الصحافي الأميركي مايكل وايز: الصراع العربي ـ الاسرائيلي الموضوع الأكثر تحديا في حياتي المهنية

قال لـ «الشرق الأوسط» إن الموهبة لا الشهادة الجامعية هي التي تخلق إعلاميا مبدعا

الصحافي الأميركي مايكل وايز في صالة التحرير بمؤسسة «هنري جاكسون» بوسط لندن (تصوير حاتم عويضة)
TT

ما أصعب الحصول على عمل صحافي.. أن تعمل صحافيا في مكان جيد فرصة نادرة الحدوث، تحتاج إلى كثير من الإصرار والجهد المتواصل وقليل من الحظ، هذا الحظ لن يأتيك صدفة بل يستلزم منك أن تعمل وتتحرك في كل اتجاه لكي تحصل عليه.. من السهل أن تجد وظيفة، أي وظيفة حتى في الصحافة، لكن أن تكون صوتا لامعا.. قادرا على إنتاج الدوي أينما حل.. هذا سيأخذ منك عملا مضاعفا.. هذه نصيحة الصحافي الأميركي مايكل وايز، بل يؤكد أنه ليس من المهم أن تكون حاصلا على شهادة جامعية كي تكون صحافيا مميزا، بل العمل واكتساب الخبرة والإصرار على النجاح. ومايكل وايز تعرفت إليه من خلال إحدى مقالاته الموثقة كتبها في صحيفة الـ«ديلي تلغراف» البريطانية التي يكشف فيها أن بشار الأسد بنفسه هو الذي أمر بقطع الإنترنت، والصحافي وايز يدير مؤسستي «جاست جورناليزم» لمراقبة ما تكتبه الصحافة الغربية عن الشرق الأوسط، وكذلك هو مدير الاتصالات في «جمعية هنري جاكسون» المهتمة بحقوق الإنسان والديمقراطية. ويقول ردا على سؤال لـ«الشرق الأوسط» عن أحداث سوريا: «يقول الأفراد الذين أتحدث عنهم من أرض الواقع داخل سوريا إنه بمجرد قدوم شهر رمضان، ستثور دمشق وحلب. ولدى حدوث ذلك إذا ما حدث، سيتوافر أمام الأسد خياران: قتل الجميع أو الرحيل. وسينتهي به الحال إلى إدارة بلاد ليس بها غيره وشقيقه. وستتحول البلاد إلى (دولة فاشلة)». وجاء الحوار معه على النحو التالي..

* هل يمكن أن تخبرني ببعض المعلومات عن خلفيتك التعليمية؟

- أنا أميركي ونشأت في مدينة نيويورك، حيث قضيت معظم فترات حياتي، باستثناء حياتي الجامعية، حيث درست في كلية دارتموث في نيو هامبشاير.

* ما الذي دفعك إلى دخول مجال الصحافة؟

- في حقيقة الأمر، ما دفعني لذلك هو عدم قدرتي على مزاولة أي مهنة أخرى. إن مستواي سيئ في الرياضيات، ولدي أسلوب غريب في الحديث أقرب إلى أسلوب حديث الطبيب إلى مرضاه، وأتوقع أن تكون الدعاوى القضائية التي ترفع ضدي أكثر من التي أقوم برفعها ضد آخرين. كذلك، حلمت منذ سن صغيرة جدا أن أصبح كاتبا وربما وقعت في الخطأ الذي وقعنا فيه جميعا عند دخولنا هذا المجال، وهو التفكير بشكل رومانسي. اعتقد كل واحد منا أنه أورويل. (ونسينا أن أورويل كان عليه أن يكافح كي يصل إلى المكانة التي وصل إليها، بالطبع، ومدى ندرة مثل هذا النموذج من المراسلين الصحافيين). وفي حالتي، دخلت مجال الصحافة في وقت لم تعد فيه المهنة موجودة بالأساس، أو على الأقل لم تظهر ملامح مستقبلها بعد.

