الركود يضرب سوق الإعلانات في مصر

الخبراء رهنوا عودتها بالاستقرار السياسي والاقتصادي

تراجع الإنتاج وضعف حركة الاستيراد والتصدير والتخبط في اصدار القرارات .. عوامل ساهمت في ركود سوق الإعلانات في مصر («الشرق الأوسط»)
TT

حالة من الركود تعيشها حاليا سوق الإعلان في مصر، وسط ظروف صعبة تمر بها السوق، خاصة بعد ثورة «25 يناير»، وما تبعتها من مظاهرات فئوية، أدت إلى توقف عجلة الإنتاج بمعظم الشركات، لا سيما التي يخضع رؤساء مجالس إداراتها للتحقيق بتهم تتعلق بالفساد، مما جعل آلاف العاملين بتلك الصناعة في مهب الريح.

لكن هذا الوضع المتدني لا يمنع من أن تفاجأ السوق الإعلانية بين الحين والآخر ببعض الصفقات تطفو على السطح لتثير الجدل بسبب ضخامتها، أو طبيعتها، مثل الصفقة التي عقدتها مؤخرا إدارة النادي الأهلي المصري مع مؤسسة «الأهرام»، التي بلغت 141 مليون جنيه لمدة 3 سنوات، تنتهي في يونيو (حزيران) 2014 بزيادة مقدارها 65 مليون جنيه على العقد السابق الذي انتهى نهاية شهر مايو (أيار) الماضي.

فايز عبد العليم، المدير التنفيذي لشركة «ديزين» للإعلان، قال لـ«الشرق الأوسط»: إن سوق الإعلانات في مصر تعاني حركة ركود كبيرة في الفترة الحالية تصل إلى نحو 70% بالمقارنة بعام 2010 الماضي.

وأكد أن أهم القطاعات والشركات الإعلانية التي كانت تقوم بعمليات إعلانية ضخمة وأدت إلى خلق حالة من الركود في السوق هي شركات الاتصالات الثلاث: «موبينيل، وفودافون، واتصالات»، وشركات المواد الغذائية بكل أنواعها، وكذلك شركات الأثاث والعقارات.

وعن صفقة النادي الأهلي المصري مع وكالة «الأهرام» للإعلان، أكد فايز أن هذا الرقم في ظل الظروف العادية كبير، وهناك مبالغة في تقديره، مشيرا إلى أن هناك شبهة استغلال للمنصب من قبل رئيس النادي الأهلي حسن حمدي الذي يعمل في الوقت نفسه مديرا لوكالة «الأهرام» للإعلان، وهي مفارقة غريبة، فكيف يتعاقد حسن حمدي، رئيس النادي الأهلي، مع حسن حمدي، مدير وكالة «الأهرام»؟

وتساءل فايز: لماذا لم تسع وكالة «الأهرام» للإعلان إلى الحصول على رعاية مئوية نادي الزمالك الذي سيحتفل بها خلال أيام في الوقت الذي لم يجد فيه النادي سوى شركة مأكولات لتقوم برعاية هذه المئوية؟ مؤكدا أن سوق الإعلانات أثرت بشكل كبير على العمالة الموجودة بها، وقامت 80% من الشركات الأجنبية بالغلق وتسريح العمالة الموجودة لديها، أما الشركات المصرية فقامت بتخفيض رواتب العاملين وخصم الحوافز وزيادة ساعات العمل في محاولة للخروج من هذا النفق المظلم.

ويرى فايز أن سوق الإعلانات لن تعود مرة أخرى إلى طبيعتها قبل عام 2012، كما أنها مرهونة بعودة الأمن والاستقرار إلى الشارع المصري، وكذلك إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة.

كانت الهيئة العامة للاستثمار قد أقرت عددا من الإجراءات، تشمل مجموعة من الموافقات والتيسيرات التي تشجع الاستثمار في مجال الإعلام بمصر، بعد أن كانت تعوقه خلال الفترة الماضية الموافقات الأمنية.. يأتي في مقدمة هذه القرارات التي اعتمدتها هيئة للاستثمار: إلغاء الاستعلام الأمني عن المصريين الراغبين في إنشاء القنوات الفضائية، وكذلك إلغاء قصر التراخيص للقنوات الفضائية على العمل كقنوات متخصصة، وهو ما من شأنه أن يسمح بإقامة المزيد من القنوات الفضائية العامة والمتنوعة خلال الفترة المقبلة.

