استقالة جيم ليرير من برنامج «نيوز آور»

بعد 36 عاما من عمله كمقدم هادئ له على قناة «بي بي إس»

جيم ليرير («الشرق الأوسط»)
TT

كان ليرير، الذي عمل طوال حياته المهنية في مجال الأخبار ولا يحب أن يسميه أحد «صحافيا»، حيث يرى ذلك نوعا من الإدعاء، يعلم أن هذا اليوم سيأتي وكان يستعد له ويرتب منذ عدة سنوات أمور برنامج ظل يحمل اسمه لأكثر من جيل.

لكن يظل الخبر الخاص بأكثر العاملين في مجال الأخبار احتراما يوم الخميس الماضي مفاجئا، فبعد 36 عاما من عمله كمقدم هادئ وقور لبرنامج «نيوز أور» في قناة «بي بي إس»، يقول ليرير إنه سينسحب قليلا، حيث ستكون آخر حلقة من البرنامج في 6 يونيو (حزيران) بعد 8 آلاف نشرة إخبارية وعدد هائل من المقابلات مع صناع الخبر.

لا يبدو على ليرير أي تأثر بهذا الأمر، حيث قال يوم الخميس الماضي وهو جالس في مكتبه بأرلينغتون المكدس بالهدايا التذكارية: «هناك فريق رائع سيحل محلي. أنا فخور بذلك، فأنا على أكثر طرق الرحيل احتراما».

في سن تقل فيها التركيز لا يزال ليرير البالغ من العمر 76 عاما يعمل في برنامج «كرونكيت إيدج»، حيث يكتب ويعمل كمحرر تنفيذي به ويشرف على الموضوعات اليومية والمقابلات. يبدو أن هذا البرنامج امتداد لشخصيته المتواضعة مع تناول ناضج للأحداث اليومية الهامة.

من جانبه، لم يكن ليرير يوما ميالا للتكلف والزهو، فلا يخوض في المياه العميقة أو يحط على إعصار أو زفاف ملكي. ومع تغير الجانب التجاري للنشرات الإخبارية، حيث أصبح هناك اهتمام بالمزيد من الموضوعات الصحية والخفيفة، تطور برنامج «نيوز أور» ببطء.

قال ليرير: «طالما رأيته كوسيلة للحفاظ على الأخبار الجادة. إنه ليس سحرا أو يتسم بالمثالية، فنحن نقوم بذلك منذ 36 عاما وسوف نستمر على هذا النحو. لن يفعل الآخرون، فهذه مشكلتهم إذن».

يقدم روبرت ماكنيل، شريك ورفيق ليرير في الشركة المنتجة لبرنامج «نيوز أور» طرحا صادما، حيث يقول: «المضحك في الأمر أننا تحلينا بشجاعة أن نكون مملين وأن نقوم بأشياء يعتبرها العاملون في التلفزيون باعثة على الملل. نشعر أننا لا نريد أن نهاجم من قبل التلفزيون وكذلك الحال بالنسبة لمشاهدينا».

حدد ليرير من سيخلفه منذ 18 شهرا، حيث قال إنه سأل نفسه «كيف أرحل بطريقة تحافظ على المؤسسة وتحول دون وقوع أي ضرر على العاملين وتساهم في استمرار البرنامج؟» الإجابة كانت محو اسمه من البرنامج في خطوة صادمة تنم عن إيثار هدفها إطلاق عهد جديد للبرنامج، فتحول اسم البرنامج من «نيوز أور مع جيم ليرير» إلى «بي بي سي نيوز أور».

ويتزامن تغيير الاسم مع دور خبري أكبر للصحافيين الذين سيحملون الراية من بعده وهم غوين إيفيل وجودي وودراف وجيفري براون وراي سواريز ومارغريت وارنر الذين سيستكملون تقديم البرنامج بالتناوب. وسيظل ليرير منخرطا في وضع السياسة التحريرية للبرنامج.

بدأ ليرير العمل في الصحف في دالاس منذ 52 عاما بعد قضاء ثلاث سنوات في سلاح البحرية. وقدم أولى رواياته الكثيرة التي حملت عنوان «فيفا ماكس» والتي تمحورت حول شخصية جنرال مكسيكي يطمح في استعادة إل ألامو. عندما اشترت شركة «كولومبيا بيكتشرز» الرواية لتحويلها إلى فيلم بطولة بيتر أوستينفو عام 1969، حصل ليرير على 40 ألف دولار مقدما واعتقد أنه يمكن أن يكون عمله الأساسي تأليف الروايات.

