سليم شاهزاد: ثمن الحقيقة

تفاصيل مقتل صحافي كتب عن اختراق «القاعدة» للجيش الباكستاني

حقوقيون باكستانيون في تظاهرات احتجاج على مقتل الصحافي شاهزاد (نيويورك تايمز)
TT

في التاسع والعشرين من مايو (أيار) الماضي فُقِد سليم شاهزاد مدير مكتب صحيفة «آسيا أون لاين» بإسلام آباد، فيما كان في طريقه للمشاركة في برنامج حواري تلفزيوني. وبعد مرور يومين من تغيبه عُثِر على جثته في بلدة صغيرة تبعد مسافة 200 كيلومتر عن العاصمة. ووجهت اتهامات لوكالة الاستخبارات الباكستانية بالتورط في قتله. ففي أعقاب أحداث 11 سبتمبر، أصبحت باكستان أكثر البلاد تصديرا للأخبار في العالم. ربما كان ذلك أمرا جيدا بالنسبة للصحافيين الباكستانيين. ولكن الجزء الأكثر رعبا في هذا الأمر هو أنه جعل الصحافيين الباكستانيين محط أنظار الحكومة والمقاتلين والجيش ووكالات الاستخبارات.

وكان شاهزاد قد كتب قبيل أيام من مصرعه الجزء الأول من سلسلة مقالاته التي تتكون من جزأين والتي تتحدث عن اختراق البحرية الباكستانية بواسطة مقاتلين من تنظيم القاعدة. وفي أعقاب اختطافه أعلنت منظمة «هيومن رايتس ووتش» عن شكوكها في تورط وكالة الاستخبارات الباكستانية في عملية الاختطاف. وهو بالفعل ما أيده عدد من الصحافيين المقيمين في إسلام آباد في عدد من قنوات التلفزيون الخاصة خلال اليومين اللذين شهدا اختطافه وحتى مقتله.

ربما تعد قضية شاهزاد أصدق توصيف لموقف مئات الصحافيين الباكستانيين الذين يعملون دون كلل لتغطية أخبار «الحرب ضد الإرهاب» وتأثيرها على المجتمع الباكستاني والحكومة والجيش ووكالات الاستخبارات. وكان شاهزاد نموذجا مثاليا للصحافي الذي يقوم بتغطية تلك الأخبار. وقبل أسبوع فقط من مقتله المروع، كان قد أصدر كتابه الجريء الذي يحمل عنوان «داخل تنظيم القاعدة وحركة طالبان: ما بعد أسامة بن لادن وأحداث 11-9» وقد حقق هذا الكتاب نجاحا هائلا منذ اليوم الأول لإصداره.

جدير بالذكر أن سبعة صحافيين باكستانيين لقوا مصرعهم أثناء تأدية واجبهم خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2011. قُتِل معظمهم على يد المقاتلين أو جماعات عرقية متورطة مع ميليشيات القتل المختلفة. بينما قتل عدد قليل منهم في انفجارات.

على الجانب الآخر لا توجد حماية دستورية أو إجراءات وقائية قانونية لمواجهة المناخ الخطير الموجود في باكستان التي تم تصنيفها ضمن أكثر الدول سوءا حيث يعمل الصحافيون في ظروف تهدد حياتهم. ووفقا لأرقام صرحت بها مؤسسات صحافيين محلية كان هناك أكثر من 14 صحافيا باكستانيا قد لقوا حتفهم أثناء تأدية واجبهم عام 2010.

وفي يناير (كانون الثاني) عام 2011 تم العثور على إلياس نزار وهو صحافي باكستاني من إقليم بلوشستان قتيلا في مسقط رأسه بمدينة بيداراك. وكان قد فُقِد قبل مقتله. كان نزار صحافيا محليا بمجلة «بالوش ماجازين دارونس». وقد طالبت مؤسسات الصحافيين الباكستانيين الحكومة بالتحقيق في مقتل إلياس نزار. ولكن لم يستجب أحد لهذه المطالب. بعدها قامت مؤسسات الصحافيين نفسها بالتحقيق في مقتله. على الرغم من ذلك واجه المحققون الصحافيون ضباطا متعنتين يرفضون التعاون مع المؤسسات الصحافية.

وهناك محظوظون ما زالوا على قيد الحياة. مثل عمر شيما الصحافي بصحيفة «ذا نيوز إنترناشيونال» اليومية والذي اختطِف على يد وكالات الاستخبارات منذ ما يزيد على عام وتم تعذيبه بقسوة وذلك بعد أيام من نشر الصحيفة التي يعمل بها لقصص تحقيقات عن وكالات الاستخبارات وتورط الجيش في تعذيب العديد من المعتقلين. وقد تركه المختطف المجهول في مكان مهجور بعد ذلك قامت مؤسسات الصحافيين بتوجيه أصابع الاتهام لوكالات الاستخبارات.

