«ثورات بيضاء» تطال أقسام نشرات الأخبار في المحطات التلفزيونية اللبنانية

لم تفلت منها «إل بي سي» و«تلفزيون الجديد» و«أو تي في»

غربلة تطال أقسام نشرات الأخبار في التلفزيونات الللبنانية
TT

تشهد المحطات التلفزيونية اللبنانية ثورات من نوع آخر أسفرت عن تغييرات جذرية في هيكلية أقسام نشرات الأخبار فيها، حيث أوعز البعض أسبابها إلى مواكبة التطور الإعلامي في العالم، بينما رأى فيها البعض الآخر وداعا لائقا لحقبة مرت مع جميع رموزها ووجوهها.

ولعل قناة «إل بي سي» التي وزعت مؤخرا بيانا رسميا أعلنت فيه عن تعاونها مع شركة «Bridges media consultant» لصاحبتها الإعلامية أوكتافيا نصر، حيث تخطط لأكبر تغيير في المحطة قد يشمل جميع أقسامها، إلا أن أول الغيث يتمثل في قسم الأخبار، بحيث ستقوم الإعلامية المذكورة مع فريق عملها، ولمدة 6 أشهر متتالية، بمهمتها الاستشارية بهدف دعم وتطوير الكوادر الجامعية الشابة التي ستنضم إلى قسم الأخبار، والإشراف على دورة تدريبية للعاملين فيه، ولمجموعة من خريجي الكليات الإعلامية.

وأشار بيار الضاهر، رئيس مجلس إدارة «إل بي سي» في حديث لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذه الخطوة ليست بالأمر الجديد الذي تعتمده المحطة منذ بداياتها حتى اليوم، معتبرا أن التطوير والتجديد في مختلف أقسام القناة جزء لا يتجزأ من سياسة المؤسسة اللبنانية للإرسال، وأن نشرة الأخبار وكل ما يحيط بها من «format» والـ«editorial»، وصولا إلى فريق العمل، ستشهد تجديدات لمسنا أن المشاهدين اللبناني والعربي بحاجة إليها.

وأضاف: «أما بالنسبة للوجوه التي تطل في نشرات الأخبار، فهي من عائلة المحطة، حتى إن بعضها عمره على الشاشة نحو الـ26 عاما، ولكن هذا لا يمنع من إدخال بعض العناصر من الجيل الجديد لتكون بمثابة دم جديد يضخ في شرايين النشرة».

أما العناصر الأخرى التي تحيط بالنشرة كالديكور مثلا فيعتبرها الضاهر ثانوية، وأن ما يصقلها ويسهم في جذب المشاهد يتجاوز هذه العناصر ليتركز بشكل أكبر في محتواها أولا، وقال: «استقدامنا لشركة (bridges media consultant) سبقه مثلا قبل سنتين تعاوننا مع (Alongui media) وهي الشركة التي واكبت الأخبار في فترة الانتخابات النيابية على (إل بي سي)، وقبلها عندما حصل اندماج بيننا وبين صحيفة الحياة (الحياة إل بي سي) استقدمنا ستيف كلارك، الذي شغل إدارة قناة (الجزيرة) باللغة الإنجليزية، وبعدها في محطة بلومبورغ الاقتصادية، ونحن لا ننسى أيضا تعاوننا مع مدير قناة (T.F1) الفرنسية، فكل ذلك يدخل ضمن خططنا المستقبلية الإنمائية للمؤسسة، ولم نتغن يوما بذلك، ولكننا اضطررنا في الخطوة الأخيرة إلى أن نصدر بيانا صحافيا حتى لا تكثر تكهنات البعض من أهل الصحافة دون إيجاد جواب لها، فيحللون على طريقتهم».

واختتم الضاهر بالقول: «إننا نهتم بالنتيجة والهدف ونعمل على تحقيقهما بنجاح أكثر من أي شيء آخر».

وكان مدير الأخبار والبرامج السياسية في «إل بي سي»، جورج غانم، قد أوضح أن التطور الذي يشهده مجال الإعلام اليوم يتطلب مواكبته بصورة دائمة، وأنه انطلاقا من ذلك تم وضع خطة عمل لتطوير القسم، فتقرر التعاون مع هذه الشركة التي ستنمي قدرات فريق العمل في القسم، مشيرا إلى أن لدى «إل بي سي» مقومات التحدي والنجاح الدائم في كسب ولاء وثقة المشاهدين.