* ما الذي جعلك ترغب في التخصص في قضية الصراع العربي - الإسرائيلي وشؤون الشرق الأوسط؟

- هذا هو الموضوع الذي يمكنك أن تكرس حياتك بأكملها لدراسته دون أن تصل إلى فهم كامل له، لذلك بدا هو الموضوع الأكثر تحديا بالنسبة لي. كذلك، ربما يكون هذا موضوعا يعتبر قرائي ونقادي هم من أفضل من يمكنهم تقديم حلول له، إنني لا أنظر إلى هذا الصراع من ناحية تقوم على العصبية القبلية أو بشكل انفعالي؛ بل أعتقد أنه قد أسيء فهمه أو نشرت عنه روايات كاذبة من كلا الطرفين.

على سبيل المثال، عندما وصلت إلى لندن، اكتشفت مفارقة مروعة، ألا وهي أنه مع كل التعاطف من جانب الصحافة البريطانية مع القضية الفلسطينية، فإنه لم يقل أي شيء تقريبا عن الإنجاز الملموس في تقدم مسار تلك القضية: برنامج سلام فياض لبناء الدولة الفلسطينية. أجريت مقابلة مع فياض في 2009 ووجدته مؤثرا بشكل لا يصدق. ومنذ ذلك الحين، كتبت أو شاركت في كتابة 4 إلى 5 مقالات عن تقدم هذا البرنامج، لافتا الانتباه إلى ما يحدث في الضفة الغربية، وليس إلى تحسين الإجراءات الأمنية والتطور الاقتصادي فحسب، وإنما أيضا لعودة الحياة الطبيعية إلى المجتمع الفلسطيني. اعتقدت أن هذا أبرز خبر يخص الشرق الأوسط في العامين الماضيين، قبل «الربيع العربي»، ولكن لم تتم تغطيته على النحو الكافي في بريطانيا.

* هل يمكننا أن تحدثنا قليلا عن هدف «جمعية هنري جاكسون»؟

- نحن مركز فكر وأبحاث مقره لندن يسعى إلى تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في الخارج. ويتساءل كثيرون عن سبب تسمية مؤسسة بريطانية باسم سيناتور أميركي، ولكن هنري جاكسون لعب دورا مهما في تضمين حقوق الإنسان في السياسة الخارجية الأميركية تجاه الاتحاد السوفياتي.

* بوصفك مديرا للاتصالات والعلاقات العامة في المؤسسة، ما الذي تتضمنه وظيفتك على وجه التحديد؟

- التحقق من أنه تم الحديث عنا أو إظهارنا في وسائل الإعلام وأيضا مساعدة فريق عملنا في صياغة مقالات اعتمادا على الأبحاث التي يجرونها. وفي هذه اللحظة، أترأس الأنشطة البحثية الخاصة بالمؤسسة أيضا.

* هل يمكنك أن تخبرنا القليل عن «جاست جورناليزم»؟

- هي مؤسسة مراقبة إعلامية ترصد الصورة التي يتم من خلالها تغطية قضية الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي في الصحافة البريطانية. ونحن نبدأ من حقيقة أن هناك صورة ملتوية وغير متناسبة مع الموضوع. إن الأمر لا يتعلق في الواقع بعدم الدقة في عرض الحقائق (على الرغم من أن هذا يحدث في بعض الأحيان)، بقدر ما يتعلق بالصياغة التحريرية للأخبار. على سبيل المثال، كانت «أوراق فلسطين» مثالا نموذجيا بموجبه تجاهلت «الغارديان» كل الأخبار التي نشرتها من قبل عن فكرة الوصول إلى اتفاق نهائي بشأن وضع فلسطين، وسعيا وراء الإثارة، سارت على نفس نهج السلطة الفلسطينية، التي روجت لفكرة التفاوض والوصول إلى مصالحة. القيام بما أدرك كل شخص أنها كانت تقوم به منذ 10 سنوات.

وأعتقد أن «الربيع العربي» أثبت الكثير مما اعتدنا أن نقوله. وقد نشرنا مؤخرا تقريرا يقدر كم جميع الأخبار والتغطيات التحريرية لأخبار 4 من دول الشرق الأوسط – وهي: إسرائيل ومصر وتونس وليبيا - من قبل 5 صحف بارزة – هي: «التايمز» و«الغارديان» و«الفاينانشيال تايمز» و«التلغراف» و«الإندبندنت» - إلى جانب موقع «بي بي سي نيوز» الإلكتروني. ونحن نجد أن إجمالي الأخبار المتعلقة بمصر وليبيا وتونس أقل من إجمالي الأخبار المنشورة عن إسرائيل. وفي موقع «بي بي سي نيوز» الإلكتروني، ما زال إجمالي التغطية لأخبار الدول العربية مجتمعة، بل وحتى لو بلغت الضعف، أقل من إجمالي الأخبار المكتوبة عن إسرائيل.

