صحافة «التابلويد» تتجمل بحلة «ميدان التحرير»

الخبراء يعتبرونها ظاهرة صحية تعكس مناخ الثورة

صحف التابلويد تعود لصدارة المشهد الإعلامي في مصر بعد الثورة
TT

امتدت آثار ثورة 25 يناير لسوق الصحافة في مصر، فبعد سنوات من الاعتقاد الخاطئ أن صحف «التابلويد» هي صحف إثارة أو نميمة أو رياضة أو دعاية إعلانية، غيرت الثورة ذلك المفهوم، وشهدت أحداثها صدور عدد كبير من الصحف، أضفت على «التابلويد» ملمحا ثوريا، وجعلت منه منبرا حرا للثوار.

ذلك الرواج في سوق صحافة التابلويد ليس فقط بسبب تكلفته المادية الأقل وسهولة تصفحه، بل لتناوله المسكوت عنه في الصحف المصرية كبيرة الحجم واسعة الانتشار. وأيضا تعمقه رغم ضعف الإمكانات والمهنية في عرض وتناول القضايا الملحة التي تمس المواطن البسيط والفئات المهمشة في المجتمع.

البداية كانت خلال أحداث الثورة وقبل تنحي الرئيس السابق حسني مبارك بعشرة أيام، حيث ظهرت في ميدان التحرير صحيفة تحمل اسم «ميدان التحرير» يرأس مجلس إدارتها الصحافي محمد مصطفى شردي، وكتب عليها «صحيفة يومية يصدرها شعب مصر»، الثمن: حرية. وقد صدرت جريدة ميدان التحرير كصحيفة ورقية وعلى مدى ثمانية أعداد استطاعت أن تكون المتحدث الإعلامي بلسان حال الثورة الوليدة، ثم تحولت منذ أبريل (نيسان) الماضي إلى جريدة إلكترونية.

وفي شهر مايو (أيار) الماضي ظهرت جرائد تعبر عن اتجاهات سياسية ومنها جريدة «العامل المصري» التي تعبر عن الحزب الاشتراكي المصري (تحت التأسيس) والتي تدافع عن حقوق ومطالب العمال والفلاحين وهي صوت لائتلاف الأحزاب الاشتراكية.

أما جريدة «جورنال» الشهرية التي توزع مجانا فكان لافتا أن القائمين عليها، اكتفوا في برد طاقم التحرير للجريدة بكتابة: إعداد «القلة المندسة»، ويمكنك الحصول على الجريدة وأنت جالس بأحد المقاهي المنتشرة في وسط البلد حيث يقوم فريق من الشباب بتوزيعها على المارة ومرتادي مقاهي ومحال وسط القاهرة. ونشرت الجريدة في أعدادها الصادرة حتى الآن عددا من الحوارات مع مرشحي الرئاسة والعديد من المقالات والآراء حول مصر بعد الثورة.

هيئة تحرير «جورنال» لا تنتمي إلى أي تيارات سياسية ويعبر القائمون عليها عن سبب إصدارهم للجريدة بقولهم «يوم 25 يناير 2011، بدأ الشارع المصري في التحرك للمرة الأولي منذ أكثر من 30 عاما بقيادة شباب مصر. نحن مجموعة من الشباب عاصرنا التغيير الذي حدث لنا وللآخرين داخل وخارج ميدان التحرير ضمن أحداث هذه الثورة، قمنا بمهام مختلفة: أعمال نظافة، تنظيم مرور، حراسة محلات تجارية.. الخ، تحولنا من شباب عادي يهتم بأمور حياته اليومية إلى (ثورجية). وبعد كل ما شاهدناه من استخدام الإعلام كأداة للتشويش والتضليل، قررنا إصدار هذه الصحيفة بجهودنا الشخصية، لنحارب من خلالها سوء استخدام الإعلام خارجيا كان أم داخليا. ولكي نثبت ولاءنا التام لحرية التعبير.. التي حرمنا منها».

