أندرو بريتبارت.. المدون اليميني المثير للجدل

يبث قصصه الإخبارية على مواقع شبكته الإلكترونية «بيغ غفرنمنت» و«بيغ جورناليزم» و«بيغ هوليوود»

أندرو بريتبارت محاطا بمجموعة من المدونين والناشطين الآخرين في مينابوليس («نيويورك تايمز»)
TT

لم يكن من المفترض أن يجلس أندرو بريتبارت هنا على المقعد أمام خبيرة الماكياج استعدادا للحلول ضيفا على إحدى القنوات الإخبارية، لكنه ما إن علم بنبأ استقالة أنتوني وينير حتى تخلى عن كل شيء لإجراء المقابلة.

اعتذر أندرو بريتبارت، المؤلف والمدون المحافظ وأول من نشر السيرة الذاتية موحية لوينير، عن توقيع كتابه في وسط إلينوي، واستقل رحلة قبل الموعد المحدد له إلى توين سيتيز، حيث وجهت إليه دعوة لحضور رايت أون لاين، مؤتمر المدونين المحافظين.

وفسر ذلك ومسؤولة الماكياج تضع طبقة من الأساس على وجهه المترهل استعدادا للظهور على قناة «سي إن إن»: «وجودي في إلينوي دون رابط بالتلفزيون كان سيضعني في موقف سيئ للغاية». (كان قد انتهى للتو من مقابلة على الهاتف مع شبكة «فوكس نيوز»، تلاه لقاء مع شين هانيتي في برنامجه الإذاعي ثم استراحة قصيرة قبل الجلوس إلى طاقم الفيلم الوثائقي).

استغل بريتبارت، 42 عاما، الممثل والمحاور، شبكته التي تتألف من عدد من مواقع الإنترنت وكذلك متابعوها الكثيرون لإثارة اهتمام واسع بالإعلام المحافظ، فهو صاحب الضربات الصحافية التي كان لها أصداؤها الزلزالية في جميع أرجاء الكونغرس الأميركي، كان أبرزها صور وينير وشريط الفيديو الذي بثه لموظفي «أكورن» وهم يقدمون النصيحة حول كيفية التهرب من الضرائب والتستر على دعارة الأطفال. وبعد نشر الفيديو أنهى الكونغرس المنح المقدمة إلى «أكورن» وشددت الوكالات الفيدرالية من تعاملاتها مع المجموعة.

القصص الإخبارية وأشرطة الفيديو التي يبثها بريتبارت على مواقع على الإنترنت التابعة لشبكته التي تضم «بيغ غفرنمنت» و«بيغ جورناليزم» و«بيغ هوليوود»، تبدو أشبه باختبارات رورستشاك السياسية. فإذا ما كنت أحد معتنقي نفس آرائه السياسية، فسوف يتراءى لك أن ما يقوم به هو صحافة المواطن. وإن لم تتفق ووجهة نظره فربما ترى عمله لا يعدو كونه تخريبا سياسيا مصدره الحشود التي تشوه الحقائق بحرية.

ويقول جيمس ماكفرسون، مؤلف كتاب «نهضة المحافظية والصحافة»: «الجميع في اليمين المحافظ ينظرون إلى بريتبارت على أنه صحافي استقصائي يسير على نهج وودوارد وبرينستين».

ويبدو أن الضرر الذي عاناه بريتبارت تجاه مصداقيته بعد نشره فيديو تم عمل مونتاج له والذي أظهر شيرلي شيرود مسؤولة بوزارة الزراعة وكأنها تؤيد العنصرية لم يؤثر على مكانته في قلوب المعجبين به، وأيضا بدا فيديو «أكورن» يعرض رجلا يمشي في مكاتب «أكورن» مرتديا كقواد، في الوقت الذي لم يكن فيه كذلك على الإطلاق.

ويضيف ماكفرسون: «أعتقد أن أفعاله تظهر أنه إذا لم يكن راغبا في التحريف، فهو على الأقل لا يبالي بالتعامل مع الحقائق. لكن لم تعد هناك معايير للحقائق على الإطلاق لدى الكثير من الأفراد، فقد انتقلنا من مصادر الرأي التي نتفق معها إلى اختيار الحقائق التي نتفق معها».