* ماذا كان دافعك من وراء الترشح لعضوية مجلس النواب بولاية نيويورك في 2004؟

- في حقيقة الأمر، لم يكن هناك أي احتمال لفوزي - فقد كانت نسبة إعادة الانتخاب في مجلس النواب 99 في المائة - لكني لم أستطع أن أفوت فرصة مشاهدة السياسات من الداخل. فضلا عن ذلك، كنت أبلغ من العمر 24 عاما، وأضاع هذا أي فرصة أخرى كانت من الممكن أن تسنح لي في تلك الفترة.

لم أفعل ذلك بطريقة سيئة. أتذكر أن حملتي جمعت مبلغا بلغ نحو 15.000 دولار وحصلت على نسبة 33 في المائة من الأصوات. وجمع المرشح في المقاطعة المتاخمة لي 100.000 دولار، ولم يحصل على نسبة أصوات كبيرة.

إن منافسي لم يستعن حتى بمدخراته الخاصة لتنظيم حملة، حيث كان واثقا جدا من انتصاره. لا تزال سياسات ولاية نيويورك تسير بالطريقة التي كثيرا ما كانت تسير بها في زمن تاماني هول. من العار أن صور أنتوني وينر الفاضحة التي نشرت على موقع «تويتر» لم تقد إلى حركة احتجاجات في ساحة «تايمز سكوير» مماثلة لتلك التي تم تنظيمها في ميدان التحرير في مصر.

* هل ترغب في مواصلة المسيرة السياسية في المستقبل؟

- كلا.. التجربة كانت ممتعة، ولكنها أثنتني تماما عن مواصلة العمل في مجال السياسة، ولكني خائف. والأكثر هو أن سرعتي صادمة للسياسيين.

* ما تأثير اتفاق الصلح بين فتح وحماس على احتمالات تحقيق السلام بين فلسطين وإسرائيل؟

- تحدوني حالة من الشك الشديد في وجود أي شيء يمكن الوصول إلى تسوية بشأنه. فحماس لم تنس أنها حماس فقط لمجرد توقيعها على ورقة. وفي غزة، لا تزال المطالبات بتحقيق تقدم ملحوظ نحو الوحدة بين فتح وحماس تقابل بعنف وحشي. فقد تم قمع المتظاهرين الشباب بوحشية يوم 31 مايو (أيار)، وفقا للمركز الفلسطيني لحقوق الإنسان. كذلك فإن منهجية فياض لا يمكن أن تستمر إذا ما سمح لحركة حماس بإملاء سياستها في الضفة الغربية. أتذكر أنه منذ عدة أشهر مضت، في احتفال أكاديمي في رام الله، ألقى فياض كلمة عن الحاجة إلى إدخال إصلاحات على التعليم الفلسطيني، حيث طالب بتحديث المناهج وتعليم الرجال والنساء كيفية التفاعل مع بعضهم البعض، مثلما يمكن أن يفعلوا في غرفة مجلس إدارة إحدى الشركات. وأشارت حماس إلى هذه الدعوة بوصفها دعوة إلى «الإباحية» و«حرب ضد الإسلام».

في حقيقة الأمر، لديك طرفان متنافسان في المشهد السياسي الفلسطيني تتعارض مصالحهما بشكل تام. أحدهما يرغب في رؤية دبي أخرى في الشرق الأوسط. والآخر يرغب في رؤية صومال آخر. فكيف يمكن أن يحدث تصالح بينهما؟

* ما التأثير الذي تركته الثورات العربية على العلاقات العربية - الإسرائيلية؟

- لقد تركت تأثيرا كبيرا على الديناميكيات الفلسطينية الداخلية، على الأقل من المنظور الرمزي. والواضح أن الثورات هي التي شجعت على إبرام اتفاق بين حماس وفتح، لكن على نحو مثير للغاية أعتبره قديما. ويكشف ذلك مدى بطء الدبلوماسية في اللحاق بركب الأحداث التاريخية.