كما أصدرت اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة نشرة تقدمية باسم «مصر الثورية» التي تصدرها مجموعة من اللجان الشعبية في بر مصر تم التنسيق فيما بينها بهدف حماية الثورة من الالتفاف عليها، هذه الصحيفة تمثل انعكاسا للحالة الثورية التي يعيشها المواطن المصري وهو ما يوضحه أيمن يوسف، منسق اللجان الشعبية للدفاع عن الثورة في منطقة إمبابة، لـ«الشرق الأوسط» بقوله: «ولدت فكرة الصحيفة في ميدان التحرير كما ولدت لدينا فكرة تكوين اللجان الشعبية، وهدفنا الأساسي من إصدارها هو تحريك الأغلبية الصامتة من المواطنين المصريين الذين لم يتفاعلوا مع الثورة ويكتفون بالمشاهدة، فنحن نسعى للتواصل معهم وتوعيتهم سياسيا من خلال توزيع الجريدة مجانا، وبالفعل فاقت الاستجابة توقعاتنا حيث قام عدد كبير من المواطنين بالاتصال بنا على أرقامنا في القاهرة والمحافظات الأخرى للمشاركة والانضمام إلى اللجان الشعبية كل في منطقته، وكذلك للمشاركة بإسهامات صحافية ومقالات رأي وبالفعل أصبحت الجريدة صوت اللجان الشعبية».

وحول تمويل الجريدة يضيف يوسف: «يتم تمويل الجريدة بالجهود الذاتية لذا فهي ليست دورية وتطبع وفقا لتوافر الإمكانات المادية، لكن وصل حجم توزيعنا إلى 50 ألف نسخة يتم توزيعها في الميدان على مدار اليوم، ونحن نعقد اجتماعات دورية للتنسيق فيما بيننا وتوزيع المهام وتنسيق المادة الصحافية التي تختلف بطبيعة الحال من محافظة لأخرى».

وعلى غرار «مصر الثورية» صدرت جريدة «صوت أكتوبر» التي تصدرها اللجان الشعبية بمدينتي أكتوبر والشيخ زايد والتي تحرص في أعدادها على مطالبة أهالي المدينتين بمحاربة الفساد والإبلاغ عنه، كما تسعى لنشر التوعية بمتطلبات الديمقراطية والتثقيف السياسي.

ظاهرة انتشار تلك الصحف والنشرات التي تمثلت في حجم التابلويد بعد 25 يناير، تعتبرها أستاذة الإعلام بجامعة القاهرة الدكتورة إيناس أبو يوسف لـ«الشرق الأوسط» ظاهرة صحية وأساسية مصاحبة للثورات وحركات التغيير الاجتماعية، وكما تقول: لأنها تقدم توثيقا تاريخيا يوميا لما يحدث في الميدان واتجاهات القوى السياسية المختلفة، كما أنها ليست دليلا على حرية الصحافة في مصر بل هي دليل ثورة، وحجم التابلويد هو الحجم المناسب لتلك الصحف حيث إنها أقل تكلفة ولا تحتاج إلى إمكانات كبيرة. ونطلق عليها الصحافة البديلة أو «الأندر غراوند نيوزبيببرز». لافتة إلى أن هذه الصحف انتشرت في أوروبا وأميركا في بدايات القرن العشرين وكانت تناقش قضايا الأقليات وحقوق المرأة أو توجهات سياسية معينة.. وأذكر حينما كنت أعد رسالة الدكتوراه الخاصة بي في أميركا في جامعة سان دييغو كان أساتذة الجامعة يصدرون صحيفة باسم (لايز أوف أور تايمز) تتحدث بشكل يومي عن الأكاذيب المنشورة في جريدة (نيويورك تايمز) العريقة كدليل على أن ليس كل المنشور حقيقيا وصادقا».

وتقول أستاذة الإعلام: «أعتقد أننا وفي ظل الأوضاع السياسية الراهنة في حاجة إلى مثل تلك الصحف التي تواكب سرعة الأحداث، بل نحن في حاجة إلى اهتمام خبراء الإعلام بها وتحليلها وإدارة حوارات ونقاشات حولها لأنها تقدم اتجاهات مجتمعية هامة».

وقريبا من رأي الدكتورة إيناس ترى هالة مرجان، استشارية الإعلام المحلي ببرنامج تطوير الإعلام التابع للمعونة الأميركية، أن هذه الصحف غيرت بالفعل الصورة الذهنية الشائعة المرتبطة بكونها صحفا تسعى للإثارة، ولكنها تفتقر بشكل كبير إلى المهنية في تغطية الأخبار، وأيضا في كم وكيف المحتوى، قائلة «صحف التابلويد أصبحت في أميركا وأوروبا الأكثر شيوعا وانتشارا وأحيانا أهم في قيمتها من صحف الحجم الكبير، أما بالنسبة للتابلويد التي انتشرت بشدة بعد الثورة فهذه الصحف ينقصها الخبرة في التحقق من الأخبار فليس لديهم المصادر الكافية، وأحيانا كثيرة تكون فقيرة في محتواها، وأعتقد أن أغلبها لا يعبر عن توجه معين أكثر من كونها صوتا لهم وصدى للحرية التي أتيحت بعد الثورة».