مراسل مجلة «تايم» الأميركية في ليبيا: الصحافة الورقية تحتاج لمهارات خاصة لمنافسة التلفزيون والإنترنت

ستيفن سوتلوف لـ «الشرق الأوسط»: الثورات العربية حالت دون استعادة ملابسي وكتبي وحرمتني من «حمص الشام».. لكن «معكرونة» بنغازي تغريني بالبقاء

ستيفن سوتلوف في أحد مواقع الثوار الليبيين في بنغازي
TT

تبعثرت ملابس هذا الرجل وكتبه في منطقة الشرق الأوسط. ترك متعلقاته في صنعاء وهي تستعد للثورة ضد الرئيس علي عبد الله صالح، لكنه وجد نفسه يأكل المعكرونة المطبوخة بالطماطم على جبهة ثوار بنغازي الذين يقاتلون قوات العقيد الليبي معمر القذافي، وقال وهو يرشف من كوب الشاي في ميدان التحرير بالقاهرة إن ثقة الأميركيين بقدرة مبارك على الاستمرار في الحكم لم تكن صحيحة. إنه ستيفن سوتلوف، مراسل مجلة «تايم» الأميركية في ليبيا. وواجه سوتلوف العديد من المصاعب بسبب طبيعة العمل التي أصبحت تتطلبها الصحافة الورقية، من أجل منافسة محطات التلفزة الفضائية والإنترنت. فبالإضافة إلى الاطلاع والمتابعة وجمع المعلومات الجديدة والمختلفة من مواقع الأحداث، يجد نفسه تحت ضغط كتابة موضوعات، من فوق ظهر دبابة أو حاملة جند، بطريقة فيها قدر كبير من الإبداع والتشويق.

زار سوتلوف منطقة الشرق الأوسط قبل ست سنوات، وطاف في العديد من البلدان، كمعد لبعض القنوات التلفزيونية الغربية. كما كتب عن العديد من الأحداث في المنطقة. ولمجرد أنه أميركي تعرض للقذف بالحجارة من أطفال أسرة أبو مصعب الزرقاوي الذي كان زعيما لتنظيم القاعدة في العراق، حين زار بيت عائلته في مدينة الزرقا بالأردن، بينما تعامل معه السوريون حين زار بلادهم، على اعتبار أنه رجل روسي، بسبب وجهه الأحمر المستدير ولحيته التي تضفي عليه ملامح سيبيرية. وعاش سوتلوف على خطوط النار في ليبيا، لأشهر. وزار إجدابيا والبريقة، كما انتقل في قارب من بنغازي إلى مصراته الملتهبة. وروى في حوار مع «الشرق الأوسط» رؤيته لما يمكن أن يكون عليه الوضع في ليبيا خلال الأسابيع المقبلة، متحدثا عن الصبية المقاتلين على الجبهة وهم يواجهون كتائب القذافي وصواريخ غراد. وقطعت الثورات العربية على سوتلوف خططه وبرامجه، فقد كان بدأ تعلم اللغة العربية في اليمن، وتكوين مصادر وصداقات في صنعاء القديمة، وفي آخر مرة كان هناك ترك ملابسه وكتبه، وتوجه في إجازة لزيارة أسرته في الولايات المتحدة في أواخر العام الماضي، لكن الأحداث تفجرت وتتابعت في تونس فالقاهرة وليبيا وسوريا. ومنذ ذلك الوقت، يقول سوتلوف لـ«الشرق الأوسط» إن لديه الكثير من الآمال المعلقة، منها العودة لدراسة اللغة العربية في اليمن، وزيارة الأردن من أجل أكل حمص الشام الذي يحبه، بعيدا عن ميادين القتال، لكنه يرى أيضا أن طعم المعكرونة في جلسة الاستراحة على جبهة الثوار في بنغازي تغريه بالبقاء حتى شهر رمضان. وإلى تفاصيل الحوار..

