في العراق.. يمنع قراءة الصحف أيام العطل بأمر من الموزعين

وسط غياب الرقابة على الصحف والمطبوعات وعدم وجود وزارة للإعلام

موزعو الصحف الفي العراق هم من يتحكم بالصحف وليس رؤساء التحرير («الشرق الأوسط»)
TT

يوميا عند تقاطع المسبح في بغداد بين الكرادة خارج والعرصات، يقتني مراسل «الشرق الأوسط» في بغداد نسخته الورقية من الجريدة من شاب أسمر نحيف يرابط في هذه الساحة منذ ساعات الصباح الأولى حتى قبل الظهر بقليل عندما تنفد آخر جريدة مقروءة لديه، فيما ينوء عادة بحمل المرتجعات من صحف أخرى يحاول في كثير من الأحيان فرضها مجانا على السيارات ممن يتوقفون عند إشارة المرور في هذا التقاطع.

هذا الشاب الأسمر الذي لوحته أشعة الشمس الحارقة في لهيب الصيف القاسي في العراق اسمه علاء ضاحي، يمتهن مع شقيقه الأصغر مهنة بيع الصحف عند هذا التقاطع منذ سنوات. ليس لديه منصب رسمي في الدولة أو الأحزاب أو الميليشيات، ولكنه يملك حق تعطيل توزيع الصحف في العراق أيام العطل.

يذهب علاء مع شقيقه يوميا عند الساعة الثالثة فجرا بعد رفع حظر التجوال الليلي المفروض على العاصمة إلى المكان المخصص لتوزيع الصحف بين الباب المعظم والباب الشرقي والذي يطلق عليه تسمية «البورصة». في هذه «البورصة» تواجه عشرات الصحف العراقية أصعب امتحان لها من قبل هؤلاء الموزعين الصبية ممن يأخذون حصصهم من هذه الصحيفة أو تلك من شركات التوزيع الكبيرة وعددها صار كبيرا في العراق مع كثرة عدد الصحف والمجلات والمطبوعات، بينما يتم تحميل باقي الكميات عبر السيارات إلى المحافظات لتبدأ من هناك قصة عملية توزيع أخرى ولكن عبر مكتبات ثابتة وليست متجولة، لأن الصحف غالبا ما تصل إلى المحافظات في أوقات متأخرة.

ولعملية توزيع الصحف في العراق قصة تستحق أن تروى، ففي العراق وبعكس كل البلدان الأخرى لا يتم توزيع الصحف في العراق أيام الجمع والعطل والأعياد الرسمية والدينية وغيرها. وهو ما أرجعه علاء ضاحي خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بقوله «لا أحد يخرج إلى الأسواق بكثافة أيام العطل، كما أن عملية التوزيع اليومي بطريقة الذهاب إلى البورصة وتحمل كل هذه المتاعب تجعل من الصعوبة على الإنسان مواصلة العمل طوال أيام الأسبوع».

ويضيف علاء «إننا بحاجة إلى راحة أيضا مثل الآخرين (يقصد الموظفين)، كما أن المطابع تحتاج إلى صيانة أيضا».

وعن العطل الدينية والرسمية قال «بالنسبة للعطل فإن غالبية عمال المطابع والموزعين الجوالين يذهبون إلى زيارة المراقد وهم يشكلون الغالبية من عمال المطابع والموزعين».

من جهته يتفق الحاج كريم صبري مدير شركة «الازدهار» للتوزيع مع ما قاله علاء، بقوله إن «عمال المطابع ومن يقومون بالتوزيع ليس بوسعهم الاستمرار بهذا العمل طوال أيام الأسبوع، كما أن الحركة في يوم الجمعة تكاد تحصر في قضايا البيت المعلقة، أما أيام العطل الدينية والرسمية فإن الحركة أحيانا تنعدم بسبب قطع الطرق والشوارع مما يجعل الناس في غنى عن القراءة يوم الجمعة».

ثائر السوادني متعهد طبعة بغداد من صحيفة «الشرق الأوسط» يرى أن «الصحف أيام العطل لا تلقى رواجا في العراق، حيث إن العطلة سواء كانت يوم جمعة أو مناسبة دينية أو سياسية هي فرصة للانصراف إلى ما هو شخصي، ولذلك فإن هذا العرف بات معروفا بالعراق ولا يمكن له أن ينجح لو جازف أحد وقرر توزيع مطبوع يوم جمعة أو يوم عطلة».

الكاتب والصحافي وارد بدر السالم مدير تحرير جريدة «الصباح الجديد» يقول لـ «الشرق الأوسط» إن «من يتحكم بالصحف بالعراق هم الموزعون وليس رؤساء التحرير». ويضيف إن «الأمر يصل بالنسبة لبعض الموزعين إلى التدخل في تغيير المانشيتات لبعض الصحف التي تتراجع مبيعاتها فيلجأ المسؤولون عنها إلى سؤال الموزع عن الأسباب فيقترح وبكل بساطة على رئيس التحرير أن ينشر أكثر من مانشيت بالقلم العريض إما يتناول بشرى للناس أو نقدا للحكومة على أن يعالج وضع الصفحة الأخيرة بصورة لفتاة جميلة وبأوضاع خاصة».

ولأنه لا توجد في العراق رقابة على الصحف والمطبوعات ولا توجد وزارة للإعلام، فإن معيار نجاح أي صحيفة في العراق يتحدد من خلال مدى مقبولية «بورصة التوزيع» لهذه الصحيفة أو تلك.. فرؤساء التحرير، وبعضهم يديرون صحفهم من المنافي أو دول الجوار، لا يتحكمون بالصحف تحريرا وتوزيعا بقدر ما يتحكم بها الموزعون، وحتى يقضي الله أمرا كان مفعولا فإن قانون طوارئ التوزيع الذي فرضه علاء ضاحي على كبريات الصحف في العراق يظل ساري المفعول حتى إشعار آخر.