وجاء هذا الاتفاق نتاجا لجهود كل من مصر وسوريا، وهما دولتان عمدتا دوما إلى استغلال القضية الوطنية الفلسطينية كوسيلة لتشتيت الأنظار بعيدا عن الفوضى الداخلية لديهما. وقد أنشأ عبد الناصر منظمة التحرير الفلسطينية كوسيلة «لاسترداد» القضية من أيدي «فدائيي» فتح، الذين امتزجوا بجهاز الاستخبارات العسكرية السورية. وقد سبق هذا تحول منظمة التحرير الفلسطينية إلى مظلة للمنظمات الفدائية التي أصبحت «فتح»، بطبيعة الحال، الأكثر نفوذا بينها.

وبعد دعوة الشعبين المصري والسوري لوضع نهاية للأنظمة العسكرية الاستبدادية، وخاطروا بحياتهم ليشاهدوا هذه النهاية، ومع ذلك لا تزال حكوماتهما تتصرف كما لو أن عبد الناصر لا يزال في السلطة وحافظ الأسد في منصب وزير الدفاع، وكل من الرجلين يمارس اللعبة ذاتها الشبيهة بشطرنج جيوسياسي. ما تغير الآن القطع فحسب، مصر أصبحت في حاجة إلى استرضاء الإخوان المسلمين، المرشحين للفوز بأكبر كتلة من المقاعد البرلمانية في الانتخابات القادمة ويرغبون في أن يكون لجماعتهم الشقيقة حماس اليد العليا في فلسطين. في هذه الأثناء لا يزال بشار مقتنعا بقدرته على إقناع الغرب - رغم قتله 1600 فرد من أبناء شعبه، وسجنه 10000 آخرين ودفعه 12000 ليكونوا من اللاجئين - أنه لا يزال عماد السلام العربي - الإسرائيلي. ولذلك؛ لم تدعُ الولايات المتحدة إلى استقالة الأسد ولا تزال تتحدث عن احتمالات «الإصلاح».

اللافت، أن الإطار العام لاتفاق فتح وحماس ليس مختلفا عما عرضه عباس على حماس في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. إذن، لماذا قبلت حماس بالاتفاق الآن؟ لأن بشار الأسد أدرك أن خالد مشعل لن يسمح له بملاذ آمن في دمشق إذا ما انهار النظام، ولا يزال يخدع الغرب بادعائه أنه الشخص الوحيد القادر على إجبار حماس على الإذعان. إلا أنه لم يعد هناك الكثير من الوقت المتبقي أمام النظام السوري الضعيف لإعلان تحقيق «نصر» لفلسطين.

* خلال عام 2010، قدمت الصحف تغطية غير متوازنة لأنباء إسرائيل مقارنة بدول «الربيع العربي» الأخرى، مثل تونس ومصر وليبيا. هل تعتقد أن هذا الغياب للتوازن في التغطية الإعلامية ربما يكون من بين أسباب عدم الإطاحة بقادة آخرين مثل مبارك في وقت مبكر عن الآن؟

- نعم.. أيضا تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية أخلاقية هائلة ليس عن دعمها مبارك فحسب، وإنما لمساعدتها في إعداد مصر لما بعد حقبة مبارك. إلا أن الوضع لم يكن دائما على هذا الحال. عام 2005 و2006، مارس جورج دبليو بوش ضغوطا على مبارك لإقرار إصلاحات على صعيد الديمقراطية وحجب المساعدات الأميركية فعليا بعدما سجنت مصر أيمن نور. بعد ذلك ماذا حدث؟ أشار مبارك إلى الفالوجة وقال لبوش: «هذا ما سيحدث بعد رحيلي»، وحينئذ، رضخ بوش. وأهدرت الولايات المتحدة فرصة المساعدة في بناء المجتمع المدني المصري وخلق بديل منظم للإخوان المسلمين. الآن، بات لزاما عليها التعامل مع «الجماعة».