وتعتبر محطة «تلفزيون الجديد» السباقة في هذا المجال، عندما فاجأت مشاهديها بنشرات أخبار من نوع «الدسم» و«اللايت» وزعتها في أوقاتها المعروفة، صباحا وظهرا ومساء، ضمن ديكورات لافتة اعتمدت فيها على العنصر البصري السريع الجذب، مستخدمة هندسة عصرية لاستوديو الأخبار وتصاميم غرافيكية إلكترونية للعناوين الرئيسية في النشرة.

ولم تقتصر هذه التغييرات على الهيكلية الخارجية للنشرة، بل طالت مضمونها أيضا، إذ تم إدراج فقرات منوعة فيها إلى جانب الريبورتاجات الآنية والميدانية في البانوراما السياسية المألوفة من قبل المشاهد تحت عنوان «الإبداع»، ولتتألف من تحقيقات فنية تسلط الضوء على أحدث أخبار أهل الفن في لبنان والعالم العربي، وأخرى إبداعية تعرف المشاهد على هوايات نادرة لأشخاص لديهم شغف كبير بمواضيع مختلفة كجمع العملات القديمة مثلا، بالإضافة إلى فقرتي «قضية اليوم» و«لقطة اليوم»، حيث تتناول الأولى مشكلة اجتماعية أو ميدانية يعاني منها اللبناني، أما الثانية فغالبا ما تكون عبارة عن مشهد مصور محلي أخذ في كواليس مقابلة أو احتفال، وحتى في استوديو الأخبار دون علم صاحبه، وأحيانا أخرى تكون اللقطة من خارج لبنان لشخصية عالمية أو لموقف حرج أو طريف أرسله أحد المشاهدين على الموقع الإلكتروني للنشرة وهدف هذه الفقرة رسم الابتسامة على ثغر المشاهد ليتمتع بنوم هانئ.

أما بالنسبة لمذيعي الأخبار، فقد حافظت المحطة على نفس الوجوه التي اعتاد المشاهد رؤيتها في نشرات السابعة والنصف صباحا والثانية والنصف ظهرا والثامنة إلا ربع في نشرة المساء الأساسية والحادية عشرة والنصف في نشرة المساء الختامية، ومن بين مذيعي الأخبار الذين استبقتهم القناة ماريو عبود، وجورج صليبي، وداليا أحمد.

بينما اعتمدت إطلالات لوجوه جديدة في فقرتي الإبداع والفن مثل شادي خليفة الذي سبق وعمل في «تلفزيون الجرس»، ودارين شاهين التي شاركت قبلا في تقديم برامج أخرى على الـ«نيو تي في» كنشرة الطقس وبرامج ألعاب رمضانية.

وتقول مريم البسام، مديرة الأخبار والبرامج السياسية في «تلفزيون الجديد» عن هذا الموضوع لـ«الشرق الأوسط»: «إن مشروع التجديد هذا نعمل عليه منذ أكثر من سنة، وقد كثفنا اجتماعاتنا نحن كفريق الأخبار لهذه الغاية، فتداولنا عدة أفكار قدمها كل منا وكان الهدف الخروج عن النشرة التقليدية ووضعها في قالب متطور يشمل البصر السمع، وطبعا إضافة إلى المضمون، خصوصا في نشرة آخر الليل، أي في الحادية عشرة والنصف، لأننا أردناها سريعة وملخصة، لأن المشاهد في نهاية يومه بحاجة إلى جرعة أخبار خفيفة في الشكل، إلا أن مضمونها عميق، فالناس، وحسب دراسات أجريناها في هذا الموضوع، تعبت وملت من الأحداث القوية التي سادت الدول العربية خلال وبعد الثورات، وهنا لا بد من الإشارة إلى أننا، دون شك، غامرنا بتقديم هذا التغيير، لأن بعض المشاهدين يفضل الإبقاء على النشرة كما هي كلاسيكية وغير سريعة، إلا أن النتيجة أظهرت أن المشاهد كان بحاجة إلى هذه الخطوة، والدليل على ذلك أن المحطات المحلية الأخرى ما لبثت أن قررت اللحاق بنا لأنها وجدت أنها غير قادرة على الاستمرار بالأسلوب التقليدي أمام كل هذا التغيير الذي قمنا به، فنحن كسرنا الروتين وكان عليها الانضمام إلى واقع جديد».