* بصفتك مراسلا لمجلة «تايم» الأميركية، هل واجهت مصاعب في العمل بليبيا؟

- كأي صحافي، كانت هناك العديد من المصاعب: الاتصالات ضعيفة، والإنترنت سيئ جدا ولا يعمل إلا لبعض الوقت. لا يمكن الاتصال عبر الهاتف بالعالم الخارجي إلا بصعوبة، كما أن استقبال مكالمات دولية على الهاتف تتم بصعوبة. على أي الحال.. أنا طبعا دخلت إلى المناطق الشرقية من ليبيا التي يسيطر عليها الثوار. سافرت في سيارة من القاهرة لبنغازي.. في البداية، كان استقبال الليبيين لي جيدا. الكل يرحب بك، ويقول شكرا لأميركا.. شكرا لـ«الناتو» وشكرا للصحافيين والقذافي مجنون.. لكن، كان هناك آخرون يكرهون الصحافيين ويقولون إنهم كالجواسيس، لأن الصحافيين يتحدثون كثيرا ويكتبون عن مراحل تقدم الثوار والموقف على الجبهات المفتوحة مع قوات القذافي.. ويقولون إن ما يقوم به الصحافيون يقدم معلومات مهمة يمكن أن تستفيد منها قوات العدو (القذافي) ويرشد قواته لحالة الثوار وأماكن وجودهم واستعداداتهم. ولذلك، كان هناك من يتحفز ضد الصحافيين. كان الحال خطيرا خلال زيارتي لمدن طبرق ودرنة والجيل الأخضر وبنغازي ومصراته.

* هل خفت من الاعتقال أو القتل على يد قوات القذافي كما حدث مع صحافيين آخرين من قبل؟

- في بنغازي، كنت في فندق تيبستي حين انفجرت سيارة مفخخة أمام الفندق.. كانت هذه حادثة كبيرة أخافت كل الصحافيين هناك.. في بعض الأحيان، بالنسبة لي، كنت أشعر بأن أحدا ربما يتعقب خطواتي في بنغازي.. ولا تعرف إن كان من أتباع القذافي أم من الثوار. أعتقد، مما رأيته في بنغازي، أن نسبة الأشخاص الذين ما زالوا تابعين للقذافي تتراوح بين 5% على أقل تقدير، و20% على أكثر تقدير. ولهذا، كان يتوجب الحديث بحرص مع الناس.. في التاكسي.. في المقهى.. في المطعم. ثم من أنا؟ مجرد صحافي غربي قد يقتلونني، وأقول إنه لهذا السبب لا بد من الحرص الشديد في تعاملي مع الناس.

* وعلى الرغم من هذا رافقت المقاتلين على عدة جبهات؟ - نعم.. كان ذلك في أبريل (نيسان) الماضي.. حينها توجهت مباشرة من إجدابيا إلى البريقة. وفي اليوم الأول، قتل مقاتل من الثوار نفسه وهو يجلس بجواري. كان على بعد نحو عشرة أمتار حين انفجرت رصاصة في رأسه. أعتقد أنه كان ينظف سلاحه دون أن يكون محترفا في التعامل مع الأسلحة. الكثير من المقاتلين ينقصهم التدريب والخبرة.. وحين تفجرت الأوضاع تمكنت من ركوب قارب من بنغازي وتوجهت، عبر البحر، إلى مصراته. كان القتال عنيفا، وصواريخ غراد تسقط حولنا، كنت أبحث عن الصحافيين الآخرين، لكن لم يكن هناك أي صحافيين من الأساس، كنت وحدي تقريبا. البعض مر من هنا، لكن الآن ليس إلا أنا. وفجأة، سقط صاروخ غراد على بعد 30 مترا من المكان الذي كنت فيه، وبدأ القتال يستعر. وقلت إنني هالك لا محالة. جريت وجريت عبر سحب الدخان والتراب. وتوقفت قليلا وأنا أتابع عمليات رد من جانب المقاومين، والصياح والصرخات تنطلق مع القذائف من حولي.. وفجأة، وقف مقاتل لا يزيد عمره على 16 سنة من الثوار بالقرب مني، وبدأ يوجه نيران الرشاش في الاتجاه الغربي من الطريق، محاولا تقديم دعم وإسناد للمقاتلين الآخرين المتقدمين، لكنه أصيب بجواري.. أصيب في يده ووجهه. وزرته بعد ذلك في المستشفى.

