لورانس أودونيل.. نجم «إم إس إن بي سي» الجديد

نجح في سد فراغ كيث أولبرمان.. وحافظ على عدد مشاهدي القناة

لورانس أودونيل نجح في المحافظة على مشاهدي قناة «إم إس إن بي سي»
TT

ثمة شيء هنا الآن لم تعتد على مشاهدته كل يوم، أو بالأحرى لن تراه في أي يوم: مقدم برنامج تلفزيوني يشن هجوما حادا على صاحب العمل نتيجة مساعدته وتحريضه على القيام بـ«مهزلة» وطنية.

«لقد خلقت قناة (إن بي سي) وحشا اسمه دونالد ترامب».. كانت هذه هي أولى كلمات لورانس أودونيل في برنامجه «الكلمة الأخيرة» على قناة «إم إس إن بي سي» الشهر الماضي. وعلى مدار ما يقرب من 15 دقيقة، استمر أودونيل في إطلاق قذائفه، واصفا ترامب بأنه «أكثر الأشخاص جنونا وهوسا بعشق الذات في تاريخ الترفيه على قناة (إن بي سي)»، ومدينا حملته لانتخابات الرئاسة المقبلة وادعاءاته الموجهة ضد الرئيس أوباما، واصفا إياها بـ«الدعاية الرخيصة» لبرنامجه على قناة «إن بي سي» الذي يحمل اسم «المشاهير المبتدئون».

وطالب أودونيل المديرين التنفيذيين لـ«إن بي سي» بالكشف - «هذه الليلة، قبل أن تغادروا مكاتبكم» - عما إذا كان ترامب قد التزم بالفعل بتقديم موسم آخر من «المشاهير المبتدئين»، «وهو الكشف الذي من شأنه أن يكشف أن حملته كانت زائفة».

وبطبيعة الحال، خرج ترامب من السباق الرئاسي في السادس عشر من مايو (أيار)، وأعلن انسحابه في حدث أعلنت خلاله أيضا قناة «إن بي سي» أنه سيعود إلى تقديم برنامجه لموسم آخر.

وانتظر أودونيل طويلا ليعرف رد الفعل على وابل النقد العلني الذي أطلقه على صاحب العمل، ولكن لم تكن هناك أي دعوات غاضبة من المديرين التنفيذيين لقناة «إن بي سي»، ولم يتم استدعاؤه لأي اجتماعات لكي يتم تأنيبه بشكل قاس في برنامج «30 روك» على قناة «إم إس إن بي سي». وقال أودونيل وهو يبتسم ابتسامة ماكرة: «لم نتلق مكالمة واحدة».

أما عدم وجود رد فعل فيعني إما تسامح الشبكة مع الإحراج الذي تعرضت له أو أهمية أودونيل الكبيرة لقناة «إم إس إن بي سي».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، حل أودونيل محل كيث أولبرمان، المعلق الشهير ومقدم البرامج السابق على قناة «إم إس إن بي سي»، في تقديم برنامجه الذي يذاع على القناة في وقت الذروة في الساعة العاشرة مساء. وبعد 4 أشهر فقط، بعد انتهاء علاقة أولبرمان العاصفة بالشبكة، دفعت قناة «إم إس إن بي سي» بأودونيل ليحل محل أولبرمان في برنامجه المميز الذي يذاع في تمام الساعة الثامنة مساء.

وهكذا أصبح أودونيل يتصدر تشكيلة فريق «إم إس إن بي سي» في وقت الذروة وجزءا رئيسيا - وربما الجزء الرئيسي الوحيد - للشبكة. وقد أثبت أولبرمان أن المذيع المناسب (والقضية المناسبة: معارضة الحرب في العراق) يمكنه أن يجذب مشاهدين لديهم نفس التفكير ويكون له تأثير غير موضوعي على القناة كلها. وقد أظهرت قناة «سي إن إن» الإخبارية المنافسة العكس تماما: برنامج ضعيف في الساعة الثامنة مساء يمكن أن يخلق صعوبات على قائمة برامج الليلة بأكملها.

ومنذ دخوله إلى ساحة المعركة، استقر أودونيل (59 عاما) في هذه الوظيفة. وعلى الرغم من أنه قد لا يتمكن من مجاراة ما يشبه الألعاب النارية اللفظية التي يقدمها أولبرمان، فإنه على صلة بجمهور أولبرمان. وفي المعركة التي تدور رحاها وجها لوجه بين مقدمي البرامج، يتفوق بيل أورايلي من قناة «فوكس نيوز» على أودونيل بنسبة 3 إلى 1 تقريبا، (تماما مثلما يتفوق بانتظام على أولبرمان). ومع ذلك، حافظ أودونيل إلى حد كبير على عدد المشاهدين الذين كانوا يتابعون أولبرمان ليلا والذين يصل عددهم إلى أكثر من مليون مشاهد، وهو ما يعد نصرا تكتيكيا لقناة «إم إس إن بي سي».

