الدعاوى القضائية ضد الصحافيين العراقيين بين حق التعبير وحق التقاضي

يتمسكون بما يعتبرونه حقا دستوريا بالكشف عن ملفات الفساد المالي والإداري

مخاوف من أن تؤدي الدعاوى القضائية إلى إبطاء نشاط الصحافة في العراق (رويترز)
TT

بين حق التعبير الذي تتيحه المادة 38 من الدستور العراقي النافذ (كتب عام 2005 على عجل باعتراف الجميع ولا تزال العشرات من مواده دون تعديل) وبين حق التقاضي الذي تتيحه المادة 19 منه، يتحرك المشتكون من المسؤولين والمشتكى عليهم من الصحفيين والإعلاميين بموجب الدعاوى القضائية التي تنظر فيها المحاكم العراقية والتي بلغت منذ عام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق وحتى اليوم مئات القضايا. فالصحفيون والإعلاميون يتمسكون بما يعتبرونه حقا دستوريا لهم على صعيد تنوير الرأي العام عن طريق الكشف عن ملفات الفساد المالي والإداري والتي تحولت بسبب كثرة الحقائق المحيطة بها إلى مادة دسمة للكتابة، بينما يلجأ المسؤولون دفاعا عن أنفسهم إلى ما يعتبرونه حق التقاضي أملا في الحصول على براءة من المحكمة عن بعض التهم التي توجه لهم، خصوصا أنهم كثيرا ما يجدون في كم الحقائق التي تكشفها أجهزة الإعلام ثغرة كافية للنفاذ منها وتحويل القضية من إطارها الوطني العام إلى إطار شخصي من خلال بعض الأخطاء التعبيرية والأسلوبية التي يرتكبها الصحفيون بإضافة مفردة هنا أو هناك تحتوي على ما يقع في باب التشهير والقذف. وبالتالي يضيع حق الصحفي مرتين، مرة بنجاح المسؤول من تحويل القضية من قضية رأي عام وطني إلى قضية شخصية، ومرة بتحميله (الصحفي) الثمن الذي يطلب المسؤول دفعه وهو كثيرا ما يكون مبالغا فيه. وفي الوقت الذي يرى فيه عبد الستار البيضاني رئيس تحرير جريدة «الصباح» الناطقة باسم الدولة في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هناك عدة جوانب في هذه القضية التي تحولت إلى موضة في العراق اليوم لكن الأبرز فيها أن هناك قلة وعي بفهم الديمقراطية سواء من قبل الصحفي أو المسؤول وهو ما يؤدي إلى بروز المشكلات الناجمة عن الدعاوى القضائية.

غير أن رئيس جمعية الثقافة القانونية في العراق المحامي طارق حرب يقول لـ«الشرق الأوسط» إن كلا الطرفين المسؤول والصحفي محقان بما يقومان به. والسبب في ذلك مثلما يرى حرب أن «المادة 19 من الدستور العراقي كفلت حق التقاضي بينما كفلت المادة 38 منه حق التعبير، وبالتالي فإن الدستور منح الطرفين معا الحق في ممارسة ما يراه حقا له». ويتساءل حرب قائلا: «غير أن المسألة الأهم هنا هي.. إلى أي حد تحكم المحاكم في الدعاوى المرفوعة؟»، حرب يجيب قائلا إن «أكثر من نصف الدعاوى التي يرفعها المتظلمون أمام القضاء ضد صحفيين وكتاب ووسائل إعلام ترد من قبل القضاء». فالمسألة من وجهة نظره «ليست في الدعوى بحد ذاتها وإنما بالنتيجة التي تنتهي إليها الدعوى القضائية المرفوعة». وردا على سؤال بشأن ما إذا كان الهدف من رفع الدعاوى القضائية التي هي الآن بالعشرات وآخرها الدعوى التي رفعت ضد عميد كلية الإعلام على خلفية مقال كرر فيه ما قالته إحدى عضوات البرلمان العراقي ضد مفوضية الانتخابات إنما تعني نوعا من تكميم الأفواه أم هي أسلوب ديمقراطي لا غبار عليه، قال حرب: «إننا يجب أن نفرق بين أمرين الأول أن يعرف الصحفي الأسلوب الصحيح في التعبير عما يريد التعبير عنه بحيث يبتعد عن عبارات ومفرادت مثل سارق أو مرتش وغيرها من المفردات التي تحكم بموجب القانون لأن فيها تشهيرا شخصيا واضحا وهو ما يجعل المسؤولين أو الجهات المتضررة ترى أنها يمكن أن تكسب الدعوى على الرغم من وجود حقائق فيما كتبه الصحفي أو تناولته تلك المؤسسة الإعلامية أما الأمر الآخر فإن عملية تكميم الأفواه هي الأخرى يحكمها إطار قانوني». وطبقا لما يراه حرب فإن «للحرية التزامات متبادلة بين الطرفين وذلك فإنه مثلما أن الصحفي يملك الحق في التعبير بحدود القانون فإن وقوعه في منزلقات شخصية يجعله صيدا سهلا للمسؤول فتأخذ المسألة أبعادا أخرى وكأنها نوع من الحد من حرية التعبير التي هي ليست سائبة على الإطلاق». أما عبد الستار البيضاني رئيس تحرير «الصباح» الحكومية فيرى من جانبه أن «الدستور العراقي يمنح حق التعبير وكذلك حق الدفاع عن النفس، وهذه تعتبر جزءا من واجبات الصحافة ومهامها والتي يجب أن تتسم أيضا بالحياد والمهنية والموضوعية والأهم أيضا هنا أن يكون الكلام ضد هذا الطرف أو ذاك مدعوما بالأدلة لكي لا تكون هناك حجة أو ذريعة بحيث يقال إن هذه الدعوى أو تلك ليست أكثر من عملية تكميم للأفواه». ويضيف البيضاني قائلا: «يجب أن لا ننسى حقيقة أساسية وهي أننا جميعا في العراق اليوم سواء كنا إعلاميين أم مسؤولين حديثي العهد بالديمقراطية وبالتالي فإن هامش الخطأ والتجاوز يظل قائما في كل الأحوال». ويرى البيضاني أن «مسألة تكميم الأفواه ليست منهجا لدى الدولة أو الحكومة وإنما هناك حالات فردية من هذا الطرف أو ذاك ويفترض بالمسؤول أن يدقق بالمعلومة قبل أن يهاجم الصحفي لأن الصحافة هي مرآة المسؤول ويمكن أن تفيده في عمله اليومي كثيرا». ويذكر أن عملية رفع الدعاوى القضائية ضد الصحفيين في العراق تزداد يوما بعد آخر على الرغم من كل ما يتعرض له الصحفيون في العراق من مخاطر. وطبقا للإحصائيات التي توردها الجهات المعنية بحرية الرأي أو الدفاع عن الصحفيين في العراق فإن الدعاوى القضائية التي بلغت المئات تتنافس مع الضحايا من الصحفيين في العراق والذين بلغوا المئات أيضا طوال السنوات الثماني.