خطة لبيع المساحات الإعلانية على الأجهزة اللوحية

«هيرست» عقدت اتفاقا لبيع النسخة الرقمية لمجلاتها لتحميلها على أجهزة «آي باد»

TT

إذا أردت أن تبعث برسالة أمام قارئ لمجلة «ذا نيويوركر» فسوف يكلفك ذلك 141.174 دولار لصفحة كاملة للإعلان في صفحات المجلة المصقولة. لكن كم ستكون تكلفة الرسالة إذا كان القارئ ذاته يمتلك جهاز «آي باد»؟

كان هذا من بين الأسئلة الملحة التي تلت أسبوعا من الاجتماعات التي شارك فيها عدد من أصحاب دور نشر المجلات، الذين أرادوا أن يكونوا جزءا من الثورة الرقمية، بدلا من أن تسحقهم. وفي سبيل ذلك عقدت «هيرست» اتفاقا لبيع النسخة الرقمية لمجلاتها - «إسكوير» و«بوبيولر» و«ميكانيكس» و«أو» و«أوبرا مغازين» - لتحميلها على أجهزة «آي باد» عليها باستخدام نموذج اشتراك «أبل» بدءا من يوليو (تموز)، وبهذا تكون «هيرست» أول ناشر رئيسي يقوم ببيع مجلاته المتعددة إلى شركة واحدة.

يأتي إعلان «هيرست» في أعقاب إعلان شركة «نيويورك تايمز» عن توصلها إلى اتفاق مع «أبل» يمكن من خلاله لمشتركيها الدخول إلى المجلات الرياضية. وستتمكن مجلتا «تايم» و«فورشن» من قراءة صفحاتهما على «آي باد» بصورة مجانية ما دامتا قد عرفتا عن هويتيهما (تم الحديث للمرة الأولى عن الاتفاق على صفحات صحيفة «وول ستريت جورنال». وهناك مؤشرات على أن شركة «كوندي ناست»، إحدى الشركات الثلاث الكبرى، ستكون الأولى فعليا التي تسوق بين الناشرين الكبار الذين يملكون اشتراكات مع «آي باد»).

ويمثل الاتفاق أكبر اتصال بين شركات التكنولوجيا في كوبرتينو بولاية كاليفورنيا والناشرين في مانهاتن. وبحسب الناشرين، الذين شاركوا في هذه المناقشات، أظهرت شركة «أبل»، التي تشتهر بوضعها شروطا أحادية، بعض المرونة بشأن التسعيرة والشروط وحصرية المعلومات.

هذا التقدم التدريجي يأتي قبيل القرار الذي اتخذ في مارس (آذار) من مكتب حسابات التوزيع بأن كل الاشتراكات الرقمية ستحصى باتجاه قاعدة المعدلات المهمة - عدد المستخدمة في بيع الإعلان - حتى إن كانت النسخة الإلكترونية غير مطابقة كليا للنسخة المطبوعة.

ويدرك كل العاملين في صناعة النشر أن الأسعار التي يحددونها للمعلنين من أجل مشتركي النسخة المطبوعة (وكذلك الآن في اللوحية) تفوق سعر السلعة التي تعلن على النسخ الرقمية؛ لأن الكثير من المجلات ينتهي بها الحال إلى الحاسبات المحمولة للأفراد والحقائب من دون عناء استعمال البريد، هل هذا صحيح؟ وترى روبين ستاينبيرغ، نائبة رئيس ومديرة استثمار النشر والتفعيل في شركة «ميديا فيست»، التي قدمت استشارات لشركة عملاقة مثل «كرافت وول مارت» في قرار شراء أماكن إعلانها، أنه لا داعي للتعجل في الحكم على الأشياء. وقد أرسلت السيدة ستاينبيرغ رسالة استباقية إلى الناشر في 29 أبريل (نيسان) تشير فيه إلى أنها وعملاءها لن يقبلوا أن يتم إحصاء المشترك الرقمي على غرار المشترك في النسخة الورقية.

وعلى الرغم من كونها من أعضاء مكتب المحاسبة وصوتت لصالح التغيرات، فإن ستاينبيرغ أوضحت أنها أرادت لعملائها الحصول على المرونة في اختيار الطبعات الرقمية التي سيعلنون بها. وفي تذكير لاذع بأن هذه العمليات لا تزال في أيامها الأولى العملية، كتبت ذلك لمشتري أماكن الإعلان في وسائل الإعلام: «إنه سيكون من الصعب تحديد كيفية الطبعات المؤهلة وعددها عند تقديم الخدمة بصورة تقليدية أو رقمية».

