الإعلام التونسي بعد الثورة.. زيادة في الكم ومراوحة في النوعية

تم الترخيص لـ88 صحيفة ومجلة ورفض 88 طلبا لعدم استيفاء أصحابها الشروط

شكوك حول تغير السياسة الإعلامية بعد ثورة الياسمين التونسية (أ.ب)
TT

هناك إجماع في الساحة الإعلامية التونسية على أن مساحات الحرية التي توفرت للصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية بما في ذلك الإنترنت، غير مسبوقة، بل وصف بعض أدائها بالفوضى وحتى التسيب. ويخشى البعض من أن تتحول وسائل الإعلام من الخضوع للسلطة السياسية السابقة إلى السقوط في فخ أصحاب الإشهارات (السياسية) أو الممول الخارجي. ومنذ سقوط نظام بن علي في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي وحتى مطلع شهر يونيو (حزيران) الحالي تم الترخيص لـ88 صحيفة ومجلة في تونس، وفق ما أعلنته وزارة الداخلية التونسية في وقت سابق. كما رفضت الوزارة 88 طلبا آخر لعدم استيفاء أصحابها شروط الحصول على التراخيص. لكن الوزارة أكدت على أنها تدرس 14 طلبا في هذا الخصوص.

هذه الثورة الإعلامية إن صح التعبير لم تعجب ممن حرموا من تراخيص إصدار وسائل إعلام، والتنافس في ساحة يبلغ تعداد سكانها أكثر من 10 ملايين نسمة، فقد اتهموا وزارة الداخلية بالانحياز في منح تراخيص العمل الصحافي ولا سيما تلك المتعلقة بإقامة إذاعات خاصة كالتي كانت تمنح للمقربين من الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي.

ورغم هامش الحرية المتوفر حاليا، فإن الكثيرين لا يزالون يطالبون بتوسيع المجال وعدم وضع عراقيل أو شروط تعجيزية أمام البعض، وكسر القيود السابقة التي كان الإعلام مكبلا بها، سواء كانت قيودا آيديولوجية أو سياسية أو حزبية أو غيرها. وتناهز أعداد وسائل الإعلام في تونس عدد الأحزاب القانونية التي تجاوز عددها هي الأخرى الثمانين حزبا.

ولا يقف الأمر عند حد المطالبة بتوسيع المجال، بل هناك انتقادات حادة لقانون الصحافة نفسه، الذي أعدته لجنة تابعة للهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي في تونس. وقد مثل ذلك في نظر البعض صدمة للذين توقعوا تحرير الإعلام بعد ثورة 14 يناير. ورأوا في القانون ملامح وسمات القانون الذي صيغ في عهد بن علي، بما في ذلك طابعه الزجري.

المشكلة كما يرى من تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» تكمن في «عدم استشارة الطيف الوطني، فاللجنة تصرفت كما لو كانت جهات اختصاص مفوضة من سلطة منتخبة، وهو ما لم يتم حتى الآن»، كما «لم يتم استشارة نقابة الصحافة والأحزاب السياسية في هذا الأمر»، لا سيما أن بنودا في قانون الصحافة الجديد ليست واضحة في حق الصحافي في الوصول إلى المعلومة، وحقه في الاحتفاظ بمصادره، إضافة إلى عدم الوضوح بخصوص تنظيم قطاع الإعلام الإلكتروني الذي بدأ ينمو وبسرعة في تونس بعد الثورة. وكان رئيس الوزراء التونسي المؤقت الباجي قائد السبسي قد أكد في وقت سابق دعمه المطلق لحرية الإعلام، وذلك أثناء لقائه بعدد من المؤسسات الصحافية والإعلاميين والنقابيين.

الناشط الإعلامي والحقوقي البارز نور الدين البحيري قال لـ«الشرق الأوسط»: «هناك انفلات إعلامي في بعض الأحيان، والإعلام له دور مهم في تطوير الحياة الحقوقية وفي عملية الانتقال الديمقراطي». وأضاف: «كثير من وسائل الإعلام لا تزال تخضع لهيمنة أطراف خيارها الجذب إلى الوراء وبأساليب خاطئة، ومنها الحملات التي تشن ضد طرف معين، بينما المطلوب أو المفترض أن تعمل هذه الجهات على التقريب بين المواطن والأحزاب السياسية وبين المواطن ومؤسسات الدولة من أجل حياة ديمقراطية خالية من التوترات والفزاعات والتخويف من جهة ما»، وشدد البحيري على ضرورة «إيجاد إعلام حر لا وصاية عليه من أحد ودون قيود، وأن يتمتع بالحصانة والحماية وحماية مصادر معلوماته». وقال: «نريد إعلاميين مستقلين ومناضلين يأخذون مواقعهم في كل مجتمع تحت راية التعدد والتنوع والقطع مع سياسة الدولة التي تهيمن على الجميع، وهذا يتطلب شيئا من الوقت ومن الجهد».

وأبرز دور الصحافة بعد ثورة 14 يناير وما بعد بن علي قائلا: «بن علي فرض خيارات معينة، وهي التخويف وضرب ثقة الناس واختلاق صراعات وهمية بين التيارات السياسية والفكرية، وكان من المفترض أن يتحرر الكل من كل ذلك وأن يتمتع الجميع بالاستقلالية، وأن يكون الناشط احترافيا مهنيا لا آيديولوجيا، يساهم في عملية الانتقال الديمقراطي ويجعل مؤسسته تحتل موقعها ويدافع عن استقلاليتها ويقدر الحرية، فحرية الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين». وحول مساعي بعض الأطراف الحصول على دعم خارجي أو سعي جهات خارجية لفرض خياراتها عبر مؤسسات محلية أكد البحيري على أن «حرية الإعلام تكمن في عدم خضوعه لضغوط أو ميول أي طرف خارجي، فذلك يعني المس بالكرامة الوطنية والكرامة الشخصية، ولا أعتقد أن تونسيا يرضى أن يخضع لسياسات التمويل الخارجي، أي لإرادة الممول الخارجي، فهذا يشكل خطرا جسيما أشد من خطر تمويل الديكتاتوريات للإعلام وللمؤسسات الأخرى». وحذر البحيري من سقوط البعض في هذه اللعبة، «عندها سيكون لهدف آخر وليس مصلحة البلاد، والشعب بالضرورة هو من يحرق له الإعلام البخور». ودعا وسائل الإعلام إلى استحضار الروح الوطنية، قائلا: «على الجميع أن يعي أنه من حق الشهداء ومن حق الأجيال التي ضحت من أجل هذه البلاد أن لا تسمح للتدخل الأجنبي بأن يفرض أجندته عليها أو يؤثر في خطها التحريري إرضاء له، وأن تضع نصب عينيها دماء الشهداء وتضحيات الأجيال وعدم التفريط في السيادة الوطنية، فالسماح لأطراف خارجية باللعب بمستقبل تونس خط أحمر»، ولم يتهم البحيري أحدا، فقال: «نحن ننزه كل الأطراف، ولكن إذا ما تم ذلك فيجب أن يدان بصراحة وصرامة، إذ يجب عدم السماح بالمساس بالسيادة الوطنية، فهذه خيانة لدماء الشهداء والأجيال المناضلة، وتهديد لاستقلال القرار الوطني وحرية وسيادة الشعب».