مدونة «روكفيل» الإخبارية تتخلى عن موقعها الإلكتروني تركز على الـ«فيس بوك»

اعتقاد بأن مستقبل الإعلام يعتمد على الأفراد الذين يمررون الأخبار والمواضيع الصحافية

براد رورك وسيندي كوت غريفيث («واشنطن بوست»)
TT

عندما رغبت مدونة «روكفيل سنترال» في اجتذاب مزيد من القراء، تطلعها نحو «فيس بوك»، الذي يبلغ عدد مستخدميه الآن نحو 750 مليون، وتفتقت أذهانهم عن فكرة حصر جميع نشاطاتهم عبر هذا الموقع.

في مارس (آذار)، توقف براد رورك وسيندي كوت غريفيث عن نشر محتويات جديدة عبر موقعهما الإلكتروني، وشرعا في نشر المواد عبر «فيس بوك». وبذلك تخليا في لحظة عن (rockvillecentral.com). أما الموقع الجديد للمدونة فأصبح هو نفسه موقعها على «فيس بوك» وهو www.facebook.com/RockvilleCentral. اللافت أنه حتى في خضم الحقبة الراهنة التي يغلب عليها التجريب عبر شبكة الإنترنت، تبقى هذه الخطوة فريدة من نوعها.

ومع إقدام المؤسسات الإخبارية بمختلف أرجاء البلاد على تقليص أعداد العاملين بها، تشكل هذه المدونة التي تعتمد في عملها على فريق كامل من المتطوعين وتعمل داخل مدينة يقدر عدد سكانها بـ61.000 نسمة، مسارا ممكنا ومثيرا أمام مستقبل الصحافة. والتساؤل الذي تطرحه هذه التجربة هو: هل استخدام شبكات التواصل الاجتماعي مثل «فيس بوك» أفضل للتواصل مع جمهور أعرض وجني المال في الوقت ذاته؟

يعتقد محللون أن مستقبل الإعلام يعتمد بشدة على الأفراد الذين يمررون الأخبار والمواضيع الصحافية، وبدرجة أقل على نشرها عبر محركات بحث كبرى مثل «غوغل» أو «بينغ». وكشف استطلاع جديد للرأي أجراه مركز «بيو للأبحاث» عن أن «فيس بوك» انضم إلى «غوغل» في قائمة أبرز العناصر المحركة للمرور عبر المواقع الإلكترونية الإخبارية.

وفي الوقت الذي تناضل فيه دور النشر لجني عائدات حقيقية من وراء مواقع الشبكات الاجتماعية، ترى قيادات داخل الصناعة ومحللون إعلاميون أن المؤسسات الإخبارية لم تستغل «فيس بوك» الاستغلال الأمثل بعد.

عن ذلك قال رورك، الذي يدير شركة معنية بالتواصل المدني والشبكات الاجتماعية والأبحاث العامة: «ينبغي أن تكون هناك سبيل ما أمام المؤسسات الإخبارية كي تتمكن من صياغة طرق أخرى لاستخلاص عائدات من (فيس بوك)، بدلا من الاعتماد عليه كمجرد مصدر للحركة والنشاط». جدير بالذكر أن مدونة «روكفيل سنترال» لم تجن أموالا عبر «فيس بوك»، لكن بعد مرور بضعة شهور على مغامرتها الجديدة، من الواضح أن حركة المرور والنشاط زادت، حسبما أعلن مالكو الشركة، علاوة على توفيرهم 200 دولار أو أكثر كانوا يدفعونها مقابل صيانة الموقع القديم.

من جهته، قال جيف جارفيس، مدير برنامج الصحافة التفاعلية بجامعة سيتي في نيويورك، إن المواقع الإخبارية ذات الطابع شديد المحلية ربما تحذو حذو «روكفيل سنترال». وأضاف أن المؤسسات الإعلامية للتفكير على نحو أوسع أفقا حيال كيفية استغلال «فيس بوك» في بناء مصادر عائدات مستديمة.

وقال جارفيس «إنني أحلم بأن تتطلع المواقع الإخبارية نحو (فيس بوك) ليس كمجرد ساحة لنشر محتويات عليها، وإنما أيضا لبناء أداة أفضل للتعبير. إن ما ينبغي على الصحف بيعه هو خدمة. وما ينبغي أن تفعله الآن هو الاتصال بالجهات الإعلانية وإطلاعها على إمكانية استغلال (فيس بوك) في الترويج للإعلانات وجني المال».

