قبل 9 سنوات، كان المذيع السعودي عبد الرحمن الحسين يصدح بصوت الشباب الواعي يوم أن كانت بعض العقول تنظر للشبيبة على أنها تهمة لكل متخاذل في مجتمعنا، فاستطاع ومن معه تغيير الحال، أما اليوم فيرقص على الخطوط الحمراء عبر قناة حكومية ولم يسقط.
ومن خلال نافذته التلفزيونية برنامج «نوافذ» على قناة «الإخبارية»، يتناول المذيع الشاب أكثر القضايا الاجتماعية سخونة كتلك المتصلة بالفقر والبيروقراطية في بعض المؤسسات الحكومية، وانتحار الفتيات، حتى أطلق عليه عدة ألقاب كـ«بعبع الوزارات» و«صحافي المساكين» و«نصير الشباب». يقول الحسين: «كل لقب يطلق يحتل في قلبي مكانا عاليا؛ فالأول جاء لكشفنا مواطن الخلل في جهات حكومية التي أظهرناها من دون (ميك أب) وبروح لا تحمل إلا الصدق».
وارتبط الحسين بالمساكين بعد عدة حلقات، أبرزها قصة أم إبراهيم، التي تعول 5 فتيات ولا تجد ما تأكل، ومأساة عبد الله، الرجل الذي يعاني الوزن المفرط، وقصة سعيدة، الفتاة اليائسة التي تعرضت للعنف وحاولت الانتحار مرارا. ويقول: «لقد تراكمت على تجاعيد وجوه هؤلاء، وقطعات عروقهم، وحيرة أعينهم، كل ما يمت إلى قيمي ومهنيتي بصلة، كلهم يبحثون عن أصواتهم ولا يجدونها، ضاعت حروفهم بين هدير سياراتنا وجعجعة تنميتنا».
وحول ارتباطه بشريحة واسعة من جمهور الشباب يقول: «هذا أمر متأصل في ذاتي منذ أن كنت في برنامج (شباب) قبل 9 سنوات، وحيث كنا نصدح بقضايا الشباب.. قضايا الجيل الجديد بهمومه ومشاكله التي لا تجد من يصورها بواقعية».
ويطرح البرنامج القضايا من خلال 3 قصص تشابه إلى حد كبير ما تتضمنه صفحات المنوعات في الجريدة المقروءة؛ حيث تُعرض في كل أسبوع أبرز 3 قصص تثير الرأي العام السعودي تجمع بين الغرابة أو البعد عن المألوف، يتم طرحها بطريقة حديثة سواء في النقاش أو العرض المرئي الذي يوثق تصويريا من خلال جولات ميدانية، واستضافة مختص لكل قضية يتم طرحها للنقاش.
ومن مقاعد الدراسة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، حيث درس أصول الدين، يصف الحسين الصدفة التي قادته نحو الإعلام بأنها صدفة ثم وظيفة تحولت في أعماقه إلى مهنة تعطيه غايتها ويبرر من خلالها وسيلته: «أردت من برنامج (نوافذ) أن يستنشق من خلاله الآخرون الهواء. هناك تفاصيل صغيرة وكبيرة تقلق مجتمعنا السعودي حينا وتؤلمنا آخر وتلهمنا في بعضها، أردت أن أرصدها بأصوات أصحابها وشحوبهم وتجاعيد وجوههم».
ويتابع المذيع: «أخبرني أحد الأصدقاء، ذات جمعة، وعلى مائدة قهوة عربية تفوح بالهيل، أن هناك وظائف للمذيعين أعلنت وزارة الثقافة والإعلام عنها، فاتجهت يوم سبت قائظ نحو الوزارة للتقديم في الوظيفة، فإذا بالوقت قد انتهى إلا من موظف شهم عاد أدراجه فأخذ ملفي كآخر المتقدمين، شهامة منه لعدم خذلاني.. فتقدمت واجتزت الاختبار». وحول دراسته لأصول الدين يقول: «لقد تعززت لديَّ القيم الإسلامية الحقة، كالعدالة الاجتماعية، وإنصاف المظلوم، وأكسبتني مهنيا التأصيل اللغوي وتقويم اللسان بالقرآن». إلا أن مشاهداته للقنوات القنوات الدينية ضئيلة «شخصيا، القنوات الدينية لا تستهويني، مشكلة أرى أن البعض منها يجنح نحو التعصب، والتمترس برأيه، وتهميش الجميع، فتفقد الحياد الديني على الأقل، ناهيك عن المهنية المتدنية؛ حيث أغلب العالمين فيها رجال دين وليسوا إعلاميين».
وعن السر في عمل توازن بين موضوع جريء وتقديمه بطريقة غير مستفزة تسمح بمروره عبر الشاشة، يقول: «مشكلة الخطوط الحمراء أنها لا لون لها، تتغير بفهم المسؤول فتضيق الدائرة وتتسع حسب وجهة نظره. لن أدعي بطولة ولن أزعمها، استطعنا أن نرقص على الخطوط الحمراء بتوازن وجموح. الوقت لم يعد يسمح للطرح البارد التقليدي والأسئلة التافهة، تغيرت المفاهيم في وقت قصير، الإعلام الحكومي العربي إن لم يغير منهجيته فسيكون نشازا ويخسر ثقة المتلقي، في واقع الحال الإعلام الحكومي العربي يسير نحو هوة سحيقة، أقسم إن برامج الهواة في (يوتيوب) تفوقت على 90% من إنتاج برامج التلفزيونات الحكومية». ومع تزايد هجرة المذيعين السعوديين للقنوات الفضائية العربية المجاورة يقول: «أجد في قنوات التلفزيون السعودي مسؤولية ومتسعا يمكنانني من القيام بمهام عملي على أكمل وجه. فمشكلة القنوات الخاصة أنها تريدني أن أذهب لدبي أو بيروت أو الدوحة، وأنا لا أستطيع مغادرة الرياض بسبب التزاماتي الخاصة، وحقيقة لا تغريني القنوات الخاصة».
وبعيدا عن الشاشة يعتبر المذيع الشاب أنه «كائن اجتماعي بالفطرة، أمارس هذا الدور بامتياز ولله الحمد، فخليط من الابتسامة والمرح والمواقف يصنع لك محيطا رائعا من الأصدقاء».
وحول أن أكثر المواضيع جدلا وسخونة هي التي غالبا ترتبط بالمرأة كعمل النساء «كاشيرات» والرياضة النسائية والقيادة، يقول: كثير من الدول الإسلامية لديها رياضات نسائية، بل إن بعض الرياضات النسائية ذات زي محتشم أكثر حشمة من بعض أزياء مسلسلاتنا الخليجية. وعمل المرأة كاشير عمل نبيل، أتمنى أن تمارسه كل من تقتنع به دون منع من أحد، كما أتمنى أن يتم سن قوانين عاجلة لحماية من تريد من النساء قيادة سيارتها لاصطحاب أطفالها للمدرسة أو الذهاب إلى عملها.
ويؤكد أن برنامجه الذي يطمح إليه لم يأتِ بعد، كما يطمح إلى إكمال دراسته العليا في الإعلام «لكن الممارسة المهنية تشغلني عنها في وقتي الحاضر».