هوس الهنود بالإعلانات

الإعلانات حققت أرباحا قدرها 6.9 مليار دولار خلال 12 شهرا

TT

تشتري عائلة تيواري في دلهي صحيفة «تايمز أوف إنديا» ليس من أجل محتواها الصحافي، بل للحصول على مساحة أكبر للإعلانات. سواء كنت تريد تناول الطعام خارج المنزل أو شراء ملابس أو حلي أو حتى عقارات، ستبحث عنها في الإعلانات.

في منزل ريفات خان، لا يمكن الضغط على زر التحويل في جهاز التحكم عن بعد الخاص بالتلفزيون أثناء عرض الإعلانات عن الأزياء ونمط الحياة، وتشتري الأسرة قليلا من المجلات لكن ليس لقراءتها، بل للبحث عن إعلانات عن آخر صيحات الموضة.

من الأمثلة الأخرى الضابط العسكري، كابيل مالهوترا، الذي يتصفح شبكة الإنترنت بحثا عن هدية لزوجته في عيد زواجهما العاشر، فهو منتدب إلى موقع على الحدود الهندية الباكستانية. وقد أسرته وخلبت لبه قطعة من الحلي معروضة على شبكة الإنترنت وتم توصيلها إلى زوجته في اليوم الموعود في دلهي. هذه عدة أمثلة توضح كيفية تأثير الإعلانات على وعي الهنود وكيفية استفادة مجال الإعلام والترفيه من ذلك. التوجه العام السائد في الإعلام الهندي حاليا هو ازدهار قطاع الإعلانات، الذي حقق أرباحا قدرها 6.9 مليار دولار خلال 12 شهرا انتهت في يونيو (حزيران) الماضي مما جعل معدل النمو السنوي 28% وهو الأعلى في منطقة غرب المحيط الهادي، بحسب دراسة. وشهد الإنفاق على الإعلانات على شاشات التلفزيون وفي الصحف والمجلات نموا بنسبة 36%، بحسب المسح الذي أجرته شركة «نيلسين» والذي شمل عددا كبيرا من الدول في المنطقة. وشهد قطاع الصحافة نموا بمقدار 3.9 مليار دولار، وجاء التلفزيون في المرتبة التالية بعد الصحف بزيادة قدرها 24% وتوقف حجم الإنفاق في هذا القطاع عند 2.4 مليار دولار، في حين شهدت الصحف زيادة في الإعلانات قدرها 8% وبلغ حجم الإنفاق في الإعلانات بها 393 مليون دولار. فضلا عن هذا الازدهار الذي شهده مجال الإعلانات في تلك الوسائل الإعلامية، هناك وسائل أخرى مثل الإذاعة والإنترنت وإعلانات الشوارع والقنوات ذات الاشتراك، حيث بلغ إجمالي نسبة النمو بها ككل 31% بحجم إنفاق بها قدره 1.2 مليار دولار. وتمثل القطاعات العشرة الكبرى ومنها الخدمات والرعاية الشخصية والأطعمة والمشروبات 51% من الإعلانات في وسائل الإعلام في الهند. وأسهمت قطاعات مثل العقارات والسفر والتأمين والمال في زيادة كبيرة في عدد الجهات المعلنة التي تنفق أموالا ضخمة للإعلان من خلال الوسائط الرقمية.