وأكدت مريم البسام أنه لم يتم استيحاء أي فكرة من الغرب، وأن جميعها صنع محلي غير مستورد، وأشارت إلى أنه تم الاستعانة بشركة خاصة بتصاميم الديكورات، وكذلك الأمر بالنسبة للفواصل الموسيقية المستعملة في النشرة التي حضرت وسجلت في لبنان (من قبل شركة إيقاع) وعلى عكس ما يعتقده البعض فهي من تأليف موسيقي لبناني يدعى عزيز مركة، وليست شبيهة لأي موسيقى أخرى مستعملة في نشرة أخبار غربية.

وأكدت البسام أن تغييرات أخرى ستطرأ على النشرات لها علاقة بالإضاءة التي وجدها البعض صاخبة، وكذلك في المقدمات التي ستأخذ منحى آخر لتحريكها، وقد يكون هذا التغيير على الصعيدين البصري والسمعي أيضا.

من ناحيتها قامت «أو تي في» بانقلاب أبيض في قسم الأخبار عندما أزاحت مديرها السابق، جان عزيز، ليحل مكانه الكاتب والمحلل السياسي جوني منير، بعد أن تردد أن المدير السابق نفسه هو صاحب هذا القرار وأنه أراد التنحي شخصيا لشعوره بالإرهاق، بينما إشاعات أخرى أوعزت السبب لإرادة القناة التي رغبت في هذا التغيير لإجراء نقلة نوعية على صعيدي القلب والقالب.

وفي المقابل التحق عزيز بقسم البرامج السياسية وبالتحديد لتقديم «بين السطور»، وهو برنامج حواري سياسي يستضيف أسبوعيا شخصية سياسية يتم التداول فيها حول آخر المستجدات الحاصلة في لبنان والعالم، وكان أحدث الضيوف الجنرال ميشال عون، مما أسقط الأقاويل التي راجت قبيل اتخاذ هذا القرار والتي أشارت إلى أن قرار إبعاد جان عزيز يعود إلى رأس الهرم، رئيس التيار الوطني الحر.

يذكر أن إعلان الإعلامية ماغي فرح مغادرتها المحطة المذكورة في الحلقة الأخيرة من برنامجها «الحق يقال» كان بمثابة أول إشارة ملموسة يتلقاها المشاهد وتنذر بأن تغييرات ستطرأ على القسم السياسي في المحطة عندما راجت تسريبات للإعلام تفيد بأن جان عزيز هو من سيحل مكانها، وأن جوني منير الذي رشح قبله لتقديم البرنامج نفسه سيتولى إدارة الأخبار والبرامج السياسية.

وبعد مرور أيام قليلة على تسلم منير مهامه، أعلنت مذيعة الأخبار ديما صادق عن نيتها ترك المحطة التي بدأت معها مشوارها الإعلامي لتنتقل إلى محطة أخرى تبين في ما بعد أنها «إل بي سي» بحيث ستشارك في تقديم نشرات الأخبار مرتين في الأسبوع، وكذلك الأمر في برنامج «نهاركن سعيد» الصباحي، الذي يستضيف شخصيات إعلامية وسياسية للوقوف على طبيعة الأحداث التي يشهدها لبنان والعالم أيضا.

وكان قد تردد أن صادق أجرت مفاوضات أيضا مع محطة «إم تي في» التي قدمت لها عرضا مغريا للانضمام إلى عائلتها في قسم الأخبار، إلا أنها اختارت «إل بي سي» على الرغم من أن هذه الأخيرة لم توفر لها ماديا سوى نصف ما عرضته عليها الأولى. والمعروف أن دوللي غانم وبسام أبو زيد هما الوجهان الوحيدان اللذان يتناوبان على تقديم «نهاركن سعيد» حاليا بعدما غابت عنه مي شدياق قسرا إثر محاولة اغتيالها في سبتمبر (أيلول) من عام 2005 وتعرضها لبتر قدمها ويدها اليسرى، وبعد أن غادره وليد عبود ليترأس تحرير نشرات الأخبار وليقدم برنامجا خاصا به على شاشة «إم تي في». كما تردد في ما بعد أيضا عن مغادرة المذيعة شيرلي المر إلى قناة «الجزيرة»، ولكن تبين أن المشاورات بينهما باءت بالفشل.

