الإعلامي المصري يسري فودة: اتهام «الجزيرة» بالإثارة بعد الفشل في مجاراتها.. تصرف عاجز

قال لـ «الشرق الأوسط» إنه ينبغي على الإعلام العربي أن يكون فاعلا في الحياة السياسية.. وليس مفعولا به

يسري فودة متحدثا لـ«الشرق الأوسط»
TT

يسري فودة صحافي مصري بارز في مجال الصحافة التلفزيونية، باحث دائم عن الحقيقة، يحمل على عاتقه مهمة كشف الحقيقة، خاصة «لمن لم يكن يراد لهم، لسبب أو لآخر، أن يعلموا هذه الحقيقة».. يستمتع بالتفتيش في الملفات السرية، وعرف برجل المهام الصعبة؛ فهو الصحافي الوحيد الذي استطاع أن يقابل العقول المدبرة لأحداث 11 سبتمبر من تنظيم القاعدة، كما أنه أول صحافي غير أميركي يدخل معتقل «غوانتانامو».

اخترق الكثير من القضايا الشائكة ثم عاد إلى وطنه الأم مصر منذ 3 سنوات، ليتفاعل من خلال برنامجه «آخر كلام» على قناة «أون تي في» مع ما كانت تشهده مصر من أحداث، حتى اندلعت ثورة 25 يناير، ويحقق البرنامج شهرة كبيرة، خاصة بعد الحلقة التي أطاحت برئيس وزراء مصر السابق، الدكتور أحمد شفيق، وسلسة الحلقات التي هزت الرأي العام المصري فيما يخص مصلحة الطب الشرعي.. «الشرق الأوسط» التقت به في القاهرة فكان الحوار التالي:

* بصفتك الصحافي المصري الوحيد الذي استطاع أن يقابل بعض أعضاء تنظيم القاعدة؛ ما توقعاتك لمستقبل التنظيم بعد مقتل بن لادن؟

- في رأيي الشخصي أنه إذا كان هناك مائة بن لادن ولم يكن هناك محمد عطا، فإن أحداث 11 سبتمبر لم تكن لتحدث، دون التقليل من أهمية وجود القيادة الدينية والروحية والمعنوية لبن لادن.. ولكن الفارق هو وجود جيل جديد من الحركيين، من نوعية محمد عطا، الذي يتمتع بذكاء وتنظيم عال جعلاه يستطيع تولي تنفيذ العملية على أرض الواقع؛ ففي آخر أسبوعين كانت كل التفاصيل في يد محمد عطا، وهو الذي حدد ساعة الصفر، وبن لادن لم يكن على علم بها.

لذا فمسألة اختفاء بن لادن، سواء لأسباب أمنية أو بسبب الموت، لا أعتقد أنها بالضرورة ستؤثر على إمكانيات تنظيم القاعدة، فـ«القاعدة» تلقت الضربة الكبرى في أكتوبر (تشرين الأول) عند الهجوم الأميركي على أفغانستان، حيث فقدت أبرز جنودها؛ سواء من القيادة العليا أو الوسطى أو الحركيين، وفقدت مقر الإدارة الخاص بها في أفغانستان وتشرد أعضاؤها كتنظيم هرمي، وأصبحت غير قادرة على التفكير والتجنيد والتمويل والتنسيق وتنفيذ العمليات، وبالتالي انتقلنا من مفهوم (القاعدة) التنظيم إلى الفكرة، وهو ما يفسر أن معظم العمليات التي حدثت بعد ذلك كانت بمبادرات فردية أو لخلايا منفصلة.

وأعتقد أنه لا تزال الكثير من تفاصيل هذه العملية غامضة ولم يكشف عنها لأسباب مختلفة، وبالتالي فمن الصعب الوصول لاستنتاجات دقيقة.. ولكن أنا أعلم أن الأميركيين كانوا ليقتنصوا بن لادن في أقرب فرصة، ولم يكن لأسامة بن لادن إلا أن يستشهد، فهو متخذ هذا القرار، فلا يمكن أن يقع أسيرا في أيدي الأميركيين ولم يكن للأميركيين أن يتحملوا التكلفة العالية للقبض عليه حيا، وهذه من المرات النادرة في التاريخ التي يتفق فيها طرفا الحرب على أنهما هما الاثنان «يا قاتل يا مقتول».