على الجانب الآخر، يبحث اتحاد غرف التجارة والصناعة الهندي وشركة «كيه بي إم جي»، في احتمال ازدهار قطاع الإعلانات ونموه نموا كبيرا في الهند خلال الخمس سنوات القادمة. ويكتسب تقرير هاتين الجهتين أهمية نظرا لتمتعه بقبول الحكومة والقطاع الخاص والنظر إليه باعتباره الموقف الرسمي بشأن قطاع الإعلام والترفيه الهندي. وتبلغ نسبة إعلانات التلفزيون، الذي يعد أكبر وسيط، 40% ومن المتوقع أن يزداد هذا النمو بنسبة تفوق الـ20% خلال الفترة بين 2011 و2013. وجاء في التقرير: «من المتوقع أن تمثل أرباح التلفزيون نصف عائدات قطاع الإعلام والترفيه الهندي، بفضل زيادة الاشتراكات وأرباح الإعلانات». كذلك من المتوقع أن يزدهر الاستثمار في مجال الإنترنت سريعا، حيث تفوق نسبة النمو 40% خلال العامين. والجدير بالذكر أن مستوى الاتصال بشبكة الإنترنت في الهند متدن، حيث تبلغ نسبة الذين يتصلون بالشبكة أقل من 10%. ويشهد سوق الإعلان على شبكة الإنترنت نموا ثابتا قويا، حيث تبلغ نسبته 26.5% رغم أن نسبة الاتصال بالإنترنت في الهند تبلغ نحو 9%. وصدر عن هيئة الإنترنت والهواتف الجوالة في الهند مؤخرا تقرير يوضح أن حجم الإعلان عن طريق الرسائل والإنترنت بلغ 9.93 مليار روبية خلال العام المالي 2011 - 2012. وزادت نسبة الإعلان عن طريق الإنترنت لتصل إلى نحو 28% مقابل 26% في الإعلان عن طريق الرسائل النصية.

لهذا بدأت الجهات المعلنة تنظر إلى هذا القطاع على نحو أكثر جدية. وتعد دراسة أوزون لمستخدمي الأداء الإعلامي التي استهدفت معرفة سلوك المستخدم في مختلف قطاعات الإنتاج تحليلا لما يقرب من ربع مليون مبادرة منبثقة عن حملات إعلانية تمت من خلال شبكة «أوزون ميديا» العام الماضي.

يقول كيران غوبيناث، الرئيس التنفيذي لـ«أوزون ميديا»: «لكن المثير للاهتمام رؤية ازدهار الإعلان على شبكة الإنترنت في الهند، في الوقت الذي يشهد فيه تراجعا في باقي أنحاء العالم. بينما تنتشر النوافذ الدعائية الأمامية والخلفية في الهند، نادرا ما تظهر في أماكن أخرى من العالم».

بعد أن أرهق سيدارثاسا شارما البالغ من العمر 35 عاما في البحث عن أفضل العروض التأمينية لأسرته، لجأ إلى كل الإعلانات الخاصة بالتأمين على شبكة الإنترنت وأخيرا قرر شراء بوليصة تأمين على الإنترنت. وهو ليس الوحيد الذي يسعى إلى شراء منتجات عبر شبكة الإنترنت. ونظرا لزيادة الطلب على الإعلانات التي يتم التوصل لها من خلال محرك البحث بنسبة 35%، استحوذت شركة «غوغل» في الهند على أكثر من 55% من سوق الإعلانات على شبكة الإنترنت. واقتدت شركات كبرى بـ«غوغل»، حيث حققت أرباحا من الإعلانات من خلال زيادة العرض التقليدي والإعلانات التي تظهر على هيئة شريط على الشاشة مصحوبا بعملية ربط الإعلانات بالكلمات المفتاحية في محرك البحث ومنها «ياهو إنديا» و«ريديف دوت كوم» و«إنديا تايمز» و«ويب 18» و«هوتميل».