ويبدو أن أودونيل أصيب بدهشة، مثله مثل أي شخص آخر، من هذا التحول في الأحداث. وقال بعد تقديم برنامجه ذات ليلة: «أنا هنا لسبب بسيط. لقد جئت بدلا من كيث ولم تنخفض التقييمات. لا يمكن لأحد أن يشرح لي كيف ظلت التقييمات على نفس المستوى». وأضاف بطريقة تنم عن فطنته: «إنه عمل يعتمد على الحظ بشكل كامل». وقال ويليام غولدمان (وهو كاتب سيناريو بارز) ذلك بطريقة أفضل حين قال: «لا أحد يعرف أي شيء».

وعلى الرغم من انتماء أودونيل إلى يسار الوسط بشكل واضح، فإنه وصف نفسه على الهواء بأنه «اشتراكي»، وأنه من المؤيدين لحظر المسدسات (أو بشكل أكثر دقة، السيطرة على مبيعات الذخيرة)، كما أنه ضد عقوبة الإعدام، ومع زيادة الضرائب ومن المؤيدين لرعاية صحية حكومية عالمية. «الليبراليون يروقون لي»، كان هذا هو تصريح أودونيل في برنامج «مورنينغ غو» على قناة «إم إس إن بي سي» بعد الانتخابات في الخريف الماضي، وأضاف: «أنا أميل إلى أقصى اليسار منكم فأنتم مجرد ليبراليين».

وعلى الهواء، يمكن لأودونيل أن يشعل الحلقة - وصف أورايلي بـ«الأضحوكة» و«الكاذب» - لكنه حذر أيضا من الانخراط في «مصارعة الطين» أكثر من اللازم، حيث تميل مناقشاته حول السياسة، مع المتبقين مع أولبرمان مثل ريتشارد وولف ودانا ميلبانك التي تعمل في صحيفة «واشنطن بوست»، إلى أن تكون واقعية في معظمها ومعتدلة إلى حد ما.

كما يشغل أودونيل نفسه بأمور أقل جدية، مثل جنون تشارلي شين أو أساليب لينزي لوهان المتمردة. وتناول جزء من برنامجه الأسبوع الماضي مناظرة بين جون ستيوارت وأورايلي بشأن قرار أوباما بدعوة مغني الراب كومون إلى البيت الأبيض. وعرض مقطع من المناقشة - التي تم الحصول عليها من برنامج «ذي أورايلي فاكتور» - التي استمرت نحو 4 دقائق. وقال أودونيل بعد ذلك: «على الأقل، لم يكن يتعين علي الحديث».

وقال أودونيل إنه يود القيام بمزيد من العمل الذي يحظى بالدقة والعناية من خلال طائفة واسعة من المواضيع، ولكن هذا الأمر مستبعد.

وقال أودونيل: «لو كان الأمر بيدي، لقمنا بعمل برنامج عبر خدمة البث العام. إنني أحاول أن أدرب غرائزي الاستعراضية بما يلائم هذه البيئة. وهناك من الأشياء ما يستحق محادثات أفضل من تلك التي نجريها خلال 8 دقائق. ولكن لا يمكن أن يكون هناك برامج مثل برنامج جيم ليرر أو تشارلي روز. إنني في الغالب أتحدث إلى أناس يتفقون معي.. لا يوجد (تراشق) بعد الآن. لقد اتضح أن ما يجدي هو أن يكون الرأي التلفزيوني مثله مثل صفحة الرأي في صحيفة، وليس نقاشا».

ويقول أودونيل إنه لم يخطط قط ليظهر يوما ما على شاشة التلفزيون، ولكنه على الرغم من ذلك أصبح واحدا من أكثر رؤساء البرامج التلفزيونية ظهورا. ومع ذلك، تبدو حياته المهنية المتنوعة إعدادا مثاليا لذلك.

وبعد تخرجه في جامعة هارفارد، عمل ككاتب. وهو في الواحدة والثلاثين من عمره، حقق كتابه «القوة القاتلة» أعلى المبيعات، ويحكي الكتاب قصة إطلاق نار بطريقة غير مشروعة من الشرطة في بوسطن التي تعد مسقط رأسه والتي قام فيها والده، لورانس الأب، بدور المدعي الرئيسي لعائلة الضحية، (وقام أودونيل نفسه بتقديم بحوث قانونية لوالده و3 من أشقائه، وجميعهم محامون). وبعد أن تحول الكتاب إلى فيلم تلفزيوني، ذهب أودونيل إلى هوليوود وحاول الكتابة هناك، ولكنه لم يحقق نجاحا يذكر.

