحافيين محترفين إلى الداخل من المكاتب الأجنبية، وسوف يتم عكس هذا الأمر».

ولم يكن إسرائيلي، المراسل السابق لمجلة «التايم» في روما وباريس، لديه أي عمل خلال العام الماضي بعدما أغلقت مجلة «التايم» قدرا كبيرا من عمليات تشغيلها في أوروبا.

وأسس إسرائيلي موقع «وورلد كرانش» مع إيرين توبوركوف، الرئيس التنفيذي السابق لوحدة «Ask.com»، واستثمارات من 3 رواد أعمال فرنسيين في مجال الإنترنت. وقد أقام الموقع، الذي أنشأ نسخته الجديدة، حفل افتتاحه الرسمي خلال الأسبوع الماضي.

وباستخدام صحافيين غير متعاقدين، يخطط موقع «وورلد كرانش» لنشر الكثير من الترجمات الإنجليزية لمقالات من صحف مثل «لوموند» و«دي فيلت» و«لا ستامبا» كل أسبوع. وبينما تعتبر معظم الصحف التي يضمها الموقع أوروبية، فقد تم إدراج مجلة «حريت» في تركيا و«الأوبزرفر» الاقتصادية، وقال إسرائيلي إنه كان يسعى للحصول على المزيد من الشركاء العالميين.

وتمتلك بعض المطبوعات المشاركة مثل جريدة «لي إيكو» التجارية الفرنسية اليومية أقساما للغة الإنجليزية على مواقعها حيث تنشر المقالات التي كان موقع «وورلد كرانش» قد ترجمها.

ويستكشف موقع «وورلد كرانش» الأفكار التي تحقق الدخل، ومن بينها بيع المقالات المترجمة عبر الشبكات الإخبارية، حسبما ذكر إسرائيلي. ويتم اقتسام الدخل مع صحف ناشئة. وقال إسرائيلي: «لا نريد أن نقتل وسائل الإعلام التقليدية. إننا شركة جديدة تعتمد على هذه الوسائل».

ولا تمثل الأرباح شيئا مقلقا بالنسبة لموقع «بريشار يوروب» حتى الآن. وكان الموقع قد تم إنشاؤه في عام 2009 مع الحصول على تمويل من المفوضية الأوروبية في بروكسل، والتي كانت تشعر بالقلق بفعل تقارير عن مشاعر التشكك المتزايدة بشأن الاتحاد الأوروبي في الدول الأعضاء.

وبينما يصنف موقع «بريشار يوروب» محتوياته من نفس الصحف التي يعتمد عليها موقع «وورلد كرانش»، تعد مهمتها أكثر تركيزا – من أجل جلب الاتحاد الأوروبي إلى الحياة». حسبما ذكر موقعه الإلكتروني.

وقال غيان باولو أكاردو، نائب رئيس تحرير موقع «بريشار يوروب»: «الأوروبيون مهتمون بما يحدث في الدول الأوروبية القريبة منهم بنفس قدر اهتمامهم بما يحدث في بلادهم. وهناك أيضا اهتمام متزايد بما يحدث على المستوى الأوروبي. ولكن وسائل الإعلام تميل إلى تغطية المواضيع الوطنية بشكل أكبر».

وقال كريستوفر بيرغ، المؤسس المشارك لموقع «يوروب توداي» إن الوافدين الأوروبيين الشبان الذين ينتقلون بين العواصم الأوروبية بسهولة لم يشعر بها آباؤهم على الإطلاق ويتواصلون مع بعضهم البعض باللغة الإنجليزية، كانوا يتلقون خدمة سيئة من المنافذ الإخبارية. وقال بيرغ، وهو مواطن سويدي، إنه خطرت له فكرة إنشاء موقع «يوروب توداي» عندما كان يدرس برفقة صديق في باريس. ويعيش بيرغ الآن في بروكسل، ويعمل كمساعد لعضو في البرلمان الأوروبي.

وذكر بيرغ أن هؤلاء القراء يجدون أن الصحف المملوكة من قبل الأميركيين والبريطانيين المتوفرة في أوروبا ليست منتشرة ورائجة بشكل كاف في قارة أوروبا.

وقال: «نحن نريد فقط أن نقدم لهؤلاء الأشخاص الأوروبيين المتنقلين والمتعلمين شيئا يمكن قراءته، لأن هذا الأمر ليس متاحا هناك».

وقال بيرغ إنه هو وصديقه يوهان مالمشتين، وهو استشاري إداري، استثمرا «عشرات الآلاف من اليوروهات» من أموالهم في هذا المشروع، الذي تم إنشاؤه في عام 2008. وهم يبحثون عن استثمار إضافي كبير لتمويل رؤيتهم فيما يتعلق بإصدار مطبوعة ورقية اعتمادا على الصحافيين الذين يعملون معهم.

وتحسبا للانتقال إلى الصحافة المطبوعة، يخطط بيرغ ومالمشتين لتغيير اسم موقعهما الإلكتروني إلى «ذا يوروبيان ديلي».

وبالنسبة للناشرين المقبلين الذين يمتلكون توجها مؤيدا لأوروبا، هناك قصة تحذيرية، وهي قصة جريدة «ذا يوروبيان» التي تتخذ من مدينة لندن مقرا لها، والتي أسسها روبرت ماكسويل، بارون الصحافة البريطانية في عام 1990. وفي ظل إدارتها من قبل الملاك الجدد، أغلقت الصحيفة في عام 1998، بعد 7 سنوات من وفاته في البحر، مع تراجع المبيعات وتراكم الخسائر.

ولكن اسم الصحيفة التي أسسها ماكسويل احتفظت بجاذبيتها؛ حيث أنشأ صحافي ألماني يدعى ألكسندر غورلاش، موقعا إلكترونيا منذ عامين يحمل نفس الاسم، ويقدم تحليلات إخبارية وآراء. وأضاف الموقع، الذي كان ينشر الأخبار أساسا باللغة الألمانية، نسخة إنجليزية مؤخرا.

* خدمة «نيويورك تايمز»