العرب يلجأون إلى العاصمة البريطانية لتحسين صورتهم المشوهة

الدول تتضرر من الأزمات السياسية وشركات العلاقات العامة الأجنبية تجني الأرباح

لجأت جهات عربية إلى صحافيين غربيين نافذين بهدف التحرك الإعلامي لتحسين الصورة العربية مما لحقها من سلبية في الصحف العالمية
TT

الأحداث السياسية العاصفة والأزمات التي ترافقها في المنطقة العربية بدءا من تونس مرورا بمصر وليبيا واليمن والبحرين ووصولا إلى سوريا، أدت إلى تشويه صورة الاستقرار في بلدان الشرق الأوسط، ليس فقط في هذه البلدان وإنما في المنطقة العربية ككل، وزعزعة الاستقرار من شأنها التأثير على الاقتصاد والأمن والتجارة والمصارف وكل عصب حيوي في كل بلد، ولم يكن أمام بعض من البلدان العربية إلا اللجوء إلى العلاقات العامة التي تعرف أيضا بفن العلم الاجتماعي وتحليل الاتجاهات والتنبؤ بعواقبها ونتائجها وأخذ القرارات في تصميم البرامج المناسبة لك حالة بغية الحصول على النتائج المرجوة العامة والخاصة. وبما أننا نعيش في عصر العلاقات العامة نرى بأن أهم الشركات المتخصصة بهذا الفن ومقرها لندن تستفيد من الأوضاع المتأزمة في الشرق الأوسط وتعمل بالنيابة عن بعض الدول والشركات العربية لتحسين صورتها في ظل هذه المرحلة الصعبة.

وتستخدم العديد من الدول والشركات في الشرق الأوسط شركات العلاقات العامة البريطانية لرفع الوعي العام وتحسين صورتها العامة، في أعقاب بعض الحوادث التي قد تؤثر على مكانتها أمام الرأي العام. لكن كيف يمكن للعديد من شركات العلاقات العامة أن تفهم حقا طبيعة الثقافات المختلفة والتنوع الذي تحظى به منطقة الشرق الأوسط وثراء اللغة ودفء ضيافة أهلها؟

في مقابلة أجرتها «الشرق الأوسط» مع آن ماري ماك غراث صاحبة شركة «إف للعلاقات العامة» ومقرها لندن ودبي قالت إنها كانت محظوظة لأن تعمل وتعيش في منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الثمانينات، حيث عملت في دول مثل الإمارات ومصر والأردن وعمان وعملت على إنشاء وتدشين علامات تجارية لاقت رواجا كبيرا في العالم العربي سواء في دول الخليج العربي وشمال أفريقيا في الوقت الذي لم يكن هناك مقصد للموضة كما هو الحال اليوم. في تلك الأيام كانت العلاقات العامة تعاني حالة من الارتباك من الترويج للعلامات التجارية في وسائل الإعلام التقليدية أو ربما ما هو أسوأ من ذلك، وهو أن يذهب شخص إلى المطار للتأكد من أن كل الوثائق الضرورية سليمة للسماح لموظف جديد بدخول البلاد. في تلك الأيام كان العاملون في مجال العلاقات العامة الرواد والرؤى والذين اهتموا بشكل خاص بشأن الأفراد والشركات التي كانوا يتعاملون معها.

ونظرا لما يدور في منطقة الشرق الأوسط في الوقت الحالي، تحاول الشركات الكبرى والطبقة الحاكمة في الشرق الوسط استخدام أفضل شركات العلاقات العامة من لندن. وحتى الأنظمة المشكوك في شرعيتها تستخدم الشركات الكبرى للي عنق الحقائق للترويج لقصص تخدم قادتها في الحفاظ على مكانتهم وضمان أن يظلوا في مقاعدهم في السلطة.