وترك عمله في الصحافة ثم عاد إليه بعد ثلاثة أيام من خلال عمله كمستشار لبرنامج إخباري جديد على قناة «كيرا» التعليمية في دالاس. ثم تلقى اتصالا من قناة «بي بي إس» تعرض عليه العمل كمنسق أخبار وعلاقات عامة وكان من متطلبات هذه الوظيفة التحايل على التوجه العدواني الخفي لإدارة نيكسون تجاه التغطية الإخبارية للنشرات والبرامج الإخبارية. من البرامج التي قام بالتنسيق فيها برنامج إخباري شارك في تقديمه روبرت ماكنيل، مراسل قناة «بي بي سي» السابق الذي يتميز بسعة العلم.

كوّن ماكنيل وليرير فريقا على الهواء مباشرة عام 1973 عندما أذاعت قناة «بي بي سي» جلسات لجنة ووترجيت. حققت الجلسات التي كانت تذاع على الهواء وتعاد كل ليلة نجاحا كبيرا غير متوقع وحصل ماكنيل وليرير على جائزة «إيمي». علمت قناة «بي بي إس» أن عليها البحث عن برنامج يقدمه الاثنان وكان ذلك قبل تولي إدارة نيكسون.

وفي أكتوبر (تشرين الأول) عام 1975، بدأ توزيع برنامج «روبرت ماكنيل ريبورت» ومدته نصف ساعة وكان ليرير مراسل واشنطن. وفي غضون عام شارك ليرير في تقديم البرنامج وتغير اسم البرنامج ليصبح «ذا ماكنيل/ليرير ريبورت».

والرجلان صديقان مقربان منذ الطفولة، حيث ارتادا المدرسة نفسها، وكانت منازل أسرتيهما في الحي نفسه في بيثيسدا وعمل الاثنان في مكتب واحد بشركة «ويتا» في شيرلينغتون. يقول ليرير إنهما مقربان للغاية لدرجة أن كلا منهما يعرف رصيد الآخر في المصرف.

وما يدل على قوة الاثنين معا كفريق أن المشاهدين لا يزالون يشيرون إلى البرنامج باسمه الأصلي أو يكتفون بقول «ماكنيل/ليرير». لكن انسحب ماكنيل من تقديم البرنامج عام 1996 ويشارك من حين إلى آخر فيه.

لا يحب ليرير أن يطلق على هذه الخطوة تقاعد أو حتى شبه تقاعد، حيث لديه كمّ هائل من الكتب التي يرغب في قراءتها ولديه خطط لكتابة بعض الكتب أيضا. وسيعود إلى «نيوز أور» كل جمعة لمشاركة طاقم الصحافيين الذين يحللون أحداث الأسبوع. كذلك لديه ستة أحفاد يرغب في قضاء بعض الوقت معهم. إنه ليس متأكدا مما إذا كان سيتمكن من تلطيف مناظرة رئاسية أخرى، فقد قام بذلك في 11 مناظرة خلال 5 انتخابات رئاسية. والجدير بالذكر أنه تناول هذه المناظرات على نحو ما في كتاب «مدينة التوتر» والذي من المقرر أن ينشر في سبتمبر (أيلول).

وقال: «على أي شخص يريد ذلك أن يستمر، إذا تمت دعوتي يمكنني الرفض فقط لأنني لم أصبح متابعا للأحداث عن كثب مثلما كنت في الماضي».

ما لن يتغير على حد قول ليرير هو التزام البرنامج ببصمته وعدم التكلف والتصنع. يمكن تلخيص فلسفة ليرير في العمل التي اتبعها لسنوات طويلة في عبارة واحدة هي «مشط شعرك واعقد ربطة العنق ولا تقم بأي شيء من شأنه أن يشتت المشاهد بعيدا عن الأخبار، فلا ينبغي أن يركز المشاهد على القميص الذي ترتديه». وأخيرا يوضح أن على رجل الأخبار أن يقوم بذلك ويضيف: «يرغب المرء في أن يجعل المشاهد ينتبه للأخبار».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»