* وهل يمكن أن يقوم التنظيم ببعض العمليات ردا على مقتل بن لادن؟

- أعتقد أننا من الممكن أن نشهد مجموعة من العمليات العشوائية والفردية كرد فعل عاطفي، وليس عندي شك في أن أقطاب تنظيم القاعدة سيعملون على جمع شتات التنظيم، وهو أمر صعب لأنه تشرد كثيرا.

* قمت بعمل مجموعة حلقات وجهت تهما لمصلحة الطب الشرعي بالفساد الإداري، وأدت إلى إصدار رئيس الوزراء قرارا بفتح التحقيق مع كبير الأطباء الشرعيين، حدثنا عن ذلك.

- للإعلام دور يجب أن يلعبه كجهاز رقابي لإظهار الحقائق ومساعدة المشاهد على الفصل بين الرأي والتحليل والإشاعة، ثم إعطاء فرصة للمسؤول أمام المشاهد للدفاع عن نفسه، مما يساعد في خلق رأي عام مستنير ومسلح بالمعرفة والحقيقة.

وفي رأيي أن أهمية هذه الحلقات ليس فقط في كشفها للفساد الإداري في مصلحة الطب الشرعي، وإنما في أنها أوضحت للرأي العام أن النظام السابق لم يسقط بعد، وأن الثورات تأخذ سنوات كثيرة لتؤتي ثمارها، ولكننا متعجلون؛ لذا يفيد هنا النظر للتاريخ، فنحن ما زلنا في الصفحة الأولى من كتاب كبير اسمه الثورة، صحيح أن الثورة المصرية استطاعت إنجاز الكثير حتى الآن، ولكن أمامها ما هو أكثر، وهي حقيقة يجب أن ندركها حتى لا نشعر بالإحباط، فنحن نحتاج لفترات طويلة لتغيير مفاهيم كثيرة؛ فالفساد مستشرٍ في شرايين وأوردة المجتمع.

* وهل حقا تسببت حلقة الدكتور شفيق في الإطاحة به من رئاسة الوزراء؟

- قد تكون هي الفصل الأخير، ولكن أعتقد أنه سبقها مقدمات، والجميل في الحلقة، من وجهة نظر صحافي ودارس أكاديمي للإعلام، أنها أعطت دفعة قوية للإعلام العربي بأنه يمكن أن يكون فاعلا في الحياة السياسية العربية وليس مفعولا به، بمعنى أنه طالما تقوم بعملك الصحافي بمهنية واتزان، وتستضيف الضيف المناسب في اللحظة المناسبة وتوجه له الأسئلة المناسبة، فكل ذلك قد يكون له تأثير إيجابي بشكل من الأشكال.

* حدثنا عن بداياتك في مجال الصحافة التلفزيونية؟

- تخرجت في كلية الإعلام جامعة القاهرة وعملت بها معيدا، ثم حصلت على درجة الماجستير في الصحافة التلفزيونية من الجامعة الأميركية بالقاهرة، واستأنفت العمل كمدرس مساعد في كلية الإعلام، وكنت أقوم بالتدريس أيضا في الجامعة الأميركية.

ثم سافرت عام 1992 إلى بريطانيا لإعداد رسالة الدكتوراه، وهناك وجدت الفرصة العادلة فالتحقت بتلفزيون «بي بي سي» وتلفزيون وكالة أنباء «أسوشييتد برس»، ثم قناة «الجزيرة» التي قدمت من خلالها برنامج «سري للغاية» لمدة 10 سنوات، ثم قررت العودة لمصر منذ 3 سنوات لرغبتي في أن أكون جزءا من البوتقة التي كانت تتفاعل داخل مصر، ولم أكن أعلم نهايتها، ولكنني أردت أن أكون جزءا منها.

