مواقع التواصل الاجتماعي و«بلاك بيري ماسنجر».. قوة دافعة لتنظيم التجمعات

ما بين شغب لندن واحتجاجات «ميدان التحرير»

واجهة متجر يبيع أحدث أنواع الجوالات في شرق لندن قبل تكسير زجاج الواجهة الخارجية ونهب محتوياته (أ.ف.ب)
TT

لعبت مواقع مثل «فيس بوك» و«تويتر» دورا في الثورات بإتاحة فرصة للمحتجين للتنسيق في تنظيم فعاليات وجعلهم يرون أنفسهم كجزء من حركة أكبر.

في أعقاب عملية إطلاق رصاص من جانب الشرطة يحيط بها الكثير من الجدل، عاشت العاصمة البريطانية يومين متتاليين سادت فيهما أعمال شغب وسلب ونهب. وكما الحال مع أعمال شغب سابقة - مثلما حدث في فانكوفر، كولومبيا البريطانية، في أعقاب نهائي كأس «ستانلي» - يبدو أن الجميع حاليا يبحث عن الجاني. وألقى البعض بالمسؤولية على مواقع التواصل الاجتماعي مثل «تويتر» و«فيس بوك»، ويذكر آخرون أجهزة «بلاك بيري» وإمكانات الرسائل الفورية عليها. لكن يبدو ذلك أشبه بالقول إن الأشجار مسؤولة عن نيران شبت بإحدى الغابات. وقد ظهر ذلك في ما يتعلق بالثورتين في تونس ومصر، حيث تعد هذه المواقع مجرد سمات لحياتنا حاليا، ويمكن أن تكون هذه قوة كبيرة في تجاه الخير والشر، على السواء.

وعلى الرغم من الاختلاف البائن في سمات مهمة، فإنه توجد أوجه تشابه بين أعمال الشغب داخل لندن نهاية الأسبوع الحالي والاحتجاجات داخل ميدان التحرير في مصر، فكلا الأمرين تسبب فيه مقتل رجل يعتقد البعض أن السلطات استهدفته بصورة غير عادلة. وفي بريطانيا كان الرجل هو مارك دوغان، والد لأربعة أطفال أردي قتيلا بعد أن أوقفته الشرطة. وفي مصر كان الرجل هو خالد سعيد، وهو شاب يبلغ من العمر 28 عاما اقتيد خارج مقهى إنترنت وضُرب حتى مات على يد القوات الأمنية. وقد ظهرت نتيجة لكلا الحادثين صفحات على موقع «فيس بوك» أصبحت محط تركيز وسائل إعلام اجتماعية أدت في نهاية المطاف إلى انتشار الاحتجاجات.

ومن الواضح أن كلتا التظاهرتين لها أسباب ونتائج مختلفة تماما، ففي مصر كانت الاحتجاجات بسب عقود من الفساد والنظام السلطوي تحت سيطرة ديكتاتور. كما كانت بسبب نقص في المواد الغذائية وارتفاع معدلات البطالة وما إلى ذلك - وقد أدى ذلك إلى الإطاحة بالحكومة وتولي الجيش زمام الأمور داخل البلاد. وفي بريطانيا (كما الحال في فانكوفر)، يبدو أن الأحداث التي يزعم أنها أثارت أعمال الشغب مبرر في الأغلب لبلطجية مكنهم من نهب محلات تجارية وإضرام النيران في بعض الأشياء.

وكما أشار أكثر من شخص، فإن أعمال الشغب والاحتجاجات هذه تحدث منذ قرون، من دون الحاجة إلى موقعي «تويتر» و«فيس بوك» أو خدمة «بلاك بيري ماسنجر». وعلى الرغم من أنها قد لا تحدث ثورات، فإنه ما من شك في أن هذه التقنيات والشبكات الفورية المتحركة يمكن أن تساعد الثورات عندما تظهر.

