رئيسة التلفزيون المصري لـ«الشرق الأوسط»: بدأنا في استعادة ثقة مشاهدينا تدريجيا

نهال كمال: المصداقية هي المعيار الأول للنجاح.. وتهديد الوحدة الوطنية هو الخط الأحمر الوحيد لدينا

نهال كمال رئيسة التلفزيون المصري («الشرق الأوسط»)
TT

فقدَ المشاهد المصري الثقة في التلفزيون الحكومي بعد تغطيته غير الموضوعية لأحداث ثورة 25 يناير، ما أدى إلى انصرافه لقنوات أخرى للبحث عن الحقيقة. وهو ما حدث أيضا مع الإعلامية نهال كمال، التي تعد أول رئيس للتلفزيون المصري في أعقاب الثورة.

في حوارها مع «الشرق الأوسط» تتحدث رئيسة التلفزيون المصري عما يشهده مبنى التلفزيون (ماسبيرو) في الوقت الحالي من تغييرات متلاحقة في الأشخاص والسياسات والمضمون. وعن بدايات عصر إعلامي جديد يكون فيه التلفزيون المصري معبرا عن كل المصريين ومرتكزا على المصداقية والمهنية واحترام المشاهد.

وتشير إلى أنه لا توجد أي خطوط حمراء في تغطية بعض الموضوعات أو ظهور بعض الشخصيات على الشاشة مثلما كان يحدث في ظل النظام السابق، مبينة أن الخط الحمر الوحيد هو إثارة الفتنة الطائفية والفرقة بين أبناء الشعب المصري.. وهنا نص الحوار:

* ما تقييمك للتغطية التي قدمها التلفزيون المصري لأحداث الثورة؟

- بالطبع غير راضية عنها تماما، وأرى أنها كانت منفصلة بشكل كامل عما يحدث في الواقع وأدت إلى انصراف المشاهد المصري إلى قنوات أخرى للبحث عن الحقيقة، كما أن المقارنة لم تكن في صالح التلفزيون المصري لأنه في هذا الوقت كان مرتبطا بتوجه الدولة وبالنظام السابق، أي ينقل وجهة نظره فقط.

* أين تابعت أحداث الثورة المصرية إذن؟ ومن وجهة نظرك ما أفضل قناة في التغطية؟

- تابعت كل القنوات الفضائية الإخبارية وتابعت التلفزيون المصري أيضا، وفي رأيي أنه إلى حد كبير جاءت تغطية قناتي «العربية» والـ«بي بي سي» متوازنة، بينما جاءت تغطية قناة «الجزيرة» بها قدر عالٍ من المبالغة. وبعيدا عن القنوات الإخبارية فإن هناك قنوات ظهرت واكتسبت مصداقية خلال الفترة الماضية مثل قناة «أون تي في» التي لفتت الأنظار بشدة واجتذبت عددا كبيرا من المشاهدين بسبب النجاح الذي حققته خلال فترة الثورة.

* كرئيسة للتلفزيون المصري، وفي ظل وجود أزمة ثقة بينه وبين مشاهديه، كيف يمكن استعادة ثقة المشاهد؟

- أهم شيء هو المصداقية والابتعاد عن نشر الشائعات أو الأخبار مجهولة المصدر، وتحري الصدق في ما يقدم، فالفترة الحالية هي مرتع خصب جدا للإشاعات التي غالبا ما تكون كاذبة ومغرضة وتؤدي إلى حدوث مشكلات كبرى قد لا يمكن السيطرة عليها. وبشكل عام أشعر أن التلفزيون المصري بدأ تدريجيا في استعادة ثقة المشاهد عندما بدأ في تقديم بث حي لـ«المليونيات» من ميدان التحرير، وقدم تغطية شاملة لها طوال اليوم وليس فقط في الفترات الإخبارية، حيث تعامل مع الأمر باعتباره الحدث الأهم المسيطر على مصر كلها، وهذا يعتبر تغييرا كبيرا، لأن الناس بدأت تدير المؤشر لترى ماذا يقول التلفزيون المصري في هذا اليوم، خصوصا أن الثورات الآن مندلعة في كثير من بقاع العالم العربي، فأصبح اهتمام القنوات الإخبارية ليس فقط منصبا على مصر وأحداثها، والمواطن المصري يريد أن يتابع أحداث بلده، فبدأ التلفزيون المصري يستعيد مشاهديه تدريجيا وإن كان ليس بالقدر الذي نأمله.