* تفرض مسؤوليات الأمم المتحدة عليها عقيدة «الحماية» (التي أقرت في القمة العالمية عام 2005) وتنص على أن المجتمع الدولي يصبح مسؤولا عن حماية المدنيين عندما تخفق الدولة في ذلك. هل تعتقد أن جهود المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وحلف «الناتو» متناسبة مع حجم المشكلات الراهنة في الشرق الأوسط؟ وهل ينبغي التدخل في سوريا؟

- بصورة عامة، نعم.. عندما تقع مذابح كبرى، أعتقد أن الأمم المتحدة ملزمة باستخدام القوة لوقفها وتقديم الجناة للعدالة. هل كان أكراد العراق سيبقون به اليوم لو لم تفرض منطقة الحظر الجوي بعد حرب الخليج الأولى؟ ومع ذلك، يجب الحرص على عدم انتهاك إرادة الناس على الأرض. لقد كانت المعارضة السورية واضحة للغاية حيال أسلوبها في إسقاط الأسد، فهي لا ترغب في تدخل عسكري غربي في صورة منطقة حظر جوي لسبب بسيط مفاده أنه في سوريا، على خلاف الحال في ليبيا، تقع المنشآت العسكرية والمدنية على مسافات قريبة للغاية من بعضهما البعض، وبالتالي فإن احتمالات وقوع أعداد كبيرة في صفوف المدنيين جراء القصف الجوي مرتفعة للغاية.

ما يحبطني أن السوريين يطلبون أمرا بسيطا وهينا: الخطاب. وعادة ما يسهل على أوباما تلبية ذلك. ويرغب السوريون من أوباما أن يعلن على نحو قاطع نفاد شرعية الأسد وضرورة تنحيه عن السلطة - وليس قيادة الفترة الانتقالية بنفسه - وإنما الاستقالة. كما يرغبون في صدور قرار من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يدين نظام الأسد لما اقترفه من أعمال عنف ويدعو إلى تشكيل لجنة تقصي حقائق في سوريا، وهو إجراء تعارضه روسيا والصين، الشريكان التجاريان للأسد منذ أمد بعيد. وفي تصريح لـ«فاينانشيال تايمز» منذ بضعة أسابيع، قال ديمتري ميدفيديف إنه يشعر بالأسى تجاه الأسد. وأنا من جانبي أشعر بالأسى من أجل الطبيب النفسي الخاص بميدفيديف.

وعليه؛ يبدو أن الحديث والخطاب ليسا بالأمر السهل، خصوصا إذا تمكن المرء من إيجاد مبررات للسفاحين.

وقد ذكرت أن المعارضة السورية هي أكثر كيانات المعارضة تعقيدا بين جميع كيانات المعارضة المشاركة في «الربيع العربي». وللتدليل على ذلك، يمكن النظر إلى ما حققوه في أنطاكيا. حتى رغم عدم السماح للصحافيين بدخول البلاد، فإنهم نجحوا في توثيق أعمال السلب والنهب التي ارتكبتها قوات الأسد، وكذلك في تناغم جهود المعارضة والبراغماتية التي تتحلى بها. لقد وفر علويون الملاذ لطلبة جامعيين من السنة. وسار المسيحيون يدا بيد مع المسلمين. ورفض الأكراد محاولات الأسد التقرب إليهم عبر إعطائهم حقوق مواطنة، الأمر الذي شكروه عليه بإعلان مظاهرات «جمعة أزادي»، التي تعني «جمعة الحرية» بالكردية. وحاول الأسد تصوير ما يجري على أنه صراع طائفي، بينما في الحقيقة هو الوحيد الذي يعمد على استغلال النزعات الطائفية.

من ناحيتهم، يتوقع السوريون أن يؤدي المزيد من الضغوط الدبلوماسية، علاوة على عقوبات صارمة، إلى فرض ضغوط على كبار القادة العسكريين في سوريا كي ينضموا إلى صفهم. وبالفعل؛ نعاين حاليا مؤشرات على ذلك. كان الرجل الذي قاد المقاومة ضد المجزرة التي ارتكبت في جسر الشغور جنرالا يدعى حسين حمروش، وتولى قيادة نحو 120 جنديا متمردا وبعض السكان المحليين المسلحين (بعصي ومناظير وأسلحة صيد)، حسبما وصفت «نيويورك تايمز»، ووقفوا جميعا في مواجهة 200 دبابة، وأسطول من المروحيات المقاتلة وآلاف الجنود النظاميين. ورغم ذلك، جرى وصف ذلك في بعض وسائل الإعلام باعتباره بداية «حرب أهلية».

