رئيس الوزراء البريطاني يدعو إلى تغيير شامل في إمبراطورية مردوخ الإعلامية

«نيوز كورب» تسحب عرضها للاستحواذ على «بي سكاي بي» > قرر بيع كل الجرائد التي يملكها في بريطانيا

TT

دعا رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، إلى تغيير شامل في الإمبراطورية الإعلامية التي يمتلكها روبرت مردوخ، وذلك بعد فضيحة التنصت على الهواتف «المشينة» التي تورطت فيها إحدى صحفه. وقال كاميرون في البرلمان إن على قطب الإعلام الأسترالي «التوقف عن التفكير في صفقات اندماج جديدة، وعليه أولا أن يركز في ترتيب الفوضى». وجاءت هذه التعليقات قبل إجراء تصويت برلماني يطالب مردوخ بالتخلي عن فكرة الاستحواذ على قناة «بي سكاي بي». وفي خطوة استثنائية، اتفقت الأحزاب الثلاثة الكبرى، وهي «المحافظون» و«الليبراليون» و«العمال»، على دعم دعوة شركة «نيوز كورب» التي يمتلكها مردوخ للتخلي عن الاندماج، باعتبار ذلك «يصب في الصالح العام». وحول التصويت المقرر إجراؤه في وقت لاحق من أمس، قال كاميرون: «يتعين أن يتحدث مجلس العموم بصوت واحد». في غضون ذلك، نفت صحيفة «صن» البريطانية أمس اتهامات رئيس الوزراء السابق غوردون براون لها بحصولها على تقارير طبية خاصة بعائلته. واختارت الصحيفة الشهيرة عنوان «براون مخطئ» ليكون في صدر عددها. وتجدر الإشارة إلى أن «صن» مملوكة أيضا للإمبراطورية الإعلامية لمردوخ. وقال براون أمس إن فريق الصحيفة استخدم «أساليب ملتوية» للحصول على تفاصيل الحالية الصحية لابنه فريزر عام 2006. ويعاني فريز، الذي أتم الأحد الماضي عامه الخامس، مرض التليف الكيسي، وهو مرض وراثي ينتج عن فشل الغدد الخارجية الإفراز في تأدية وظيفتها الطبيعية، ويتعرض المصابون بهذا المرض لإفرازات كثيفة لاصقة تسد القصبات الهوائية وينتج عنها السعال المتكرر والالتهابات الصدرية المزمنة. ومع ذلك، ذكرت الصحيفة أمس أنها تلقت المعلومات من أحد الأشخاص كان اتصل بها بهدف زيادة الوعي بهذه الحالة التي يعانيها أيضا ابنه. ونقلت الصحيفة أمس عن هذا الشخص القول: «شعرت بالارتياح بعد الاتصال بالصحيفة». إلى ذلك، قال رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، أمس، إنه سيكون مستعدا لتقديم أدلة إلى جهة تحقيق يرأسها قاض، للنظر في مزاعم تنصت موجهة إلى مؤسسة «نيوز كورب» التي يملكها قطب الإعلام روبرت مردوخ.

وردا على سؤال وجه لرئيس الوزراء البريطاني في البرلمان عما إذا كان مستعدا لتقديم أدلة، قال كاميرون: «بالطبع».

والاقتراح المقدم من المعارضة لمنع مسعى «نيوز كورب» للاستحواذ على مؤسسة «بي سكاي بي»، غير ملزم من الناحية القانونية، لكنه يشير إلى الاستياء العام من الكشف عن فضيحة تنصت صحيفة يملكها مرودخ على هواتف أقارب قتلى في الحرب وأقارب طفلة قتيلة. وصرح كاميرون أمس بأن مردوخ عليه أن يتوقف عن التفكير في صفقة الاستحواذ وأن يركز على فضيحة التنصت التي تواجه إمبراطوريته الإعلامية. وأضاف «ما حدث مشين، ويجب التعامل معه على كل المستويات، وعليهم أن يتوقفوا عن التفكير في عمليات دمج، بينما يحاولون الخروج من الورطة التي تسببوا فيها«.

وعين كاميرون القاضي برايان ليفيسون ليرأس التحقيق، وقال إن أي شخص تورط في فضيحة صحيفة «نيوز إنترناشيونال» يجب ألا يلعب دورا في الإعلام البريطاني مرة أخرى.

وفي تطور لاحق، قالت شركة «نيوز كورب» أمس إنها سحبت عرضها لشراء حصة 61 في المائة في مؤسسة «بي سكاي بي» للاستحواذ عليها بالكامل.