وبعبارة أخرى، إذا كان عملاؤها يرغبون في شراء خدمة «أبل» سيقومون بشراء تطبيق «أبل» (مشتركو النسخ الرقمية) وإذا كانوا يرغبون في استخدام أورانجز (المشتركون الرقميون) فيتوقع أن يقوموا بعملية شراء منخفضة التكلفة ومنفصلة. وأكدت أن المعلنين يراقبون عن كثب الاشتراكات الرقمية للتأكد من أنهم لم يصبحوا المكافئ الإلكتروني لطمر نفايات نيوجيرسي، وهو المكان الذي تلقى فيه النسخ غير المرغوب بها لجعل الرقم يبدو جيدا.

كان خطاب ستاينبيرغ إشارة إلى أن حكم مكتب المحاسبة كان بداية للمفاوضات، لا النهاية، وأن على الناشرين أن يكونوا أكثر شفافية بشأن أرقام التوزيع.

وقالت: «يشعر الناشرون براحة كبيرة تجاه المعايير التقليدية؛ لأن نماذج أعمالهم تأسست على مراقبة السوق. وهناك حاجة متزايدة إلى تطوير وإعادة ابتكار بعض الممارسات التي عفى عليها الزمن. وتقديم والإبلاغ عن مشاهدات وإجراء مبني على الحوار».

كما أشارت أيضا إلى أن «تكرار الإعلانات المطبوعة القائمة والتجربة التحريرية في البيكسلات تمثل فشلا في التصور والتكيف؛ لأن تقديم التجربة الإبداعية أمر أساسي؛ فالمستهلكون يطلبون ويتوقعون شيئا مختلفا للغاية من هذه الأجهزة».

من جانبهم، أبدى المعلنون سرورا بقرار مكتب المحاسبة وسعدوا أيضا بقرار تقاسم الأرقام لجعل المعلنين أكثر راحة، وهو ما يعني أنه ما إن تأتي هذه الأرقام من شركة ستكون تلك مرحلة أولى.

وقال روبرت ساويربرغ، رئيس «كوندي ناست»: «جميعنا يرغب في أن يعمل بشفافية مع المعلنين، لكن لا بد من تفعيل نظامنا واختباره للتأكد من أننا نقول الحقيقة. ستكون لدينا المزيد من المعلومات في القريب العاجل، ونحن نشعر أننا حققنا خطوات بشأن الصورة الناشة».

الحصول على هذا النوع من المعلومات، الذي يرضي المشترين المتشككين مثل ستاينبيرغ، لن يكون بالأمر الهين، فقد كانت شركة «أبل»، الرائد الأبرز في النشر اللوحي، ولا تزال مستمرة في ترددها بشأن مقاسمة سلوك المستهلك على أجهزتها. ولا أحد يعرف سلوك قارئات التطبيق للقول بصورة حاسمة عن مدى ارتباطهن أثناء تصفحهن عبر المجلات الرقمية.

والآن وقد باتت الحاسبات اللوحية ثورة أصيلة لا مجرد انطباع، بدأ الناشرون في الإعراب عن آمالهم في أن تتمكن الحاسبات اللوحية من أن تكون منصة قوية بما يكفي لبناء المستقبل معها. لكن لا بد من وجود اقتصادات جيدة، إضافة إلى مقاييس وافرة. وحتى الآن بالنسبة لشركات الإعلام التقليدية - الصحف أول ما يتبادر إلى ذهني - تحولت شبكة الإنترنت إلى مكان رحب للعثور على قراء ومكان للقيام بعمل. أصبحت صناعة الموسيقى متجر دولار رقميا، وقد انخفضت عائدات الإعلانات التلفزيونية المربحة عندما يستخدم المشاهدون الآن الماوس بدلا من الريموت كنترول.

بيد أن الناشرين لا يزالون على يقين من أنهم إذا حظوا ببعض الخبرة والكفاءة في أنواع النشر - «آي باد» و«أندرويد» و«نوك» (التي تحقق نسبة كبيرة من المبيعات، خاصة مجلات النساء)، سيتمكنون من الإظهار للمعلنين أن المجلة هي المجلة حتى وإن جاءت لا سلكيا.

ويقول ديفيد كاري، رئيس مجلة «هيرست»: «على الرغم من أنه لا يزال من المبكر الحديث عن نماذج التوزيع فإن أبحاثنا أظهرت أن مستويات ارتباط القارئ بالاشتراكات الرقمية مثيرة للدهشة؛ حيث تظل مستويات القراءة في ارتفاع كبير للغاية».

في النهاية، فإن الأمر برمته عائد إلى التفاوض؛ فالناشرون يرغبون في الحصول على أوجه مربحة لأعمالهم، في الوقت الذي يقتنصون فيه ميزة السعر المنخفض للتشغيل في عالم التوزيع، الذي لا يقف رهينة على شراء مكان جيد بنصف تسديد الثمن في متجر البقالة. لكن على الرغم من أن توزيع المجلة قد يصبح تجربة خالية من الاحتكاك إلى حد مثير للدهشة، فإن الوفاء بالتوقعات من جانب كل من المعلنين والقراء في هذا العالم الجديد لن يكون بالأمر العسير.

* خدمة «نيويورك تايمز»