* لماذا لم تعمل في التلفزيون المصري قبل سفرك إلى بريطانيا؟

- لم أعمل في التلفزيون المصري لشعوري بأنني لن أستطيع الحصول على الفرصة العادلة، ولم أرغب في أن أكون واحدا من «القطيع»؛ فمع الأسف في الخارج يجد المواطن المصري الفرصة العادلة فيثبت نفسه أكثر، أما داخل مصر (بلده) لا يجد هذه الفرصة.

* تعرض برنامج «سري للغاية» للكثير من القضايا الشائكة؛ فكيف كنت تأتي بالفكرة؟

- ما أكثر الأفكار في بلادنا العربية، وأعتقد أن هذا يرتبط بانتشار حالة النفاق في مجتمعاتنا، فأي مجتمع به نفاق سواء على المستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي دائما نجد به أفكارا لتحقيقات صحافية.. على عكس الغرب، فمجتمعهم مفتوح لا يوجد به خوف أو نفاق لذا نجد الأفكار أقل بكثير.

* وما مراحل الإعداد التي كنت تتبعها؟

- كل قضية أو موضوع أقدمه هو الذي يوجهني لكيفية البدء فيه وكيفية إنهائه، وعادة ما أبدأ بجمع المعلومات من المصادر المفتوحة، مثل ما كُتب حول هذه القضية سواء في الصحف أو الكتب، ثم أنتقل للمرحلة الأصعب وهي المصادر المغلقة، التي تحتاج لعمل ومجهود وإبداع أكبر لفتح الأبواب المغلقة، بعدها يتم تحديد المحاور والبحث عن المصادر التي ستغطي هذه المحاور، وأضع خطة متكاملة أحدد فيها الدول التي أسافر إليها لجمع المعلومات، والوقت الذي سأحتاجه، وبعد أن أنتهي من كل ذلك، أقوم بتنظيم المعلومات التي جمعتها، ثم معالجتها، وفي النهاية أترجم كل هذا في شكل نص يحمل هذه المعلومات بشكل مفيد وجذاب ليتقبله الجمهور.

وعلى الرغم من أن كل هذه المراحل تستغرق وقتا ومجهودا كبيرين، فإنني لا أشعر بأي ضيق ولا أتعامل مع الموضوع كأنه «تأدية واجب».. بالعكس، لا أشعر بالمجهود لاستمتاعي بالبحث عن الحقيقة ورغبتي في كشفها للجمهور، وكنت أعيش مع القضية لدرجة التفكير فيها حتى أثناء النوم، فالصحافي هو صحافي طوال الـ24 ساعة ولمدة 7 أيام في الأسبوع.

* لماذا تركت البرنامج وقناة «الجزيرة»؟

- وصلت لمرحلة من الإرهاق لم أستطع معها الاستمرار، على الرغم من استمتاعي بتقديم شيء جديد عن الصحافة التلفزيونية العربية؛ فبرنامج «سري للغاية» كان برنامجا قاتلا، حيث جعلني أعيش كل 3 شهور في حالة مختلفة تماما، وكان يفرض علي ماذا أقرأ، بناء على الموضوع الذي أتعرض له في الحلقة، وبسببه أيضا ابتعدت عن الكتابة لمدة 10 سنوات.

هذا إلى جانب بعض الأسباب الأخرى، فيما يخص علاقتي بقناة «الجزيرة» وتحفظي على أمور بعينها على الشاشة وخلفها، بعضها يتعلق بالإدارة أو بالمهنة أو بالسياسة. بجانب رغبتي في العودة لبلدي لأعايش الأحداث التي تشهدها مصر وأكون جزءا منها.