وعلى الرغم من أن الصحف والقنوات الفضائية تعتمد بشكل رئيسي على الإعلانات كمورد أساسي للحصول على الأموال اللازمة لضمان استمرارها في السوق، وتحقيق أرباح ودفع رواتب للعاملين بهذه الصحف والقنوات الفضائية، فإن السوق المصرية شهدت ظهور الكثير من الصحف الخاصة والمستقلة وقنوات فضائية خلال فترة ما بعد ثورة «25 يناير»، وهو ما سيؤثر بشكل كبير على حصة الصحف والقنوات الفضائية القائمة بالفعل.

وأشار فايز إلى أن الصحف والقنوات الفضائية القائمة حاليا لن تتأثر حصتها من الإعلانات على المدى القريب، وذلك لأن هذه الصحف تتعاقد مع الوكالات الإعلانية والشركات المعلنة بنظام الفترة (سنة، سنتين، أو ثلاث). كما تلعب الإعلانات دورا رئيسيا في سوق الدراما؛ حيث إن جميع القنوات الفضائية، وأيضا التلفزيون، تشتري المسلسلات على حسب كم الإعلانات التي يجذبها المسلسل الواحد، وذلك حتى تستطيع القنوات أن تغطي التكلفة الكبيرة التي تشتري بها هذه الأعمال.

من جهته، قال الدكتور صفوت العالم، أستاذ الإعلان بكلية الإعلام جامعة القاهرة، لـ«الشرق الأوسط»: إن هناك حالة ركود أصابت سوق الإعلان في مصر بسبب تراجع الإنتاج، وضعف حركة الاستيراد والتصدير، بالإضافة إلى التخبط في بعض القرارات السياسية والاقتصادية من قبل بعض المسؤولين في الحكومة، مؤكدا أن هناك حالة ترقب من قبل رجال الأعمال والمستثمرين عن السياسات الحكومية المقبلة والنظام السياسي والبرلماني أدت بشكل كبير إلى تراجع في سوق الإعلانات.

أضاف العالم أن شركات الإعلانات ستشهد فترة من الرواج والنشاط، خلال الفترة المقبلة، موضحا أن رؤساء الشركات يسعون، خلال الأزمات الاقتصادية واضطراب النظام السياسي، إلى تحسين صورتهم وزيادة الاهتمام بعملائهم ودعم أنشطة شركاتهم واسترداد أسهمها بجانب التوسع بالسوق، والعمل على فتح أسواق جديدة.

وقال العالم: إن أحد أهم الأسباب التي كانت وراء حركة الركود هو انتهاء بعض الحملات الإعلانية غير المدروسة التي كانت تعتمد على مجاملة كبار المسؤولين ومنحهم هدايا وغيرها، وهذه الحملات لم يعد لها مكان.

وأكد العالم أن صفقة النادي الأهلي مع وكالة «الأهرام» ليست كبيرة، خاصة أننا نتكلم عن النادي الأهلي صاحب البطولات الكثيرة والشعبية الجارفة داخل مصر وخارجها، مما سيكون له أثره على وكالة «الأهرام» للإعلان، مؤكدا أن هذا العقد سيدر دخلا كبيرا على وكالة «الأهرام» أكبر مما تم التعاقد عليه في ظل أننا نتكلم عن مدة 3 سنوات.

وأشار أستاذ الإعلام إلى أن المستفيد هنا هي وكالة «الأهرام» وليس النادي الأهلي، خاصة أن بعض وكالات الإعلانات الأخرى كانت تتنافس من أجل الحصول على هذا العقد.. وعن عدم سعي الوكالة إلى الحصول على تنظيم مئوية نادي الزمالك، أكد العالم أن نادي الزمالك نادٍ غير مستقر وتتغير إدارته كل فترة صغيرة؛ بينما النادي الأهلي توجد به إدارة مستقرة، وهو ما يدفع وكالات الإعلانات للتعاقد معه فورا.

وعن توقعه عودة سوق الإعلانات قال العالم: إن هذا مرتبط بتدفق الاستثمارات وعودة الإنتاج مرة أخرى، وكذلك سرعة دوران رأس المال، مؤكدا أن أهم القطاعات التي أثرت بشكل كبير على سوق الإعلانات هي قطاعات السياحة والبنوك والاتصالات.

وأشار العالم إلى أن مصر تحتاج حاليا إلى حملات إعلانية تهدف لتحريك الاقتصاد الكلي وتشجيع عملية الإنتاج، وأخرى لتشجيع السياحة التي تعتبر من أهم موارد النقد الأجنبي، بجانب ثالثة تعمل على نشر الأمن والأمان والاطمئنان للمستقبل من أجل تحريك الاقتصاد وعودة المواطنين لسلوكهم الطبيعي.