وكما وصف جارد كوهين من «غوغل آيدياز» في أعقاب الثورات داخل تونس ومصر، فإن وسائل الإعلام الاجتماعي ربما لم تكن الجهة التي تقف وراء ظهور هذه الأحداث، إلا أنه من الواضح أنها أسهمت في سرعة تحول الأحداث. وفي بعض الحالات، يكون ذلك بسبب إمكانية استخدام وسائل اجتماعية، مثل «تويتر» و«فيس بوك» والرسائل النصية، في تنسيق فعاليات محددة أو تنظيم تجمعات، قال بعض المراقبين إنها كانت من جانب بلطجية داخل لندن. وتوجد سمة أخرى في وسائل الإعلام الاجتماعية يمكن أن تساعد على إثارة هذه الأعمال، وهي التأثير الذي تتركه رؤية آخرين ينشرون عن سلوكهم.

وتشعرك وسائل الإعلام الاجتماعية بأنك ضمن تحرك أوسع، وبصيغة أخرى فإن رؤية متظاهرين في احتجاجات في تونس ساعدت على إثارة الشيء نفسه في مصر، حيث جعل ذلك المحتجين في ميدان التحرير يرون أنفسهم على أنهم جزء من حركة أكبر، أو على الأقل ليسوا وحدهم في رغبتهم في الثورة. وهذا استخدام إيجابي لهذه الوسائل (ما لم تكن عضوا في حكومة شمولية داخل كلا الدولتين طبعا). ولكن الظاهرة نفسها تجعل من السهل نظريا للناس تبرير سلوكهم في أعمال الشغب داخل لندن، لأن آخرين يقومون بالشيء نفسه.

هل هذا خاص بوسائل إعلام اجتماعية مثل «تويتر» و«فيس بوك»؟ من الصعب قول ذلك. وكما أشار البعض عن التغطية شبه الهسترية لهذه الوسائل من جانب وسائل الإعلام العادية، فإن التقارير الإخبارية التلفزيونية وصحف الـ«تابلويد» قامت بالقدر نفسه بالإعلان عن هذا السلوك وإضفاء شرعية عليه، كما فعلت الشبكات الاجتماعية. الاختلاف في موقعي «تويتر» و«فيس بوك» أنهما دائما حاضران بصورة تختلف عن التلفزيون. لكن تكمن القوة الحقيقية في التواصل الذي تسمح به هذه الوسائل بين الأفراد: الأفراد الذين ربما لا يعرفون بعضهم لكنهم أصبحوا جزءا من ظاهرة أكبر من خلال اتصالهم الاجتماعي وقدرتهم على التواصل سريعا.

ويمكن أن يساعد ذلك المواطنين على النهوض أمام حكومات ديكتاتورية، لكنه يساعد أيضا البلطجية واللصوص على الاستفادة من القضية لخلق حالة من الرعب وإشاعة الفوضى. وللأسف فإن هذين الأمرين مرتبطان ببعضها بعضا. تقول صحيفة «ديلي تلغراف» إن الشرطة كانت مستعدة للمشكلات في برمنغهام بعد حملة على موقع «فيس بوك» و«بلاك بيري ماسنجر» و«تويتر» حذرت من أعمال عنف، وانتشرت إشاعات على «فيس بوك» عن أن المشاكل ستبدأ في الساعة السادسة مساء بالتوقيت البريطاني الصيفي، وكان يعتقد أن المجمع الترفيهي خارج المدينة «ستار سيتي» هدف محتمل. ونشرت شرطة «ويست ميدلاندز» رسالة على موقع «تويتر» قرابة الساعة الخامسة مساء بالتوقيت الصيفي البريطاني ردا على إشاعات عن فوضى منظمة.

وتقول صحيفة «الغارديان» إن معظم أعمال التجمع حتى اللحظة في أعمال الشغب داخل لندن لم تحدث عبر موقعي «تويتر» أو «فيس بوك».. «لكن عبر شبكة اجتماعية أكثر سرية وهي (بلاك بيري ماسنجر)». وتقول إن «بي بي سي» انتقدت ليلة أمس بعد الاستمرار في الإشارة إلى أعمال الشغب داخل لندن على أنهم «محتجون». وقالت «بعد يومين من احتجاج سلمي بسبب موت مارك دوغان، الذي يشتبه في انضمامه لعصابة، داخل توتنهام، كانت الهيئة لا تزال تستخدم اللقب لوصف أعمال النهب العنيفة».