* يدّعي الكثيرون الآن سواء من العاملين في الإعلام أو من المشاهدين أن الثورة لم تصل إلى التلفزيون المصري بعد، فكيف ترين هذا الأمر؟

- الموضوع ليس أن الثورة لم تصل إلى ماسبيرو، ولكن الفكرة هي أن ترجمة هذا الوصول إلى شيء ملموس أمام المشاهد على الشاشة سيستغرق بعض الوقت لأسباب متعددة، منها أن هناك مشكلات كثيرة لا بد أن تحل في البداية، فهناك عقليات اعتادت أن تكون موجهة وتابعة للنظام، وعندما نقول لهم فجأة إنكم أصبحتم أحرارا فبعضهم لا يستطيع استيعاب الموقف ويحتاج إلى بعض الوقت لذلك، والتلفزيون المصري مثل شخص حبس لسنوات وفجأة أطلق سراحه، فسيحتاج إلى فترة للتأقلم على وضعه الجديد، فهو يتنسم هواء جديدا تماما، ونحن الآن على أعتاب عصر إعلامي جديد.

* ارتباط التلفزيون بالنظام السابق كان يخلق خطوطا حمراء في تغطية بعض الموضوعات، لكن الآن بعد الثورة ما الخطوط الحمراء للتلفزيون المصري؟

- إثارة الفتنة الطائفية والفرقة بين أبناء الشعب المصري هو الخط الأحمر الوحيد الذي لا يمكن تجاوزه، أما دون ذلك فلا توجد أي خطوط حمراء في التلفزيون، فحاليا نتناول النظام السابق ولا توجد قيود على ظهور شخصيات معينة أو ما شابه ذلك.

* مبنى ماسبيرو بما يشمله من 43 ألف شخص يعملون في كل التخصصات لهم الكثير من المطالبات المتعلقة بالأجور والترقيات وغير ذلك.. كيف يمكن تحقيق هذه المطالبات في ظل الظروف الحالية؟

- هناك الكثير من الأمور التي يأتي على رأسها النواحي المادية بسبب التفاوت الرهيب في الأجور، فهذه الأرقام لم أكن أعرفها إطلاقا إلا عندما أصبحت رئيسة للتلفزيون، فلم يكن بها أي شفافية على الإطلاق مما سبب احتقانا كبيرا لدى الكثير من العاملين، ولكن الآن الوضع سيختلف، وهناك مشكلات أخرى متعلقة بتنظيم العمل والظلم في الظهور على الشاشة، فكثيرون منعوا ووقع عليهم ظلم كبير وأنا كنت منهم، لكن الوضع الآن سيختلف وسنعمل على حل كل هذه المشكلات.

* يثار الآن جدل كبير حول فكرة إعادة هيكلة اتحاد الإذاعة والتلفزيون وتحويله إلى مؤسسة مستقلة يحكمها مجلس أمناء مثل تجربة الـ«بي بي سي»، ما رأيك؟

- هذا الموضوع مثار بشدة الآن والجدل حوله لا يزال مستمرا، فالبعض يؤيد هذا الأمر والبعض الآخر يرى أن وجود وزارة إعلام سيكون أفضل، وأرى أن الأمر يحتاج إلى دراسة متأنية في الحالتين لأن التلفزيون المصري قطاعاته كثيرة جدا وهناك شركات كثيرة تابعة له، وهو كيان عملاق ومعقد ويحتاج إلى طبيعة خاصة في الإدارة، فالأمر لا يقتصر فقط على مبنى ماسبيرو. ويمكن الوصول إلى أفضل صورة للتلفزيون المصري بأن يتحول إلى كيانات متعددة بعضها مستقل عن بعض. فالموضوع يحتاج إلى دراسة متأنية ولا يمكن إصدار قرار أو رأي فيه بسهولة.

* يعاني التلفزيون المصري على مدار فترة طويلة من خسائر قدرت بأرقام كبيرة جدا، فكيف يمكن إيقاف نزيف الخسائر وتحويلها إلى مكاسب؟

- يمكن جدا أن تتحقق مكاسب للتلفزيون المصري إذا كان هناك تركيز على تطوير الشكل والمضمون، وطرح سياسة تسويقية جديدة ومختلفة، والاعتماد على الرعاة والمعلنين، فالجانب الاقتصادي والمالي يحتاج إلى تطوير ودراسة للحصول على موارد للتلفزيون نفسه، ففي السابق كانت تأتي موارد وتوجه إلى قطاعات أخرى فلا يشعر بها أبناء ماسبيرو.

* نشهد في الفترة الأخيرة تغيرا كبيرا في الأشخاص والمناصب والقيادات، فهل يواكب ذلك تغيير في نظام العمل الداخلي على نفس القدر؟

- بالطبع هناك تغيير، ولكن الأمر يحتاج إلى وقت لتظهر نتائجه، فما نحن فيه الآن هو نتاج سنوات طويلة، وبالتالي لن تحل كل المشكلات في يوم وليلة، الأمر فقط يحتاج إلى بعض الوقت للتأقلم مع الوضع الجديد ولوضع خطط ودراستها وتنفيذها وهكذا.