* هل تعتقد أن الثوار في ليبيا، بإمكاناتهم الحالية، يمكن أن يحققوا انتصارا حقيقيا على قوات القذافي؟

- أعتقد أن الثوار يملكون القدرة على الزحف إلى طرابلس.. أعتقد أنهم سوف يتمكنون من السيطرة على العاصمة، لكن هذا ليس أمرا سهلا.. كما أعتقد أن المعارضة يمكن أن تتم سيطرتها على الأراضي الليبية كاملة خلال وقت قريب، ما عدا طرابلس التي سوف يستغرق السيطرة عليها وقتا وجهدا. وإذا قام الطرفان، الثوار والقذافي، بوقف القتال خلال شهر صيام المسلمين، في رمضان، فإن القذافي سوف يتمكن من زيادة تحصيناته في كل الأماكن التي تقع حاليا تحت سيطرة قواته. كما أن حلف الناتو، الذي بدأ يقلق بسبب طول مدة العمليات في ليبيا، قد يضطر بعد رمضان، سواء كان هناك قتال أم لا، لأن يقول كفى.. أظن أن القذافي إذا استمر في الحكم حتى شهر رمضان، فإنه سيبقى في الحكم كذلك بعد رمضان.

* تكتب تقارير في مجلة ورقية وأسبوعية، مع أننا في عصر الفضائيات والإنترنت. كيف تتمكن من تقديم قصص إخبارية مختلفة؟ - لا شك في أنه أصبح يوجد عبء كبير على الصحافة الورقية اليومية والأسبوعية، بسبب ثورة المعلومات وسرعة نقل الأخبار وانتشارها.. الاكتفاء بكتابة الأخبار للصحافة الورقية عبث، لأن هذه الأخبار أصبحت معلومة سلفا لدى الناس من خلال الإنترنت والتلفزة الفضائية. ولهذا، أعتقد أن العمل في مجال الصحافة الورقية أصبح يتطلب الاستعانة بصحافيين لديهم قدر من المهارات خاصة: أن أتواجد في قلب الحدث، وأن أقف عليه، وأن تكون لدي خلفية عميقة عما يجري.. واجب الصحافيين في الصحف المطبوعة البحث والتحري عن أشياء لا يراها الآخرون.. لا بد من الاتصال بالنقاط التي تتركز عليها جوانب الحدث، ومتابعتها.. ليس مطلوبا أن تتحدث عن كل شيء، ولكن المهم أن تتحدث عن شيء جديد بشرط أن يكون فيه إبداع أيضا. هناك شيء آخر مهم للصحافي الورقي، هو اللون.. هو أن ترسم قصة متكاملة، وأن تجعل القارئ يشعر بأنه يعرف عن طريقك حقيقة الوضع، ويشعر بما كتبه أنه في بنغازي أو في القاهرة أو غيرها، من خلال عبارة أو فقرة أو لمحة.. أي في مكان الحدث بمفرداته وأجوائه وخلفياته التي أدت إليه. هنا أنت تحتاج لمعلومات كثيرة.. على أن يكون كل ذلك مكتوبا بطريقة فيها فن وإبداع واستشراف لما يمكن أن يكون عليه مستقبل الوضع. هذا أمر بسيط لكنه ليس سهلا على الإطلاق..