وأبقت الإدارة الجديدة على عرض النشرات الإخبارية في مواعيدها المعروفة؛ أي في السابعة والنصف صباحا، والثانية والنصف ظهرا، بالإضافة إلى النشرة المسائية الأساسية في الثامنة إلا الربع، وأخرى في الحادية عشرة قبل منتصف الليل.

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط» مع جوني منيّر، مدير قسم الأخبار والبرامج السياسية الجديد في «أو تي في» أكد أن تغييرات عدة استحدثت في نشرات الأخبار تصب في هدف حصول انفتاح أكبر على الطرف السياسي في الجهة الأخرى، بحيث صارت نشاطاته وأخباره السياسية تحتل حيزا لا يستهان به من مجمل النشرة، كما أن الأمر شمل الريبورتاجات وآراء الناس فشكل الفريق السياسي الآخر وجودا ملحوظا فيها.

وأشار منير، الذي سبق وتعرف إليه اللبنانيون من خلال إطلالاته الإعلامية على عدد من الشاشات الصغيرة كضيف في برامجها الحوارية السياسية كونه كاتبا ومحللا سياسيا، إلى أن إحصاءات أخيرة صدرت عن مؤسسة تعنى بهذا المجال أظهرت ارتفاع نسبة مشاهدي نشرات أخبار المحطة بعد تثبيت أسلوب الانفتاح السياسي الذي اعتمدته في مقدمات النشرات وفي صياغتها وريبورتاجاتها.

وكشف عن حلة جديدة ستطرأ على شكل النشرات الإخبارية في الأسبوعين المقبلين قلبا وقالبا من حيث ديكورات استوديوهاتها وأسلوب الإخراج أو من خلال استحداث فقرات جديدة فيها تعنى بالاقتصاد وغيرها من المواضيع التي تهم المشاهد العربي عامة، واللبناني خاصة.

أما بالنسبة لفريق العمل، فقد تم إعادة نشره من جديد بحيث نقل بعض أفراده من نشرات صباحية إلى أخرى مسائية كاسبرانس غانم قهوجي، ومن قسم الريبورياج إلى تقديم فقرات أساسية مثل جوزفين ديب التي تشارك حاليا في برنامج «حوار اليوم» الصباحي السياسي.

من جهتها فإن قناة «إم تي في» ومنذ عودتها إلى الساحة الإعلامية في 7 أبريل (نيسان) من عام 2009 أجرت تغييرات على نمطها البرامجي العام واحتلت نشرة الأخبار أولى اهتماماتها. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» اعتبر غياث يزبك، مدير الأخبار والبرامج السياسية فيها، أن العمل التلفزيوني هو مثل أي صناعة أخرى تستفيد من خبرات الغير، وأن «إم تي في» شددت على استخدام العنصرين البصري والسمعي بشكل احترافي ليضع المحتوى في قالب يليق بموضوعيته، موضحا أن ذلك يعزز من مكانة المشاهد الذي من خلال تقنية متطورة ترتكز على عناصر عدة تشمل الإضاءة والكاميرا والديكور واستعمال الكومبيوتر يمكنه من متابعة الأخبار بالنظر ولو عبر تلفزيون صامت وذلك في عرض الموضوع معلوماتيا من خلال خريطة في كادر جغرافي مثلا أو زمني يشير إلى أين يجري الحدث ومتى.

وأضاف: «إن الهدف هو مواكبة التطور دون إهمال الجذور والاهتمام دائما في الحقيقة لتأتي كاملة دون أي تجزئة. ورأى أن التقرير اليومي الخاص الذي يندرج في النشرة وتكون طبيعته سياسية أو بيئية أو اجتماعية أو تربوية أو غيرها هو من خصائص المحطة وكذلك بالنسبة للفقرة الاقتصادية والريبورتاجات التي حرصت (إم تي في) أن يقوم بها المراسلون كما يرغبون ضمن مساحة من الحرية فتحمل نفسهم وروحهم دون أي تدخل منا أو فرض أي قواعد عليهم».

وأكد أن الإدارة تهتم بتقديم الجديد، ولكن ضمن سياسة متبعة أيضا؛ فلا يتم المبالغة فيها من خلال اعتماد المزيد من الفسيفساء والألوان والوجوه لأن من شأن ذلك أن ينفّر المشاهد ويبعده. أما التغييرات الجديدة التي من المتوقع ترقبها في النشرة هي دمج فقرتي «ما قبل الأخبار» و«ما بعد الأخبار» في واحدة تكون أكثر شمولية.