تثير شخصية بريتبارت، خلافا كبيرا يتنوع ما بين البغض الشديد والحب الجارف.

أحد أبرز الأمثلة على ذلك تلك الرسائل التي وصلت إلى صندوق بريده الإلكتروني مؤخرا والتي جاء فيها: «أنت لست سوى معتوه خبيث وقذر متشرد»، وأخرى تقول «أتمنى أن تتعفن في الجحيم»، وثالثة كتب فيها «أتمنى أن أقضي معك 10 دقيقة بمفردنا».

لكن بينما كان بريتبارت يمشق قامته الفارعة في صالة فندق هيلتون هنا في مؤتمر رايت أون لاين، كان بالكاد يستطيع المشي لأكثر من 5 دقائق دون أن يوقفه أحدهم ليثني على عمله.

وقالت له إحدى السيدات «أنت ملهمي»، فيما أعربت له إحدى السيدات عن إعجابها بالقول «أنت معشوقي». وقال له أحد الرجال وهو يستعد لالتقاط صورة له: «واصل السير على ما أنت عليه».

لا يفتقر الإعلام المحافظ إلى شخصيات كبيرة (هناك راش ليبمو، وغلين بيك وآن كولتر)، لكن بريتبارت برز نتيجة لانفتاحه على الجميع. فقد أعلن عن رقم هاتفه الجوال في خطبه وأعطى عنوانه البريدي لكل من طلبه منه. وإذا ما كتبت إليه فالفرصة مؤكدة أنك ستتلقى منه ردا.

ويقول جيمس أوكيفي، الناشط المحافظ الذي أقدم على تصوير مقطع فيديو «أكورن» وقدمه إلى بريتبارت: «إذا كنت صحافيا مواطنا ينبغي عليك أن تتواصل مع الناس وأن تنصت إلى المحيطين بك، ولن تتمكن من القيام بذلك إذا كنت تجلس خلف ميكروفون ذهبي لتجني 40 مليون دولار في العام».

في الوقت الذي لا يتفقد فيه بريتبارت هاتفه «البلاكبيري»، الذي يدق دون توقف معلنا عن مئات الرسائل الإلكترونية والرسائل النصية القصيرة التي يتلقاها يوميا، فهو يتحدث عبر الهاتف. وبينما يغادر ردهة فندقه في إحدى الليالي اقتربت منه إحدى السيدات لتطلعه على خبر جديد، أصغى الرجل إليها باهتمام شديد لدقيقة ثم قال لها «سأنسى كل ما أطلعتني عليه لذا أرسلي لي بريدا إلكترونيا على [email protected]».

نشأ بريتبارت في لوس أنجليس بين الكثير من الأطياف الليبرالية التي ينتقدها الآن. ولعل هذا هو ما منحه المصداقية بين جمهوره الذي رأى فيه حالة من الخلاص، وقال في كلمته في مؤتمر رايت أون لاين «أنا أعترف بذلك. وأنا جزء من لوس أنجليس، ولا أزال ضحلا، ولا يعتقدن أحد منكم بغير ذلك. إنها جزء من تجربتي هناك».

في أعقاب تخرجه في جامعة تولاني في نيو أورليانز طاف بريتبارت أنحاء لوس أنجليس بحثا عن عمل. ومنحته إريانا هافينغتون أول عمل له في الإعلام عندما قامت بتعيينه كباحث لها عام 1997. بمساعدة من مات درادج، الذي يدير خدمة إخبارية وموقعا على الإنترنت وموقعا خاصا بشائعات هوليوود، وهو صديق مشترك لهما.

عاد بريتبارت ليعمل بعد ذلك مع درادج وساعده في إدارة موقع «ذا درادج ريبورت». ثم امتلك موقعا خاصا به نشر فيه المقالات التي تنشر على «درادج ريبورت» على موقعه «Breitbart.com». وفي عام 2004 استدعته هافينغتون وسألته «هل لديك أفكار خاصة بموقع إلكتروني؟ وقام بمساعدتها في إنشاء الموقع لكنه غادر بعد أشهر قلائل».

ربما يكون غير عاشق للسياسة، لكنه تبنى نموذجا لإنشاء شبكة على مستوى البلاد من المساهمين الذين لا يتلقون رواتب. وقال عن ذلك: «كنت مضطرا لأن أصبح شخصية عامة تجعل الأفراد راغبين في الكتابة لي على الأغلب وفي أغلب الحالات بصورة مجانية».