* يقال إن البعض بدأ يلجأ للأساليب السهلة، وأحيانا اللاأخلاقية، لمنافسة الفضائيات والإنترنت؟ - هذا صحيح.. وهو منتشر. كما أن وسائل إعلام أخرى، كالتلفزيون والإنترنت أيضا، أصبحت تخلط الخبر بالرأي. أذكر لك، على سبيل المثال، ما حدث مع صحيفة «نيوز أوف ذا وورلد» الإنجليزية بشأن فضيحة التنصت على هواتف الآخرين. هذا شيء بشع. أما في التلفزيونات، في أميركا على سبيل المثال، تجد مساحات كبيرة من برامج الكلام والدردشة تقدم في صور موضوعات إخبارية، ليصدقها الناس على أن ما فيها أخبار حدثت بالفعل، بينما هذا غير صحيح.. حين تدور حلقة على فرضية أن الرئيس باراك أوباما رجل شيوعي، فإن الخطير هو تقديم الحلقة باعتبار أن شيوعية أوباما أمر مسلم به. بينما هذا غير حقيقي لأنه ليس خبرا، وإنما افتراض يجري الكلام حوله في صورة موضوع إخباري. حين يلجأ الإعلام لمثل هذه الأساليب من أجل زيادة عدد المشاهدين أو القراء فلا بد أن ندق ناقوس الخطر، خاصة في أميركا.. ولهذا، يجب دائما أن يكون هناك حد فاصل بين الأخبار والآراء، لأنها أصبحت مختلطة بعضها ببعض حاليا. القصص الصحافية لا بد أن تعتمد على صحافيين جيدين يتحلون بالأمانة والنزاهة والموهبة.

* متى كانت أول مرة زرت فيها منطقة الشرق الأوسط؟

- هذا كان منذ نحو ست سنوات. ذهبت في ذلك الوقت إلى الأردن من أجل العمل، حيث كنت أعمل معدا لعدة قنوات تلفزيونية منها قناة التلفزيون الآيرلندي. وبعد الأردن، تنقلت بين رام الله ولبنان. لكن الذي دفعني لزيارة المنطقة كان فيلم أنديانا جونز. أول زيارة كانت في الأردن في مدينة البتراء التي توصف بالمدينة الوردية، حيث المباني العجيبة ذات المعالم التاريخية في جنوب العاصمة عمان. ومن الأردن، أحببت بلاد العرب والثقافة العربية والبدوية وأصبحت صديقا للجِمال والإبل، وعشقت أكل حمص الشام. تعرف أن الحمص موجود في أميركا ويعد بطريقة معينة، لكن يتم بيعه عبر شركات كبيرة. أما في الأردن، فكان يمكنني أن أعدل في شكل الحمص بطريقتي الخاصة ليعطيني المذاق الذي أحبه. هذا صعب في أميركا. واكتشفت أيضا أن اللغة العربية تحمل في طياتها قدرا كبيرا من الموسيقى والجَمال.

* لكنك زرت منزل عائلة أبو مصعب الزرقاوي الذي كان زعيما لتنظيم القاعدة بالعراق؟

- نعم.. كان هذا من أهم الموضوعات.. وزرت من أجل هذا مدينة الزرقا التي ينتمي إليها الزرقاوي. أتذكر حين زرت عائلة الزرقاوي أن قام أحد الأطفال من أقاربه، وكان عمره نحو ست سنوات، بقذفي بالحجارة حين علم أنني أميركي. بدأ بقذفي بالحجارة فجريت وقفزت داخل السيارة. وعرفت أن عائلة الزرقاوي كانت تكره الأميركيين ومن بينهم هذا الطفل أيضا. كان الزرقاوي عمه.. المهم أنني خلال وجودي في الأردن والأراضي الفلسطينية واللبنانية، في عامي 2005 و2006 غطيت موضوعات تخص أحداث المنطقة. وفي 2007، عبرت إلى سوريا، حيث كان المواطنون يعتقدون أنني روسي.. على أي حال أدركت أن السوريين أيضا يحبون الأميركيين. كل من أتعامل معه من المواطنين يقول لي: أنا أحب أميركا أنا أحب أميركا.. كانوا لطفاء معي.