وألقت الصحافة البريطانية المسؤولية عن أعمال الشغب داخل لندن على وسائل الإعلام الاجتماعية، لكن هل سيتم توجيه سريعا الشكر إلى وسائل الإعلام الاجتماعية بسبب حملة التنظيف؟

خلال ساعات جذب حساب «@Riotcleanup» على موقع «تويتر» ما يصل إلى 55.000 متابع. وتوجد على موقع «فيس بوك» صفحة مماثلة مصدر مركز للمعلومات على الشبكة الاجتماعية الأكبر في العالم. ويقف وراء حركة موقع «تويتر» دان ثامبسون، وهو فنان من ورثنغ في ساسكس. ويدير ثامبسون شبكة تساعد الطرق السريعة على استخدام محلات خالية. ويقول «فكرت في ما إذا كان بمقدوري القيام بشيء. ورأيت أني لو استطعت دفع الناس لإزالة الأنقاض في الشارع من أمام منازلهم، سيصنع ذلك فارقا». ويستطرد «لم أكن أتوقع هذه الاستجابة. كان مشهد الناس حاملين المقشات ويحيون الشرطة مؤثرا جدا». ويرفض إي إشارات إلى أن موقع «تويتر» مسؤول عن أعمال الشغب. ويقول «ربما بذلك تلقى اللائمة على الهواء».

وقد جذبت حملته عددا من أصحاب الحسابات من المشاهير على موقع «تويتر»، ومن بينهم ستيفان فري الذي كتب «آمل أني لو كنت في لندن حاليا لأكون جيدا وشجاعا ورحيما مثل هؤلاء الذين وافقوا على الاجتماع ومساعدة حساب حملة التنظيف (RiotCleanup)».

وتوجد على حسابات أخرى صور تظهر متطوعين في العمل، يقومون بتنظيف أنقاض نتجت عن أعمال شغب ليلية في أسوأ أعمال فوضى داخل العاصمة البريطانية على مدار عقود.

وعلق نك هورد، وزير المجتمع المدني البريطاني، على حملة التنظيف في بيان بعث به عبر البريد الإلكتروني قائلا «علينا جميعا الإقرار بالجميل الذي أسداه متطوعو التنظيف الذين يمثلون الوجه الحقيقي لبريطانيا. لقد اجتمعوا هذا الصباح سلميا ليبرهنوا على أن مجتمعاتهم لن تهزمها أعمال العنف المجنونة. وتعني تصرفاتهم أن الأشخاص الذين ذهبوا للنوم في حالة من الخوف سيشعرون بأنهم جزء من مجتمع واع - وهذه القوة التي تكمن في قيام أشخاص بأشياء لبعضهم بعضا».

وكانت من بين المتطوعين المنضمين إلى حملة التنظيف كلير باركنسون، المقيمة داخل لويشام، التي كانت تحشد فريقا من 20 شخصا بعد اضطرابات داخل المنطقة. وقالت باركنسون لـ«بي بي سي» إن هذه المبادرة إشارة إلى الدعم من المجتمع المحلي للشركات الصغيرة التي نالت منها أعمال الشغب. وتضيف «نريد أن نرى ما إذا كانوا في حاجة إلى أي نوع من المساعدة - حتى لو كان ذلك من خلال إحضار كوب من الشاي لهم. ونريد أيضا أن نظهر أننا لسنا سيئين جميعا - سيشعر الكثير من الأشخاص بالإحباط بعد هذه الأحداث».

وتسعى شرطة العاصمة، التي وجهت لها انتقادات لاستجابتها البطيئة، للتعرف على هوية الأشخاص من خلال الجمهور. وتشجع المواطنين على وضع صور على حسابهم على «فليكر». وفي رد فعل، أعلن عن موقع «Catch a Looter» على «تومبلر»، يدعو إلى عرض صور من قاموا بأعمال النهب.