* برنامج «سري للغاية» حقق شهرة ونجاحا كبيرين؛ فلماذا لم يحظ برنامج «آخر كلام» على قناة «أون تي في» بنفس الشهرة إلا بعد ثورة 25 يناير؟

- أعتقد أن يسري فودة لم يتغير، فمنذ اليوم الأول وأنا حريص على المهنية في برنامجي، وغير مؤمن بأسلوب الصياح، لأنني مقتنع بأن المشاهد يجب أن يخرج بمعلومة جديدة أو تحليل مفيد من البرنامج يساعده على فهم الأحداث الجارية، وقد يكون هذا الأسلوب في العصر السابق غير مرغوب فيه، لأن في العهود المماثلة لما قبل 25 يناير عادة ينتشر الذوق الهابط في كل القطاعات ومجالات الإبداع، فالمسألة لا تتعلق بيسري فودة بقدر ما تتعلق بالإطار العام للشخصية المصرية والبلد بشكل عام، فالذي تغير هو الذوق العام في مصر، فقبل الثورة ربما لم يكن يراد لمصر أن تطرح أفضل ما فيها في مختلف المجالات.

* وعلى الرغم من ذلك أعلنت عن رغبتك في ترك برنامج «آخر كلام»؛ فما السبب؟

- لرغبتي في توسيع المجال في حياتي لأنشطة أخرى، مثل الحياة الاجتماعية والسفر داخل مصر، والقراءة والكتابة. فرغم قصر الفترة الزمنية التي عملتها في قناة «أون تي في»، التي لا تزيد عن العام تقريبا، أراها مكدسة بالأحداث بما يوازي العشر سنوات التي قضيتهم في برنامج «سري للغاية».

وأنا غير معتاد على هذا الظهور المكثف على الشاشة، فأنا صحافي ميداني ودورتي المهنية كانت ساعة واحدة كل 3 شهور أثناء عملي ببرنامج «سري للغاية». وعندما عدت إلى مصر بدأت برنامج «آخر كلام» وكان ساعة واحدة كل يوم جمعة، حتى قامت الثورة وبدأت أظهر يوميا على الشاشة، وهو أمر مجهد جدا وأنا غير معتاد عليه. فحرفيا أنا كنت «أعسكر» في مدينة الإنتاج الإعلامي أول 18 يوما من الثورة، بعدها كان من المفترض أن أعود لتقديم حلقة أسبوعية، ولكن إدارة القناة عرضت علي الاستمرار في تقديم البرنامج بشكل يومي، خاصة بعد حالة التواصل الكبيرة التي حدثت بيننا وبين الجمهور.. ترددت في قبول العرض في البداية، لأنني كما قلت أسعى لتوسيع المجال في حياتي لأنشطة أخرى.

ولكن بعد التفكير وجدت أن الرفض سيولد بداخلي شعورا بالذنب لأن الثورة لم تنتهِ بعد، وأنا عدت في الأساس لرغبتي في أن أكون جزءا مما يحدث في مصر، فعندما تصل الحالة المصرية إلى الذروة لا يجوز أن أتركها. كما شعرت بأن في ذلك تخل عن القناة وعن جمهوري، لذا قبلت العرض ولكن اتخذت قرارا مع نفسي بترك البرنامج بعد انتخابات الرئاسة.. ولم أحدد بعد خططي بعد ترك البرنامج، ولكن بالتأكيد سأستمر بشكل أو بآخر، فأنا مؤمن بأن من يولد صحافيا يموت صحافيا، ولكنني لن أحصر نشاطي في العمل التلفزيوني لأنه شاق وقاتل، خاصة لمن يحرص على تقديم الحد الأدنى من القيمة في الصحافة التلفزيونية.

* أليس غريبا أنك لا تفضل الظهور بشكل يومي على الشاشة؟

- لست من المغرمين بالشهرة على الإطلاق، ولي مواقف كثيرة في قناة «الجزيرة»؛ ففي البداية برنامج «سري للغاية» كان مرة كل شهر، وهو أمر مرهق جدا ولم يعطني فرصة لوضع جودة أكثر، فطلبت أن يكون مرة كل 3 شهور، فقال لي رئيس القناة محمد بن جاسم العلي: «أنت أمرك عجيب، كل الناس عايزة تظهر على الشاشة أكثر وأنت عايز تظهر على الشاشة 4 مرات في السنة؟!» فقلت له: «مش مهم أطلع كام مرة، المهم أطلع أقول إيه».

فأنا لست صحافي «شو»، كما أنني شعرت بعد برنامج «آخر كلام» بأنني أصبحت نجما سينمائيا، وأنا لا أرغب في أن أكون نجما سينمائيا.