وقد ذكر مشتاق مينهاس الصحافي البارز والرئيس السابق لنادي «ناشيونال بريس» في إسلام آباد أن الترهيب هو الوسيلة الأكثر انتشارا التي تستخدم ضد الصحافيين الباكستانيين ولكن ما من شك أننا سنواصل كشف الوحشية وراء الصراع الجاري في منطقة شمال غرب. وهناك جدل دائر بين مجتمع الصحافيين الباكستانيين حول ما إذا كان إصدار قوانين أفضل سيعمل على حماية الصحافيين في هذه الحالة. ويعتقد العديد من الصحافيين البارزين أن القوانين الجيدة قادرة على تحسين الموقف.

من بين القضايا الغريبة التي أخذت مسارها القانوني لكنها فشلت في إلقاء القبض على القاتل قضية والي خان بابار المراسل البارز في قناة أخبار رائدة تدعى «جيو» على يد مهاجم غير معروف في مساء 13 يناير (كانون الثاني) من العام الجاري في كراتشي فيما كان عائدا من عمله قاصدا منزله. وقد أبدى آصف علي زرداري، الرئيس الباكستاني ويوسف رضا جيلاني، رئيس الوزراء اهتماما خاصا بالتحقيق في قضية قتل والي خان بابار. وقامت الشرطة بالتحقيق في هذه القضية بجدية لكن لم يحدث شيء. ولم يكن هناك أحد قادر على الإجابة عن سبب قتل الصحافي.

ويعتبر الوضع في المدن الباكستانية والمناطق الحيوية أفضل حالا مما هو عليه في المناطق القبلية حيث يقاتل الجيش الباكستاني في معركة حامية الوطيس مع المقاتلين القبليين منذ عام 2004. ووفقا للتقارير التي أصدرها الاتحاد القبلي للصحافيين، لم يتم قتل أي صحافي في المناطق القبلية منذ عام 2005. عدم تسامح المقاتلين القبليين والقبائل المتناحرة مع وسائل الإعلام كان السبب في هجرة 50% من المراسلين من المناطق القبلية واستقرارهم في المدن الباكستانية، خاصة في مدينة بيشاور. وقد قال سافدار حيات، رئيس الاتحاد الصحافيين القبليين: «لقد استقر الآن عدد كبير من الصحافيين القبليين في بيشاور»، فهناك نحو 230 صحافيا مسجلا في الاتحاد القبلي للصحافيين ونحو 100 منهم يسكنون المدن الآن.

هناك العديد من الحالات التي قام فيها لوردات الحرب المحليين بمنع توزيع الصحف في المناطق الخاصة بهم ويقومون بمتابعة نشر القصص السلبية عنهم في الصحف المحلية، فيقول صحافي قبلي بارز اشترط عدم ذكر اسمه «إنها سمة شائعة في المناطق القبلية حيث يقوم سادة الحرب في المناطق القبلية بترهيب الصحافيين القبليين وإجبارهم على سحب قصصهم».

يشير الصحافيون المحليون إلى أن المراقبة الذاتية هي السبيل الوحيد لتجنب غضب سادة الحرب القبليين. أما هؤلاء الذين لا يعملون بمبدأ المراقبة الذاتية فقد انتقلوا من المناطق القبلية ويقومون بمراسلة أحداث المناطق القبلية فيما هم يسكنون المدن مثل مدينة بيشاور.

ما يثير السخرية عجز الحكومة ووكالات الأمن عن حماية الصحافيين في المناطق القبلية وتوجيه النصح لهم في أغلب الأوقات بالانتقال من المناطق القبلية حتى يبتعدوا عن منطقة الخطر. وقال صحافي بارز من المناطق القبلية «في أغلب الأحيان، عندما نقوم بالاتصال بالحكومة لطلب الأمن، ينصحنا المسؤولون بالانتقال من المناطق القبلية إلى المدن الآمنة».

وقد شهد الأسبوع الأخير من شهر يونيو (حزيران) الماضي، اجتماعا للصحافيين من جميع أنحاء باكستان في إسلام آباد وقاموا بالتظاهر أمام مبنى البرلمان، طالبوا فيها الحكومة بتشكيل لجنة قضائية للتحقيق في مقتل الصحافي سليم شاهزاد، وتحسين الأوضاع الأمنية للصحافيين في باكستان.