وأجرى البرلمان البريطاني أمس تصويتا غير ملزم لإبلاغ روبرت مردوخ الذي يملك «نيوز كورب» بالتخلي عن خططه للاستحواذ على «بي سكاي بي» في صفقة قيمتها 12 مليار دولار، وذلك بعد فضيحة تنصت مؤسسة «نيوز إنترناشيونال» الإعلامية التابعة لـ«نيوز كورب» على بعض الهواتف. وانخفضت أسهم «بي سكاي بي» 3.6 في المائة بعد إعلان النبأ. على صعيد آخر، أكدت صحيفة «وول ستريت جورنال»، أمس، أن مجموعة «نيوز كورب» الإعلامية الأميركية التي تلاحقها فضيحة التنصت في بريطانيا، تنوي بيع كل الجرائد البريطانية التي تملكها، من دون نتيجة حتى اللحظة، وبحسب الصحيفة الأميركية المتخصصة بالأعمال، نقلا عن مصادر قريبة من الملف، فإن المجموعة التي يملكها القطب الإعلامي روبرت مردوخ «استطلعت بشكل غير رسمي الاهتمام الموجود لدى مشترين محتملين لمؤسسة الصحافة المكتوبة البريطانية التي تملكها وهي (نيوز إنترناشيونال)». وأضافت الصحيفة، «بالنظر إلى السياق الاقتصادي الصعب للصحافة، لم يبرز أي راغب في الشراء»، إلا أن الفكرة قد يعاد طرحها «في الأشهر الستة المقبلة»، وتملك هذه الوحدة البريطانية من «نيوز كورب»، إضافة إلى صحيفة «نيوز أوف ذي وورلد» التي نشرت الأحد آخر أعدادها، صحيفتي «تايمز أوف لندن» و«صنداي تايمز». وقرر مردوخ الذي زار لندن، بشكل مفاجئ، إقفال «نيوز أوف ذي وورلد» التي أثارت زوبعة سياسية في بريطانيا بسبب لجوئها إلى أسلوب التنصت على الاتصالات والرسائل النصية، بهدف الحصول على معلومات.

وأخذت فضيحة التنصت على الهواتف التي تورطت فيها صحف مملوكة لروبرت مردوخ، منحى سياسيا ملحوظا أمس، حيث تعهدت جميع الأحزاب السياسية الرئيسية بتأييد مشروع قانون برلماني لوقف نمو إمبراطوريته الإعلامية. وفي مظهر نادر للتعاون بين الأحزاب، قال متحدث باسم الحكومة، إن حزب المحافظين والحزب الليبرالي في الائتلاف الحاكم يعتزم تأييد مشروع قانون مقدم من حزب العمال المعارض لإجراء تصويت اليوم. وينص مشروع القانون المقدم من زعيم حزب العمال إد ميليباند على أن هذا المجلس يعتقد أنه من أجل الصالح العام بالنسبة لروبرت مردوخ ومؤسسته «نيوز كوربوريشن» أن يسحب طلبه الخاص بشراء قناة «بي سكاي بي».

ويشير مشروع القانون إلى خطط مؤسسة «نيوز»، ومقرها نيويورك ويمتلكها مردوخ، للاستحواذ بشكل كامل على القناة الفضائية الإخبارية البريطانية «بي سكاي بي»، وهي صفقة أصبحت محل تنافس شديد عقب مزاعم التنصت على الهواتف. وقال ميليباند إنه «من غير المتصور أن يتوقع مردوخ أن يوسع إمبراطوريته أثناء استمرار التحقيقات الجنائية، إضافة إلى موجة من الغضب الشعبي الجارف بسبب عمليات القرصنة الواسعة للهواتف الجوالة». ويجاهد مردوخ حاليا لضمان عدم وصول مفاعيل الفضيحة إلى أذرع أخرى من مؤسسة «نيوز كورب» التي يترأسها وتملك وسائل إعلام في آسيا والولايات المتحدة، بما فيها صحف مرموقة مثل «وول ستريت جورنال» ومحطة «فوكس نيوز» الإخبارية. ومن الذين أصيبوا بشظايا الفضيحة الإعلامية «أندي كولسون»، رئيس التحرير السابق للصحيفة، الذي أصبح في ما بعد مساعدا بارزا لرئيس الوزراء ديفيد كاميرون، مع ما يمثله ذلك من إحراج كبير لكاميرون، لا سيما أن الشرطة البريطانية اعتقلته يوم الجمعة الماضي، رئيس التحرير المشتبه في دفعه أموالا لضباط الشرطة مقابل الحصول على معلومات خلال فترة إدارته للصحيفة. وكان «كولسون» قد استقال في وقت سابق من منصبه كمساعد لرئيس الوزراء في شؤون التواصل، ولتجنب التداعيات السياسية على مسيرته، دعا كاميرون إلى فتح تحقيقات عامة للنظر في الفضيحة التي أطاحت بأكثر الصحف البريطانية توزيعا وأوسعها انتشارا.