من المؤكد أن القادة من أمثال هؤلاء الذين يشغلون مقاعد السلطة في الشرق الأوسط لديهم الكثير من المال كي ينفقوه، ولندن هي الخيار الأفضل. وتضيف ماك غراث أنه على عكس الولايات المتحدة لا يوجد في المملكة المتحدة تشريع يطلب من هذه الكيانات الخارجية تسجيل نشاطاتها في مجال العلاقات العامة مع هيئات حكومية.

شركات العلاقات العامة الشهيرة هذه ستساعدهم في تلميع صورتهم بغض النظر عن المعرفة البسيطة أو عدم المعرفة بالدول أو الشركات أو ثقافات الأفراد موضع التساؤل، فكل ما يهم هذه الشركات هو العائدات الضخمة التي تعرض عليهم بغض النظر المنجزات التي قد تكون مطلوبة.

وفي مقابلة أخرى مع أنوشكا مينزيز صاحبة شركة «باكوس للعلاقات العامة» ومقرها لندن ونيويورك تعرف مصطلح العلاقات العامة بالقول إنه مصطلح أدخل التعريف في التجمع العالمي الأول لاتحادات العلاقات العامة الذي عقد في أغسطس (آب) 1978، والذي عرفها بأنها فن وعلم اجتماعي لتحليل التوجهات، والتنبؤ بعواقبها وتقديم الاستشارات إلى قادة المؤسسات وتطبيق برامج مخططة والتي ستخدم كلا من المؤسسة والمصلحة العامة. ولتبسيط الفكرة فإن العلاقات العامة هي صورة الاتصال الموجهة بشكل أساسي نحو اكتساب الفهم والقبول العام، وربما لوضعها في أبسط صورة فإن ذلك يعني إدارة السمعة.

أحد الملامح الرئيسة لشركة العلاقات العامة الجيدة هو قياس وتغذية العلاقات مع وسائل الإعلام الرئيسة والعملاء والأشخاص ذوي الصلة الذين يمكن استغلالهم للتحسين من سمعة العميل ومن ثم مساعدتهم في تحقيق أهدافهم. وبناء علاقات قوية مع وسائل الإعلام المعنية خطوة رئيسة - فعلى مدى السنوات يتمكن المرء من العمل مع بعض الصحافيين الذين أثبتوا ثقة في الماضي. إنها مسألة منفعة متبادلة، فعلى سبيل المثال، أنت تساعد الصحافي عندما تتمكن من القيام بذلك حتى يرد لك الجميل عندما تحتاجه.

خلال الحملات تقوم الشركات بتحديد الرسائل الرئيسة التي ترغب في إيصالها إلى وسائل الإعلان ومن ثم المستهلك بعد جلسة استماع قصيرة من العميل بشأن أهدافهم، وإذا ما كانت هناك رسائل سلبية تحيط بالعميل فدائما ما أشير إلى البحث عن الرسائل الإيجابية خلال الموقف (حتى وإن كان ذلك يتطلب من العميل أخذ مبادرات جديدة) وهو ما سيغير بصورة تلقائية تركيز الإعلام ويقلل من السلبيات دون الحاجة إلى التعامل بصورة فاعلة مع السلبيات التي قد يضطر إليها إذا لم يتوافر ذلك.

التفكير خارج الصندوق أمر هام للغاية بالنسبة لأي شركة علاقات عامة ناجحة، ولذا نستخدم كل الموارد لخلق مبادرات تتصل بالإعلام وشراكات العلامة التجارية الخلاقة، ومتحدثين ملائمين وشخصيات بارزة بالغة الفاعلية. ولعل المثال الأبرز على ذلك كان فندق بالغليوني الذي طلب من جاد جاغر أن تصمم جزء من موقعها المغاربي، ولذا فإن شخصية جاد جاغر العالمية ستسمح للشركة الغربية بالنفاذ في سوق شمال أفريقيا.