* ما رأيك في تغطية القنوات المصرية لثورة 25 يناير؟

- من خلال متابعتي للقنوات المصرية في أول أيام الثورة، لم يسعدني تغطية كل القنوات، بما فيها قناة «أون تي في». فالتلفزيون المصري كان في كوكب آخر والقنوات الخاصة أصابتها البلبلة، لأنهم كانوا أمام لحظة «رهان تاريخي».. هل يستسلمون لحساباتهم الدنيوية وهي الحفاظ على علاقتهم بالنظام القديم لاحتمالية عدم نجاح الثورة، أم يلجأون لمنظومة القيم بداخلهم ويتمسكون بها ويقدمون الحقيقة كاملة وأجرهم على الله؟! ولأن الثورة بدأت يوم الثلاثاء 25 يناير، ووقتها كان برنامجي لا يزال أسبوعيا كل جمعة، فكنت سأظهر على الشاشة يوم الجمعة 28 يناير (جمعة الغضب).. لذا طلبت الاجتماع مع إدارة القناة لوضع خطة عمل معهم لتغطية الثورة بشكل مهني ومتواز، عن طريق نقل الصورة كما هي من دون تطاول على أحد أو بخس حق أحد. وتم عرض هذه الخطة على صاحب القناة ورئيس مجلس إدارتها، المهندس نجيب ساويرس، وحذرته من احتمالية إغلاق القناة بمكالمة تليفونية بعد تبني هذا الخط التحريري. ولكنه كان جريئا، وقال: «إذا كنتم مقتنعين بما تفعلونه وتقومون به بالشكل الذي يرضي ضميركم الإنساني والمهني فافعلوه، حتى إذا أدى ذلك لإغلاق القناة».

وهذه هي اللحظة التي أعتبرها تغطية تلفزيونية حقيقية، وظلت قناة «أون تي في» من يوم 28 يناير (كانون الثاني) ولمدة أسبوع على الأقل القناة المصرية الوحيدة التي تنقل ما يحدث فعليا في ميدان التحرير، بشكل يرضي ضميرنا المهني، واستضفنا خبراء من مختلف التيارات لوضع الصورة المنقولة في سياقها وشرح ما يحدث للجمهور. بعد ذلك بدأت القنوات الخاصة الأخرى في اتباع نفس الخط التحريري، أما التلفزيون المصري فكان في كوكب آخر، حتى بعد التنحي، وحتى هذه اللحظة لي عليه ملاحظات كثيرة.

* وما رأيك في تغطية قناة «الجزيرة» للثورة المصرية، خاصة مع اتهامها بمحاولة إشاعة الفوضى في مصر خلال هذه الفترة؟

- هذه الاتهامات ليست جديدة، فأنا أسمعها منذ أن كنت أعمل هناك. ولكن دعينا نتكلم بصراحة، ما أسهل أن يقوم الإنسان بافتراض نظرية المؤامرة عندما لا يعجبه شيء معين، وهذا تصرف الإنسان العاجز، فالكلمة تحدٍّ لا يقابله إلا كلمة أخرى.

وحرية التعبير لا يصلح معها سوى حرية التعبير من الناحية الأخرى، فزمن تكميم الأفواه والرد على الكلمة بتحطيم جهاز الراديو أو التلفزيون انتهي. وإذا كان الإعلام المصري في الفترة السابقة فشل في تقديم قناة في حرفية ومهنية قناة «الجزيرة» للمشاهد المصري والعربي، فهذا ليس ذنب قناة «الجزيرة». وإذا كانت «الجزيرة» خرجت من دولة قطر، ففي نهاية المطاف مثلها مثل أي قناة في العالم، حتى الأميركية منها لا تتمتع بحرية لا نهاية لها، وهذا أيضا ليس ذنب قناة «الجزيرة».