من ناحية أخرى، يعتقد بعض المحللين أن المستخدمين الذين يعبرون عن عشقهم لعلامة تجارية ما عبر «فيس بوك» من خلال علامة «لايك» يحملون بداخلهم قيمة مالية كامنة. في هذا الصدد، نوه ريغي برادفورد، الرئيس التنفيذي لـ«فيرتشو»، وهي شركة برمجيات للتسويق عبر الشبكات الاجتماعية، والتي تتعامل مع قائمة «فورتشن 1000» التي تضم أسماء أكبر 1.000 شركة داخل الولايات المتحدة، بأن دراسة أجرتها شركته العام الماضي خلصت إلى أن كل شخص ينقر على زر «لايك» على علامة تجارية ما يجلب للشركة ما قيمته 3.60 دولار، وهو تكلفة الوصول لهذا الشخص عبر الإعلانات.

وفي الكثير من الحالات تهتم شركات كبرى بحركة المرور والإقبال على صفحاتها على «فيس بوك» أكثر من اهتمامها بمواقعها الإلكترونية، تبعا لدراسة أجرتها شركة «أدغريغيت ماركتس» حول الشركات الموجودة بقائمة «فورتشن 100».

واستطرد برادفورد معربا عن اعتقاده أنه «فيما يخص التخلي تماما عن الموقع الإلكتروني لحساب (فيس بوك)، لا أعتقد أننا سنشهد انطلاقا لهذا التوجه. لكن يبقى (فيس بوك) قادرا على العمل كمنقذ لصناعة الصحف لأنه يسمح للصحف بالوجود في الأماكن التي يقضي فيها غالبية الناس مزيدا من الوقت. وعليك أن تتخيل أنك لو تملك علامة تجارية أبدى 100.000 إعجابهم بها عبر علامة (لايك)، فإن هذا يعني أن بمقدورك بعث رسائل لهم عدة مرات، لكن معها كوبونات».

وقد دخلت مؤسسات إخبارية مثل «واشنطن بوست» و«بوسطن غلوب» و«تشارلوت أوبزرفر» في تجارب تعتمد على تطبيقات خاصة بـ«فيس بوك» ومواقع إلكترونية منفصلة، تستلزم الولوج إلى «فيس بوك»، لبيع إعلاناتها - لا يسمح «فيس بوك» لأي جهة ببيع إعلانات على الصفحات التقليدية.

إلا أن هذه التجارب - التي ركزت في العادة على الأنباء المحلية - لم تجتذب أعدادا كبيرة من المستخدمين أو عائدات إعلانية، طبقا لما أوضحه جيف ريفمان، رئيس «نيوز كلاود»، التي تلقت تمويلا من «نايت فاونديشن» لبناء تلك المواقع لحساب الصحف. في أغلب الحالات، لم تروج المؤسسات الصحافية لمواقع «نيوز كلاود» على المواقع الخاصة بها، وبالتالي حدت من الجمهور وعائدات الإعلانات، حسبما أضاف ريفمان.

من جهته، قال ستيف غن، مدير شؤون المنتجات الاستراتيجية وتنمية الجمهور لدى «أوبزرفر»، إن صحيفته أغلقت التطبيق الذي صممته «نيوز كلاود» لها على «فيس بوك» والمواقع الإلكترونية في مايو (أيار) لأن استثمارات الصحيفة في هذا المجال لم تؤت عائدات مقبولة.

الآن، أطلق ريفمان، الذي حصل على منحة من «نايت فاونديشن» بقيمة 190.000 دولار، نسخة أرخص وأيسر من تقنيات «نيوز كلاود» للمواقع الإلكترونية وتطبيقات «فيس بوك». وقال إنه يرغب في التواصل مع «روكفيل سنترال»، التي انتقد خطوتها الأخيرة تجاه «فيس بوك» عبر مدونته. داخل «روكفيل سنترال». وقال رورك إن أعدادا أكبر من القراء تتفاعل مع المواضيع المطروحة على المدونة، عبر تعليقات وعلامات إعجاب «لايك» كما كان عليه الحال عندما كانت المدونة على موقع إلكتروني. وأعربا عن اعتقادهما أيضا أن أعدادا أكبر من الأفراد تطلع على المواضيع الآن، إلا أنهما لم يحددا سبل مقارنتهما بين حركة الإقبال على موقعيهما الإلكترونيين القديم والجديد.