وبعد إضراب كتاب هوليوود في عام 1988، قبل أودونيل عرضا للانضمام إلى حملة إعادة انتخاب السيناتور دانيال باتريك موينيهان في نيويورك. وتحولت المهمة إلى وظيفة، وأصبح أودونيل في نهاية المطاف مدير موظفي لجان البيئة واللجان المالية لمجلس الشيوخ التي يترأسها موينيهان. وخلال عمله في هذه اللجان، قام أودونيل بكتابة التشريعات الضريبية وإدارة مفاوضات الميزانية والعمل على اقتراح إصلاح الرعاية الصحية، الذي قدمته هيلاري كلينتون، ولكنه فشل.

وغادر أونيل واشنطن في عام 1995، ولكن واشنطن لم تتركه. وبدأ التعليق على السياسة الوطنية، سواء المطبوعة أو التلفزيونية. وفي عام 1999، عينه آرون سوركين للمساعدة في إنتاج مسلسل درامي يسمى «الجناح الغربي» تدور أحداثه حول الرئيس وموظفيه.

لقد أمضى أودونيل 7 سنوات في البرنامج، حيث كتب 16 حلقة وعمل كمحرر للقصة ومشارك في الإنتاج ومنتج منفذ. وفي عام 2002، كتب وأنتج المسلسل الدرامي القصير «الاثنين الأول» على شبكة «سي بي إس» التلفزيونية وكانت تدور الأحداث حول المحكمة العليا، وقام بالبطولة جيمس غارنر. وفي العام التالي، أطلق برنامجه الخاص «مستر إسترليني» مع جوش برولين. واستمر البرنامج لمدة 10 حلقات على قناة «إن بي سي».

وبفضل زواجه بالممثلة كاثرين هارولد، دخل أودونيل مجال التمثيل من خلال القيام بأدوار صغيرة في «مونك» و«الممارسة»، كما قام بدور المحامي في «الحب الكبير» على قناة «إتش بي أو». وعلى الرغم من وظيفته اليومية، لم يتخل أودونيل عن التلفزيون؛ حيث تلقى عرضا للقيام بدور في مسلسل على قناة «إتش بي أو».

ودائما ما كان أودونيل ينادى باسم لورانس، للتمييز بينه وبين والده، وكان معروفا بين أفراد الأسرة باسم لاري. ويبدو أن خلفيته عن البرامج التلفزيونية ونخبة الكابيتول هيل وبشرته الحمراء الآيرلندية - الأميركية قد جعلت منه مهيئا بصورة طبيعية للظهور على شاشات التلفزيون. واختاره أندي لاك، الرئيس السابق لقناة «إن بي سي نيوز»، للظهور في أحد البرامج - «ذي تشارلي روز شو» في عام 1996 - وعينه كمساهم في شبكة «إن بي سي نيوز»، وظهر أودونيل لأول مرة على شاشة قناة «إم إس إن بي سي» في ساعتها الأولى في عام 1996. وقال أودونيل: «لم أقم أبدا بأي عمل كنت بحاجة إلى القيام به في الغد. إذا قال شخص ما: لم نعد نريدك هنا، فلن أظهر مرة أخرى، وقد حدث هذا في (الجناح الغربي)، كما حدث أيضا في مجلس الشيوخ. لقد عشت حياة العمل الحر بصورة غير مخططة، وليس لدي توقعات بالاستمرارية».

يبدو مكتب أودونيل في مسلسل «30 روك» بالتأكيد وكأنه مكتب رجل لا يتوقع البقاء طويلا. وباستثناء التلفزيون ذي الشاشة المسطحة الموجود على الحائط، لا توجد هناك زينة على الإطلاق، سوى بعض الكتب وطاولة وبضعة كراسي ثابتة. ويمكنك من هنا أن ترى تقريبا مكاتب قناة «فوكس نيوز» التلفزيونية بعيدا في شارع «6 أفينو».

أما ملابس عمل أودونيل - مجموعة من السترات الداكنة، ورابطات العنق والقمصان - فهي معلقة في إحدى زوايا المكتب. واليوم، وبعيدا عن البث المباشر، يرتدي أودونيل قميصا أزرق اللون ذا أكمام طويلة، وبنطلونا فضفاضا أسود اللون وحذاء خفيفا من القماش. وعند تمام الساعة الثامنة مساء، يقوم بارتداء السترة ورابطة العنق، أما النصف السفلي (الذي لا تبثه الكاميرا) فيبقى مرتديا البنطلون والحذاء الخفيف.