* بمجرد أن ينفد المال الذي يدفعه الأسد لقادته العسكريين - ومرتزقة حزب الله و«الشبيحة» الذين استعان بهم لقتل مدنيين غير مسلحين - كيف سيصبح حاله؟

- يقول الأفراد الذين أتحدث إليهم من أرض الواقع داخل سوريا إنه بمجرد قدوم شهر رمضان، ستثور دمشق وحلب.. ولدى حدوث ذلك، إذا ما حدث، سيتوافر أمام الأسد خياران: قتل الجميع أو الرحيل. وسينتهي به الحال إلى إدارة بلاد ليس بها غيره وشقيقه. وستتحول البلاد إلى «دولة فاشلة» مثلما قال صمويل بكيت.

وتكشف دلائل ظهرت مؤخرا أن سوريا دبرت الصدامات التي وقعت مؤخرا في يوم النكبة على الحدود مع إسرائيل لتشتيت الأنظار بعيدا عن الاضطرابات التي تعصف بنظام الأسد.

* هل تنجح تكتيكاته؟ وهل التركيز الآن على سوريا أم إسرائيل؟

- لم ينجح الأمر بالدرجة التي كان يأملها الأسد. لقد تحدثت بالفعل عن مظاهرات ذكرى النكبة في الجولان، وأود الآن إضافة ما يلي: ماذا حدث يوم النكسة؟ حاول الأسد تكرار المحاولة بإرسال حافلات ممتلئة باللاجئين الفلسطينيين إلى داخل الجولان. وهذه المرة، تعرض الكثيرون منهم للنسف جراء انفجار ألغام لم يخبرهم أحد عن مكانها. وعندما اكتشفت أسرهم داخل مخيم لاجئين في دمشق الأمر، وقفوا في مواجهة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التي تتولى إدارة المخيم، وألقت الأسر اللوم على الجبهة للسماح لأبنائهم بالمشاركة في مهمة انتحارية.

ومن بين التفاصيل المهمة الأخرى: في درعا، كان اللاجئون الفلسطينيون يخاطرون بحياتهم لمساعدة أبناء درعا، لإمدادهم بالطعام والمياه بعدما حاول الأسد تجويعهم ومنع المياه عن المدينة بأكملها. لماذا يقدم اللاجئون الفلسطينيون على ذلك إذا ما كانوا يؤمنون بأن الأسد يحمل القضية الفلسطينية في قلبه؟

* في اعتقادك، كيف يمكن تسوية الصراع العربي - الإسرائيلي؟ هل لا يزال هناك أمل لعقد مفاوضات ناجحة؟

- النصيحة الوحيدة أو التحليل الذي يمكنني تقديمه على هذا الصعيد هو: أن يبذل الفلسطينيون جهودا لتقديم أداء أفضل كثيرا عند التفاوض على نحو انفرادي عن أنفسهم، بدلا من الاعتماد على حكومات عربية للتوسط في اتفاقات أو منحهم إطارا عاما للمفاوضات.

يبدو أن عباس يدرك ذلك، رغم أنه لم يفعل الكثير بناء على هذا الإدراك؛ نظرا لأنه – للأسف - تقدم به العمر وأصابه التعب الآن، ويبدو هذا واضحا عليه.

* هل تعتقد أن مشكلات الشرق الأوسط قتلت بحثا في وسائل الإعلام أم أن القراء لا يزالون يهتمون بها؟

- لا.. أعتقد أنه جرى الإفراط في تناول مشكلات الشرق الأوسط منخفضة الأهمية على حساب الأخرى شديدة الأهمية.

* في اعتقادك، ما هي الخصال الأساسية الواجب توافرها في المراسل الجيد؟

- طرح الأسئلة، والحديث إلى مجموعة واسعة من المصادر، وعدم تصديق أي شيء من مظهره. عليه أن يدرك أن أي شخص في سلطة من المحتمل أن يكذب أو يحاول تشتيت انتباهه بعيدا عن الحقيقة. وعليه أن يحكم على أقوالهم بمقارنتها بأفعالهم. وينطبق الأمر ذاته على من هم خارج السلطة لكن يحاولون الوصول إليها.

* ما مدى أهمية الحصول على شهادة جامعية كي يعمل المرء صحافيا؟

- ليس للأمر أهمية مطلقا.. الصحافة ليست بالأمر الذي يمكن دراسته، وإنما يتعلمه المرء من خلال الممارسة فحسب. إذا رغبت أن تعمل صحافيا، فعليك العمل بالصحافة.