أتفهم الانتقادات الموجهة لقناة «الجزيرة»، وأتفق مع بعض هذه الانتقادات، لكنني لا أتفق على طول الخط مع تكميم الأفواه؛ فقناة «الجزيرة» قدمت للمواطن العربي فرصة معرفة ماذا يحدث في دولته في الوقت الذي لم تقدم له صحفه وتلفزيوناته المحلية ما ينبغي أن يُقدّم.. فقبل أن نعيب على قناة «الجزيرة»، يجب أن نعيب على إعلامنا الذي تركنا لها، لأنه لم يقدم شيئا يستحق المشاهدة.

مصر بفضل مسؤولي العهد القديم كانت تعيش على ذاكرة الريادة والعراقة، ولم تنتج شيئا طوال الثلاثين سنة الماضية، لدرجة أنني أثناء تغطية الثورة بحثت عن أغنية وطنية طوال الـ30 سنة، فلم أجد أغنية صادقة منفذة بحرفية و«طالعة من القلب».. فاضطررت للرجوع لأغنية شادية «يا حبيبتي يا مصر»، لأنها تعلو فوق الأشخاص والأحداث ولا تمجد أحدا.

أما من الناحية المهنية؛ فقد نتفق أو نختلف مع طريقة تغطيتها للثورة، ويمكن أن نتناول ذلك بالتحليل والتقييم، ولكن دون أن يفرض علي أحد عدم مشاهدة قناة «الجزيرة»، فأنا دائما مع حرية الرأي وسأدافع عن أي شخص في الوجود - حتى لو كان عدوا لي - كي يعبر عن رأيه.

* وما تقييمك لأداء التلفزيون المصري الآن بعد تغيير القيادات وإقصاء رموز العهد القديم؟

- التلفزيون المصري لم يصل بعد لمرحلة الاستقلال، فتغيير القيادات خطوة على الطريق الصحيح، ولكنها لن تكون مجدية إلا إذا تبعتها خطوات أخرى. فالمشكلة ليست في الأشخاص، وإنما في المنظومة ككل، فمبنى «ماسبيرو» أشبه بمنطقة عشوائية كبرى تحتاج لعملية هدم كامل قبل أن نحلم له ببداية جديدة، فالتلفزيون المصري مليء بالكفاءات، ولكن مع الأسف قيمة الكفاءة ليست هي المعيار لاختيار الكوادر التلفزيونية، لذا فالأهم من تغيير الأشخاص تغيير قواعد وضوابط المنظومة بشكل يضمن وصول الشخص المناسب للمكان المناسب، واختيار الكوادر وفقا للكفاءة وليس الولاء للحاكم، وتحديد العلاقة بين الإعلام والسلطة، فوسائل الإعلام القومية ملك للشعب الذي يدفع أجور العاملين بها، إذن فالجمهور المستهدف هو الشعب وليس الحاكم.

* كيف يمكن للإعلام خدمة الفترة التي تشهدها مصر حاليا؟

- بأن يعتمد على المعلومة الحقيقية، وأن لا يُستغل في تقديم معلومة غير صحيحة أو الدعاية لشخص أو حزب أو مؤسسة على حساب حزب أو مؤسسة أو شخص آخر.

* هل تقبل بإدارة الحملة الانتخابية الإعلامية لأي من مرشحي الرئاسة؟

- لا، ولا ينبغي لي أن ألتحق بأي حزب.. وعُرض علي الدخول في بعض الأحزاب ولكنني رفضت، فالصحافي يجب أن يكون محايدا.

* ما سبب حرصك على التفاعل مع جمهورك من خلال موقع التواصل الاجتماعي «تويتر»؟

- أنا حريص على التفاعل مع جمهوري من خلال «تويتر» لأنه يمكنني من التعرف بشكل سريع على نبض الشباب، كما أنه وسيلة للبحث عن المعلومات والأخبار، من خلال الروابط التي يتناقلها الشباب، التي أستخدمها في عملي بعد التيقن من صحتها. وهو ما يوفر لي بعض مراحل العمل الصحافي، فهو مفيد على المستوى الصحافي وأحيانا على المستوى الاجتماعي، فأنا في نهاية المطاف إنسان.. وهو ما يفسر تفاعلي مع حملة «تزويج يسري فودة» التي تقبلتها بصدر رحب وبشيء من الدعابة.