وبالمثل فإن إقامة فعاليات ملائمة تكون الأساس لإحياء علامة تجارية - تقوم وكالتنا بإقامة أسبوع لندن للموضة، كما أقمنا عددا من الفعاليات عبر أفريقيا ودول الخليج العربي والتي تضم أفريقا رايسينغ وأجزاء من حفل افتتاح كأس العالم في جنوب أفريقيا. فوجود وكالة تقدم كلا من إنتاج الفعاليات المتسم بالخبرة والخدمات الإعلامية التي تسمح للعميل بالتعامل كيان واحد.

وتضيف مينزيز: «خلال العقد الماضي التي كنت أدير فيها باكوس إلى جانب شريكتي شارلوت لوروت، تبينت خلاله العديد من السمات الضرورية لشركة علاقات عامة كفء للغاية. ولذا قمنا بتأسيس باكوس على أساس أننا إن لم نزد من عائدات عملائنا عبر نشاطنا فمعنى ذلك أننا لم نف بمقتضيات مهمتنا».

وتتابع مينزيز بأن شركة العلاقات العامة الجيدة تدرس أهداف العميل وتستوعبها جيدا ثم تتجه بعد ذلك إلى وضع الاستراتيجية المناسبة التي يمكن من خلالها تحقيق النتائج. كما يعتبر الحذر إحدى السمات الرئيسة لشركة العلاقات العامة - معرفة متى ومن تكشف له المعلومات مبدأ رئيسيا في صناعتنا.

وردا على سؤال «الشرق الأوسط» بأن العلاقات العامة كصناعة قد تشتهر بأنها صناعة الكلام لا الأفعال، ردت مينزيز: «عملت جاهدة على نفي هذه الأسطورة عبر المحاولة جاهدة أن أكون أمينة مع عملائي وإدارة توقعاتي على الدوام».

وبحسب ما نشرته هيئة الإذاعة البريطانية، هناك معلومات ضمنية سارية في لندن حاليا بأن هناك اتصالات جارية ما بين جهات وشركات عربية معينة وصحافيين نافذين غربيين بهدف التحرك الإعلامي لتحسين الصورة العربية بسبب العناوين السلبية التي تتصدر صفحات الصحف العالمية وشاشات التلفزيون.

ومن المعروف عن المملكة المتحدة أنها مركز مهم للعلاقات العامة لأن هذه المؤسسات لا تخضع للرقابة المشددة كما هو الحال في الولايات المتحدة التي تعتمد على أسلوب الاستمالة.

وتقدر صناعة العلاقات العامة التي تأخذ من منطقة سوهو في وسط لندن مقرا لها، بمردود مالي يصل إلى 6 مليارات جنيه استرليني (نحو 10 مليارات دولار أميركي) سنويا. وهذا المدخول ليس فقط لقاء عقد صفقات ما بين شركات العلاقات العامة وشركات تجارية إنما أيضا مع بلدان وحكومات وحكام. وعمل شركات العلاقات العامة ينحصر في حالة التعامل مع بلدان أو حكومات في الضغط على الصحافيين ووسائل الإعلام لعدم نشر مادة معينة من شأنها أن تسيء إلى الزبون، وهنا يلعب القانون دورا مهما لذا تحمي شركات العلاقات العامة نفسها من خلال محامين مختصين يقومون بعملية الكتابة والرد على الجهات الأخرى.

في لندن تعتبر شركة «بيل بوتينغر» التي يديرها اللورد تيم بيل، الذي شغل منصب مدير وكالة ساتشي إند ساتشي، من أهم شركات العلاقات العامة التي تضم على لائحة زبائنها أهم الشخصيات السياسية، واللورد بيل كان وراء الحملة الإعلانية التي واكبت رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر في الثمانينات. واليوم تقوم الشركة وبحسب ما نشرته «بي بي سي» بتمثيل حكومة البحرين وحكومة تونس قبل تنحي الرئيس السابق بن علي عن منصبه في يناير (كانون الثاني) الماضي. وهناك من يقول بأن الشركة نفسها قامت بتمثيل أحد أفراد عائلة الرئيس الليبي معمر القذافي عام 1969.