غير أن إغلاق صحيفة «نيز أوف ذي وورلد» كلف فقدان 200 صحافي لوظائفهم، دون أن تؤثر على باقي أذرع الإمبراطورية الإعلامية وكبار مسؤوليها بمن فيهم نجل مردوخ (جيمس) وريبيكا بروكس المقربة من العائلة والمسؤولة الأولى عن «نيوز إنترناشيونال» التي تدير الصحف والمحطات التابعة لمردوخ في بريطانيا. والأهم من ذلك أن هذه الخطوة على جسامتها قد لا تفيد كثيرا في التخفيف من استياء الرأي العام، لا سيما بعد ظهور أهداف جديدة كانوا ضحايا التنصت على هواتفهم الجوالة مثل ضحايا جرائم القتل، والجنود الذين سقطوا في الحرب. هذا الغضب العام وسط المواطنين دفع السياسيين الذين كانوا يتوددون في السابق إلى روبرت مردوخ ويتجنبون إزعاجه، إلى التنديد به علانية في البرلمان.

والمشكلة أن تداعيات الفضيحة لا تقتصر على الوسط الإعلامي في علاقته بالرأي العام، بل تمتد إلى جهاز الشرطة نفسه بعد التحقيقات الجارية حاليا بشأن تورط بعض الضباط في تلقي أموال مقابل تسريب معلومات. ومع ذلك، جاء قرار مردوخ بإغلاق الصحيفة الأكثر مبيعا في بريطانيا، مفاجئا للجميع بمن فيهم موظفوها الذين شبه أحدهم النبأ بـ«القنبلة النووية». وفي تعليق له على القرار، قال مردوخ إن «الصحيفة التي كان من مهامها محاسبة المسؤولين وكشف تجاوزاتهم، فشلت في محاسبة نفسها»، محيلا إلى فضيحة سماح الصحيفة بقرصنة هواتف جوالة تخص مشاهير المجتمع والسياسيين وعائلة فتاة تعرضت للقتل، فضلا عن الجنود الذين سقطوا في أفغانستان، وكل ذلك جريا وراء السبق الصحافي.

وبينما كانت البوادر الأولى للفضيحة قد ظهرت منذ عام، فإن خروجها إلى العلن واكتشاف خيوطها لم يأت إلا في الأسبوع الماضي بعد بروز تقارير إخبارية تتحدث عن استخدام «نيوز أوف ذي وورلد» لمحقق خاص للتنصت على العلبة الصوتية لفتاة تبلغ من العمر 13 سنة وحذف بعض الرسائل، مما اعتبر تدخلا في تحقيق الشرطة التي كانت تبحث عنها، حيث عثر على جثتها في وقت لاحق ملقاة بإحدى الغابات.

ومباشرة بعد اندلاع الفضيحة وتأكد تورط الصحيفة في التنصت على الفتاة القتيلة، سارعت مجموعة من الشركات إلى سحب إعلاناتها من الصحيفة احتجاجا على ممارساتها، كما أن المشرعين من الأحزاب الثلاثة الرئيسية في بريطانيا تدخلوا لمطالبة الحكومة بإجراء تحقيقات ورفض محاولات مردوخ امتلاك «بي سكاي بي». هذا، ولن تؤثر كثيرا خسارة الصحيفة التي تستقطب ما قيمته 61 مليون دولار من الإعلانات سنويا، مقارنة بمداخيل المؤسسة التي يرأسها «مردوخ» بأذرعها المنتشرة في جميع أنحاء العالم والتي تصل إلى 32 مليار دولار سنويا. ويتوقع العديد من المراقبين أن يطلق مردوخ صحيفة أخرى بدلا من تلك التي أعلن عن إغلاقها، مرجحين أن تكون نسخة الأحد من صحيفة «الصن» التابعة له، وهو ما يؤكده «جون بريسكوت»، نائب رئيس الوزراء السابق، قائلا «إنها لعبة في الإدارة يتقنها مردوخ، فهو يضحي بالصحيفة لإنقاذ الإدارة».