* يبدو أنك اتخذت قرار التوجه لمنطقة تعج بالمشاكل. هل هذا يقلقك؟

- منذ جئت إلى منطقة الشرق الأوسط، يسألني البعض هنا وهناك: ألا تخاف من الوجود في هذه المنطقة؟ وأجيب: إنني أحب المغامرة.. طبعا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) عام 2001، كان الاعتقاد السائد بين الأميركيين أن العرب يكرهون أميركا. لكن حين قررت أن أسافر إلى منطقة الشرق الأوسط، كان يقال لي عليك أن تتوجه إلى الأردن أو مصر، لأن هاتين الدولتين لهما علاقات سلام مع إسرائيل. وقلت حسنا إذا سافرت إلى منطقة الشرق الأوسط على هذا الأساس فسيكون أمرا جيدا. وكانت الأردن مجرد بداية وحين تذوقت حمص الشام فيها. وبعد ذلك، زرت اليمن ودول بالخليج ومصر ولبنان والأرضي الفلسطينية، وصولا إلى ليبيا. على أي حال، الغرب يريد أن يعرف أكثر عن العرب ومنطقة الشرق الأوسط. في بداية تواجدي، كتبت العديد من الموضوعات لصحف مثل «ساينس مونيتور ماجازين»، و«ديلي كولر»، و«ميامي هيلد»، و«ذامانيتور». ولم أرجع إلى الولايات المتحدة إلا في عام 2009.

* وما الذي أغراك بالعودة مرة أخرى؟

- في الحقيقة، كانت لدي رغبة قوية لتعلم اللغة العربية. وفكرت أن أنتقل إلى دولة لا يكثر فيها استخدام اللغة الإنجليزية أو أي لغات أخرى غير العربية بقدر الإمكان.. ولهذا توجهت إلى اليمن، وفوجئت بأنني أقع أسيرا لها. ومكثت في صنعاء القديمة وبدأت تعلم اللغة العربية لمدة ثلاث ساعات في اليوم.. وخلال ذلك، تعاملت مع اليمنيين عن قرب. وصمت معهم شهر رمضان. كانت هذه أول تجاربي في الصيام عن الأكل والشرب مثل المسلمين. من الجيد أن تعيش حياة الآخرين أحيانا.. ارتديت الملابس اليمنية الشهيرة وأطلقت لحيتي وسافرت إلى عدن والحديدية وحضرموت. وغادرت اليمن نهاية العام الماضي، في إجازة لأميركا، على أن أعود، ولهذا تركت كتبي وملابسي في صنعاء، منذ ديسمبر (كانون الأول) 2010 لكنني لم أتمكن من الوصول إليها حتى الآن.

* لماذا؟

- حين كنت في إجازة بأميركا بدأت الثورة التونسية.. وأعتقد في البداية أنها مجرد مظاهرات ستنتهي سريعا، لكن الأمر تطور وزاد، وبدأ العالم يراقب. ثم بدأت الثورة في مصر. وقلت يا إلهي ماذا يحدث.. هذه أحداث تاريخية لا يمكن أن أفوتها. لا بد أن أعود للمنطقة. في هذا التوقيت، كان الكل يقول إن (الرئيس المصري السابق) حسني مبارك قوي ولن يرحل عن الحكم.. أريد أن أشير أيضا إلى أنه قبل الثورة المصرية كان كثيرون يعتقدون أن الشعب المصري كسلان، ولن يفعل شيئا.. لكن المصريين أبهروا العالم حين وقفوا جنب بعضهم بعضا.. مسيحيين مع مسلمين ورجالا مع نساء.. كبارا وصغارا وفتيات، يفخرن بأنهم مصريات ويهتفن في ميدان التحرير من أجل الحرية.