منذ عام مضى، تلقى إظهار بهات وهو في كشمير رسالة نصية عن مشروع عقاري يقام في ضواحي العاصمة الهندية دلهي. في غضون أيام، وقع العقد وفي انتظار تسلم شقته المكونة من غرفتين نهاية العام الحالي. ويقدر حجم الإعلانات من خلال الرسائل النصية في الهند بنحو 100 مليون دولار ومن المتوقع أن يزداد بنسبة 25% خلال عام 2010 - 2011. ومن المتوقع أن تستمر هيئة المصارف والخدمات المالية والتأمين و«ترافيل» و«أون لاين بابليشيرز»، أكبر 3 جهات معلنة في 2010 في قيادة الجهات التي تعلن من خلال الرسائل النصية في العام المالي 2011. ترصد «بيتش ماديسون ميديا أدفيرستاينغ أوت لوك»، التي تقدم خدمة المعلومات عن الإعلانات من خلال وسائل الإعلام في الهند والتي أنشئت منذ 8 أعوام، وتحلل أين وكيف تم إنفاق أموال الإعلانات خلال العام الماضي وتشير إلى النمو المستقبلي المتوقع. وقد أشارت إلى أن قطاع الإعلانات سوف يشهد ازدهارا كبيرا خلال الخمسة أعوام المقبلة سواء من خلال الصحف أو التلفزيون أو الإنترنت أو الإذاعة. يقول أميت أغنيتوري، مدير «إكستشينج فور ميديا غروب أند إديتور بيتش» وأحد مؤسسيها: «توضح الدراسة التي أجريناها فيما يتعلق بالتوجهات في قطاع الإعلانات عام 2010 أن التلفزيون والصحافة حصلا على 87% من الإعلانات. لقد كان عام 2010 بالتأكيد عاما طيبا بالنسبة إلى الإعلام الهندي، حيث يقدر رجال الأعمال وأصحاب العلامات التجارية الهنود فوائد ومزايا الإعلان عن طريق وسائل الإعلام من أجل زيادة المبيعات وتعزيز مكانة العلامة التجارية». تعليقا على التوجه نحو زيادة الإنفاق على الإعلانات، قال أميت أغنيتوري: «الركود» يتحول إلى ماض. ويتبنى مسؤولو التسويق استراتيجيات إعلانية لإعادة إحياء بعض العلامات التجارية من خلال زيادة ظهورها في وسائل الإعلام مما يؤدي إلى زيادة حجم الإنفاق في قطاع الإعلام.

يعد قطاع الإعلان في الهند خلال الـ12 شهرا الماضية التي انتهت في يونيو الأكثر ازدهارا في منطقة غرب المحيط الهادي مما يجعل إندونيسيا في المركز الثاني بنسبة قدرها 24% تليها هونغ كونغ بنسبة قدرها 18%. في الاجتماع السنوي لـ«بيتش» في عام 2011، شعرت الأطراف الفاعلة في مجال الإعلام بأن العامل الرئيسي الذي مكن الإعلام من تحقيق هذا النمو الكبير هو طبيعته التي تسمح له بالتحول والتغير، حيث كان قادرا على التوفيق بين النمط الاستهلاكي لجمهور الإعلام المتغير وحاجة الجهات المعلنة إلى حلول إعلانية. بحسب «سي في إل سرينيفاس» و«إم دي» و«ليكويد ثراد أباك أند تشيرمان» و«ستار كوم ميديا فيست غروب» و«إنديا»، كان عام 2010 هو عام عودة الحياة لهذا القطاع. لقد شعر أن النصف الأول من عام 2011 بدا واعدا، بفضل إقامة فعاليات كبيرة خاصة بالكريكيت مثل كأس العالم للكريكيت ودوري الكريكيت الهندي الممتاز. بالنسبة إلى شانتانو بهانجا و«في بي ماركيتينغ» و«إتش تي ميديا»، الابتكار المتزايد في الصحف الورقية كان مؤشرا كافيا إلى اكتساب هذا المجال المزيد من المرونة واستعداده لخدمة مصالح الجهات المعلنة بطريقة أفضل. وقال بهانجا، إن الصحافة الورقية لم تعد تعني الصحف اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، لكنها أصبحت محتوى قائما على العلامة التجارية يمكن أن يتماشى مع أذواق الجماهير المتغيرة. وأضاف: «على عكس الدول الغربية التي وصلت فيها الصحف إلى مرحلة من الإشباع، كانت الهند سوقا مزدهرة للصحف ومن المتوقع أن تستمر على هذا النحو خلال السنوات المقبلة، حيث يزداد معدل الإلمام بالقراءة والكتابة ويحاول الشباب اللحاق بركب الثقافة العالمي».