* القنوات الإقليمية المصرية هناك قرار ببثها على النايل سات تحت اسم «قنوات المحروسة»، فهل تم تطوير هذه القنوات لتلائم البث الفضائي؟

- القنوات الإقليمية هي جزء من الإعلام المصري وبها أفراد يعملون ويجتهدون، والواقع الآن أن البث الأرضي غير مشاهد تقريبا ولا يوجد عليه أي إقبال، والأمر من ناحية أخرى يجب دراسته اقتصاديا وفنيا، وهناك الآن بث تجريبي لهذه القنوات والوضع تحت الاختبار، والحكم النهائي سيكون للمشاهدين، فالتجربة لا تزال في بدايتها.

* الحصول على أخبار صادقة وموضوعية هو المعيار الأساسي الذي يبحث عنه المشاهد في ظل وجود أحداث فوق العادة، فكيف يمكن أن تنافس قناة «الأخبار» المصرية القنوات الأخرى التي انصرف إليها المشاهد في الفترة الأخيرة؟

- يجري العمل في هذا الآن، وهناك تطوير شامل في مجال الأخبار يقوم عليه قطاع الأخبار، فوجود قناة إخبارية مصرية على مستوى عالٍ هو الآن مطلب ملحّ جدا للمشاهد وللعاملين في التلفزيون على السواء.

* قرار الاستغناء عن المذيعين من خارج ماسبيرو والاعتماد على أبناء التلفزيون، هل يصب في مصلحة الإعلام المصري، خصوصا في ظل إلغاء برامج ناجحة وانتقال أصحابها إلى قنوات أخرى تقريبا بنفس البرامج وانصراف المشاهد إليها؟

- معظم هذه البرامج إن لم يكن كلها كانت مكلفة جدا للتلفزيون المصري سواء على مستوى الإعداد والاستوديوهات أو على مستوى الأجور الضخمة التي يحصل عليها مقدمو هذه البرامج. والعاملون في ماسبيرو وجدوا أنفسهم غرباء بعد انتشار هذه البرامج بصورة كبيرة، نحن لسنا ضد أن يعمل أحد من الخارج إذا كانت لديه الخبرة والكفاءة والجديد الذي يقدمه، وهذه البرامج كانت تحقق إعلانات ولكن الأمر أصبح على حساب أبناء ماسبيرو بصورة كبيرة، وفي فترة سابقة كان هناك اقتناع بأن من هو قادم من الخارج بالضرورة أفضل من أبناء التلفزيون المصري.

* ولكن يعارض البعض الاعتماد الكلي على أبناء ماسبيرو بمنطق أن كثيرا منهم لا يملك الكفاءة والمهارة القادرة على المنافسة بسبب الاعتماد على «الوساطة» في اختيارهم للعمل، ما تعليقك؟

- لا يمكن تعميم هذه القاعدة، فهناك بالطبع من أبناء ماسبيرو من لديهم الخبرة والمهارة، ومنهم من لم تتح له الفرصة بسبب الفكرة التي كانت سائدة بأن من هو من الخارج سيكون أفضل، والفترة المقبلة ستثبت ذلك.

* في ظل الفترة الحرجة التي تشهدها مصر حاليا، كيف يمكن للإعلام المصري القيام بدور فعال ومؤثر في المجتمع؟

- يمكن أن يقوم الإعلام بدور فعال ومؤثر إذا تحرى المصداقية في ما ينقله، واعتمد على المهنية بشكل عالٍ، مع تقديم رسالة خدمية خاصة بالتلفزيون المصري على وجه التحديد، فنحن نتوجه إلى فئات كبيرة من الجماهير، جزء كبير منها على درجة غير عالية من التعليم والثقافة، ورسالتنا في الفترة القادمة لا بد أن تشمل التوعية السياسية، خصوصا أن كل المصريين الآن يتكلمون في السياسة في الشوارع والمنازل وعلى المقاهي، وأصبحت الأحاديث عن السياسة والأحزاب والبرلمان والرئاسة تدور في كل مكان وعلى كل المستويات، فلا بد أن يكون للإعلام دور في تعريف الناس ماذا تعني المصطلحات المتداولة الآن مثل الدستور والانتخاب بالقائمة النسبية وما إلى ذلك، فلا بد أن يعلم الناس هذه الأشياء لأن الشعب أصبح مشاركا في الحياة السياسية، وأصبح صوته له معنى وأصبحت صناديق الانتخاب حقيقية وليست مجرد مظهر خارجي للديمقراطية، وحتى يصل صوت المواطن إلى المرشح السليم لا بد أن يكون على وعي ودراية ليكون قادرا على الاختيار، وهذا في رأيي أحد أدوار الإعلام.

* الفترة القادمة ستشكل تحديا كبيرا للتلفزيون المصري، خصوصا عندما تشتد الحملات الانتخابية لمرشحي الرئاسة مختلفي الانتماءات والاتجاهات، فكيف سيتعامل التلفزيون المصري مع حملات الانتخاب؟

- سنتعامل معها بمنتهى الحيادية وسنعطي الفرصة للجميع دون المصادرة على أحد.