* حين كنت في اليمن حتى أواخر 2010، هل كنت تظن أن اليمنيين يمكن أن يثوروا على نظام الحكم؟ - أثناء وجودي في اليمن لم يخطر على بالي أبدا أن هذه البلاد يمكن أن تحدث فيها ثورة. كان غالبية اليمنيين يمضون وقتهم في مضغ القات دون أن يبدو عليهم أنهم سيعملون شيئا. قبل مظاهرات اليمنيين، سمعت في صنعاء قصة طريفة تقول إنه إذا خرج 500 يمني قاصدين الميدان للتظاهر ضد علي عبد الله صالح، ومروا خلال ذلك بسوق للقات، فإن من يصل منهم للميدان لا يزيد على 50. هم ليسوا سياسيين. على أي حال، بدأت الاحتجاجات الضخمة تضرب العالم العربي بداية من 2011، وكان الإعلام الغربي، بل الغرب كله، مهتم بهذا الموضوع. وجئت للقاهرة على عجل لهذا السبب.

* هل كانت زيارتك الأولى للقاهرة أثناء الثورة، أم زرتها قبل ذلك؟ - زرت مصر قبل الثورة مرة واحدة كانت في عام 2009. وأثناء ذلك واجهت ثلاث مشاكل: تلوث الهواء.. الزحام الشديد، وسرعة التحدث باللغة العربية ذات اللهجة المصرية. كان المصريون يجتهدون لمساعدة بعضهم بعضا. هذا كان ظاهرا في الشارع. كما أن كثيرين منهم يتحدثون الإنجليزية.. وقلت لنفسي إذا تمكنت من التعايش مع هذه المشاكل الثلاث التي ذكرتها، فإن القاهرة يمكن أن تكون مكانا طيبا للمعيشة، خاصة أن مصر كاليمن بها العديد من الأماكن التاريخية. كما أن مصر هي ملهمة الشعوب العربية. ما يحدث فيها يحدث في باقي الدول.. نعم. لم أكن أتوقع أن تحدث ثورة في مصر أو اليمن، فمبارك قوي وصالح قوي. وتحدثت في التلفزيون عند عودتي لأميركا من اليمن بأن القادة - وليس الناس - هم كل شيء في هذه الدول. لكن، ما لم يكن متوقعا أن يثور الليبيون على القذافي.

* وتركت ثورة مصر وتوجهت إلى ثورة ليبيا؟ - لا.. الأحداث بدأت في ليبيا وأنا موجود في أميركا. شاهدت ما يجري في التلفزيون. وبعد ذلك، وجدت حلف الناتو بدأ الضرب على طرابلس. حزمت حقائبي لأتوجه إلى بنغازي. وهنا بدأ كل من يعرفني في أميركا يحذرني من السفر إلى ليبيا، قالوا لي القذافي مجنون. وإذا ذهبت إلى هناك فلن ترجع.. لكنني أقنعت أسرتي وعائلتي، وقلت لهم إنني صحافي، وإن الناس يحتاجونني، خاصة أنني أصبحت مثل المدمنين للعالم العربي. وما أدركته هو أن الناس يريدون حكم أنفسهم بأنفسهم. على جبهات القتال في البريقة وإجدابيا ومصراته كنت أمشي جوار صبية في الـ17 والـ18 من أعمارهم يحملون السلاح ويقاتلون قوات القذافي. وأقول لنفسي - وأنا آكل معهم المعكرونة المطبوخة بالطماطم في جلسات الاستراحة الأسبوعية عقب صلاة الجمعة - إن الحرية ليست مجانا، وإن شعوب الغرب، خاصة في أميركا، عليهم أن يذكروا أنفسهم بهذه الحقيقة، وأن يدركوا أن ما يعيشون فيه من حرية اليوم كان باهظ الثمن في الماضي، وعليهم ألا ينسوا أن يحافظوا على ما حققوه..