وتقول إيزابيلا بوفتش، كبيرة المنتجين التنفيذيين لبرنامج «الكلمة الأخيرة»، إن أودونيل قد أصبح مستعدا للعمل بالوتيرة الأسرع للبرنامج الذي يذاع في تمام الثامنة مساء بعد أن كان يقدم فقرة وجيزة في الساعة العاشرة مساء. وقالت بوفتش، التي كانت منتجة أولبرمان: «أعتقد أن معدنه النفيس سيظهر. إنه شخص ذكي ومحلل سياسي بارع، لأنه عاش وعمل بالسياسة. ما ترونه هو ترجمته لذلك على شاشة التلفزيون».

وأضافت: «المهم في التلفاز أن يحب مقدم البرامج المكان الذي يعمل به ويكون لديه رغبة في القتال، وهذا هو القاسم المشترك في أي برنامج تلفزيوني جيد».

في الحالات القليلة التي كان يستضيف فيها ضيوفا محافظين، كان أودونيل يميل إلى مقاطعة الضيف والدخول في جدال معه، وتعد مقابلته مع كوندوليزا رايس في وقت سابق من هذا الشهر مثالا حيا على ذلك، حيث لم يعطها أودونيل فرصة للرد، لدرجة أن الوزيرة الأميركية السابقة التي غالبا ما تتسم بالهدوء كانت كثيرا ما تشتكي وتقول: «دعني أكمل».

وأحيانا يذهب أودونيل إلى ما هو أبعد من ذلك. في اليوم الذي كشف فيه الرئيس أوباما عن النسخة الأصلية من شهادة ميلاده الشهر الماضي، كان أودونيل يستضيف شخصية غريبة مثل أورلي تايتز. حاول أودونيل أن يحصل على اعتذار من تايتز وسألها مرارا وتكرارا عما إذا كانت قد وافقت على «صحة» الوثيقة أم لا، ولكنها رفضت وحاولت بدلا من ذلك فتح خط جديد للهجوم على أصول الرئيس أوباما.

وهنا تحدث أودونيل بسرعة وبطريقة تنم عن الإحباط: «أخرجوها من هذا البرنامج.. أخرجوها. أنت مطرودة. اذهبي للعب مع دونالد ترامب»، وفي هذه اللحظة اختفت تايتز من الشاشة.

لقد كانت المواجهة ساخنة للغاية، ولكنها أثارت أيضا بعض الأسئلة، مثل: لماذا استضاف شخصية معروفة بتطرفها على نطاق واسع مثل تايتز؟

وقال تيم غراهام، وهو مدير تحليل وسائل الإعلام لمركز بحوث الإعلام المحافظ في الإسكندرية: «على الورق، قد يبدو أودونيل لديه خبرة فعلية في واشنطن أكثر من كيث الذي كان دائم الصياح على شبكة (اي إس بي إن)»، وأضاف: «ولكنه قدم بعضا من الصرخات الغريبة ونوبات الغضب».

ويقول غراهام إن أودونيل يميل إلى البحث عن «العنصرية في كل زاوية من زوايا الجمهوريين»، مثل إدانته لإعلان نشر مؤخرا للجنة الوطنية الجمهورية بحجة أنه يتضمن «رسالة عنصرية» لأنه قال إن رؤساء الاتحاد البيض كانوا يخبرون الرئيس الأسود بما يجب عليه القيام به.

يتمتع أودونيل باستقلال في الرأي ووعي ذاتي يمكنه من الاعتراف بأن بعضا مما يبث على الشاشة بعيدا كل البعد عن الواقع، وأن جزءا منه عبارة عن تمثيل وأنه، إلى حد ما، يقوم بدور الممثل. ويقول إن الحياة الحقيقية والإدارة الفعلية لا تشبه كثيرا ما يراه المشاهدون في البرامج الحوارية التي تقدم على شاشات التلفاز. وفي إشارة إلى الوقت الذي كان فيه عضوا في الحكومة، قال أودونيل: «إن العمل مع الجمهوريين لم يكن أبدا كذلك»، وأضاف: «الناس على الجانب الآخر يميلون إلى الحديث مع بعضهم البعض بشكل معتدل ومحترم وصريح، حتى عندما يكونون مختلفين بشدة».

وقال عقب تقديمه للبرنامج: «تكمن نقطة ضعفي في أنني لا أتعامل مع الكثير من هذا (الخطاب المثير للقلاقل) على محمل الجد. من الصعب على أي شخص أن يثير غضبي. إنني أكره الأشياء التي تسبب الضجيج والصراخ، وأكره الطريقة التي تبدو عليها مقاطعة من يتحدث».

ولكن السؤال الآن: لماذا يقوم هو بذلك في بعض الأحيان؟ أين الأمانة في ذلك؟

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»