في صيف عام 2009 أطلعه أوكيفي على عدد من أشرطة الفيديو التي قام بتصويرها سرا في مكاتب شركة «أكورن» الواقعة على الساحل الشرقي للولايات المتحدة. وقام بريتبارت باقتراض 25.000 دولار من والده وبدأ موقعه الإلكتروني، «بيغ غفرنمنت»، الذي نشر عليه الفيديو. وسرعان ما انتشر الفيديو وقضى على الكثير من المسؤولين في واشنطن.

لعل من بين أشهر مقاطع الفيديو السيئة التي نشرها على موقعه - الذي ربما يكون قد قوض مصداقيته إلى حد كبير - ذلك الذي يظهر شيرود المسؤولة بوزارة الزراعة ذات الأصول الأفريقية وهي تتحدث إلى اجتماع للرابطة الوطنية لتقدم الملونين تخبرهم فيه أنها لم تساعد رجلا أبيض كما ينبغي لإنقاذ مزرعته المتهالكة، وقال العنوان «الرابطة الوطنية لتقدم الملونين تكرم العنصرية».

لكن الرابطة عندما أذاعت النسخة الكاملة من الفيديو أظهر تماما أن رواية شيرود كانت في التغلب على الحقد العنصري، وأنها أسهمت في مساعدة هذا الفلاح بشكل كبير. وفي دفاعه عن نفسه قال بريتبارت إن الفيديو وصل إليه وقد خضع لعملية مونتاج وإن جمهور الحاضرين صفقوا عندما قالت شيرود إنها لم تساعده.

وقد أشار منتقدو بريتبارت إلى هذا الفيديو كدليل على أنه يختار محتوى ما يعرض عليه بصورة انتقائية تنعكس بشكل رديء على خصومه السياسيين، لكن يبدو أن الحادثة أسهمت فقط في تعزيز مكانته كنجم ساطع بين اليمين.

ويقول أندرو مادسن، 21 عاما، طالب جامعي من ووتر تاون بولاية مينيسوتا، الذي انتظر خارج فندق هيلتون ليحظى بتوقيع بريتبيرتون على نسخة كتابه الجديد «سخط في محله»: «أنا أحب العمل الذي قام به. فكل شخص له ميوله وآراؤه التي يحاول الانتصار لها، لكن هناك تحيزا أكبر نحو الليبرالية والحكومة الكبيرة. وهو يحاول على الأقل تقديم منفذ يوفر مشهدا بديلا».

دائما ما يبحث بريتبارت عن سبل جديدة لنقل غضبه اللامحدود. ففي مينابوليس قرر تحطيم مؤتمر مدونه نت روتس نيش الذي يغلب عليه الصبغة الليبرالية والذي أقيم في نهاية الشارع، لكن خطته لم تنجح.

ودخل إلى المؤتمر دون دعوة بصحبته 12 شخصا بينهم فريق الفيلم الوثائقي وحارس شخصي والكثير من المصورين وبعض المعجبين.

سرعان ما تجمعه حوله حشد من المدونين حاملين كاميراتهم الفيديو في أيديهم، أخذ أحدهم يكرر بأعلى صوت سائلا بريتبارت عما إذا كان قد عبث مع فتاة ليل أو تعاطى الكوكايين، لكن بريتبارت لم يجب سوى بالقليل وكان أغلب رده ابتسامة عريضة.

ووصفه شخص آخر من بين الحضور بالعنصري وسبه. وسرعان ما أصبح الحشد المتنامي عدوانيا مرددين «جبان، جبان» حتى إن الحارس الشخصي اضطر في نهاية الأمر إلى إخراجه من الباب الخلفي.

وعند قراءة التغطية الخاصة بذلك الحدث ضحك، وقال «أليس مضحكا أنني أينما ذهبت، تحدث هذه الأشياء الجنونية؟».

وعندما أشار أحد الصحافيين إلى أن هذا الصخب ربما لم يكن عرضيا، توقف لبرهة وتساءل: «أتعني أنني كنت أهدف إلى إشباع الذات؟ ينبغي عليّ أن أفكر في ذلك».

* خدمة «نيويورك تايمز»