مثلا، تجتذب المواد المنشورة عبر «فيس بوك» التي تروج لمواضيع «روكفيل سنترال» وتتدفق عبر الرسائل الإخطارية التي تصل إلى القراء في الإجمالي قرابة 2.000 تعليق وتعبير عن «لايك»، طبقا لأرقام صادرة عن «فيس بوك». في المقابل، بلغ متوسط عدد مرات مشاهدة المقال الواحد 600 شهريا. يذكر أن «فيس بوك» تجتذب المواد المنشورة عليه ما بين 120.000 و174.000 مشاهدة شهريا، مقارنة بنحو 24.000 مشاهدة للصفحة شهريا على الموقع القديم.

وتتمثل الشكوى الرئيسية لكوت غريفيث حيال الانتقال إلى موقع شبكة التواصل الاجتماعي في أنه من الصعب على القراء العثور على المواضيع القديمة باستخدام محرك البحث الخاص بـ«فيس بوك».

ومن وقت لآخر، تطلق المدونة أخبارا جديدة. في 13 يونيو (حزيران)، بعد 5:00 صباحا بقليل، نشرت المدونة رسالة تنبيهية عبر «فيس بوك» تقول فيه: «عطل كبير في مترو (روكفيل). الشرطة تنتشر بكل مكان. إغلاق المحطة. إذا رغبت في التوجه جنوبا عليك بالانتقال إلى توينبروك مترو. عادات القطارات إلى شيدي غروف. أفراد يشيرون لوجود تهديدات بتفجير قنبلة».

وعلق القراء على الخبر بمعلومات إضافية وأبدوا امتنانهم لنشر الخبر. على سبيل المثال، كتبت مارلين أوبيتز: «شكرا لإشارتكم لهذا الأمر. لقد سبقتم جميع الصفحات الإخبارية الكبرى في نشر هذا الأمر!».

ومع ذلك، لا تزال «روكفيل سنترال» بعيدة تماما عن كونها تهديدا للمؤسسات الصحافية الكبرى بالبلاد. من جانبها، تمتلك «غازيت» الكثير من الصحف الأسبوعية التي تستهدف أجزاء من مونتغمري كاونتي بإجمالي توزيع يبلغ قرابة 250.000 نسخة. والملاحظ أن الكثير الأسبوعي من «غازيت» لمناطق روكفيل وأسبين هيل تصل 30.000 منزل وشركة تقريبا. ويجتذب موقع «غازيت» الإلكتروني، الذي يشكل المحور الرئيسي لجميع نسخ الصحيفة عبر ماريلاند، قرابة 500.000 زائر «فريد» شهريا ونحو 1.6 مليون مشاهدة شهرية للصفحة. من جانبه، اعترف لويد باتزلر، رئيس التحرير التنفيذي لـ«بوست نيوزويك ميديا»، وهي أحد أقسام «واشنطن بوست كو»، التي تملك صحف «غازيت» الأسبوعية في ماريلاند، بأنه «بصراحة لم أول اهتماما كبيرا لـ(روكفيل سنترال). التساؤل الأكبر: كيف يمكنك تحويل المواقع لمصدر للمال هذه الأيام؟ هل ينبغي أن تغير المحتوى؟».

وقال رورك، الذي يعمل مستشارا بمجال الشبكات الاجتماعية، إن شركته لم تقرر بعد ما إذا كان ينبغي تحويل المدونة لمصدر للمال. وقالت كوت غريفيث «أعتقد أن تطبيق (فيس بوك) ربما ينجح، باشتراك بقيمة دولار واحد شهريا واستخدام بطاقات (فيس بوك)»، في إشارة للعملة الافتراضية للموقع. ووافقها رورك الرأي. وأضاف: «لو أن هناك سبيلا لجني المال أمام (روكفيل سنترال)، لن أستبعد الفكرة».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»